أزمة خانقة تواجهها أفلام العيد المعروضة داخل دور السينما المصرية موسم الصيف الحاليّ، تتمثل ملامحها في عزوف جماهيري غير مسبوق، أسفر عن تراجع واضح في الإيرادات، يعرّض مستقبل منتجي تلك الأفلام للخطر، في ظل مستجدات محلية لم توضع في الحسبان عند عرض تلك الأعمال.
وعلى عكس البدايات التي كانت مشجعة للغاية تزامنًا مع عيد الفطر، تلك التي حققت إيرادات بعضها كان الأعلى في تاريخ السينما المصرية على مدار اليوم الواحد، لكن سرعان ما انحصر المشهد رويدًا رويدًا، ليسحب الستار يومًا تلو الآخر من تحت أقدام شاشات العرض لحساب جهات أخرى في مقدمتها ملاعب كرة القدم.
بات من الواضح أن القائمين على إنتاج هذه الأعمال التي تكلفت مبالغ طائلة لا سيما فيلمي الممر وكبلانكا، لم يضعوا في حساباتهم بعض الظروف والمستجدات التي يواجهها الشارع المصري وربما تؤثر على الإقبال الجماهيري على الأفلام المعروضة، لا سيما أن الموسم هذا العام يختلف عن نظيره في الأعوام السابقة.
انطلاق بطولة الأمم الإفريقية التي تحتضنها الملاعب المصرية في الفترة من 21 من يونيو الحاليّ وحتى 19 من يوليو المقبل، واستمرار امتحانات الثانوية العامة، الكابوس الذي يؤرق مضاجع الأسر المصرية، يأتي على رأس العوامل التي أدت إلى العزوف الجماهيري الواضح عن دور العرض السينمائية، الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية لمنتجي أفلام عيد الفطر الذين لم يغطوا بعد كلفة الإنتاج على أقل تقدير، خاصة أن المنافسة ستكون قوية مع انطلاق أفلام عيد الأضحى التي تأتي بعد أيام قليلة من انتهاء البطولة الكروية.
تراجع الإيرادات
حققت الأفلام الخمس الأكثر تصدرًا للموسم الحاليّ إجمالي إيرادات تقدر بنحو 144 مليون جنيه، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من بداية العرض، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم خلال الأيام المقبلة وإن كان بنسب طفيفة لا تتناسب وحجم توقعات وطموحات المنتجين.
من الملاحظ أنه وحتى كتابة هذه السطور لم تغط أي من تلك الأعمال كلفة إنتاجها، وإن كان الأقرب فيلم “كازابلانكا”بإجمالي إيرادات بلغت 58.000.869 جنيه، مقتربًا بصورة كبيرة من الوصول إلى نفقات عملية الإنتاج البالغة قرابة 60 مليون جنيه.
الفيلم من بطولة أميرة كرارة وغادة عادل وإياد نصار وعمرو عبد الجليل ولبلبة ومحمود البزاوي وأحمد داش والتركي هاليت أرجنش، ومن تأليف هشام هلال، وإخراج بيتر ميمي، وإنتاج وليد منصور، واستطاع على مدار الأسابيع الماضية تصدر المشهد منذ اليوم الأول رغم المنافسة القوية من فيلم “الممر”.
يتذيل القائمة منذ اليوم الأول لانطلاق الموسم الصيفي هذا العام العمل الكوميدي “محمد حسين” الذي بلغ إجمالي ما حققه من إيرادات 3.849.560 جنيه
يأتي في المرتبة الثانية العمل الأكثر ترويجًا وتسويقًا من كل أجهزة الدولة، الرسمية وغير الرسمية، فيلم “الممر” الذي يجسد بطولات الجيش المصري خلال حرب الاستنزاف في الفترة من 1967-1969، واستطاع أن يحقق إجمالي إيرادات بلغت 44.361.237 جنيه.
جدير بالذكر أن هذا العمل من تأليف وإخراج شريف عرفة، وشارك في كتابة حوار الفيلم وألف الأغاني الشاعر أمير طعيمة. من بطولة أحمد عز وأحمد رزق وإياد نصار وأحمد فلوكس ومحمد فراج وأحمد صلاح حسني ومحمد الشرنوبي ومحمد جمعة ومحمود حافظ وأمير صلاح الدين وأسماء أبو اليزيد، وقد بلغت كلفة إنتاجه 90 مليون جنيه، الأمر الذي يضع منتجي العمل في مأزق حقيقي لاتساع الفارق بين كلفته والإيرادات المحققة حتى الآن رغم الجهود المبذولة لتسويقه.
ثم يأتي ثالثًا الفيلم الكوميدي “سبع البرمبة” بإجمالي إيرادات وصلت 23.876.425 جنيه، العمل بطولة رامز جلال وجميلة عوض ومحمد عبد الرحمن وبيومي فؤاد ومحمد ثروت ومها أبو عوف، تأليف لؤي السيد وإخراج محمود كريم. وتدور أحداثه في إطار كوميدي اجتماعي، عن شخص ينتحل شخصية ضابط شرطة من أجل الوصول للفتاة التي يحبها.
فيما يحل في المرتبة الرابعة العمل الأضخم إنتاجيًا حتى الآن “حملة فرعون” الذي بلغت فاتورة إنتاجه قرابة 100 مليون جنيه، بينما لم تتجاوز إيراداته 14.364.044 جنيه في أول أسبوعين له في دور العرض، العمل بطولة عمرو سعد وروبي ومحمود عبد المغني وحمدي الميرغني ومحمد لطفي ورامز أمير، وبمشاركة الملاكم العالمي مايك تايسون، وهو من إخراج رؤوف عبد العزيز، وإنتاج محمد السبكي.
ويتذيل القائمة منذ اليوم الأول لانطلاق الموسم الصيفي هذا العام العمل الكوميدي “محمد حسين” الذي بلغ إجمالي ما حققه من إيرادات 3.849.560 جنيه، الفيلم بطولة محمد سعد وسمير صبري ومحمد ثروت ومي سليم وفريال يوسف وبيومي فؤاد وويزو وحمدي الوزير ومن إنتاج أحمد السبكي وإخراج محمد على.
الكرة والثانوية العامة.. كلمتا السر
ثلاثة أسباب رئيسية وراء الأزمة التي تحياها أفلام عيد الفطر، تسببت في تراجع معدل الإيرادات في ضوء غياب الجماهير وانطفاء الحملة الدعائية التي صاحبت الأعمال بداية عرضها قبل 3 أسابيع تقريبًا وفق ما ذهب إليه عدد من النقاد والمحللين.
تتصدر تلك الأسباب، بطولة الأمم الإفريقية التي تستضيفها مصر الفترة الراهنة، تلك البطولة التي نجحت في الاستحواذ على النسبة الكبرى من رواد دور العرض من فئة الشباب على وجه الخصوص، هذا بخلاف التركيز الإعلامي الكبير عليها من أجهزة الدولة كافة.
مع انطلاق البطولة الإفريقية تعرضت دور العرض لهزة عنيفة وصلت في بعض الأحيان إلى تأجيل عروض بسبب عدم وجود مشاهدين
تعدد مباريات البطولة التي تقام في أربع مدن مصرية أثر بشكل كبير على حجم الإقبال على الحفلات المسائية في دور السينما، وهو ما أكد عليه ناصر حجازي، مدير إحدى دور العرض السينمائية الذي أشار إلى تراجع ملحوظ في عدد رواد الأفلام منذ انطلاق البطولة في 12 من يونيو الحاليّ.
حجازي لـ”نون بوست” كشف أنه رغم ارتفاع أسعار تذاكر السينما عن السنوات الماضية فإن الأقبال كان كبيرًا في الأيام الأولى للعرض، خاصة فترة إجازة عيد الفطر، مرجعًا ذلك إلى الدعاية المكثفة التي وجهت لبعض الأعمال على رأسها “الممر” و”كازابلانكا” والحرب الدائرة بينهما بصفتهما تنافس بين جهازي المخابرات العامة والحربية على كسب أكبر عدد من الجماهير.
وأضاف أنه ومع انطلاق البطولة تعرضت دور العرض لهزة عنيفة وصلت في بعض الأحيان إلى تأجيل عروض بسبب عدم وجود مشاهدين، الأمر الذي يراه كارثيًا على المنتجين خاصة أن الموسم الحاليّ يتسم بالقصر مقارنة بالمواسم الأخرى نظرًا لعدد من الأسباب الأخرى.
الإقبال الجماهيري على بطولة إفريقيا أثر على دور العرض السينمائية
ثم تأتي امتحانات الثانوية العامة التي انطلقت قبيل العيد وتستمر حتى الأول من يوليو القادم لتلقي هي الأخرى بظلالها القاتمة على مسألة تراجع الإيرادات للأعمال المعروضة، فكعادة البيوت المصرية تعلن في هذه الفترة من كل عام حالة الطوارئ القصوى، حيث يتحول المنزل إلى مسرح للمذاكرة وتلقي الدروس وفقط، وتلجأ بعض العائلات التي يوجد أحد أبنائها في الثانوية إلى إغلاق كل أدوات الترفيه بما فيها التلفاز والكمبيوتر، ومن ثم لا مجال للحديث عن الذهاب لدور السينما أو مشاهدة أي من الأفلام.
العامل الثالث الذي ذهب إليه البعض هو انحسار الموسم الصيفي، فبعد الانتهاء من امتحانات الثانوية العامة والبطولة الإفريقية لا يتبقى سوى أيام قليلة فقط على موسم عيد الأضحى، حيث تستعد بعض الأفلام للطرح في هذه الفترة، ومن ثم يتوقع أن تسحب البساط من تحت أفلام عيد الفطر.
بعض المنتجين فطنوا إلى هذه المسألة مبكرًا، وهو ما حدث مع فيلمي “الكنز 2” و”الفيل الأزرق 2″، حيث تم تأجيلهما لموسم عيد الأضحى، في محاولة لإيجاد متسع من الوقت يعطي فرصة لبقائهما أطول فترة ممكنة، لأنهما من نوعية الأفلام التي تجذب الجمهور، وتستغل قصص التشويق، اعتمادًا على الأجزاء المجمعة التي تحاول أن تجد لنفسها مكانًا في سوق السينما بعد نجاح أول جزء من كل منهما.
وفي المجمل ورغم المأزق الذي بات فيه منتجو أفلام العيد فإن أمامهم فسحة من الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر تنشيط وسائل الدعاية والتسويق مرة أخرى، ومحاولة الوصول للجمهور المستهدف في أي مكان، ومزاحمة البطولة الإفريقية في الحضور الجماهيري، هذا بخلاف استغلال الفترة التي تتأرجح بين نهاية البطولة وبداية عيد الأضحى لتعويض كلفة الإنتاج الباهظة.