ترجمة وتحرير: نون بوست
غالبًا ما نعتقد أن الشرق الأوسط مبني حول العالم العربي، فبغداد ودمشق كانتا المركزين التاريخيين للسلطة. وفي القرن العشرين، أصبحت القاهرة وبيروت عاصمتي الثقافة في المنطقة حتى تراجعتا وتفوق عليهما تأثير ثروات النفط والغاز في السعودية والخليج.
أما اليوم، فمن اللافت أن الدول الثلاث الأكثر قوة وجرأة في المنطقة، إسرائيل وتركيا وإيران، هي دول غير عربية، ويقود كل واحدة منها “حصان حرب” مسن. فقد شغل بنيامين نتنياهو منصب رئيس وزراء إسرائيل لمدة 17 سنة من آخر 28 سنة. ويدير رجب طيب أردوغان تركيا منذ ما يقرب من 22 سنة، في حين أن آية الله علي خامنئي هو المرشد الأعلى لإيران منذ 35 سنة؛ ومثلهم مثل بوربونات فرنسا قبل 200 عام، لا يتعلمون شيئًا ولا ينسون شيئًا.
وبعد الكارثة المهينة للهجوم الوحشي لحركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استعادت إسرائيل قوتها؛ فقد قلبت قواتها المسلحة وأجهزة مخابراتها الطاولة، ليس فقط على حماس، بل على حزب الله وداعميهم في إيران.
وفي هذه العملية، تجاهل نتنياهو نصائح أقرب أصدقاء إسرائيل وأظهر قلة احترام لحماية أرواح المدنيين. وصحيح أن الدعم طويل الأمد لإسرائيل في الغرب قد تآكل، لكن أعداءها الأساسيين قد تضرروا بشكل كبير.
أظهرت إسرائيل أنها إسبرطة جديدة؛ أي أنها دولة صغيرة ذات قوة عسكرية لا مثيل لها، لكن ساستها يرفضون فكرة أن هناك حاجة إلى حل سياسي مع الفلسطينيين إذا ما أرادت الأمة اليهودية أن تنعم بسلام وأمن دائمين.
وليس لدى إسرائيل خطة لغزة تتجاوز الاحتلال إلى أجل غير مسمى، إلا إذا كانت الخطة غير المعلنة هي دفع الفلسطينيين هناك إلى مصر وبالتوازي ضم أكبر قدر ممكن من الضفة الغربية المحتلة. وأحد التوقعات التي يمكننا أن نتوقعها بثقة، للأسف، هو أن الدولة الفلسطينية المستقلة لن تكون أقرب بعد سنة مما هي عليه الآن.
ومع بداية السنة الجديدة، يتركز اهتمام إسرائيل على إيران، التي كانت الخاسر الأكبر في سنة 2024؛ فقد أصبح خامنئي أضعف بشكل واضح، سواء من الناحية الجسدية أو السياسية، والمرشح الرئيسي لخلافته الآن هو ابنه مجتبي، ويصعد المستبدون من الجيل الثاني إلى السلطة على ظهر الامتياز والاستحقاق؛ فهم لا يحملون ندوب الصراع ولا يتعلمون الدروس الصعبة التي اكتسبها آباؤهم. وكان حافظ الأسد قائدًا قاسيًا في سوريا، لكنه كان يعرف حدود القوة ومتى يتفاوض، أما ابنه بشار فلم يكن يمتلك أيًا من تلك المهارات، وكانت النتيجة المزيد من الوحشية وفي النهاية انهيار النظام.
إن تجربة خسارة حليفهم السوري يجب أن تجعل الجيش الإيراني حذرًا من التوريث الأسري للحكم. وسيحاولون ضمان ألا يكون المرشد الأعلى الجديد صاحب سلطة مطلقة داخل النظام، لكن القادة الجدد للأنظمة الاستبدادية المتعفنة قد يأتون بالمفاجآت.
ويعد دنغ شياو بينغ وميخائيل غورباتشوف مثالان واضحان على ذلك. أما الأقرب إلى إيران فهو التحول الذي تشهده السعودية في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فقد أدرك كل منهما ضعف بلده وسعى إلى إستراتيجية اقتصادية وسياسية، عادة ما تنطوي على بعض الانفتاح على العالم الخارجي، لدعم النظام الاستبدادي لعقود قادمة. ويبدو هذا الأمر غير مرجح في إيران ولكن لا ينبغي استبعاده.
ويشكل النظام الضعيف فرصة لتفاوض جديد، حتى وإن استمر خامنئي الكبير في الحكم لمدة سنة أو سنتين آخرين. وقد يفضل دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق سياسي بدلاً من المشاركة في الخيار العسكري الذي يفضله نتنياهو لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. وستجادل إسرائيل بأن طهران ستماطل في المحادثات بينما تتقدم سرًا نحو امتلاك سلاح نووي، وهو ما أصبح الآن أكثر إقناعًا استراتيجيًا بالنسبة لإيران، وتعتبر مخاوف مشروعة. كما أن خامنئي لا يثق بأمريكا أكثر من عدم ثقة السياسيين الأمريكيين في إيران، وقد يتطلب الأمر قيادة جديدة في طهران قبل أن تغير إيران مسارها.
وكانت المفاجأة المرحب بها في سنة 2024 هي انهيار نظام الأسد وفتح طريق لمستقبل أفضل للشعب السوري. وكانت تركيا، مثل إسرائيل، من الرابحين في السنة الماضية، لكنها أيضًا تواجه صعوبة في اغتنام الفرص الجديدة. ويبدو أن أردوغان ينظر إلى سوريا من خلال عدسة مشوهة تتمثل في القضية الكردية، مما سيصعب على قادة المعارضة السورية التوحد ووضع دستور جديد يعترف بتنوع بلادهم الديني والعرقي.
بنى أردوغان، الناجي الاستثنائي، قوة تركيا في المنطقة وفي إفريقيا، ولقد أظهر أن فلسفة الإسلام السياسي يمكن أن تكون ناجحة ولا يجب أن تؤدي إلى إقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة الصارمة. ومن هذه الناحية، يمكن أن يقدم نموذجًا لأحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام الإسلامية التي تسيطر الآن على دمشق.
وهناك درس هنا للعواصم الغربية، وللرياض وأبوظبي؛ فنحن محقون في توخي الحذر من خلفية الشعار المتطرفة، ولكن رحلة الشباب المتطرفين من العنف السياسي إلى القيادة الوطنية هي رحلة مألوفة. وتُعد المهمة الدبلوماسية المقبلة هي تعظيم فرص النجاح في سوريا، من خلال اتخاذ خطوات جريئة في رفع العقوبات، وإزالة التصنيفات الإرهابية، وفعل كل ما يمكن لدعم المعارضة السورية لكي تتوحد.
ويبدو أن الغريزة السائدة في العواصم الغربية هي إعطاء الفرصة ببطء والمقاومة ضد الإسلاميين على أساس أيديولوجي. ولكن هذا طريق سيجعل من الأرجح أن ننتهي إما بالتجزئة، كما في ليبيا، أو مع دكتاتور جديد، كما في تونس. ويجب على الدول الغربية أيضًا تجنب أخطاء البوربون.
المصدر: فاينانشال تايمز