خطفت الأزمة الإيرانية الأضواء من كل قضايا الشرق الأوسط وسيطرت مع الصين وروسيا على أسئلة وإجابات المناظرة الأولى لمرشحي الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة كأحد أبرز التحديات الخارجية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، هذا فيما غابت قضايا الشرق الأوسط والعلاقات مع تركيا و”إسرائيل” تمامًا عن المناظرة، مع ذكر عابر للحرب على اليمن وتذكِرَة بالحرب على العراق والقاعدة سابقًا في سياق الاستدلال بهما على الحاضر.
الحديث عن الأزمة والتوتر مع إيران كان مسيطرًا بشكل أكبر في اليوم الأول، حيث أتى ذكرها بشكل مباشر وفي أكثر من موضع، ربما كان هذا بسبب الجدل الذي أشعله السيناتور كوري بوكر، أحد أبرز المرشحين حتى الآن وصاحب الموقع المتقدم في استطلاعات الرأي، فبوكر هو الوحيد من بين المرشحين العشر في الليلة الأولى من المناظرة الذي أجاب بالسلب عن سؤال: من الذي كان سيوقع على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 لو كان رئيسًا آنذاك، فيما أجاب الآخرون بالإيجاب، مع استطراد من إيمي كولبيتشر السيناتور عن ولاية مينيسوتا.
بوكر رغم انتقاده لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني فإنه ذهب بأنه لن يعود إليه بنفس الشكل السابق بل سيعيد التفاوض بشأنه، لا سيما أن التهديد الإيراني يذهب إلى مدى أبعد، قائلاً إنه يضع أمن الشعب الأمريكي أولاً، وهو ما اعتبره بعض المحللين الأمريكيين ترديدًا لأحاديث ترامب.
تولسي جابرد النائبة عن ولاية هاواي كانت صاحبة الموقف الجذري الأبرز في رفض الحرب على إيران في اليوم الأول، داعية للعودة بشكل مباشر وسريع إلى اتفاق 2015 والسعي إلى تطويره إذا لم يكن ممتازًا من جانب تطوير الصواريخ
من جانبها تطرقت كولبيتشر إلى ما طرحته سابقًا أنها ترغب حال كونها أصبحت رئيسة، في إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني الذي وصفته بأنه لم يكن ممتازًا وإن كان جيدًا في حينها، داعية للتفاوض مرة أخرى لكن بالتعاون مع شركاء الولايات المتحدة لعدم إعطاء أي نفوذ لروسيا أو الصين، واعتبرت كولبيتشر أن إيران التهديد الأكبر الحاليّ للولايات المتحدة الأمريكية.
تولسي جابرد النائبة عن ولاية هاواي كانت صاحبة الموقف الجذري الأبرز في رفض الحرب على إيران في اليوم الأول، داعية للعودة بشكل مباشر وسريع إلى اتفاق 2015 والسعي إلى تطويره إذا لم يكن ممتازًا من جانب تطوير الصواريخ، فجابرد المعروفة بمناهضتها للحروب بعد مشاركتها في حرب العراق ترى أن تكلفة الحرب على إيران ستكون أكبر بكثير من الحرب على العراق وستفاقم أزمة اللاجئين، ومع تأكيدها أن الخط الأحمر هو استهداف الجيش الأمريكي الذي يستوجب الرد، فإنها ترى أن ترامب وفريقه مسؤولون عما آلت إليه الأمور.
الليلة الثانية للمناظرة التي ضمت النصف الثاني من المرشحين، جاء الحديث فيها عن المسألة الإيرانية بشكل أقل كثيرًا، فلم يعتبر أحد إيران أكبر التهديدات للولايات المتحدة، وذهب أحد أبرز المرشحين السيناتور برني ساندرز إلى أنه سيفعل أي شيء لتجنب الحرب مع إيران، فيما أكد جون بايدن نائب الرئيس السابق أوباما ندمه على تصويته للحرب على العراق في رد على سؤال عن الثقة في قراراته عن احتمالية حرب سابقة، في تأكيد ضمني لتكرار ما قاله سابقًا بأنه ليس مع الحرب ضد إيران.
السيناتور عن ولاية نيويورك كريستن جيليبراند، كانت آخر المشتبكين مع الشأن الإيراني، ذاهبة إلى أهمية إشراك إيران في تحقيق الاستقرار وتجنب اندلاع حرب لن تتوقف، في إشارة منها لرفض الحرب مع إيران أو المضي قدمًا في العداء معها.
لم يتكرر اسم السعودية إلا مرتين الأولى في الليلة الأولى حينما اتهمتها النائبة تولسي جابرد بأنها الدولة التي تدعم القاعدة في سياق جدلها مع تيم رايان النائب عن ولاية أوهايو عن نشر القوات الأمريكية في أفغانستان
وكان طبيعيًا أن يكون الشأن الإيراني مطروحًا على طاولة النقاش بقوة، فعلى مدى ما يقرب من شهرين ترقب الأمريكيون مع العالم ردود الفعل الأمريكية على ما يجري في الخليج من توترات واستهداف لناقلات نفط من أطراف لا تريد تسمية نفسها، في ظل توتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية على خلفية انسحاب ترامب بشكل منفرد من اتفاق مجوعة 5+1 في مايو/آيار 2018 وفرض عقوبات جديدة على طهران، الأمر الذي دفع طهران للتهديد بالعودة لتخصيب اليورانيوم للحدود القصوى، الأمر الذي انتهى بتهديد ترامب بشن حرب على طهران ثم إسقاط طهران “للدرونز الأمريكية”.
لم تكن أي من قضايا الشرق الأوسط الأخرى حاضرة في النقاش، ولم يتكرر اسم السعودية إلا مرتين الأولى في الليلة الأولى حينما اتهمتها النائبة تولسي جابرد بأنها الدولة التي تدعم القاعدة في سياق جدلها مع تيم رايان النائب عن ولاية أوهايو عن نشر القوات الأمريكية في أفغانستان، وهو موقف متوقع من جابرد التي التقت بشار الأسد وعارضت إزاحته من السلطة، والمرة الثانية حينما تحدث ساندرز عن جهوده لإخراج وإبعاد أمريكا عن التدخل السعودي بالحرب في اليمن التي وصفها بأنها أكبر كارثة إنسانية على الأرض.
هذا فيما جاء ذكر العراق مرتبطًا بالحرب عام 2003 وكدرس سياسي يحذر من خلاله المرشحين من مغبة التورط في حروب أخرى أو للمعايرة السياسية كما جرى الحال مع جو بايدن.
ومن ثم فقد سيطرت القضايا المحلية كالرعاية الصحية والهجرة والحدود وغياب العدالة الاقتصادية بشكل أكثر تفصيلاً، حتى من خلال أسئلة المحاورين، على مجريات المناظرة ولعل الشأن السوري أو العلاقات الخارجية تحظى بقدر أكبر في المناظرات الـ11 المتبقية التي ستكون أولها في مدينة ديترويت نهاية يوليو/تموز القادم.