تتفق الدول الإسلامية عامة والدول العربية خاصة، في الكثير من الأمور المتعلقة بالعادات والتقاليد وخاصة فيما يتعلق بمراسم الزواج، فما تجده في بلد عربي هو عينه ما تجده أو تجد ما يتشابه معه في بلد عربي آخر، والمثير للاهتمام أن معظم العادات العربية في الزواج تتفق مع العادات التركية، ولعل هذا التوافق أتى منذ زمن الدولة العثمانية، ولكن هناك بعض الاختلافات بين الأمتين: العربية والتركية يمكن المقارنة بينهما.
قد تختلف بعض التفاصيل الخاصة في عادات العرب في الزواج تبعًا لعوامل كثيرة كالمساحة الجغرافية الكبيرة التي تحتلها الأمة العربية ما بين آسيا وإفريقيا، ومن المحيط للخليج، وذلك يؤثر بطبيعة الحال على العادات المكتسبة في كل منطقة وما يجاورها، كما للعامل التاريخي والإرث الثقافي دوره في هذا الاختلاف، فالمنطقة العربية تعرضت للاحتلال والاستعمار والحكم من أمم كثيرة أثرت على كل دولة منها.
المجتمع التركي يتركب من خليط من الشعوب التي جاءت في فترة الدولة العثمانية وبقيت في تركيا التي كانت تضم عشرات الدول من آسيا وأوروبا وإفريقيا، وجلب كل منه عاداته وتقاليده الخاصة
وكذلك الحال ينطبق على الأمة التركية فيما يتعلق بعادات الأتراك في الزواج، التي تأثرت أيضًا بعوامل لعبت دورًا في تشكيل هذه العادات، منها أن تركيا تتميز باتساع مساحتها الجغرافية، وبالتالي فإن تقاليد الزفاف المتبعة فيها تختلف بين شمالها وجنوبها، وشرقها وغربها، فهناك أجزاء تقع في آسيا وأجزاء في أوروبا، ومناطق قريبة من العالم العربي، وبالتالي فقد طبعت وتطبعت بعادات هذه المناطق.
كما أن المجتمع التركي يتركب من خليط من الشعوب التي جاءت في فترة الدولة العثمانية وبقيت في تركيا التي كانت تضم عشرات الدول من آسيا وأوروبا وإفريقيا، وجلب كل منه عاداته وتقاليده الخاصة التي انعسكت على عادات وتقاليد الأتراك.
بعد معرفة طبيعة تشكل العادات في الأمة العربية والأمة التركية، ننتقل للحديث عن العادات والإجراءات الخاصة بالزواج في الوطن العربي، ومقارنتها بمثيلتها في تركيا، اللذين يرتبطان ببعضها البعض ارتباطًا تاريخيًا واجتماعيًا وثقافيًا بعقد وثيق.
مقارنة بين عادات الزفاف بين الأمتين التركية والعربية
الطلبة
يتم ذلك عادة على مستوى الأسرة في الوطن العربي، حيث يلتقي العريس وعائلته مع أسرة العروس لطلب إذن الزواج من ابنتهم، في حالة غياب الأب، سيُطلب من ولي أمره كعمه أو أخيه الأكبر، وبعد أن يوافق كل من العروس ووالدها، يتم تقديم العصير.
هناك ما هو متفق عليه عند العرب والأتراك، بأن إذا تم التقدم لخطبة عروس من عائلة شاب ليسوا على معرفة بأهله، فإنهم يطلبون مدة للتفكير والسؤال عن العريس، قبل إعطاء الرد بعد أسبوع
يتشابه الأمر في تركيا، حيث يقوم العريس بالضرورة بزيارة لبيت العروس ليطلبها من أبيها، مع كبار وفضلاء العائلة، في يوم الأحد أو يوم الخميس، لاعتقادهم بأنها أيام تجلب الطالع الطيب، ويقوم كبير عائلته بالحديث قائلًا: “نريد بنتكم فلانة لابننا فلان بشرع الله وسنة نبيه”، وبعد الموافقة يتم قراءة الفاتحة بعد ذلك.
كما أن هناك ما هو متفق عليه عند العرب والأتراك، بأن إذا تم التقدم لخطبة عروس من عائلة شاب ليسوا على معرفة بأهله، فإنهم يطلبون مدة للتفكير والسؤال عن العريس، قبل إعطاء الرد بعد أسبوع.
وفي تركيا ليس هناك ما هو متعارف عليه في الكثير من البلاد، وهو ما يعرف بالمهر، أي المعجل والمؤجل، وكل ما يقوم به العريس هو إحضار طقم رمزي من الذهب لإلباسه للعروس في يوم الزفاف.
قراءة الفاتحة
تعتبر قراءة سورة “الفاتحة” بمثابة الصورة الأولى لتمهيد الخطبة والارتابط بين العروسين سواء في تركيا أم الوطن العربي، باعتبار أن الأغلبية مسلمة في هذه الدول وتتبع الشريعة الإسلامية، كما أنها تُقرأ على نية الخير الذي سيحدث بين العائلتين والعروسين، ومقدمة للحديث عن اللوازم التابعة للخطوبة والزفاف.
الخطوبة وكتب الكتاب
في أغلب دول العرب تكون عبارة عن حفل زفاف بسيط حيث يمكن ارتداء ملابس العروس والعريس بألوان مطابقة، ويلبسون خواتم الارتباط، وعادة ما يكون هناك عشاء ومعه قطع من الكيك، احتفالًا بترسيم العلاقة، وهناك الكثير من الدول العربية تتسم عادات الخطوبة فيها بكثرة تكاليفها ومستلزماتها، ويلي ذلك كتب الكتاب.
يقوم العريس بتلبيس خاتم الخطوبة في نفس اليوم الذي تتم فيه قراءة الفاتحة، أو في يوم آخر يتفق عليه الطرفان
والعكس تمامًا في تركيا، حيث تتسم الخطوبة بالهدوء وعدم التكلف في المصاريف، فيتم الاكتفاء بإحضار خاتم بسيط للعروس وخاتم آخر للعريس، فمثلًا يختار العروسان في معظم الأحيان خواتم زفاف نفس التصميم، ولكن تختلف في نوع المعدن، إما ذهب أو فضة، والأهم أن الخاتمين لا بد أن يربطا معًا بعد الشراء بشريط من قماش الساتان الأحمر، وتقوم والدة العروسة بفك هذا الرباط، وهو تعبير عن انتقالها لحياة جديدة بعيدًا عن منزل والدها، وتليها مرحلة تلبيس الشبكة، وتلف أيضًا بأشرطة ساتان حمراء.
يقوم العريس بتلبيس خاتم الخطوبة في نفس اليوم الذي تتم فيه قراءة الفاتحة، أو في يوم آخر يتفق عليه الطرفان، حيث يعاود أهل العريس زيارة بيت العروس، ويحضرون معهم باقة ورد وشيكولاتة، للاتفاق على تفاصيل يوم الخطبة.
حفلة الحناء
وهي النسخة العربية لحفل “توديع العزوبية”، وهي من أقدم العادات والتقاليد المرتبطة بالزفاف العربي والتركي، حيث تقوم العروس بطلاء الحنة على كفها وقدمها، بحفلة مصحوبة بالطعام والموسيقى والرقص، وعن أصل عادة حفلة الحناء تقول الأسطورة إن ليلة تعود إلى زمن إيزيس وأوزوريس، حيث عمد إله الشر “ست” إلى قتل أوزوريس طمعًا في الملك وغيرة منه.
تتشابه تركيا في ليلة الحناء مع العالم العربي، فغالبًا ما ينظم أهل العروس حفلة الحناء قبل الزفاف بيوم، وتجتمع النساء هناك، ثم يبدأن بغناء الأغاني الحزينة توديعًا للعروس وحزنًا على فراقها
وراحت إيزيس تجمع أشلاء جسده من كل أنحاء مصر بعد أن مزقها “ست” إلى 14 قطعة ووزعها على أقاليم مصر، وكانت كلما جمعت قطعة من جسده امتلأت يدها بالدماء، وعندما انتهت من جمع كل أشلاء جسده اصطبغت يدها تمامًا باللون الأحمر.
وقد اعتبرالمصريون القدماء هذا رمزًا لوفاء الزوجة، وهكذا حرصت الفتيات المصريات في القديم على تلوين الأيادي قبل الزفاف كرمز للوفاء إلى النهاية وتناقلت الفتيات هذه العادة إلى يومنا هذا دون معرفة أصلها.
تتشابه تركيا في ليلة الحناء مع العالم العربي، فغالبًا ما ينظم أهل العروس حفلة الحناء قبل الزفاف بيوم، وتجتمع النساء هناك، ثم يبدأن بغناء الأغاني الحزينة توديعًا للعروس وحزنًا على فراقها، ويتم إحضار الحناء التي تم بلها بالماء في صينية خاصة وعليها شمع، ويتم الدوران بها حول العروس، ومن ثم توزع الحناء على الحاضرين.
وعندما يحين الوقت لوضع الحناء في يد العروس تغلق العروس يدها، فتأتي أم العروس، وتضع قطعة ذهب في يدها، فتفتح العروس يدها للحناء، ويتم وضع الحناء للعروس بشكل دائرة في كف اليد، وعلى العقدة الأخيرة من كل إصبع.
عقد الزواج
له مسميات كثيرة أخرى في الوطن العربي كـ”عقد النكاح” أو “عقد القران” وأحيانًا يُشار له بكتب الكتاب، ويتم ذلك في مسجد أو قاعة هذا هو المكان الذي يؤدي فيه إمام جامع أو شخصية لها احترامها في المجتمع عقد إتمام الزواج بالأوراق القانونية، وعادة يجب أن يتم حفل الزفاف بإذن العروس وشهادة رجلين بالغين، ويجب على الزوج تقديم المهر المتفق عليه وهو بمثابة هدية منه إلى العروس.
لا يوجد مقدار محدد في الدول العربية – في الأصل – لما يجب أن يكون عليه المهر غير أن يكون ذا معنى للعروس وبسعر مناسب للعريس، وقد يمكن دفعها نقدًا أو من خلال الممتلكات والعقارات
أما في تركيا فيكون عقد القران إما في مقر البلدية أو فى صالة زفاف راقية، باعتبار أن الزواج في تركيا يتبع للقانون المدني، ثم يفرح العروسان في صالة فندقية أو قاعة أفراح مُجهّزة لاستيعاب ضيوفهم وليلتهم المميزة، بالإضافة إلى موائد طعام كبيرة وفخمة ومجهزة، وقائمة طعام بأيدي كبار الطهاة في الفندق.
المهر
لا يوجد مقدار محدد في الدول العربية – في الأصل – لما يجب أن يكون عليه المهر غير أن يكون ذا معنى للعروس وبسعر مناسب للعريس، وقد يمكن دفعها نقدًا أو من خلال الممتلكات والعقارات، أو من خلال السفر مثل الحج والعمرة أو بطرق أخرى كثيرة.
لكن الواقع اليوم يختلف فيما يتعلق بالمهور التي أصبحت تشكل هاجسًا حقيقيًا لكل شاب عربي مقدم على الزواج، فقد تختلف صور المهر من دولة إلى أخرى ومن المدينة إلى الريف، فهناك مجتمعات تشترط أن يكون المهر عبارة عن مبلغ من المال أو على صورة ذهب أو الاثنين معًا أو في صورة ممتلكات تسجل باسم العروس وتحدد قيمته بحسب المكانة والطبقة الاجتماعية لكل عائلة.
وتعتبر دول الخليج من أكثر الدول إثارة للجدل في أمور الزواج والمهور وأكثرها صعوبة، فمثلًا تبلغ قيمة المهر في السعودية أكثر من 250 ألف ريال، وكذلك الحال في مصر، إذ يقدم العريس مهره عن طريق الشقة التي يشتريها والذهب الذي يقدمه للعروس، والكثير من النماذج في الوطن العربي.
غالبًا ما تشترط الكثير من العرائس اللواتي لا يعترفن بالمهر المادي مهرًا لهن في تركيا، على العريس بحفظ سورة من القرآن الكريم، وتعتبرها مهرًا لها، وقد يكون المهر عبارة عن رحلة العمرة أو الحج
أما في تركيا فغالبًا لا يتكلف العريس إلا طقمًا من الذهب، وهو ليس مُكلف بدفع أي مصاريف إضافية، حيث لا وجود لمعنى “المهر العربي”، والمهر التركي هو مبلغ رمزي يعطى للعروس في معظم أرجاء تركيا، ويكتفي العريس بتقديم “الشبكة” للعروس، لكن في المناطق الشمالية في تركيا، يقدم العريس ذهبًا بقيمة عالية لعروسه كمهر لها.
أما عن مستلزمات العرس والشقة، يكون هذا العبء مقسمًا على الطرفين، فيشتري العريس ما يلزم العروس من مستلزمات، ويكون العروسان قد جهزا خلال فترة خطوبتهما البيت ومستلزماته بالتساوي، فالعريس يوفر البيت والعروس تجهزه.
ومن الجدير ذكره أن غالبًا ما تشترط الكثير من العرائس اللواتي لا يعترفن بالمهر المادي مهرًا لهن في تركيا، على العريس بحفظ سورة من القرآن الكريم وتعتبرها مهرًا لها، وقد يكون المهر عبارة عن رحلة العمرة أو الحج.
الزفة وليلة الزفاف
في الوطن العربي يكون موكبًا يصاحب إيقاع الطبول مع فرقة من الراقصين يؤدون رقصتهم الشعبية والثقافية تحسبًا للدخول كالدبكة على سبيل المثال، حيث يرقص العريس وأعضاء آخرون من طرف العريس ويشترك الجمهور مع تصفيق الأيدي والرقص، كما يتقاسم العروسان الرقص في مدخل الفرح مع أسرهم.
بالنسبة للموائد في الأفراح العربية، بالطبع، فكما هو الحال في جميع حفلات الزفاف، تحتوي حفلات الزفاف العربية المسلمة على طعام لذيذ ومشروبات غير كحولية
غالبًا ما يحتفل العرسان العرب في صالات أفراح مجهزة أو تابعة لفنادق مخصصة، ومنها ما تتبع البساطة ومنها ما تكون تكاليفها عالية، وتختلف الأمور بالنسبة للدول والمدن والقرى ووفقًا للوضع الاجتماعي والاقتصادي، فالكثير من حفلات الزفاف تقام في البيوت أو في الحي الذي يسكنه العريس.
أما بالنسبة للموائد في الأفراح العربية، بالطبع، فكما هو الحال في جميع حفلات الزفاف، تحتوي حفلات الزفاف العربية المسلمة على طعام لذيذ ومشروبات غير كحولية، كما يمكن أن تستمر الاحتفالات بعد الزفاف، وتتبعها شهر العسل، نظرًا لوجود العديد من الدول العربية.
أما في تركيا، يبدأ الفرح في بعض الأحيان منذ ساعات الصباح بالطبل والمزمار، يحلق العريس في صباح يوم الزفاف، ويأحذ حمامه التركي الشهير، وهذه العادة التي ورثتها الدولة العثمانية للوطن العربي، ويتم تحضير العروس كذلك، ثم يجتمع أهل العريس لأجل الذهاب لبيت العروس وأخذها.
في بعض القرى التركية والأحياء الشعبية يتراقص شباب القرية في تجمعات بالقرب من منزل العروسين، ويتم تجهيز الطعام يوم العرس بواسطة أهل العروس.
وبعد ذلك تودع العروس عائلتها، ويقوم أهل العروس بمسك مرآة للعروس عند خروجها من بيت والدها من أجل أن ينور عليها طريقها، ويعمل أهل العريس برمي “الملبّس” أو نقود معدنية أو مكسرات تجلب البركة للبيت.
أما عن الأعراس ذات الطابع الحديث، فقد بدأ الاتجاه حديثًا في تنظيم حفلات الزفاف نهارًا وليس ليلًا، حيث يتم نقل العروسين بالسيارات المزينة والفارهة.
يمكن بكل بساطة ملاحظة الفروقات والتشابهات بين عادات الزواج في الوطن العربي ومثيلاتها في تركيا، بصرف النظر عن التفاصيل
في ختام الاحتفال بمراسم الزفاف، يوضع على العروسين شريط أحمر طويل، وذلك بهدف السماح للمعازيم بتنقيط العريس أو العروس، وذلك بإلصاق الأوراق المالية أو الليرة الذهبية مرفقة بدبوس، على الشريط إما للعريس أو للعروس.
في نهاية الأمر، يمكن بكل بساطة ملاحظة الفروقات والتشابهات بين عادات الزواج في الوطن العربي ومثيلاتها في تركيا، بصرف النظر عن التفاصيل، ومعرفة ما هو أبسط وما هو أكثير تعقيدًا في كل جانب وما هو مشترك، لكن الرابط المشترك بين الأمتين هي العناوين المتشابهة والمتقاربة إلى حد كبير بينهما في العادات والتقاليد.
إن معظم هذه التقاليد تمارس في معظم الدول العربية وكذلك في تركيا، اللذين تداخلت ثقافتهما ببعضها البعض، وتشابهت طباعهم بشكل كبير، حتى إذا تزوج أحدهم من الآخر لم يشعر بغربة، وذلك بفضل العادات المشتركة والأصول الواحدة.