رغم الدعايا المكثفة، التي جرى ترويجها العام الماضي، احتفالًا بفوز سوريا بعقد منظومة S-300 الروسية الدفاعية، التي كانت الأقوى في العالم، قبل ظهور فئات أحدث، واستخدامها لإعادة تلميع النظام السوري لدى أنصاره، باعتبارها انتصارًا عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا من طراز رفيع، إلا أن تفوق سلاح الجو الإسرائيلي في غاراته على سوريا، جعل من المنظومة العملاقة شيء من الماضي، لا وزن ولا ثقل له.
محاكاة لصد غارة جوية تقليدية عن طريق منظومة S-300
تفوق جيش الاحتلال الإسرائيلي على المنظومة الدفاعية، كان كافيًا لاستدعاء حالة من القلق الشديد لأمين مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، الذي خرج بتصريحات قبل أيام، يؤكد فيها أن الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا «غير مرغوب فيها»، وقد تُعرّض سلامة أفراد الجيش الروسيين للخطر.
ما قاله باتروشيف، ردّ عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تصريحات مضادة، ظاهرها الاستعراض، وباطنها تأكيد الودّ للحلفاء الروس، وقال إنهم يعلمون جيدًا، من المستهدف من غاراتهم، وطمأنهم أن جنودهم ليسوا في خطر، ودلّل على ثقته بقوة سلاحه الجوي، أن طائراته خرجت بأكثر من 100 طلعة جوية في سوريا، فقط لمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله”، دون أن تكلف الطائرات بأي أدوار آخرى.
عند جلب الصفقة، كانت وسائل الإعلام المقربة من روسيا، تؤكد أن “إسرائيل” أمامها خيارات خمسة على الأقل، إذا ما قررت الاشتباك مع المنظومة الدفاعية الجديدة لسوريا
خوف الروس – إن كان حقيقيًا – يستند على واقعة بتاريخ 17 سبتمبر 2018، وإسقاط طائرة استطلاع روسية بطريق الخطأ، من قبل القوات المسلحة السورية على ساحل اللاذقية، ورغم تورط الجيش السوري، ومسؤوليته عن الحادث، إلا أن وزارة الدفاع الروسية، ألقت باللوم على “إسرائيل” في مقتل أفرادها، وأكدت أن المتسبب الأصلي في الحادث، طائرة من طراز F-16، استخدمت طائرة أخرى استطلاع من نوع L-20 للغطاء عليها، أثناء ردها على القوات الجوية السورية، ما أوقع الدفاعات السورية في هذا الخطأ الجسيم.
حادث الطائرة، جعل روسيا تزود سوريا بنظام الدفاع الجوي S-300، وحتى الآن لأسباب غير معروفة، تقول موسكو إن النظام الدفاعي لم يتم استخدامه في القتال، وتبرر بذلك نجاح الضربة الجوية الإسرائيلية، في إصابة أهداف سورية أبريل الماضي، حيث ضربت الطائرة F-16 الإسرائيلية ثلاثة مواقع، دون أن تنجح منظومة الدفاع الجوي السوري في ردعها، وكأنها سلمت بلا مقابل للتخويف فقط، ويطرح السؤال نفسه: إن لم يكن الهدف من التعاقد عليها حماية الأجواء السورية، فما فائدتها إذن!
خيارات أسطورية!
عند جلب الصفقة، كانت وسائل الإعلام المقربة من روسيا، تؤكد أن “إسرائيل” أمامها خيارات خمسة على الأقل، إذا ما قررت الاشتباك مع المنظومة الدفاعية الجديدة لسوريا، وجعلت منهم أشبه بالأساطير التي يصعب تصورها؛ فالطريقة الأولى هي الاستيلاء على S-300 ونقلها إلى “إسرائيل”، في عملية مشابهة لما حدث عام 1969، حين استولى مظليون إسرائيليون على الرادار السوفيتي P-12، الذي تم تسليمه للمصريين، ونقلوه إلى “إسرائيل”.
واعتبرت وسائل الدعاية للمنظومة أن ثاني طريقة للاشتباك معها، يجب أن تكون عن طريق تنفيذ عملية برية لتدمير الصواريخ والقضاء على طواقمها أولا قبل السيطرة عليها، والخيار الثالث، عبر تدبير ضربة صاروخية كثيفة على مواقع الصواريخ، والرابع إعماؤها إلكترونيًا، وأخيرًا ضربها بمجموعة انتحارية تخريبية.
ولكن الضربات الإسرائيلة الأخيرة للأراضي السورية، لم تحتج إلى تحقيق هذه المعجزات، حتى تنفذ ضربتها بإتقان وتخلف خسائر كبيرة، وتقتل وتجرح حوالي 37 شخصًا على الأقل، وهناك ترجيحات أن يكون خبراء من إيران وكوريا، كانوا يعملون على إنتاج الوقود الصلب للصواريخ، وأصيبوا أو قتلوا ضمن المستهدفين في نفس المكان خلال الغارة.
استهداف معامل الحرب الكيماوية السورية، ليس جديدًا على “إسرائيل”، حيث سبق لها في منتصف عام 2007، شن هجوم بالطائرات على مفاعل نووي تم بناؤه في دير الزور، وتكتمت الجهات المعنية السورية أنذاك على أعداد الخسائر الحقيقية، رغم تردد أنباء شبه مؤكدة عن مقتل خبراء كوريين شماليين، كانوا يساعدون سوريا على صنع أسلحة كيميائية وصواريخ باليستية، ولهذا الغرض عاد القصف الإسرائيلي لنفس المنطقة في عامي 2017، و2018، والقصف بالعام الأخير، توفي فيه كبير من المتخصصين بمنشأة عزيز الأنبار، خلال استهدافه بقنبلة، زرعت أسفل سيارته.
المثير أن شهادات الخبراء، تؤكد أن صواريخ 48N6 المحملة على المنظمة الروسية S-300، يمكنها ضرب طائرة إف 16، إذ يوجد بالسلاح ثلاثة أنظمة في حالة صالحة للعمل، لكنها لم تحاول إسقاط صواريخ F-16 أو الطائرات نفسها، ولهذه الواقعة تفسيران، الأول أن الجيش السوري لم يتقن العمل على المنظومة بعد، والثاني يلمح إلى اتفاق سري بين موسكو و”إسرائيل”، بموجبه تضمن روسيا وقف منظومة S-300 عن الاشتباك في أي معركة قد تندلع بينها وبين النظام السوري، مقابل تحذير روسيا قبل 15 دقيقة كاملة من اتخاذ الطيران الإسرائيلي قرارًا بشن هجوم على مواقع سورية، لضمان سلامة أفراد ومعدات الجيش الروسي.
لماذا أجهزت “إسرائيل” على منظومة الدفاع السورية؟
لاتترك “إسرائيل” الأمور هكذا، فمنذ الإعلان عن الصفقة، وهي تتحين الفرص للإجهاز عليها، بحسب ما يمكن قراءته من تصريح لأحد أخطر القادة في سلاح الجو «تومير بار» الذي شارك في العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وكان أحد المكلفين بمهمة اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله.
يقول «بار» بكل ثقة: “منظومة صواريخ 0S-30 الروسية في سوريا، دخلت النظاق العملياتي للجيش الإسرائيلي، وسيكون لديه القدرة على تحييدها، ومواصلة غاراته دون ن تتعرض له بسوء”.
التصريحات التي نشرتها صحيفة معاريف الإسرائيلية، كشفت عن تهديد علني من أحد أهم القادة العسكريين، لبطاريات الصواريخ الروسية التي تشكل تهديدًا صريحًا لهم، وتمنعهم من استباحة الأجواء السورية، ولم يفرق «تومير» بين من يدير المنظومة الدفاعية سواء كان روسيا أم سوريا، ولكنه دون أن يدري، أشار إلى وجود تنسيق تعاون مع قوى فاعلة، و«أصحاب مصالح» لم يسمهم، مايبرر تقاعس المنظومة عن العمل خلال الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية.
التحالفات أو حتى المؤامرات الغريبة في المنطقة، كلها معايير صالحة للدوران في فلك عقيدة الجيش الإسرائيلي، التي تعمل بكل قوة لضمان التفوق الجوي أولًا والحسم من الجو، دون أن يؤثر ذلك على كفاءة القوات البرية والاستخبارات، والأخيرة يعتقد الإسرائيليون، أنها ستكون وقود القوة الضاربة في أي حرب قادمة بالمنطقة.
يبلغ سعر منظومة 300S- في السوق الدولية حوالي 250 مليون دولار للكتيبة الواحدة، وتصل دقة فعالية هذا النظام في إصابة الأهداف إلى نحو 250 كم، وتستطيع العمل ضد الطائرات والصواريخ البالستية، ولديها القدرة على مواجهة 24 طائرة في وقت واحد، كما تستطيع صد 16 صاروخاً بالستياً حتى مسافة 250 كيلو مترًا أيضًا في وقت واحد، وتتضمن الكتيبة الواحدة من هذه المنظومة رادارًا بعيد المدى لاكتشاف الأهداف المعادية، وعربة قيادة تقوم بتحليل البيانات، وست عربات تعمل كمنصات إطلاق للصواريخ كل عربة تحمل ستة صواريخ، ورادارًا قصير المدى يقوم بتتبع الأهداف وتوجيه الصواريخ نحوها.
وتطلق المنظومة العملاقة صاروخين على كل هدف، بفارق زمني لا يتجاوز 3 ثوان، ويمكن للكتيبة الاستعداد في وضع اشتباك، والتعامل مع الأهداف المعادية في غضون 5 دقائق، لذا كانت ومازالت حديث العالم، منذ تصنيعها عام 1975، مرورًا باختبارها الناجح، الذي أكد استعدادها للعمل بعد 3 سنوات فقط، نهاية بإدخال الكثير من التعديلات عليها منذ ذاك الوقت، حتى أمكن توظيفها للدفاع عن الأهداف الاستراتيجية الخطيرة، مثل المنشآت العسكرية والاقتصادية، والأماكن والمؤسسات الحيوية بالدول.
وتملك العديد من دول المنطقة المنظومة الروسية المتطورة، إلا إن حصول الجيش السوري تحديدًا على المنظومة، كان يشكل خطرًا كبيرًا على “إسرائيل”، بحكم قرب المسافة الجغرافية، ما جعل الأجهزة المعنية تتدخل وتحشد للضغط على روسيا، لإيقاف مفعولها، أو على الأقل استخدامها بكامل عتادها وقوتها لحماية القواعد والطيران الروسي في سوريا “دون غيره”.