خسارته عديد المواقع العسكرية وفشله في احتلال العاصمة طرابلس إلى الآن، جعل اللواء المتقاعد والمناهض لحكومة الوفاق الوطني خليفة حفتر يحوّل وجهته وكلّ اهتمامه نحو مدنيي تركيا، مهدّدًا باستهداف كلّ ما له علاقة بتركيا في البلاد. تهديدات تؤكّد حالة التخبّط التي يعرفها حفتر هذه الأيام، فهو من خسارة إلى أخرى.
تهديدات كبيرة
أيام قليلة على خسارته مدينة غريان الإستراتيجية، أمر خليفة حفتر قواته باستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية وكافة “الأهداف الإستراتيجية التركية” على الأراضي الليبية من شركات ومقار ومشروعات، وذلك ردًا على ما اعتبره “غزو تركي غاشم” تتعرض له ليبيا، حسب قول المتحدث باسم قوات شرق ليبيا اللواء أحمد المسماري.
وقال اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم قوات حفتر في بيان إن الأوامر صدرت “للقوات الجوية باستهداف السفن والقوارب داخل المياه الإقليمية وللقوات البرية باستهداف كافة الأهداف الاستراتيجية التركية”.
أقدمت الأجهزة الأمنية الموالية لحفتر بشرق ليبيا على اعتقال ستة أتراك، يشتغلون عمال في ورش للسيارات تم الافراج عنهم لاحقا
تابع “تعتبر الشركات والمقرات التركية وكافة المشروعات التي تؤول للدولة التركية أهدافًا مشروعة للقوات المسلحة ردًا على هذا العدوان، ويتم إيقاف جميع الرحلات من وإلى تركيا والقبض على أي تركي داخل الأراضي الليبية”.
وتابع المسماري في مؤتمر صحفي عقب هزيمة قوات حفتر في مدينة غريان (100 كيلومتر جنوب طرابلس) “القيادة ستحظر أي رحلات جوية تجارية من ليبيا إلى تركيا، فضلًا عن أنها ستتعامل مع أي طائرات وافدة من تركيا تحاول الهبوط في طرابلس باعتبارها معادية”. يذكر أن شركات ليبية تسير رحلات جوية منتظمة إلى تركيا انطلاقا من مطاري معيتيقة في طرابلس ومصراتة.
استهداف المصالح التركية
لم ينتظر حفتر وقواته كثيرًا، حتى بدؤوا في تطبيق بعض وعيدهم، حيث جرى منذ الخميس تعليق الرحلات الجوية من بنغازي إلى تركيا (الشرق الخاضع لحفتر)، بينما في الغرب الليبي تواصلت الرحلات الجوية بين تركيا ومدينتي مصراتة وطرابلس كالمعتاد.
وقد أعلن مطار بنينا في مدينة بنغازي عن إلغاء جميع رحلات الذهاب والعودة إلى تركيا، ودعا المسافرين الذين اشتروا تذاكر لإسطنبول إلى مراجعة مكاتب الحجز لاسترجاع 75%من قيمة الحجز. وطالبت إدارة المطار المسافرين الموجودين في إسطنبول الذين سافروا عبره بإلغاء الحجز عبر خط إسطنبول بنغازي واستبدال ذلك بالعودة عبر خط إسطنبول دمشق بنغازي.
إلى جانب ذلك، أقدمت الأجهزة الأمنية الموالية لحفتر بشرق ليبيا على اعتقال ستة أتراك، يشتغلون بحارة تم الافراج عنهم لاحقًا. كما قامت أيضًا بإغلاق المطاعم والمحال التجارية التي تحمل أسماء تركية، مثلما حصل في مدينة إجدابيا شرق البلاد.
وطالبت مديرية أمن إجدابيا الواقعة قرب ميناء البريقة النفطي، مديري الأمن التابعين لها في جنوب شرق ليبيا ومنطقة الهلال النفطي بقفل المحلات والورش والمطاعم التي يعمل فيها مواطنون أتراك وحصر الشركات التركية العاملة في هذه المناطق وإزالة اللافتات التي عليها شعارات تركية.
في نفس السياق، قالت قناة ليبيا الحدث التلفزيونية الموالية لحفتر، إن قيادة قوات حفتر “أوصت رئيس مجلس نواب طبرق بعقد جلسة للتباحث حول إمكانية تغير اسم مدينة بنغازي (شرق) بسبب الأصول التركية للاسم، وأيضا التشاور حول تعديل وتجريم أي مسميات أخرى موجودة في كامل التراب الوطني”، وفق قولها.
زوبعة إعلامية
“إثارة موضوع التهديدات التركية من قبل ميليشيات الكرامة التابعة لحفتر لا يعدو سوى زوبعة إعلامية فقط،” يقول الناشط السياسي الليبي فرج المجبري لنون بوست، ويضيف، ” هذه التهديدات أراد من خلالها إعلام الكرامة صرف الأنظار عن فقدان مدينة غريان التي تمثل مركز هام سيكون له تداعياته على المستوى الميداني.”
وكان حفتر، قد فقد مدينة غريان الإستراتيجية، الإربعاء الماضي، حيث تمكنت قوات تابعة للحكومة الوطني التي يقودها فائز السراج من السيطرة على كامل مدينة غريان (100 كيلومتر جنوب طرابلس)، ودخول مقر غرفة العمليات الرئيسية لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي يدار منها الهجوم على العاصمة طرابلس.
تعتبر غريان أكبر مدينة في الجبل الغربي من حيث عدد السكان والمساحة، وهي معبر حيوي لسكان الجبل الذين يتخطى عددهم نصف مليون نسمة في طريقهم إلى العاصمة طرابلس. وكان حفتر يتخذ هذه المدينة القاعدة الأمامية الرئيسية لعمليته العسكرية ضد العاصمة، حيث تصل إليها القوات والأسلحة والذخيرة من الشرق.
يؤكّد العديد من الليبيين أن التدخل السعودي الإماراتي المتنامي في بلادهم ساهم في مزيد تعقيد العملية السياسية في هذا البلد العربي
يسعى حفتر وأنصاره إلى التغطية عن هذه الهزيمة القاسية، ذلك أنه خسر النقطة التي ترتكز عليها قواته في الشرق، بما سينعكس سلبًا على ميليشياته المقاتلة على مشارف طرابس منذ أكثر من شهرين، دون أن تحقّق أهدافها التي سطرتها.
يذكر أن حفتر قد أعلن في الـ4 من أبريل/نيسان الماضي، وقبل أكثر من شهر، بداية حملة عسكرية تستهدف العاصمة طرابلس التي توجد فيها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلاً عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة، وقال حينها إن احتلال العاصمة لن يستغرق أكثر من 48 ساعة إلا أنه فشل في ذلك، حيث لم يتمكن إلى الآن من إحراز أي تقدم يذكر.
حرب بالوكالة
التهديدات التي أطلقها خليفة حفتر ضد المصالح التركية في ليبيا، يرى عضو الجبهة الإعلامية لحماية العاصمة طرابلس أنس المسلاتي، أنها حرب بالوكالة يقودها حفتر عن الدول الداعمة لمشروع العسكر في ليبيا على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات.
ويؤكّد العديد من الليبيين أن التدخل السعودي الإماراتي المتنامي في بلادهم ساهم في مزيد تعقيد العملية السياسية في هذا البلد العربي الذي يشكو من فوضى السلاح والإرهاب وتجارة البشر، ويؤكد هؤلاء أن التدخل السعودي الإماراتي في بلادهم غير مبرّر، فهما لا تملكان حق التدخل في ليبيا سواء أكان تدخلاً مباشرًا أم غير مباشر.
يقول المسلاتي لنون بوست، “الخسارة التي مُني بها حفتر في المنطقة الغربية، التي كان حلفائه يتوقعون دخولها في ظرف أيام قليلة واحتلال العاصمة، جعلتهم يبحثون عن طريقة للتغطية على الفشل الذي يلاحقهم منذ فترة طويلة”.
يضيف عضو الجبهة الإعلامية لحماية العاصمة طرابلس في حديثه لنون، “خسارة حفتر معقل رئيسي له كمدينة غريان هو أمر كارثي ومحرج له وللدول الداعمة له والتي روّجت بأنه الرجل القوي الذي باستطاعته أن يحكم ليبيا، لذلك حوّلت وجهتها نحو تهديد المصالح التركية”.
ويشير محدّثنا إلى السلاح النوعي الأمريكي والمباع للإمارات والذي غنمته قوات الوفاق من ميليشيات حفتر في مدينة غريان، ويرى أنس أن هذه الغنائم دقت ناقوس الخطر على دولة الإمارات، ما دفعها لمطالبة حليفها حفتر بالهجوم على المصالح التركية وإن كانت مدنية.
ويرى ليبيون، أنه فضلاً عن التعقيد في المشهد السياسي والأمني في ليبيا وإفشال جهود السلام، يسعى حفتر وحفاوة العرب والغربيين إلى غرس نظام عسكري في منطقة المغرب العربي، يكون كالشوكة في حلق الشعوب التواقة إلى الحرية والعيش الكريم.
ويعتقد هؤلاء أن غرس نظام عسكري في ليبيا من شأنه أن يقوض جهود شعوب المغرب العربي الساعية إلى الانتقال الديمقراطي والتخلص من أنظمة ديكتاتورية حكمت المنطقة لعقود عدة دون أن ترتقي بدولها، بل زادت في درجة تخلفها.
تركيا والوفاق يستنكران
هذه التهديدات وجدت رفضًا تركيًا كبيرًا، حيث قال الرئيس رجب طيب أردوغان، في مؤتمر صحفي من مدينة أوساكا اليابانية، على هامش قمة العشرين السبت، إن تركيا “ستتخذ التدابير اللازمة” حال صدرت أي خطوات عدائية في ليبيا ضدها من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
في ذات السياق، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أن بلاده سترد على أي هجوم تنفذه قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ضد مصالحها. وقال آكار لوكالة الأناضول التركية للأنباء إنه سيكون هناك ثمن باهظ جدا لأي موقف عدائي أو هجوم ضد مصالح بلاده، وإن أنقرة سترد “بالطريقة الأكثر فعالية والأقوى”. وأضاف أنه “ينبغي أن يكون معلوما أن تركيا أخذت كل أنواع التدابير للتعامل مع أي تهديد أو عمل عدائي ضدها”.
مدرعات تركية لمساعدة قوات الوفاق
من جهتها، نصحت وزارة الخارجية التركية رعاياها في ليبيا بتجنب الخطوات التي من شأنها أن تعرض أمنهم للخطر، والابتعاد عن مناطق الاشتباك، وطالبت تركيا -عبر رسالة نشرت في الصفحة الإلكترونية لسفارتها بالعاصمة طرابلس- المواطنين الأتراك بضرورة تجنب الخطوات التي من شأنها أن تعرض أمنهم للخطر فيما وصفتها بـ”المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات غير القانونية التابعة للواء المتقاعد في ليبيا خليفة حفتر، والتي تستخدم اسم الجيش الوطني الليبي”.
ودعت الرسالة المواطنين الأتراك إلى الابتعاد عن مناطق الاشتباك في الأماكن التي تخضع لسيطرة حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا.
بدوره، اعتبر المجلس الرئاسي الليبي التهديدات التي أطلقها المسماري ضد المصالح التركية دعوة للقتل والكراهية وتحريضًا على القتل على الهوية، مؤكدًا أنها ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما ندد المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بتلك التهديدات، وقال إنها محاولة لتبرير هزيمة قواته في مدينة غريان، وذرائع إضافية لتدخل الدول التي تسانده.
وتعتبر تركيا من أبرز الداعمين لحكومة الوفاق الوطني، في إطار مساعي أنقرة إعادة الاستقرار لهذا البلد العربي، وإنهاء النزاع هناك سلميًا، ما من شأنه أن يعود بالفائدة على الشعب الليبي الذي يعاني من أزمات طالت عديد المجالات.