في مطلع عام 2024، أعلنت الحكومة المصرية أنها ستبدأ في بحث عدد “ضيوفها”، وهو الاسم المُلطف لكلمة لاجئ في مصر، والتكلفة التي تتحملها الدولة في استضافتهم، وخلصت الحكومة إلى أن أعداد اللاجئين في مصر بحسب إحصاء الحكومة، يصل إلى 9 ملايين شخص من السودان وجنوب السودان وإريتريا وسوريا واليمن وغزة، تتكلف الدولة لرعايتهم أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا.
وأعلن رئيس الحكومة أن مصر تتكلف ما يفوق طاقتها في الوقت الذي لا تجد فيه المساعدة الكافية من المؤسسات الدولية المانحة، وتتأثر الحياة الاقتصادية اليومية للمصرية بذلك العبء دون أن يبالي أحد بتلك المعاناة.
في أعقاب نزوح الكثير من السودانيين إلى مصر هربًا من الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023 بدأت مصر الحديث عن قوانين جديدة تخص اللاجئين، وفي يونيو/حزيران من نفس العام، أفصحت الحكومة عن اعتزامها تقديم مشروع جديد للأجانب إلى البرلمان من أجل مناقشته وإقراره، دون الإعلان عن التفاصيل الخاصة بهذا القانون.
وبعد عام ونصف، وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان على القانون الذي تمت مناقشته سرًا وأصبح يُشكل واقعًا جديدًا في مصر.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أقر مجلس النواب المصري مشروع القانون المقدم من الحكومة بشأن لجوء الأجانب، وجاء في البيان أن القانون يهدف إلى وضع تنظيم قانوني لأوضاع اللاجئين وحقوقهم والتزاماتهم المختلفة في إطار الحقوق والالتزامات التي أقرتها الاتفاقيات الدولية التي انضمت مصر إليها، وذلك لضمان تقديم جميع أوجه الدعم والرعاية للمستحقين.
وحسب القانون ستنشأ لجنة دائمة لشؤون اللاجئين تكون منوطة بشؤون اللاجئين ومعلوماتهم وبياناتهم الإحصائية. وبذلك تحل محل المؤسسات الدولية والأهلية وتقوم بمهامها، وتتدخل في عمل مفوضية اللاجئين التي تعمل في البلاد منذ سنة 1954، حيث إن طلبات تسجيل اللجوء ستكون من خلال لجنة الحكومة المصرية.
في الصحف المصرية، رُصد القانون الذي صدق عليه الرئيس بعد شهر من إقرار مجلس النواب، كخطوة جديدة وإنجاز للحكومة في مسعاها لتوفير حياة كريمة للاجئين كغيرهم من أبناء البلد، فالقانون يكفل للاجئ مجموعة من الحقوق مثل الحصول على وثيقة سفر، وعدم تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو إقامتها، والحق في التقاضي والعمل، والاعتراف بالشهادات الدراسية الممنوحة في الخارج، كما بإمكانه التقدم لطلب الجنسية المصرية مستقبلًا.
كذلك يكفل حقوق الملكية الفكرية وحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية “السماوية”، ويُقدم النظر في طلبات اللجوء وفقًا للحالات الإنسانية والمرضية، ويكفل الحق للاجئ في الاحتكام لقوانين الأحوال الشخصية الخاصة ببلده.
فوضى متعمدة!
أثارت الحقوق التي يشتمل عليها القانون خاصة “التجنيس” غضب اللجان الإلكترونية القومية على موقع “إكس” وتصاعد خطاب الكراهية الذي تتقاعس الحكومة عن اتخاذ أي موقف لضبطه حينما يتعلق الأمر باللاجئين.
رصد “مجتمع التحقق العربي” حالة الغضب النشط التي سادت الهاشتاغ لأسابيع في مصر، حيث احتج الناشطون على ذلك الخبر من خلال إطلاق وسوم رافضة للقانون وتطالب بترحيل اللاجئين، منها وسوم #ضد_قانون_التوطين #ترحيل_جميع_اللاجيين_مطلب_شعبي، في 86 ألف تدوينة شوهدت نحو 7 ملايين و115 ألف مرة على الأقل، وكانت في نطاق رؤية محتملة من جانب 13 مليون حساب.
كما رصد التقرير أن بعض اللجان على موقع “إكس” هي التي حركت الهاشتاغات، ما يعني أن قطاعًا من المجتمع المصري تتملكه حالة من الغضب تجاه وضع اللاجئين في مصر، ويرون اللاجئين كخصم في سوق العمل والعقارات، وسبب رئيسي في تردي الأوضاع الاقتصادية، وحينما ننظر إلى طريقة إدارة الحكومة لأزمة اللاجئين في مصر سنجد أنها تقريبًا قد تعمدت إثارة فوضى من الأرقام تسببت في إذكاء حالة الغضب يومًا بعد آخر.
وفي مقابل أرقام الحكومة عن 9 ملايين لاجئ، وكلفة سنوية تقدر بـ10 مليارات من الدولارات، نجد أن الرقم المُعلن لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر هو 792 ألفًا، أكثرهم من السودانيين ويليهم السوريون. ويبدو أن الفجوة الكبيرة بين الرقمين لا يمكن أن يغطيها فقط المسجلون في قوائم انتظار طلب اللجوء الذين يعيشون في مصر بلا أي مظلة رعاية اجتماعية من المفوضية أو الحكومة، فالعديد من الأجانب يعيشون في مصر بوضعية الوافد أو الأجنبي.
وتراوغ الحكومة المصرية في المصطلحات حيث تُعلن أن لديها 9 ملايين أجنبي على أراضيها من 133 دولة، وهي بالتأكيد تشمل الأجانب من الدول الأوروبية والخليجية المقيمين في مصر لأسباب تتعلق بالعمل أو الدراسة، بالإضافة للسودانيين والسوريين المقيمين بشكل عادي دون أن تتحمل الدولة تكلفة رعايتهم، وفي الواقع تُدرك الحكومة ذاتها الفرق جيدًا ولكنها لا تُصرح به في المؤتمرات الكبرى التي يعقدها رئيس الحكومة.
وحسب المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء محمد الحمصاني في أبريل/نيسان من عام 2024 فإن هناك فرقًا بين اللاجئ والأجنبي، واللاجئون يزيد تعدادهم على 400 ألف وفقًا لتسجيل المفوضية.
وفي الواقع، تستفيد الحكومة كثيرًا من وجود الأجانب على أراضيها لأغراض عدة، تُدخل من خلالها العملة الصعبة وتُنعش بها خزائنها، ولكن لا يُذكر مثل هذا الكلام في مؤتمرات رئيس الوزراء، ولتنظيم تلك الحالة من الفوضى التي اختلقتها الحكومة، جاء القانون الجديد في 39 مادة، لكنه يتمحور حول ثلاثة مبادئ أساسية، مصاغة بكلمات مطاطة يمكن أن تؤول وهو ما أثار الغضب من المؤسسات الحقوقية تجاه القانون التي رأت فيه الكثير من البنود التعسفية التي تتيح للحكومة استباحة اللاجئ في مصر.
من أجل طلب اللجوء والحصول عليه، يجب أن يلتزم اللاجئون بالآتي: احترام مصر وتقاليدها، يحظر على اللاجئين القيام بأي فعل يضر الأمن القومي العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ مؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية أو أي منظمة تكون مصر عضوًا فيها، ويحظر عليهم أيضًا القيام بأي عمل عدائي ضد بلدانهم، ويحظر المشاركة بأي شكل من الأشكال في أي عمل حزبي سياسي وأي عمل نقابي.
لاجئ مُستباح ومُنعش للخزينة
المبادئ الثلاث نطلق منها منظمة مثل “العفو الدولية” التي أصدرت تقريرًا تحت عنوان “مشروع قانون اللجوء الجديد المُعجَّل هو بمثابة إهانة لحقوق اللاجئين” كان أول انتقادها ومآخذها على القانون أنه أمر دُبر ليلًا، في غياب المؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني.
ورغم أن القانون يتماشى مع بعض اتفاقات التزامات مصر الدولية في قضية اللجوء، فإنه يتيح للحكومة المصرية مجموعة من الإجراءات التعسفية في حق اللاجئين حيث يجيز على نحو ملحوظ، الاحتجاز التعسفي لطالبي اللجوء واللاجئين لأسباب تتعلق بالهجرة فقط، ويقيد بشكل غير مُبرَّر الحق في طلب اللجوء، ويتيح إعادة الأفراد بصورة غير قانونية دون أي ضمانات إجرائية، ولا يحظر صراحةً الإعادة القسرية. كما يتضمن أحكامًا تمييزية تُقيد حرية تنقل اللاجئين وطالبي اللجوء، ولا يلبي حقوقهم في التعليم والسكن والضمان الاجتماعي.
كذلك يتعدى القانون الجديد على حق حرية العقيدة للاجئ في الوقت الذي يدعي فيه كفالته، فهو يضيّق من دائرة العقيدة حيث يربطها “بالأديان السماوية” وهو ما يفتح الباب للحكومة لأن تنظر بعين الشك إلى أتباع أي معتقد آخر، وهو ما يُمكنها كذلك من تجريد اللاجئ من حقوقه وطرده إذا ارتأت أن ذلك المعتقد يؤثر على “قيم المجتمع المصري” ويتعارض مع ثقافة الدولة المصرية.
كما يُجرم القانون إيواء اللاجئين دون إخطار مسبق إلى الشرطة، وبذلك، يجعل مسؤولية تقديم المساعدة حصرًا على اللجنة الحكومية لشؤون اللاجئين، وهو ما يُعرض الكثير من المبادرين بشكل فردي أو المؤسسات الحقوقية الناشطة في مجال حقوق اللجوء إلى أحكام قد تصل للحبس والغرامة، دون وجود أي سند قانوني للتجريم.
تُتهم الحكومة المصرية أيضًا، أن اللجوء إلى قانون الأجانب الجديد هدفه جعل مصر محطة لتوطين اللاجئين من أجل القضاء على الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي، وهو يشبه كثيرًا المسعى الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي مع تونس من قبل، حيث تدخل لإنقاذها في أزمتها الاقتصادية السيئة عام 2023 وضخ حزمة من المساعدات والأموال، وهو ما حدث في مصر كذلك في أعقاب المؤتمر الخاص برئيس الحكومة الذي تحدث فيه عن أعباء الدولة المصرية في مسألة اللاجئين، حيث قام الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2024 بمنح مصر 7.4 مليار دولار للتأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي.
تجديد أم تقنين؟
في المسألة المتعلقة بالوضع السياسي للقانون، والذي يبدو أنه الشق الأهم الذي استند إليه ليمنح الدولة المصرية الحق في الترحيل والتجريد كما تشاء، لا يبدو أن القانون أتى بجديد، بل ما قام بفعله هو “التقنين”.
قبل إقرار القانون، دأبت الدولة المصرية في سبيل الحفاظ على الأمن العام، على اعتقال وترحيل اللاجئين من البلاد منتهكة اتفاقيات اللجوء الدولية، ويحفل عام 2024 فقط دون الحاجة إلى التفتيش في السجل، بالكثير من الحالات.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قامت الحكومة المصرية بترحيل 3 سوريين من أراضيها دون إبداء أسباب وتفاصيل، ليلتحقوا بـ5 سوريين آخرين كانت الحكومة قد رحلتهم في أغسطس/آب، فضلًا عن 3 آخرين رُحلوا في مطلع عام 2024.
وفي أعقاب سقوط نظام الأسد، اعتقلت أجهزة الأمن المصرية 30 فردًا سوريًا كانوا قد احتفلوا بسقوط النظام، ورحلت 3 منهم بالفعل، وما زال البقية يواجهون مصيرًا معلقًا.
وتكرر الأمر مع 100 لاجئ سوداني تقريبًا في العام ذاته، وبعض التقارير الأخرى التي قدمتها صحيفة “رويترز” تتحدث عن أن العدد يقترب إلى 1000، وما زال 4 صحفيين من السودان يواجهون خطر الترحيل بعد اعتقالهم في السجون المصرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.