كشفت منظمة الصحة العالمية WHO، النقاب عن عدم توفر 50% من الأدوية الرئيسية في العراق، إذ دعت المنظمة الحكومة العراقية إلى تخصيص 10% من الموازنة العامة للقطاع الصحي.
في الأسطر التالية لـ “نون بوست”، نقرأ في خلفيات تصريحات منظمة الصحة العالمية وواقع القطاع الصحي العام في العراق.
واقع صحي مرير
في خضم ارتفاع قيمة النفقات التي تتكبدها الخزينة العراقية على الأمن والدفاع وصرف رواتب موظفي الدولة، فضلًا عن الفساد المالي في كثير من القطاعات، يعاني قطاع الصحة العامة من مشكال جمة، ليس أقلها نقص الأدوية الضرورية وما خلفته الحرب بين القوات العراقية وتنظيم الدولة (داعش) من تدمير عشرات المستشفيات في المحافظات التي سيطرت عليها.
كشف وزير الصحة في الحكومة العراقية “علاء العلوان” عن نقص حاد في الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، إذ أكد أن 550 نوعا من الأدوية غير متوفرة في المستشفيات العراقية.
وفي هذا الصدد، يقول ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق “أدهم رشاد إسماعيل” إن الوضع الصحي في العراق يواجه تحديات كبيرة، من أهمها قلة التمويل الصحي، لافتًا إلى أن وزارة الصحة والبيئة والـ WHO طالبت الحكومة والبرلمان بتخصيص 10% من الموازنة العامة لقطاع الصحة، أو العودة إلى نسبة 6% التي كان معمولًا بها سابقًا، إذ اعتمدت الموازنة الحالية نسبة 4.5% فقط من الموازنة للقطاع الصحي، الأمر الذي أدى إلى توقف المشاريع الصحية، بحسب إسماعيل.
من جانبه، كشف وزير الصحة في الحكومة العراقية “علاء العلوان” عن نقص حاد في الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، إذ أكد أن 550 نوعًا من الأدوية غير متوفرة في المستشفيات العراقية.
عجز وديون
العلوان وفي مؤتمر صحفي عقده في شباط/ فبراير الماضي كشف عن أن وزارته بحاجة إلى 2 مليار دولار لسد العجز الدوائي، لافتًا إلى أن التخصيصات المالية لوزارته غير كافية، مؤكدًا أن ما خصص للوزارة للأدوية والمستلزمات الطبية يبلغ مليارًا و300 مليون دولار، وتشمل الإنفاق على الأجهزة الطبية.
وعزى العلوان ذلك القصور إلى الديون المترتبة على الوزارة في عهدة الوزيرة السابقة “عديلة محمود” والتي تصل إلى قرابة الـ 400 مليون دولار تسدد من الموازنة الحالية، بحسبه.
ويعاني العراق من نقص حاد في أدوية الأمراض المستعصية كالسرطان والثلاسيميا والأمراض المزمنة من الأجيال الحديثة، إذ يقول عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية “فالح الزيادي” إن الواقع الصحي في البلاد، سينهار إذا ما ظلت مخصصات وزارة الصحة في موازنة 2019، على ما هي عليه الآن والتي بلغت 1.3 تريليون دينار، في الوقت الذي يجب أن لا تقل عن 3.5 تريليون دينار.
امراض عديدة تلك التي لا يجد مرضاها ادوية علاجية لها في المستشفيات الحكومية، ومنها أمراض السرطان والثلاسيميا
وأشار الزيادي إلى أن البنى التحتية للوزارة من مستشفيات ومستوصفات وغيرها غير جاهزة، فضلًا عن قصور كبير في الأدوية الضرورية العلاجية منها والوقائية.
نقص الأدوية يفاقم معاناة المرضى
أمراض عديدة تلك التي لا يجد مرضاها أدوية علاجية لها في المستشفيات الحكومية، ومنها أمراض السرطان والثلاسيميا، إذ يؤكد المتحدث باسم تجمع مرضى الثلاسيميا “طالب طاهر” أن عدد المرضى المصابين بالثلاسيميا تجاوز الـ 29 ألف مصاب في عموم المحافظات العراقية، لافتًا إلى نقص حاد في الأدوية اللازمة.
وأضاف طاهر أن “العلاجات والأدوية لمرضى الثلاسيميا من الحقن والحبوب غير متوفرة في جميع مستشفيات البلاد منذ عامين، فضلًا عن انعدام وجود الحقن الدوائية، ما دفع ذوي المصابين والميسورين إلى شراءها من إيران، إذ أن تلك الحقن تجهز من قبل وزارة الصحة فقط وغير متوفرة في المذاخر الطبية الخاصة”.
واتهم طالب الشركة المستوردة للأدوية في وزارة الصحة (كيماديا) بالمسؤولية عن نقص الأدوية، مشيرًا إلى أن سعر الحقنة الواحدة التي تعطى لمرضى الثلاسيميا كل 20 يومًا تجاوزت الـ360 دولارًا.
من جانب آخر، يعاني مرضى السرطان من أوضاع لا تقل بؤسًا عن مرضى الثلاسيميا، إذ تواجه المحافظات الجنوبية في العراق وخاصة البصرة والمثنى والناصرية ارتفاعًا مهولًا في أعداد المصابين بالسرطان وسط نقص حاد في الأدوية.
هيروشيما أخرى
وأكدت لجنة الصحة في مجلس محافظة المثنى، وجود نقص في أدوية أمراض السرطان، واتهم عضو المجلس “عمار آل غريب” وزارة الصحة بعدم تجهيز المحافظة بأدوية السرطان الضرورية، مبينًا أن المحافظة تعتمد منذ 3 سنوات على المناقلة من المحافظات الأخرى لتوفير العلاج.
محافظة نينوى – ثانية كبريات المحافظات العراقية – تعاني نقصا كبيرا في عدد المستشفيات والأسِرَّة المخصصة للمرضى
أما في البصرة، فقد أكد مدير مكتب مفوضيّة حقوق الإنسان “مهدي التميمي” أنّ أكثر من 90% من المصابين يتوفون لقلة العلاج، مضيفًا أن أدوية السرطان متوفرة لكن بشكل ليس باليسير ولا يكفي في الغالب، إذ عادة ما يكون هناك نقص في الأدوية يحرم كثيرًا من المصابين بالسرطان من الحصول عليه.
ووصف عضو الجمعيّة الملكيّة البريطانيّة للأطبّاء في إنكلترا وعالم الأورام “جواد العلي” محافظة البصرة بأنّها (هيروشيما أخرى)، لافتاً إلى أنّ دراسته التي أعدها لموقع (Counter punch) تشير إلى أنّ أكثر من 40% من سكّان محافظة البصرة سيصابون بالسرطان في السنوات المقبلة.
المحافظات المحررة.. معاناة من نوع آخر
وللمحافظات المحررة من تنظيم “داعش” معاناة أخرى تضاف لأزمة نقص الأدوية، إذ كشف المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية “سيف البدر” في حديثه لـ “نون بوست” عن أن محافظة نينوى (مركزها مدينة الموصل) شهدت تدمير جميع المراكز الطبية المتقدمة بسبب الحرب وعددها 6 مراكز، لافتًا إلى افتتاح مقرات بديلة كرفانية لهذه المراكز توفر بعض الخدمات، ومن بين المراكز المدمرة في الموصل مركز جراحة القلب وأمراض الكلى والأورام السرطانية والسكر وغيرها.
تستمر معاناة العراقيين في المستشفيات، فما بين نقص في الأدوية ودمار البنى التحتية الصحية في المحافظات المحررة، تعجز وزارة الصحة عن سد الفجوة التي تقدر بمليارات الدولارات.
محافظة نينوى – ثانية كبريات المحافظات العراقية – تعاني نقصًا كبيرًا في عدد المستشفيات والأسِرَّة المخصصة للمرضى، إذ وبحسب مدير عام دائرة صحة نينوى السابق الدكتور “فلاح الطائي” فإن 18 مستشفى في نينوى دمرت بالكامل، وأن الموصل الآن تضم 1700 سرير فقط مخصص للمرضى بعد أن كان العدد يتجاوز الـ 6 آلاف سرير قبل الحرب، بحسبه.
ويعتقد الطائي، على ما أفاد لـ “نون بوست”، أن الحكومة العراقية عاجزة عن إعادة المستشفيات إلى وضعها السابق، إذ أن جميع المستشفيات في الموصل وبعد قرابة العامين على استعادة المدينة، لا زالت تفتقر لجهازي الرنين المغناطيسي (MRI) والمفراس (CT SCAN)، فضلًا عن تضرر كبير لحق بجهاز الـ (سكوبر) الخاص بعلاج الأورام السرطانية.
تستمر معاناة العراقيين في المستشفيات، فما بين نقص في الأدوية ودمار البنى التحتية الصحية في المحافظات المحررة، تعجز وزارة الصحة عن سد الفجوة التي تقدر بمليارات الدولارات.