ترجمة وتحرير: نون بوست
بمجرد إلقاء نظرة على أي غرفة في مستشفى في الولايات المتحدة اليوم، سترى شيئا يجعلك تنظر بسخرية للتكنولوجيا: حيث ستشاهد الصورة النمطية التي يظهر فيها مقدم الرعاية الصحية وهو يتحدث مع المريض، بينما يلتفت للجهة الأخرى ويدون ملاحظاته على جهاز كمبيوتر. بمعنى آخر، فإن الوقت الوحيد الذي يقضيه المريض مع طبيبه، يكون فيه الأول بصدد النظر إلى ظهر الثاني، وليس إلى وجهه.
إلى جانب فقدان الجانب الإنساني في ميدان الرعاية الصحية، فإن الساعات الطويلة التي يقضيها الأطباء والممرضون في إدخال هذه المعلومات والملاحظات إلى الحاسوب، سلطت عبئا ثقيلا على العاملين في قطاع الرعاية الصحية، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالإجهاد والاكتئاب، وحتى الانتحار في بعض الحالات.
في هذا الصدد، يقول رايان بلاش، نائب مدير التطوير والاستراتيجيات في شركة سايكارا، وهي من المؤسسات الناشئة التي تنتج برمجيات المساعد الصوتي للمؤسسات الطبية: “إن موظف الرعاية الصحية يقضي ما بين ساعتين وثلاث ساعات كل ليلة، في إدخال البيانات التي قام بجمعها إلى الحاسوب. وبهذه الطريقة، حولنا الأطباء والممرضين إلى مجرد موظفي إدخال بيانات، يحصلون في مقابل ذلك على مرتبات خيالية”.
يرى المسؤولون في شركة سايكارا في سياتيل أن المشكل الحقيقي في التكنولوجيا في قطاع الصحة اليوم، لا يكمن في رغبتنا في تجميع البيانات وتكديسها، بل في استخدامنا لتقنية غير مناسبة لتسجيل هذه البيانات
في مقال سابق في قسم التكنولوجيا الصحية في مجلة “جيك واير”، كنا قد أشرنا إلى انتشار تكنولوجيا المساعد الصوتي في قطاع الرعاية الصحية. وقد استمعنا إلى المسؤولين في شركتي سايكارا وتوزاغ، وهما من الشركات الناشئة في مدينة سياتل، وتعملان على إنشاء تكنولوجيا المستقبل التي تمكن المساعد الصوتي من جعل الرعاية الصحية أكثر إنسانية، وذلك عبر تحرير الأطباء من لوحة مفاتيح حواسيبهم. وهو ما يمكنها حتى من إنشاء علاقة مع المرضى. واليوم، يستخدم الكثيرون من مقدمي الرعاية الصحية في الولايات المتحدة برمجيات المساعد الصوتي، من أجل تحديد مواعيد مقابلة المرضى، ومراقبتهم.
في هذا الشأن، يرى المسؤولون في شركة سايكارا في سياتيل أن المشكل الحقيقي في التكنولوجيا في قطاع الصحة اليوم، لا يكمن في رغبتنا في تجميع البيانات وتكديسها، بل في استخدامنا لتقنية غير مناسبة لتسجيل هذه البيانات. ويقول هارجندر ساندو، المدير التنفيذي لشركة سايكارا: “نحن نسمع الكثير من التذمر حول وقت النوم، وكيف أن كثيرين يقضون جزءا من وقت راحتهم في غرف نومهم أمام أجهزة الحواسيب، وهم يحاولون الانتهاء من إدخال كل البيانات اللازمة”.
ثم أضاف: “لوضع حد لهذه الظاهرة، طورت شركة سايكارا مساعدا صوتيا فريدا من نوعه، حيث أنه يستمع دون أن يرد. وينصت هذا التطبيق في صمت إلى أي حوار طبيعي بين الطبيب أو الممرض من جهة، والمريض من جهة أخرى، ثم يحول هذا الحوار إلى ملاحظات تشبه إلى حد كبير ما يدونه الطبيب العادي، ويجمع هذه الملاحظات في السجل الطبي الإلكتروني”.
تملك هذه التطبيقات الصوتية أيضا القدرة على تغيير تجربة الرعاية الصحية بالنسبة للمرضى
لقد ظل ساندو يعمل على هذا المشكل لوقت طويل، حيث أنه منذ قرابة 20 عام كان قد شارك في تأسيس هذه الشركة الناشئة، لتحويل الوثائق الطبية من الحالة الصوتية إلى المكتوبة، وهو عمل كان يقوم به البشر فقط في الماضي. واليوم يواصل ساندو هوسه بحل هذا المشكل، لأنها من أكثر الوظائف التي تستهلك الطاقة والوقت في قطاع الرعاية الصحية. ويقول ساندو: “عندما تطلق شركة ناشئة، فإنك تبحث عن الفرص المتاحة، واليوم ما هو أكبر مصدر للإزعاج والإرهاق في النظام الصحي؟ من الواضح أن الأغلبية الساحقة، إن لم نقل كل الأطباء، تقضي وقتا عصيبا في التعامل مع السجلات الطبية الإلكترونية”.
من جهته، يقول بلاش: “إن المساعد الصوتي يوفر فرصة تفريغ كل البيانات اللازمة من الحوار الذي يدور بين الطبيب والمريض، في أسرع وقت ممكن، حيث أن هذه البرمجية تسمح بالقيام بهذا العمل بشكل ممنهج وسليم، وتحافظ على سرية البيانات الطبية، وتضمن دقة المعلومات المسجلة”. وفي المستقبل القريب، يعتقد ساندو وبلاش أن المرضى سيتفاعلون مع المساعد الصوتي بشكل تلقائي، حتى قبل دخول الطبيب للغرفة.
مساعد صوتي للرعاية الصحية بلمسة إنسانية
نيل سوفيان، المدير التنفيذي لتوزاك
تملك هذه التطبيقات الصوتية أيضا القدرة على تغيير تجربة الرعاية الصحية بالنسبة للمرضى، حيث أن الشركة الناشئة توزاغ على سبيل المثال بصدد تطوير مساعد صوتي بتقنية الذكاء الاصطناعي، تتيح للمرضى استخدام الحوار الصوتي أو المحادثة المكتوبة. ويعتقد نيل سوفيان، المدير التنفيذي لشركة توزاغ، أننا نحتاج إلى جمع نوعية البيانات التي لا تصل في العادة إلى السجلات الطبية، مثل تفاصيل حول البيئة التي يعيش فيها المريض، والتي تلعب دورا مهما في تحديد حالته الصحية. وقد تساهم هذه العوامل في تحديد نوعية العلاج المناسب، إلا أنه غالبا ما يتم الانتباه إليها خلال الزيارات الروتينية.
يقول سوفيان: “إذا فهمت ظروف عيش المرضى، فيمكنك بناء حوار متواصل معهم، ثم مساعدتهم على حل مشاكل حياتهم. إذا لم تقم بجمع البيانات الضرورية، فكيف يمكنك مساعدتهم؟” ومن خلال طرح أسئلة شخصية أكثر، يمكن لمقدمي الرعاية الصحية تحسين علاقتهم مع المرضى؛ إذ يكتنف هذه العلاقة في العادة الروتين والرتابة. ولا يعد ذلك ذنب الأطباء بل سببه النظام الطبي بشكل عام”.
عموما، رغم أنه لن يشعر الجميع بالراحة عند إفشاء أسرارهم الشخصية لبرمجية ذكاء اصطناعي، فإن سوفيان يعتقد أن أغلب الناس سوف يقبلون على هذه الفكرة ما داموا يحصلون منها على منافع. ويقول سوفيان: “إذا قمت بكل بساطة بإبراز مزايا هذه التكنولوجيا، فإن عددا قليلا من الناس سوف يتمسكون بمخاوفهم حول مسألة الخصوصية. بالطبع، هنالك شريحة من المرضى التي ستهتم بهذا الجانب، ويجب احترام رغباتهم، ولذلك فإن برمجية المساعد الشخصي التي نطورها يجب أن تتيح للمريض خاصية اختيار البيانات التي يعتبر أنه من المناسب تدوينها”.
في هذا الصدد، حضرنا تجربة للمساعد الصوتي الذي أنتجته توزاغ، وهو يحمل إسم لايف 365، لمعرفة ما إذا كان المساعد الذي يعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المستقبل سيؤدي دوره بشكل جيد. وقد تمكنت هذه البرمجية من تغطية كل الأسئلة الطبية المهمة، حول ما إذا كانت الحالة طارئة أم لا، والأدوية التي يتعاطاها المريض. كما أظهرت برمجية لايف 365 روح الدعابة لديها، فقد سألتني حول الحيوان المفضل لدي. وبعد أن عرفت أن نوع الأفلام المفضل لدي هو الخيال العلمي، قالت لي: “إنني أعشق أفلام الخيال العلمي، وخاصة تلك التي يتحول فيها الذكاء الاصطناعي إلى كائن حي”.
المصدر: جيك واير