ترجمة وتحرير: نون بوست
كان خالد البكور، البالغ من العمر أربع سنوات، يحاول الاختباء في غرفة نومه مع اثنين من إخوته لتجنب هجمات الطائرات الحربية السورية عندما سقطت جدران المنزل الخرساني عليهم ودفنته تحت الأنقاض. بدأ إخوته في الصراخ، فهم أصغر من أن يفعلوا له أي شيء، وظلوا يراقبون ما تبقى من منزلهم في معرة النعمان، جنوب مدينة إدلب.
بكى الإخوة وصرخوا قائلين “ساعدونا، ساعدونا في سبيل الله”. وعندما وصل رجال الإنقاذ التابعين للخوذ البيضاء- وهم أعضاء فريق الدفاع المدني الذي يعمل في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في سوريا- إلى الموقع حاولوا يائسين إزالة القطع المتناثرة من الحجارة للعثور على أخيهم. وبعد أن أنقذ من المبنى، نقل خالد إلى مستشفى قريب، وذلك بعد الهجوم.
وفي حديثه إلى موقع “ميدل إيست آي” يوم الخميس، قال والد خالد: “ابني يعاني من كسرين وفقدان جلده وعضلات يده اليسرى. لقد فقد أحد أصابعه وأخبرني الأطباء أنه سيفقد إصبعا آخر. وبالأمس، خضع خالد لعملية جراحية، كما تعرض لفقدان الجلد وعضلات وكسر حاد في قدمه اليمنى”.
استهداف المدارس
في الواقع، يعد خالد آخر طفل وقع ضحية تصاعد الهجمات التي شنتها القوات السورية والروسية على محافظة إدلب منذ أواخر نيسان/ أبريل الماضي، حيث يُقتل طفلان في المتوسط وتستهدف مدرسة على الأقل كل يوم، وذلك وفقًا لأعضاء الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
تجدر الإشارة إلى أن الطائرات الحربية السورية والروسية تحلق باستمرار فوق المنطقة، ويتزامن ذلك مع جهل السكان بالمكان الذي سيستهدفه الهجوم التالي أو المدرسة التي قد تتعرض للضرب
علاوة على ذلك، تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إنه خلال الفترة الممتدة من 26 نيسان/أبريل إلى 27 حزيران/ يونيو 2019، قُتل ما لا يقل عن 518 مدنياً في إدلب، بما فيهم 128 طفلاً و97 امرأة، وأصيب ما لا يقل عن 1612 مدنياً. وأخبرت المنظمة موقع “ميدل إيست آي” أن التحالف الروسي السوري قد استهدف أيضًا 77 مدرسة.
في هذا الصدد، قال فاضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لموقع ميدل إيست آي: “إننا نؤكد أن استهداف المدارس بالصواريخ الموجهة عملية ممنهجة من قبل قوات دمشق وحلفائها. كما أن المدارس محمية بموجب القانون الدولي، والاستهداف المتعمد لها يعد جريمة حرب”.
تجدر الإشارة إلى أن الطائرات الحربية السورية والروسية تحلق باستمرار فوق المنطقة، ويتزامن ذلك مع جهل السكان بالمكان الذي سيستهدفه الهجوم التالي أو المدرسة التي قد تتعرض للضرب. وفي هذا الصدد، أضاف عبد الغني قائلا: “لقد قُتل الأطفال في مقاعدهم واستُهدف آخرون في رياض الأطفال بشكل ممنهج لغرس الفوضى والذعر وإجبار الناس على العودة إلى سلطة دمشق أو العيش دون خدمات ومرافق. وتهدف دمشق إلى وقف العملية التعليمية ودفع الأطفال للانضمام إلى صفوف المقاتلين وبناء جيل غير متعلم يسيطر عليه الجهل”.
“تحطيم معنويات المدنيين”
بعد أن سيطرت دمشق على محافظات درعا وحمص وريف دمشق، نزح مئات الآلاف إلى محافظة إدلب، حيث يبلغ عدد السكان الآن حوالي ثلاثة ملايين نسمة. وفي أواخر سنة 2018، أدى اتفاق أجري في سوتشي بين الرئيسين التركي والروسي إلى إحباط الهجوم المتوقع على إدلب من قبل القوات السورية الموالية للحكومة. بيد أنه منذ أواخر نيسان/ أبريل، هاجمت القوات السورية والروسية مرارًا وتكرارًا الأجزاء الجنوبية من محافظة إدلب والأجزاء المجاورة لها من حماة واللاذقية.
قال العميد أحمد رحال، المحلل والخبير العسكري الذي انشق عن الحكومة السورية: “إن تسعين بالمائة من العمليات العسكرية والهجمات التي تقودها دمشق وموسكو ضد المدنيين هي محاولة للضغط على المقاتلين”
في الحقيقة، تقع المنطقة المستهدفة من الهجوم في معظمها تحت سيطرة حياة هيئة تحرير الشام التابعة لتنظيم القاعدة. وتقول وسائل الإعلام السورية الرسمية إن التصعيد يهدف إلى استهداف “الجماعات الإرهابية” الموجودة في المنطقة. وخلال أقل من شهرين في إدلب، بالإضافة إلى استهداف 77 مدرسة، أخبرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان “ميدل إيست آي” أن الهجمات التي شنتها القوات السورية والروسية استهدفت 33 منشأة طبية و46 دار للعبادة وثلاثة معسكرات.
في هذا المعنى، قال العميد أحمد رحال، المحلل والخبير العسكري الذي انشق عن الحكومة السورية لموقع “ميدل إيست أي”: “إن تسعين بالمائة من العمليات العسكرية والهجمات التي تقودها دمشق وموسكو ضد المدنيين هي محاولة للضغط على المقاتلين. وفي الحقيقة، يهدف الاستهداف الممنهج للبنية التحتية إلى التسبب بأكبر قدر ممكن من الدمار وتحطيم معنويات المدنيين وقطع جميع خدماتهم”. وأضاف رحال: “تهدف هذه العمليات العسكرية إلى التسبب في صدمة، وخلق شعب يائس يضغط على المتمردين لوقف القتال، مثل ما حدث في درعا، التي تسيطر عليها دمشق الآن”.
الأطفال المشرّدين
في وقت سابق من هذا الشهر، وخلال مؤتمر صحفي لمجلس الأمن حول الوضع في إدلب، ندد المنسق السياسي للبعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، رودني هانتر بالأنشطة السورية والروسية في المحافظة. وقد صرّح هانتر قائلا: “نحتاج إلى وقف تام وفوري لهذا التصعيد العنيف من جانب جميع الأطراف ولاسيما قوات نظام الأسد والاتحاد الروسي في محافظة إدلب وما جاورها”.
تقول فاطمة البالغة من العمر سبع سنوات: “لا أستطيع إكمال دراستي. تتعرّض مدرستي وباقي المدارس للهجوم”
يواصل هانتر حديثه بالقول: “إن التصعيد العسكري من قبل النظام غير مقبول نظرا لأنه يشكل تهديدًا متهورًا وغير مسؤول لأمن واستقرار هذه المنطقة”. بالإضافة إلى مقتل وإصابة الأطفال بسبب اشتداد العنف، فقد العديد من الأشخاص على غرار خالد منازلهم وتقلّصت فرصهم في التعليم.
وفقًا لمنظمة اليونيسف: “يأتي التصعيد الأخير عقب أشهر من العنف المتصاعد في المنطقة، والذي أدى إلى تشريد 125 ألف طفل على الأقل منذ بداية السنة. لقد تعرض حوالي 30 مستشفى للهجوم، وقد بلغ عدد الأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس 43 ألف طفل، كما وقع تأجيل الاختبارات النهائية في العديد من المناطق في إدلب، مما تسبب في التأثير على 400 ألف طالب”.
تجلس فاطمة البالغة من العمر سبع سنوات بين أشجار الزيتون في مخيم واقع في شمال إدلب ممسكة بهاتف والدتها المحمول. لقد عانت الطفلة من التشريد رفقة عائلتها من جنوب المقاطعة بسبب تصاعد العنف مؤخرا. حيال هذا الشأن، صرّحت فاطمة لميدل إيست آي قائلة: “لا أستطيع إكمال دراستي. تتعرّض مدرستي وبقية المدارس للهجوم”.
المصدر: ميدل إيست آي