من الصعب أن تجد شعبًا يترقب انتظار تحريك أسعار الوقود بشغف كما يفعل المصريون، فعلى مدار الأيام الماضية خيم الترقب الممزوج بالقلق على الشارع المصري وسط أنباء تشير إلى رفع أسعار المحروقات بين الساعة والأخرى، وبين تأكيد الخبر من مصادر غير مسئولة والتزام الحكومة الصمت، حالة من الجدل تفرض نفسها على الجميع.
وفق التوقعات كان من المقرر أن يتم رفع أسعار الوقود منتصف يونيو الماضي فيما ذهبت مصادر أخرى إلى تأجيلها للعام المالي الجديد الذي يبدأ اليوم، الأول من يوليو، والذي يتزامن بدوره مع بدء تطبيق الزيادة المقررة على فواتير الكهرباء وقبلها بأيام قليلة كانت زيادة تذاكر مترو الأنفاق بنسب تتراوح ما بين 50-300%
وتأتي هذه التحركات التزامًا من الحكومة المصرية بالاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي في 2016 للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار يُدفع على مدار 3 سنوات، مقابل التزام القاهرة بتنفيذ برنامج إصلاحات اقتصادية، يتضمن تحرير أسعار الوقود والكهرباء ورفع الدعم نهائيًا عن السلع الأساسية.
الخامسة منذ 2014
في 12 ديسمبر قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مداخلة هاتفية لبرنامج يحدث في مصر على فضائية “إم بي سي مصر” : “شوفوا لتر البنزين في أوروبا بـ30 جنيهًا مصريًا”، الجملة جاءت تبريرًا لموجات الزيادة المتتالية في أسعار المحروقات، وهو الوتر الذي اعتاد المسئولون في مصر العزف عليه في هذا المضمار.
وقبلها بيوم واحد فقط كان وزير البترول طارق الملا يدغدغ مشاعر المحتجين على رفع الأسعار بقوله “لا يوجد دعم للمحروقات نهائيًا في الدول الأوروبية، وهي تعمل على الاستخدام الأمثل للوقود” وذلك خلال مداخلة هاتفية له ببرنامج “صالة التحرير” المذاع على قناة “صدى البلد”
تصريحان لا يفصل بينهما أقل من 24 ساعة، أحدهما صادر عن رئيس الدولة والأخر عن الوزير المسئول عن قطاع البترول في مصر، يعكسان وبصورة واضحة حالة انفصام كامل عن الواقع بكل تفاصيله، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات التي جرت على لسان رجل الشارع، على رأسها: لماذا تقارنونا بأوروبا في الأسعار ولا تقارنونا بها في الرواتب والأجور والخدمات المقدمة؟ وهو السؤال الذي طالما وجه للحكومة دون إجابة واضحة.
من المتوقع أن تسهم زيادة أسعار المحروقات في إحداث قفزة كبيرة في منظومة السلع والخدمات المقدمة، الأمر الذي سينعكس سلبًا على معدلات التضخم التي ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر وإن تراجعت في الأشهر الأخيرة
الزيادة المتوقعة بين الحين والأخر للمحروقات ليست الأولى من نوعها فهي تعد الرابعة منذ تحرير سعر صرف الجنيه (العملة المصرية) في نوفمبر/تشرين 2016 والخامسة منذ وصول السيسي للحكم في 2014، كما أنها لن تكون الأخيرة حسب الخطة الإصلاحية المعتمدة من صندوق النقد.
في يونيو/حزيران 2018 رفعت السلطات المصرية الوقود للمرة الرابعة بنسب تجاوزت 50%، ليرتفع سعر بنزين (80) إلى 5.5 جنيه للتر الواحد، وارتفع سعر بنزين (92) إلى 6.75 جنيه، في حين ارتفع سعر بنزين (95) الأقل استخدامًا من 6.6 جنيه إلى 7.75 جنيه، فيما ارتفع في نفس الشهر عام 2017 بنسب تصل إلى 55%.
وفي نوفمبر 2016 زادت الأسعار بنسب تراوحت بين 30 و47%، أما في يوليو 2014 فقد ارتفعت نسب اقتربت من الضعف، لتتراوح الزيادة الإجمالية ما بين 400% و500%، منذ تولي الرئيس الحالي مقاليد الأمور، ومن المتوقع أن ترتفع مرة أخرى على الأقل وصولا إلى رفع الدعم بصورة كاملة مع بداية العام القام.
فواتير الكهرباء.. نار
بداية من فواتير يوليو الحالي سيتم تطبيق الأسعار الجديدة للكهرباء، التزاماً بخطة تحرير أسعار بيع الكهرباء نهائياً، التي تضمنت خفضاً في دعم الكهرباء بنسبة 75% في موازنة الدولة للعام المالي 2019-2020، وذلك بتخصيص 4 مليارات جنيه فقط لدعم القطاع، بدلاً من 16 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2018-2019.
حالة من الترقب تخيم على المصريين في انتظار الأرقام الباهظة المتوقع أن تكون عليها فواتير هذا الشهر في ظل ارتفاع درجات الحرارة وعليه كثافة في استخدام الأدوات الكهربائية المنزلية، ووفقاً للزيادة الجديدة، ارتفع سعر الكيلو وات في الشريحة الأولى للاستهلاك المنزلي (من صفر إلى 50 كيلو وات في الشهر) من 22 قرشاً إلى 30 قرشاً، وفي الشريحة الثانية (من 51 إلى 100 كيلو وات) من 30 قرشاً إلى 40 قرشاً، وفي الشريحة الثالثة (من صفر إلى 200 كيلو وات) من 36 قرشاً إلى 50 قرشاً، وفي الشريحة الرابعة (من 201 إلى 350 كيلو وات) من 70 قرشاً إلى 82 قرشاً.
أما الشريحة الخامسة (من 351 إلى 650 كيلو وات) فارتفع سعر استهلاكها من 90 قرشاً إلى 100 قرش، وفي الشريحة السادسة (من 651 إلى 1000 كيلو وات) من 135 قرشاً إلى 140 قرشاً، لم تطاول الزيادة سعر الكيلو وات البالغ 145 قرشاً في الشريحة السابعة (أكثر من 1000 كيلو وات في الشهر)، باعتبار أن هذه الشريحة لا تحصل على دعم من الدولة منذ الزيادة التي أقرت في يوليو/ تموز 2018.
اللافت للنظر أن الشريحة الأولى وهي الأكثر استخداما والمرتبطة بمتوسطي ومحدودي الدخل هي الأكثر تأثرًا بالزيادة خلال موجات الارتفاع الأخيرة، بدءَا من 5 قروش في يوليو/ تموز 2013 إلى 30 قرشاً وفق الزيادة الجديدة بنسب تبلغ 600% هذا في الوقت الذي لم تتجاوز فيه نسب زيادة الشرائح الأكبر حاجز الـ 150%.
فوفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد بلغت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27,8%
زيادة في المعاناة
من المتوقع أن تسهم زيادة أسعار المحروقات في إحداث قفزة كبيرة في منظومة السلع والخدمات المقدمة، الأمر الذي سينعكس سلبًا على معدلات التضخم التي ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر وإن تراجعت في الأشهر الأخيرة في الوقت الذي ينتاب البعض تخوفات معادة الارتفاع مرة أخرى.
البون الشاسع بين الزيادات الجنونية في أسعار السلع والقيم الشرائية للرواتب والأجور تكشف وبشكل ملفت للنظر حالة الهشاشة الكبرى التي بات عليها المجتمع المصري خلال السنوات الماضية، وهو ما تجسده معدلات الفقر التي تزيد بمنحنيات فائقة السرعة منذ 2016 وحتى اليوم.
فوفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد بلغت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27,8%، بحسب بحث الدخل والإنفاق لعام 2015 ، وفي عام 2017 ذكر الجهاز أيضًا أن 27% من سكان مصر لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، ويقع 30 مليون مصري تحت خط الفقر وفق الإحصائيات الرسمية للعام الماضي، وأن متوسط دخل الأسرة المصرية يبلغ 45 ألف جنيه سنويًّا، بينما متوسط دخلهم الشهري 3750 جنيهًا، تزامنًا مع ذلك زيادة مرتفعة للأسعار ومعدل التضخم السنوي بنسبة 12,9% في مايو 2017، كما ارتفعت الأسعار إلى 188,9 نقطة مقابل 182,8 نقطة خلال أبريل 2017.
مزيد من معاناة الفقراء أبرز نتائج خطة الإصلاح
الأمر يبدوا أنه لن يقف عند هذا الحد وفقط، وهو ما حذر منه الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذي أوضح أن معدلات الفقر سالفة الذكر قابلة للزيادة خلال الفترة المقبلة، مشيرًا أن التقرير الإحصائي للجهاز المركزي أشار إلى أن قيمة متوسط خط الفقر المتوقع للفرد في الشهر لا تتجاوز 322 جنيهًا ، بينما وصلت قيمة متوسط خط الفقر الكلي للسكان 482 جنيهًا شهريًّا، هذا على حساب دولار واحد في اليوم في الوقت الذي يحدد فيه خط الفقر العالمي بدولارين في اليوم.
صادق في تصريحاته التي أدلى بها بـ “نون بوست” توقع زيادة نسبة الجريمة ومعدلات السرقة خلال الأيام المقبلة في ظل التداعيات السلبية لقرارات الإصلاح الاقتصادي التي تعتمد في المقام الأول على استنزاف جيوب الفقراء عبر خفض الدعم وزيادة الرسوم والضرائب.
الأمر ذاته أكد عليه الدكتور محمود الشريف، الخبير الاقتصادي المصري، والذي أشار إلى أن الحكومة ليس لها برنامج اقتصادي واضح ومحدد المدة لعلاج ملف الفقر والبطالة، مشيرًا أن تلك القرارات تسببت في تحمل الفقراء زيادة في الأسعار وصلت إلى 200%، في الوقت الذي لم ترتفع فيه الرواتب الخاصة بهم، وهو ما يقضي على الطبقة الوسطى، في حين كان يمكن تحميل الطبقة الغنية جزءًا من الأعباء أعلى من المواطن الفقير، وهذا لم يحدث رغم مطالب الخبراء الاقتصاديين بذلك.
وهكذا يقبع المصريون في مقاعد المتفرجين في انتظار التطبيق الفعلي لقرار زيادة أسعار المحروقات، القرار الذي تم اتخاذه قبل فترة وظل موعد تنفيذه مجهولا تجنبًا لأي رد فعل، هذا في الوقت الذي تشير فيه بعض المصادر أن بطولة الأمم الإفريقية التي تحتضنها مصر هذه الأيام ستكون فرصة سانحة لإدخال القرار حيز التنفيذ.