ترجمة: عبدالله فايد*
عبد الفتاح السيسي – ضابط الجيش السابق الذي سيصبح قريبًا رئيسًا لمصر- يعد بأنه سيعالج أزمة الوقود الحرجة في مصر عن طريق استخدام مصابيح موفرة للطاقة في كل منزل، حتى لو عليه أن يبعث بموظف حكومي لكل منزل لكي يقوم بذلك.
“لن أترك فرصة للناس بأن يتصرفوا من تلقاء أنفسهم” كما قال السيد/ السيسي في أول و أشمل لقاء تليفزيوني له، “برنامجي سيكون إلزاميًا”.
“السيسي” منضبط وذو ميل واضح للاستبداد بالرأي، مُجمع تمامًا على أنه سيُصبح رئيس مصر القادم بعد الانتخابات التي ستتم يوم الإثنين المُقبل، وهو أصبح بالفعل صاحب القرار الرئيسي في مصر بعد أن انقلب الصيف الماضي على أول رئيس مُنتخب في تاريخ مصر السيد “محمد مرسي”.
الآن .. بعد أكثر من ثلاث سنوات على ارتفاع الآمال في قيام دولة ديموقراطية في مصر على إِثر الربيع العربي، انتقال السيد “السيسي” للرئاسة سوف يعيد مصر رسميًا للحكم الأبوي لرجال عسكريين أقوياء على منوال جمال عبد الناصر، أنور السادات، ومحمد حسني مبارك.
خلال صعوده إلى السلطة، وحملة انتخابية مختصرة لم تستغرق سوى ثلاثة أسابيع، أظهر “السيسي” أنه يرى في نفسه نموذجًا أبويًا يحمل قدرًا كافيًا من “السمو الأخلاقي” لجعله يقود ويصحح مسار تلك الأمة، وبيدٍ قاسية إن احتاج الأمر لذلك.
“هل تريدون أن تصبحوا أمة متقدمة؟” طرح السيد “السيسي” ذلك السؤال على المصريين في تسجيل مُسّرب من حوار شخصي مع صحفي من أهل الثقة، “هل ستتحملون أن أجعلكم تذهبون الى أعمالكم سيرًا على الأقدام”؟، “هل ستتحملون أن أجعلكم تستيقظون الساعة الخامسة صباحًا كل يوم”؟ “هل ستتحملون تقليل استهلاككم من الطعام وتقليل استعمالكم للتكييفات”؟
“يظن الناس أنني رجل لطيف .. السيسي عذاب ومعاناة”.
كأسلافه، أثبت “السيسي” كفاءة في توجيه مسار التاريخ المصري من خلف الستار، فقد تحالف مع الرئيس مرسي لينال منصب وزير الدفاع مند أقل من عامين، ثم انقلب على مرسي نفسه خلال الصيف الماضي، كان “السيسي” هو المهندس الذي يقبع خلف الستار لجنرالات الجيش المصري خلال احتجاجات عام 2011 – من خلال منصبه كرئيس للمخابرات الحربية – وانحاز هو ورفاقه إلى “الشعب” في وجه الرئيس مبارك، بينما قاموا هم بضمان بقاء الجيش مُستحوذًا على السُلطة.
بينما كان شبه مجهول حتى ما لا يزيد عن عشرة أشهر مضت، استطاع “السيسي” أن يجعل نفسه بطلاً قوميًا لقطاع عريض من الشعب – كل الإعلام الحكومي والخاص – لأنه يعد بالاستقرار والأمان بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات، الآن سيقوم هو برئاسة أكثر الدول العربية سُكانًا – وإلى حد كبير – أكثرها تأثيرًا أيضًا.
وقد أظهر السيد “السيسي” نوعًا من الحنين لسيطرة الدولة الناصرية على الاقتصاد التي مهدت لستة عقود من الجمود، و قد اقترح هو مشروعات حكومية لفرض انخفاضًا في الأسعار والأرباح، وأيضًا لزرع مساحات شاسعة من الصحراء، و قد أظهر بصراحة رؤية مُتلطفة للجماهير.
كما قال السيد “السيسي” صراحةَ لرفاقه من الضباط في تسجيل مُسرب من ديسمبر2012 إن “الجيش كأنه أخ كبير، أو أب عنده ابن فاشل إلى حد ما، ولا يستطيع فهم حقائق الحياة” في محاولة منه لإقناع الحاضرين بالصبر على الانتقادات الشعبية للجيش “هل يقتل الأب الابن؟ أم أنه دائمًا ما يكون ملاذًا له” قائلاً: “سوف أكون صبورًا حتى يفهم ابني حقائق الحياة “.
أمة مُنقسمة
ولكن إن شبّه المصريين بأسرته، فإنه سيقود أمة منقسمة بشدة، كما كان الحال تمامًا عندما تخلص من السيد “مرسي” وقام بسجنه، قامت قوات الأمن بقتل أكثر من ألف شخص من مؤيدي مرسي من الإسلاميين، وقامت بسجن عشرات الآلاف من الآخرين. الملايين يشعرون بالنفور التام والتهميش من الحكومة الجديدة، وأعمال العنف المتطرف في ازدياد.
الاقتصاد يقترب كثيرًا من الانهيار، ونظام غير كُفء من دعم الطاقة يُعجل باقتراب الخزانة من الإفلاس، لكن الأسعار المنخفضة للوقود أصبحت راسخة وسط المصريين لدرجة أن أي اصلاح قد يُفجّر الأوضاع، خلال عشرة أشهر، استهلكت الحكومة المصرية حوالي 20 مليارًا من المساعدات المالية من النُظُم المَلَكية الخليجية، وهي تعتمد على مليارات أخرى خلال السنين القليلة القادمةعلى الأقل.
ولكن “السيسي” غالبًا ما يشير إلى أن المشكلة ليست مسؤولية الدولة، بل فشلاً من الشعب نتيجة غياب المثابرة والمبادرة أو انحلال أخلاقي مُتسامح مع تحرش جنسي مُتفشي أو حتى الزيادة السُكانية المُضطردة.
وقد اشتكى إلى مجموعة من الأطباء الشُبان مؤخرًا إلى أن مصر لا تستطيع توفير لكل هؤلاء الناس نفس مستوى الخدمة الصحية الذي توفره لعائلات الضباط ولا أن تضمن تعليمًا أو فرص عمل، “لماذا؟ لأنه لا يوجد لدينا موارد”، بينما كان يصيح بالأطباء محاولاً إقناعهم بمزيدٍ من الكدح في مقابل مرتبات أقل.
في مقابل تحديات مختلفة، بدءًا من المظاهرات وصولاً إلى الفقر، حله الدائم هو زيادة قوة وسيطرة الدولة.
في مقابلة صحفية، تكلم عن فتح الجدار السحري لـ “القدرات الذاتية” للمصريين، ولكن عبر زيادة دور الدولة.
كمُتكلم .. يملك السيد “السيسي” كاريزما شعبوية، دائمًا ما يمدح المصريين بأنهم “السلطة المطلقة” التي جاءت به إلى السُلطة، في بعض الأحيان يتكلم بأسلوب شديد العاطفية لدرجة تقارب كونها “رومانسية” مُتغنيًا بأن المصريين هم “نور عيناي” مُستدعياً المقارنة مع “عبد الحليم حافظ” وهو مُغني مصري من المنتصف القرن العشرين من طراز “فرانك سيناترا”.
“السيسي عذب ولطيف وكأنه يغازل امرأة جميلة” كما قال “حسن نافعة” أستاد العلوم السياسية في جامعة القاهرة.
ولكن في الحوارات التليفزيونية، يقوم برفع صوته لتوبيخ أو تسكيت سائليه ويعد المصريين بنوع من الحب القاسي، “أنا لن أنام، وأنتم أيضًا لن تناموا، يجب علينا أن نعمل ليلاً ونهارًا دون راحة” كما قال في أحد الحوارات التليفزيونية.
وبالإضافة إلى المشروعات الحكومية العملاقة، سيجبر الشركات الخاصة على أن تُقلل أسعارها و أرباحها، وقد قام “السيسي” باقتراح توفير شاحنات للعاطلين عن العمل لتوصيل الخضروات إلى أسواق جديدة، ووعوده بزرع مساحات ضخمة من الصحراء وتوزيعها على صغار المزارعين شبيهة بخطط قد ناقشتها أو جربتها الدولة خلال عهدي الرئيسين مبارك والسادات.
“الدولة يجب أن تكون هي المُتحكمة هنا” كما قال في حوار مُتلفز، مُصرًّا على أن الدولة عليها أن “تخطط، تختار، وتنفد”.
لا مجال للمعارضة
يقول السيد “السيسي” إن من مهمة الرئيس أن يُحسّن من أخلاق العامة وأن يمثل “الدين بشكل صائب”، وقد ذكر بشكل فظّ أنه سيسير في الإجراءات القانونية تجاه الإهانات الشخصية له، وعلى الرغم من أن موجة من المظاهرات ضد السيد “مرسي” قد ساهمت في صعوده إلى السلطة، إلا أنه يُدافع عن المنع الفعلي الذي تقوم به السلطة الحالية تجاه المظاهرات.
“الأخطار القائمة أمام الدولة المصرية أكبر كثيرًا من مناقشة قانون التظاهُر”كما قال في أحد حواراته، “أي شخص يظن عكس ذلك فهو يريد أن يدمر مصر”.
لم يحاول السيد “السيسي” أن يظهر جماهيريًا خلال حملته للرئاسة، و قد خاض حملته الانتخابية عن بُعد (عن طريق حوارات تليفزيونية أو مؤتمرات عبر البث المباشر عبر الإنترنت) و قد قامت حملته برفض طلبات عمل مقابلات أو إجابة أسئلة غير مُحددة سلفًا، و يحاولون إظهاره عبر الإعلانات التليفزيونية أنه قد نشأ كمصري بسيط في الشوارع الضيقة في أحد أقدم أحياء القاهرة عاملاً في متجر يمتلكه أبيه.
أصدقاء السيد “السيسي” من الطفولة وجيرانه يقولون إن ذلك الحي كان حيًا مُزدهرًا في ذلك الوقت يَغُلب عليه التجار و أصحاب الحِرف، والد “السيسي”، السيد “سعيد السيسي” كان يمتلك متجرًا في خان الخليلي وعدة ورش صغيرة، وكان واحدًا من أكبر مُوظِفي العمال، وأحد أكثر الأشخاص ثراءً في الحي – كما يقولون -.
“كان دائمًا ما يلبس بدلة ورابطة عُنُق، بينما كان يلبس الآخرون الجلباب” كما يقول “حسين عبدالنبي” محامي قد نشأ في شقة في العمارة التي كان والد “السيسي” يمتلكها، وكانت أسرة السيسي تقطن بأحد شققها أيضًا.
والد “السيسي” كان صارمًا وذو هيبة – كما يقول العديد من سكان الحي – وكما كان ميل “عبد الفتاح” لعقاب نفسه مُميِزًا له عن باقي الأولاد، و كان يُمرّن نفسه بأن يعاود الصعود و الهبوط مرارًا عبر دُرجات المنزل، أو يتناوب بين قراءة كتاب مدرسي وبين مجموعات من التمارين الرياضية.
“لقد اعتاد معاقبة نفسه” كما يقول السيد “عبد النبي”، ويذكر “عبدالنبي” أن والده نظر بارتياب لارتدائه سلسلة وقميص مفتوح الصدر، فقام “السيسي” بمعاقبة نفسه بأن حلق رأسه تمامًا قائلاً لأصدقائه: “لأنني أعلم أني قد فعلت شيئًا خاطئًا”.
تزوج والد “السيسي” بامرأة ثانية وأصبح لديه أسرة ثانية، وفقًا للمسموح به في التعاليم الإسلامية – كما يقول جيرانه وأصدقائه القدامى -، و في سن الحادية والعشرين، تقدم “السيسي” لخطبة قريبة له كانت تعيش في نفس الشارع، لم تعمل زوجته ولا أمه وأخواته ولا بنته خارج المنزل أبدًا (حملته الانتخابية رفضت تأكيد هذا أو نفيه).
اثنان من أولاد “عبد الفتاح السيسي” تبعاه وعملا في أفرع مختلفة من المخابرات المصرية، وتزوجت ابنته بابن رئيس الأركان الجديد.
في العشرينيات من عُمره، أصبح “السيسي” في الجيش بالفعل وكان يحلم بالعظمة، في تسريب آخر كان يقول لصحفيه المُقرب إن في أحد أحلامه سمع صوتًا يقول له “سنعطيك ما لم نعطيه لأحدٍ غيرك”.
وفي حلم أخر، ناقش السيسي بعضًا من هواجسه مع الرئيس السابق “أنور السادات”، قلت له: “أنا أعرف أني سأكون رئيسًا لمصر” كما قال “السيسي”.
وكانت أول فرصة لكي يلعب دورًا في إعادة تشكيل التاريخ قرب نهاية عهد “مبارك”، بعد أشهر معدودة من ترقية “مبارك” له إلى منصب رئيس المخابرات الحربية عام 2010، قدم السيسي لكبار الجنرالات تقريرًا مُتنبئًا فيه أن مصالحهم الشخصية ومصلحة مصر سوف تتباعد قريبًا عن مصالح الرئيس – وفقًا لما قاله ثلاثة أشخاص تحدثوا باختصار عن المحادثات التي تمت بين السيسي وباقي كبار القادة في الجيش -.
أخبر “السيسي” كبار الضباط أن المخابرات العسكرية قد استنتجت أن “مبارك” كان يستعد لتنصيب ابنه “جمال” رئيسًا لمصر بحلول عام 2011 وبلوغه سن الثالثة والثمانين.
توقع “السيسي” أن المصريين سوف يثورون وأن قوات الأمن المركزي لن تستطيع أن تحتوي الموقف، وأن “مبارك” سوف يستعين بالجيش – وفقًا للمصادر الثلاثة المُستقلة -.
أخبرهم “السيسي”، “هل نحن مستعدون”ّ كما يتذكر “محمد حسنين هيكل” وهو من يبلغ من العمر تسعين عامًا وكان مُقرّبًا لعبد الناصر والآن مقرب إلى السيسي، فحسب “هيكل” أنه كان الشخص الذي اقترح أنه على الجيش ألا يدعم مبارك.
الثورة المُتوقعة نشبت مبكرًا عمّا توقع “السيسي”، في يناير 2011، مقتدية بالأحداث التي حدثت في تونس، ولكن الجنرالات تبنوا خطة “السيسي” حرفيًا، كما يقول “حسن نافعة” أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الذي علِم بتقرير “السيسي” في عشاء معه هو وثلاثة آخرون من الجنرالات بعد أن أطاح الجنرالات بـ “مبارك” رسميًا.
“لقد تحرك الجيش بسهولة جدًا يوم 28 يناير 2011 لأنهم كانت عندهم خطة مُسبقة للتحرك إلى الشوارع، وهم ببساطة حركوا قواتهم؛ ليستغلوا الثورة ويكون لهم المبادرة” كما قال “حسن نافعة”.
في البداية كان “السيسي” حريصًاعلى إعطاء “الإخوان المسلمين” الخيار الإسلامي الرئيسي، الفرصة كما يذكر “هيكل”.
نُصحًا لمُرسي..
صور “السيسي” مع “مرسي” تظهره خاضعًا إلى حد كبير، ينظر إلى الأسفل مطأطأُ رأسه، أو مُحدبًا قليلاً، واضعًا يديه بين فخذيه، ولكن يقول “السيسي” الآن إنه كان مُختلفًا بشدة مع”مرسي”، ومن بين تلك الأشياء التي يقول إنه اختلف معه فيها، أنه قد اعترض على العفو عن المساجين من الإسلاميين الجهاديين الذين تتهمهم السُلطة الحالية بأنهم وراء رد الفعل العنيف في مواجهة استحواذهم على السلطة.
في حوار تليفزيوني قال “السيسي” إنه قد اشتكى غاضبًا إلى “مرسي” إنك “تفرج عن أشخاص سيقومون بقتلنا”، ولكن ظل الرئيس “مرسي” صامتًا، كما يقول “السيسي”.
ولكن رواية “السيسي” متناقضة مع السجلات، لقد كان الجنرالات هم من أفرجوا عن كل الجهاديين تقريبًا قبل أن يتولى “مرسي” السُلطة، فقد قام الجنرالات بالإفراج عن أكثر من 850 جهاديًا، بينما قام “مرسي” بالإفراج عن ثمانية عشر شخصًا فقط.
يلوم “السيسي” ومؤيدوه “مرسي” على سماحه للميليشيات المسلحة الإسلامية أن تتجول بحرية في سيناء، “الجيش دومًا ما كان مستعدًا أن يتعاون مع قوات الشرطة” نحن مسؤولون عن ذلك” كما قال في أحد حواراته.
ولكن في تسجيل مُسرب من اجتماع من أكتوبر عام 2012، يقول “السيسي” إنه قد رفض أن يتدخل في سيناء، “دائمًا ما أؤكد للمسؤولين أن مهمتي ليست هي مكافحة الإرهاب” ثم أردف متحدثًا عن الضحايا المدنيين، “ستقوم هكذا بخلق عدو لك ولبلدك، لأنه سيكون بينك وبينه دماء”، وفي خطابات مُسربة من السجن، قال اثنين من مساعدي “مرسي” إنه قد رفض طلبًا من الرئيس للتدخل العسكري في سيناء.
يقول “السيسي” دائمًا في لقاءاته الخاصة إنه قد حاول نصح مرسي حتى يستطيع الحفاظ على منصبه، أو لاحقًا أن يقنعه لكي يقبل باستفتاء لاستكمال فترة حُكمه – كما يقول أعضاء في الحكومة وقتها -، ولكن منذ ذلك الحين جادل السيسي بأن الطبيعة الأساسية للجماعة – التي ربحت عدة انتخابات حُرة متوالية – تمثل تهديدًا لمصر.
“بنيتهم الأيدولوجية تُحتم علبهم مواجهتنا” كما قال في أحد حواراته التليفزيونية، “بنيتهم الأيدولوجية تنص على أننا لسنا مسلمين حقًا، بينما هم وحدهم المسلمون حقًا”، مختتمًا “أيدولوجيا كتلك لا يمكن لها العودة إلى الحياة”.
مي الشيخ شاركت في إعداد هذا التقرير
*عبدالله فايد: باحث مصري يقيم في قطر
المصدر: نيويورك تايمز