اتسم المشهد السوري قبل سقوط نظام الأسد في نهاية عام 2024، بتعدد مناطق النفوذ وتداخل المصالح الإقليمية والدولية، لتعيد القوى الكبرى كروسيا والولايات المتحدة ترتيب أولوياتها بعد السقوط، حيث ركز الروس على ضمان استمرار وجودها في سوريا، بينما سعت الولايات المتحدة إلى ضمان استقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب.
فيما تحولت الدول العربية والأوروبية من سياسات براغماتية بإعادة قنوات التواصل مع دمشق لتحقيق الاستقرار الإقليمي، إلى انفتاح دبلوماسي حذر واشتراطات تحفظ مصالحها وأجنداتها.
واجهت الإدارة السورية الجديدة تحديات إعادة البناء السياسي والأمني للدولة، واعتمدت دبلوماسية “عدم الانحياز” للحفاظ على توازن العلاقات الدولية والإقليمية، مع السعي لتجنب الأخطاء السابقة وتقديم تصورات سياسية وازنة تضمن استقرار البلاد.
خريطة المصالح في سوريا.. تغيرات وإعادة ترتيب أولويات
على مدار السنوات الماضية، كان الملف السوري محورًا لتشابك المصالح الدولية والإقليمية، حيث باتت سوريا ساحة لصراعات القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين، لكن مع انتهاء عهد الأسد، تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تحمل معها تحديات وفرصًا لإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
وتسعى القوى الدولية والإقليمية اليوم لإعادة صياغة دورها في المشهد السوري، بما يضمن لها مكاسب استراتيجية، في ظل إدارة دولية جديدة تتعامل مع الملف السوري بمنظور مختلف
الدور الروسي.. تغير جذري وطموح محدود
عملت روسيا حتى قبيل سقوط نظام الأسد بشكل مكثف على تعزيز وجودها العسكري والدبلوماسي في سوريا، حيث دعمته عسكريًا واقتصاديًا في مواجهة الضغوط الغربية والعقوبات الدولية، لضمان استمرارية نفوذها الاستراتيجي في المنطقة عبر السيطرة على القواعد العسكرية الحيوية في حميميم وطرطوس، ما يتيح لها تأثيرًا قويًا في الشرق الأوسط ويمنع تحوّل سوريا إلى نقطة نفوذ غربية. وتحجيم أي تدخل خارجي قد يهدد النظام، وأدارت التوترات الدولية عبر الأمم المتحدة، مؤمنةً بقاء الأسد في السلطة.
بعد سقوط نظام الأسد، اضطرت روسيا إلى إعادة تقييم استراتيجيتها، حيث سحبت العديد من قواتها وقواعدها العسكرية، لكنها حافظت على وجودها في الساحل – مؤقتًا – مع تعويض خسائرها بتعزيز حضورها في شمال إفريقيا.
ومع التحديات المتزايدة في ظل التنافس الغربي، تسعى روسيا للحفاظ على دورها كلاعب رئيسي في سوريا، بينما تدير علاقاتها مع إيران (التي خرجت كليًا من سوريا) والإدارة السورية الجديدة بحذر للحفاظ على توازن مصالحها الأمنية والاقتصادية.
وخلال الأسابيع الماضية صدرت تصريحات من مسؤولين أوروبيين حول اشتراط خروج القوات الروسية من سوريا مقابل التعاون مع الإدارة الجديدة، إذ قالت رئيسة دائرة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كايا كلاس، إن “أحد شرط حوار الاتحاد الأوروبي مع السلطات السورية الجديدة يجب أن يكون انسحاب القواعد العسكرية الروسية من سوريا”.
وجاء الرد الروسي عبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال إن “قائد السلطات الحالية في سوريا أحمد الشرع يتعرض لضغط كبير من الغرب لوقف تعامله مع روسيا”.
الدور الأمريكي.. امتدادات أوسع
دخلت الولايات المتحدة سوريا في عام 2015، كجزء من تحالفها الدولي في مكافحة تنظيم الدولة ومعالجة “التهديدات الإرهابية” من جماعات مثل القاعدة، إلى جانب تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات التي تطرحها روسيا وتركيا وإيران، إلا أنها بدأت سحب قواتها تدريجيًا في عام 2018، لتبقي على قوة طوارئ محدودة تضم نحو 900 جندي بحلول صيف 2024.
عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في شمال شرق سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مع تبني سياسة حذرة تجاه السلطات الجديدة. ورغم أن الأسباب المباشرة التي كانت تدفع الولايات المتحدة لفرض العقوبات الاقتصادية على سوريا قد تراجعت، فإنها امتنعت عن رفع العقوبات بشكل فوري.
واشترطت الولايات المتحدة تخفيف العقوبات بشكل شامل بوجود التزام واضح من السلطة السورية الجديدة بمكافحة الإرهاب، خاصة بقايا تنظيم الدولة، والعمل على تشكيل حكومة ديمقراطية تضمن الحريات وحقوق المواطنين، بالإضافة إلى ضمانات أمنية لـ”إسرائيل”، التي تظل أحد المحاور الرئيسية في السياسة الأمريكية بالمنطقة.
فيما يتعلق بقوات “قسد” يُتوقع أن يكون دعم واشنطن لهذه القوات إجراءً مؤقتًا، قد يفضي إلى إعادة هيكلتها ودمجها في إطار الجيش السوري الجديد، مع ضمان استمرار مكافحة الإرهاب وحل سياسي يضمن حقوق الأكراد كجزء أساسي من تسوية الأزمة السورية.
بهذا النهج، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز استقرار المنطقة وتحقيق مصالحها الاستراتيجية، مع الحفاظ على توازن علاقاتها مع الفاعلين المحليين والإقليميين في مرحلة ما بعد الأسد.
الدور الأوروبي.. تحول سياسي عميق
تبنت الدول الأوروبية في البداية مواقف حازمة تجاه نظام الأسد، حيث قطعت العلاقات الدبلوماسية وفرضت عقوبات اقتصادية صارمة، تماشيًا مع التوجهات الأمريكية للضغط على النظام السوري. ما أدى إلى عزل سوريا عن الساحة الدولية.
مع مرور الوقت، ازدادت تداعيات الأزمة السورية على الاتحاد الأوروبي، خصوصًا مع تدفق اللاجئين السوريين بشكل مكثف إلى دوله.
أعادت بعض تلك الدول النظر في موقفها من النظام السوري، حيث أدركت ضرورة تبني سياسات براغماتية تشمل فتح قنوات تواصل مع الأسد للوصول إلى حلول سياسية تعيد الاستقرار للمنطقة.
في خطوة غير مسبوقة، بدأت ثماني دول أوروبية في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام، حيث عينت بعض هذه الدول سفراء في دمشق وعينت مبعوثين خاصين للتنسيق حول مسار التطبيع السياسي.
بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، عملت معظم الدول الأوروبية على تصميم برامج تشجع على العودة الطوعية للاجئين، سعيًا للتخفيف من أزمة طالما كانت على رأس أولوياتها السياسية والاقتصادية.
تركز التوجهات الأوروبية – وعلى رأسها فرنسا وألمانيا – على بناء نموذج حوكمة ديمقراطي شامل في سوريا بعد الأسد، يضمن حقوق الأقليات والحريات الأساسية ويشمل جميع مكونات الشعب السوري، بما يضمن تحقيق استقرار سياسي وقانوني في سوريا، وقبول دولي ومحلي يخلق بيئة للتعايش المشترك بين مختلف الأطياف السورية. بذلك، تتجاوز الاستراتيجية الأوروبية ما هو أمني وإنساني، لتعمل على تأسيس سوريا جديدة على أسس ديمقراطية تضمن حقوق جميع المواطنين، مع طموحات للمشاركة في إعادة إعمار سوريا وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
الدور العربي.. خروج من مأزق إلى محاذير مقلقة
بدأت الدول العربية في دعم الثورة السورية خلال مرحلتها الأولى بهدف مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد، ليتراجع بشكل ملحوظ بعد تدخل روسيا عسكريًا في 2015، ما أعطى النظام السوري السيطرة على الأرض وزيَّن الحلول السياسية التي تروج لها موسكو.
الخطوة الأهم في مرحلة التطبيع العربي مع نظام الأسد كانت بتقديم الأردن “اللاورقة الأردنية” التي ركزت على تغيير سلوك النظام بدلًا من تغييره، والعمل على طيّ صفحة الربيع العربي.
وتتلخص الدوافع الاستراتيجية للدول العربية في تقليص النفوذ التركي والإيراني، ومعالجة الأزمة الإنسانية في سوريا، وإيجاد حلول للاجئين والتهديدات الأمنية.
شكّل سقوط نظام الأسد صدمة كبيرة لعدد من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، التي دعمت بقاء الأسد حتى لحظة هروبه، باعتباره حليفًا مأمولًا لوقف تمدد النفوذ الإيراني الذي لطالما أثار قلقها، ورغم أن سقوطه أزال هذا التهديد كليًا، فإنه فتح بابًا لمخاوف جديدة، أبرزها تنامي الدور التركي الذي فرض حضورًا قويًا في سوريا متزامنًا مع هروب الأسد.
في المقابل، برزت قطر كاستثناء واضح، كونها حليفًا استراتيجيًا لتركيا. التي دعمت المعارضة لوجستيًا وسياسيًا، ما ساهم في تعزيز موقف المعارضة وتمكينها من تحقيق مكاسب كبيرة، بلغت ذروتها في إسقاط نظام الأسد.
يتبلور الطموح العربي الجديد باهتمام بارز من السعودية والإمارات والأردن، التي تجمعها مصالح أمنية وسياسية مشتركة. تسعى هذه الدول إلى إعادة ترتيب دورها في الساحة السورية بما يضمن لها مكاسب استراتيجية تعزز نفوذها الإقليمي، مع التركيز على الحد من التوسع التركي المتنامي.
وتتمثل أولوياتها الحالية في ضمان استقرار الحدود، ومكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ التركي في سوريا، حيث ترى في تعزيز وجودها الأمني والسياسي وسيلة لضمان مصالحها الاستراتيجية، وتأمين توازن القوى في ظل الإدارة الدولية الجديدة للتعامل مع الملف السوري.
الدور التركي.. ثوابت ومتغيرات
أدخلت تركيا نقاط مراقبة عسكرية في مناطق المعارضة السورية، بدءًا من نهاية عام 2017، ضمن إجراءاتها الأمنية في مواجهة التهديدات على حدودها الجنوبية، إلا أن خططها لشن عمليات واسعة ضد “قسد” غالبًا ما اصطدمت برفض الولايات المتحدة وروسيا، ما حد من خياراتها العسكرية.
في ضوء هذا الجمود، بدأت تركيا بفتح قنوات تواصل مع نظام الأسد، داعية إلى حوار يعيد هيمنة الدولة السورية بشكل يحمي مصالحها ويزيل التهديدات الأمنية المتمثلة في قسد.
لكن مع رفض الأسد المستمر للتعاون الفعلي، ركزت تركيا على دعم المعارضة كوسيلة لتعزيز نفوذها في أي مستقبل سياسي لسوريا.
تطمح أنقرة – حاليًا – في الضغط على “قسد” لحل نفسها أو مواجهة عمليات عسكرية مشتركة، وضمان دور فاعل في إعادة الإعمار بعد الحرب، عبر تعزيز حضورها الاقتصادي والعسكري والسياسي في الدولة السورية المستقبلية، مع الحفاظ على موقعها كشريك رئيسي في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
استراتيجيات “الإدارة الجديدة”
شكل سقوط نظام الأسد بداية لحقبة جديدة في تاريخ سوريا، في بيئة مليئة بالتحديات على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، وهي تحديات فرضت على الإدارة السورية الجديدة أن تكون أكثر مرونة وتجاوبًا مع المتطلبات الدولية.
دبلوماسية عدم الانحياز
اتبعت الإدارة الجديدة نهجًا يرتكز على فلسفة عدم الانحياز كركيزة أساسية لإعادة تشكيل دورها في المشهدين الإقليمي والدولي، تجلى من خلال خطواتها الاستراتيجية المدروسة، حيث حظيت بدعم صريح من تركيا عبر زيارة مبكرة قام بها وزير الخارجية ورئيس المخابرات التركية إلى دمشق، ترافقت مع دعوة تركية للدول للتعاون معها، ما يعكس اعترافًا ضمنيًا بقدرتها على قيادة مرحلة جديدة.
أظهرت الإدارة السورية وعيًا دبلوماسيًا عميقًا من خلال استقبالها وفودًا عربية وغربية متنوعة، تلاها زيارات رسمية إلى السعودية وقطر والإمارات، في خطوة تحمل دلالات رمزية وسياسية تؤكد التزامها ببناء علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف، دون الارتهان لأي دولة على حساب مصالح دول أخرى.
وعلى صعيد موازٍ، يُشكل النهج التركي القائم على تصفير المشكلات مع دول الإقليم، بما يشمله من انفتاح على الإمارات والسعودية ومصر، وتحالف وثيق مع قطر، بيئة مواتية تدعم الإدارة الجديدة في مواجهة تعقيدات التحديات الأمنية والسياسية، وإدارة التنافس الإقليمي وتفتح أمامها آفاقًا أوسع للتعاون البنَّاء.
الرؤية الإصلاحية لنظام الحكم المستقبلي
تواجه الإدارة السورية الجديدة ضغوطًا كبيرة من الدول الغربية والعربية بشأن تنفيذ إصلاحات سياسية شاملة، خاصة تلك المتعلقة بتشكيل حكومة شاملة وإجراء انتخابات حرة. والتحدي الأكبر بالنسبة لها هو إقامة توافق سياسي داخلي بين مختلف القوى السياسية، بما في ذلك القوى المعارضة.
استجابت الإدارة السورية الجديدة لهذه المطالب بإعلانها عن قرب عقد مؤتمر وطني شامل يضم شخصيات من مختلف الاتجاهات السياسية، وهو ما يعكس رغبتها في بناء دولة شاملة تقوم على التعددية السياسية، في خطوة تهدف إلى طمأنة المجتمع الدولي والدول العربية بشأن نواياها في بناء نظام سياسي ديمقراطي. وتُظهر هذه الخطوات، الالتزام المبدئي بتلبية المطالب الغربية والعربية.
ومع ذلك، فإن هذه الاستجابة لم تخلُ من تعقيدات، فعملية التفاوض والبحث عن توافق سياسي شامل ستستغرق وقتًا طويلًا، وتصريحات القيادة حول حاجتها لـ 3 سنوات أخرى لصياغة دستور للبلاد يحدد شكل الحكم ويضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة، سيؤدي إلى ضعف الثقة البناءة مع الأطراف الدولية والإقليمية.
الاستجابة للأمن الإقليمي والتعاون الدولي
تواجه الإدارة السورية الجديدة تحديًا مركبًا يتمثل في تحقيق التوازن بين المتطلبات الأمنية الداخلية والالتزامات الإقليمية والدولية. ومن أبرز المطالب التي فرضتها القوى الغربية والعربية ضرورة ضمان استقرار إقليمي مستدام ومنع الجماعات المتطرفة من استغلال الفجوات الأمنية لتحقيق مكاسب تهدد الأمن السوري والإقليمي.
بادرت الإدارة إلى تبني استراتيجيات أمنية متعددة الأبعاد، شملت إعادة هيكلة القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي على أسس مؤسسية تتماشى مع مقتضيات الدولة الحديثة، مع تعهدات بتكثيف الجهود في مكافحة الإرهاب، وتوجيه تطمينات للدول التي ترتبط مصالحها ارتباطًا مباشرًا بأمن المنطقة، في مقدمتها “إسرائيل”، التي لطالما أبدت قلقها من أي تصعيد عسكري قد يمس حدودها.
كما التزمت بوضع خطط لتأمين حدود محكمة مع الدول المجاورة، مثل العراق ولبنان، وتكثيف عملياتها الأمنية ضد تجّار المخدرات، وكشفها عن عمليات تدمير مصانع الكبتاغون التي تركها نظام الأسد، وهو ما يظهر التزامها بالحفاظ على استقرار المنطقة، وإسهامها في تهدئة المخاوف الأمنية لدى الدول الإقليمية.
أما فيما يتعلق بالوجود الروسي، فقد انتهجت الإدارة السورية الجديدة دبلوماسية مدروسة. فبدلًا من تصعيد المطالب بشأن انسحاب روسيا من قواعدها العسكرية، قدمت إشارات إيجابية، مؤكدةً أن أي خروج روسي محتمل يجب أن يتم بطريقة تحفظ هيبة موسكو كقوة عظمى، وهو ما يُبرز نهجًا دبلوماسيًا براغماتيًا يوازن بين المتطلبات السيادية والعلاقات الدولية.
الاستجابة الاقتصادية
من الناحية الاقتصادية، كانت الاستجابة الأكبر من قبل الإدارة السورية الجديدة البناء لسياسة اقتصادية ليبرالية تشمل فتح الأسواق، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية. ولكن، نظرًا للتحديات الداخلية الكبيرة التي فرضها النزاع الدائر، كان من الصعب تنفيذ هذه السياسات بسرعة.
ورغم ذلك، فإن الإدارة السورية الجديدة أبدت استجابة مرنة في هذا المجال من خلال تنفيذ بعض الخطوات الاقتصادية المبدئية، مثل رفع القيود على بعض القطاعات الاقتصادية، وإجراء إصلاحات في النظام المصرفي السوري، بما يوفر حوافز للمستثمرين الأجانب الذين يرغبون في المساهمة بإعادة إعمار البلاد، وهو ما يعكس استجابتها للمطالب الغربية المتعلقة بإعادة الإعمار.
الخطوات التي اتخذتها الإدارة في المجال السياسي والأمني والاقتصادي تبعث على التفاؤل، حيث كانت تهدف إلى تلبية المطالب المحلية والإقليمية والدولية. في نهاية المطاف، ما يعزز فرص نجاحها في إعادة بناء سوريا كدولة ديمقراطية مستقرة.
المرحلة المقبلة وتعقيدات المشهد.. إدارة التنافس وتلبية المصالح
أثبتت المرحلة القصيرة التي أعقبت سقوط نظام الأسد نجاحًا ملحوظًا للإدارة السورية الجديدة في بناء علاقات دبلوماسية إيجابية مع مختلف الدول الإقليمية والغربية. ومع ذلك، فإن مرحلة التنفيذ العملي ورصد التطبيق ستكون مليئة بالتحديات، حيث يعتمد تعاطي الدول مع “الإدارة الجديدة” على ترجمة تصريحاتها إلى أفعال ملموسة تضمن مصالحها.
تبدو هذه المرحلة مرهونة بإحداث تغييرات جوهرية في المشهد الأمني السوري، الذي يشكل نقطة ارتكاز أساسية للدول الإقليمية والدولية. فالدول، بما فيها السعودية والإمارات ومصر، تشترط أن تكون سوريا الجديدة مستقلة ولا ترتهن لنفوذ دولة منافسة، خاصة مع وجود مخاوف من تحول “الإدارة الجديدة” إلى امتداد للنفوذ التركي، الذي لعب دورًا كبيرًا في إعادة تأهيلها وتقديمها كجهة مقبولة دوليًا.
تتجاوز تطلعات الفواعل الإقليمية والدولية مجرد العلاقات الدبلوماسية، حيث تهدف هذه الدول إلى المشاركة بفعالية في خريطة النفوذ السياسي والاقتصادي في سوريا الجديدة. مع تصاعد التنافس بين الأطراف المختلفة، ستواجه “الإدارة الجديدة” ضغوطًا لتحقيق توازن دقيق في تخصيص الأدوار بين هذه الدول ذات الثقل.
تشكل نافذة إعادة الإعمار محورًا مهمًا تبني عليه “الإدارة الجديدة” سياساتها الإقليمية والدولية، ستعتمد الإدارة الجديدة توزيع مشروعات إعادة الإعمار على الدول العربية والغربية بما يضمن تحقيق توازنات تقبل بها تركيا والإدارة الجديدة معًا.
من المتوقع أن تحصل تركيا على النصيب الأكبر من مشروعات إعادة الإعمار، مع تركيزها على إعادة تأهيل الجيش والقوات المسلحة وتطوير قطاع الأمن بالتشارك مع المملكة السعودية، إلى جانب رفع مستوى التجارة وتوسيع العبور الترانزيتي. من جهة أخرى، ستساهم قطر بدور تمويلي كبير في بناء البنية التحتية، بما يشمل إنشاء المطارات والطرق السريعة وتطوير شبكات المياه والطاقة.
أما بالنسبة لدور بقية الدول، فسيعتمد على التفاهمات التي تديرها تركيا مع هذه الدول، حيث أبدت تركيا مرونة مبدئية عبر اتصالات مكثفة مع السعودية والإمارات ومصر لتبديد مخاوفها وضمان شراكة عادلة في عملية إعادة الإعمار.
يمكن أن تشمل المجالات التي ستسهم فيها هذه الدول، إلى جانب الإعمار، الاستثمار في قطاعات التعليم والصحة وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب دعم مشروعات الطاقة المتجددة وإعادة تأهيل الصناعات المحلية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في البلاد.