تشترك محافظة نينوى بحدود مع سوريا وتقترب من مثلث الحدود السوري – التركي – العراقي عند النقطة التي يدخل منها نهر دجلة الأراضي العراقية، كما تشترك بحدود مع 5 محافظات عراقية هي: دهوك وأربيل “كردستان” وكركوك كمنطقة تصنف “متنازع عليها” وصلاح الدين والأنبار المرتبطتين مع الموصل بمنطقة الجزيرة الوعرة التي تعتبر متوترة وتشهد تحركات لعناصر داعش التي لا يمكن السيطرة عليها بسهولة.
لمحافظة نينوى 9 أقضية غير مستقرة ومتوترة وذات تركيبة ديمغرافية هشة ومعقدة ومشاكل أمنية وحدودية استغلتها قوى دولية ومحلية لتحقيق مصالحها، فالصراع في محافظة نينوى وعلى الحدود العراقية – السورية هو صراع جيوبوليتيكي يتعلق بالجغرافيا والموارد وينعكس على شكل صراع جيوإستراتيجي بين فواعل وقوى سياسية وميليشيات ومصالح دولية وإرهاب.
نقطة الضعف في أقضية ونواحي نينوى المحيطة بالموصل هي التركيبة الديمغرافية المتنوعة مذهبيًا ولغويًا ودينيًا وعرقيًا، ففي قضاء تلعفر يقطن التركمان المنقسمون بين السنة والشيعة، أما في سنجار فيوجد اليزيديون والمسيحيون والعرب والكرد، وفي مناطق سهل نينوى الذي يضم أقضية ونواحي الشيخان والحمدانية ومخمور وتلكيف يقطنها أغلبية مسيحية بالإضافة للعرب والتركمان.
هذه المناطق تنتشر فيها الميليشيات من كل لون ديني أو مذهبي ومعظمها متعاون مع ميليشيات الحشد الشعبي التي دخلت المنطقة قبل عامين، وهذه المناطق تحتوي على احتياطات من النفط والغاز والغاز المصاحب كحقول بطمة والقيارة وساسان وغيرها وهذه الحقول تظهر ارتباطها بالبنى التحتية لأنابيب تصدير النفط الحاليّة إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط والأنابيب المقترحة لتجهيز الدول الإقليمية بالغاز الطبيعي عبر الشمال.
أظهرت أحداث ما بعد 2014 من سيطرة داعش على الموصل وما حولها ودخول ميليشيات ولاعبين جدد إليها وزيادة التحركات العسكرية أن لمحافظة نينوى بُعدًا جيوبوليتيكيًا مؤثرًا في معارك النفوذ وخريطة الصراعات المحلية والدولية
محافظة نينوى أرض منبسطة تقع بين مناطق جبلية والمناطق المنبسطة الصالحة للحركة في غرب ووسط العراق وهذا التوازن يعطي دورًا وفاعلية في النشاط الاقتصادي والعسكري لأصحاب المصالح الإقليمية والدولية، كما تعتبر المحافظة بوابة العراق الشمالية وقناته التاريخية البرية للوصول إلى الأسواق العالمية عبر شبكات النقل البرية والمواصلات الرابطة بين الخطوط الدولية كخط ديار بكر – جنوب تركيا – حلب السورية – ثم إلى العالم الخارجي، ومجموعة طرق برية أخرى كخط البصرة – بغداد – الموصل – زاخو – تركيا.
من جهة أخرى، تمر في المحافظة أنابيب تصدير النفط الشمالية خط كركوك – جيهان التركي بطاقة تصدير مليون ونصف برميل يوميًا، كما أن هناك مشاريع للغاز مقترحة كخط إيران – العراق – سوريا وخط مصر – الأردن – سوريا – العراق – تركيا إلى أوروبا، بالإضافة إلى مشروع الصين الضخم “الطريق والحزام” الذي سيمر خلال هذه المناطق وفي جميع الأحوال ستكون مناطق محافظة نينوى والحدود العراقية – السورية قناة مهمة لهذه المشاريع وغيرها.
لقد أظهرت أحداث ما بعد 2014 من سيطرة داعش على الموصل وما حولها ودخول ميليشيات ولاعبين جدد إليها وزيادة التحركات العسكرية أن لمحافظة نينوى بُعدًا جيوبوليتيكيًا مؤثرًا في معارك النفوذ وخريطة الصراعات المحلية والدولية على المشاريع الاقتصادية والسياسية ومشاريع الطاقة وطرقها المستقبلية، فقد انسحبت قوات البيشمركة الكردية من بعض المناطق عند دخول داعش، ثم سيطر “حزب العمال الكردستاني”pkk على قضاء سنجار ووجد منطقة تحصين جديدة يمكن ربطها بجبال قنديل، ووصولت ميليشيات الحشد الشعبي إلى تخوم كردستان بعد طرد داعش وفشل مشروع استفتاء انفصال كردستان عن العراق، كما أُنشئت قاعدتان عسكريتان تركيتان في ناحية بعشيقة ومحافظة دهوك، بالإضافة إلى الوجود العسكري الأمريكي بإنشاء قواعد عسكرية أمريكية على الحدود السورية – العراقية وجنوب الموصل في القيارة، زاد أهمية المنطقة وجعلها نقطة جغرافية تحت المجهر بالنسبة لمنافسي الولايات المتحدة كإيران روسيا والصين.
سارعت القوى ذات المصالح لدخول الساحة العراقية بعد سيطرة داعش، فتركيا سارعت لدخول العراق بالتنسيق مع العراق وإقليم كردستان خاصة بعد نزول حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل إلى جبل سنجار، في محاولة منها لتشكيل حاجز عسكري ضد تقدم محتمل وضمان وحماية التجارة التركية وإمدادات الطاقة
تعتبر سوريا – والعراق بدرجة أقل – محور الصراع في الشرق الأوسط خاصة على مشاريع الطاقة الأمريكية “الغاز” التي يمكن أن تكون بديلًا عن الغاز الروسي، لأن سوريا لديها احتياطات هائلة من الغاز تقدر بـ284 مليار متر مكعب والعراق لديه احتياطات نفطية وغازية تقدر بـ4.3 ترليون متر مكعب، إذ يمكن اعتبارهما ركيزتين أساسيتين لرفد مشاريع الطاقة المستقبلية الأمريكية عبر تركيا إلى أوروبا التي تمر عبر العراق بشبكة الطرق البرية.
لقد سارعت القوى ذات المصالح لدخول الساحة العراقية بعد سيطرة داعش، فتركيا سارعت لدخول العراق بالتنسيق مع العراق وإقليم كردستان خاصة بعد نزول حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل إلى جبل سنجار، في محاولة منها لتشكيل حاجز عسكري ضد تقدم محتمل وضمان وحماية التجارة التركية وإمدادات الطاقة، كما وجدت إيران فرصة للنفوذ في شمال العراق يتيح لها مرونة عالية للمناورة والتنافس في صراع المحاور الذي يشهده الشرق الأوسط والعراق في قلبه، ناهيك عن سعي إيران للسيطرة على الخط البري الرابط بين إيران والعراق وسوريا ولبنان لإمداد مشاريعها التي لا تخلو من أبعاد اقتصادية وتجارية خاصة بعد العقوبات المفروضة عليها.
أخيرًا، فإن ضعف السلطة المركزية في بغداد وغياب المشروع الوطني الذي يحدد ماهية الأولويات جعل محافظة نينوى مهملة وبعيدة عن الاهتمام مما دفع الكثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية لاستغلال وضعها وتوظيفه لمصلحتهم وجعلها أداة للمنافسة بين الفواعل الأخرى بعيدًا عن مصلحة المحافظة وأبنائها، وهو مؤشر خطير على استمرار عدم الاستقرار واحتمالية تغير ميزان القوى الدائم لصالح هذا الطرف أو ذاك مما يجعلها معرضة لحالة الفوضى بشكل مستمر وحصول اختراقات أمنية وخلافات وتنافس ينعكس سلبًا على مستقبل المشروع السياسي فيها.