هناك رأي سائد أن الأشخاص الذين ينشطون ليلًا أكثر إبداعًا من غيرهم، كما تكون لديهم قدرة على إنجاز العمل، لكنهم يواجهون مخاطر صحية أكبر.
والحقيقة أن العديد من الأشخاص يجدون في “البوم الليلي” شخصيات جذابة ومثيرة، وينتابهم الفضول لمعرفة المزيد عن نمط حياتهم وعملهم والطريقة الغامضة التي يحيون بها، لكن في الحقيقة الأمر ليس بالروعة التي يظنها البعض.
فرغم الصورة الرومانسية الغامضة التي تصورها لنا الكتب والأفلام عن “البوم الليلي”، حذرت دراسات عديدة من أن الأشخاص الذين يعملون حتى الساعات الأولى من الصباح ثم ينامون يعرضون صحتهم للخطر، على سبيل المثال فقد أثبتت دراسة تابعة لمجلة Chronobiology International أجريت عام 2018 على أكثر من 400 ألف شخص بالغ، أن الأشخاص الأكثر نشاطًا ليلًا هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض السكري، و10% أكثر عرضة للوفاة قبل أوانهم. إذًا، ما الشيء المتسبب في ارتفاع خطر الموت والمرض بالنسبة للأشخاص الليليين؟
تقول كريستين كنوتسون إحدى المشاركات في الدراسة، وهي طالبة بكلية الطب بجامعة نورث ويسترن في فاينبرغ بشيكاغو: “كون الشخص منا ينشط في الليل فقط فهذا يلحق الضرر بساعتنا البيولوجية المسؤولة عن تنظيم العمليات البدنية والعقلية والسلوكية على مدار اليوم”.
والساعة البيولوجية أو ما تعرف باسم “Biological clock” هي الإيقاع اليومي لنا، والمسؤولة عن النوم واليقظة، وتتأثر بشكل كبير بالنور والظلام، فالنور حولنا يخبر أجسامنا أن الوقت حان للاستيقاظ، بينما يخبرنا الظلام بأنه وقت النوم.
في ظل تلك الدراسات الموجودة التي تؤكد الضرر الواقع بسبب الاستيقاظ ليلًا، فهناك دراسات تتحدث عن الإنتاجية الأكبر للأشخاص في المساء!
ولكن النوم في الوقت الذي يجب علينا الاستيقاظ فيه قد يؤدي لعدم حصولنا على كفايتنا من النوم أو الإجهاد النفسي، كذلك عدم التعرض للضوء الذي قد يجعلنا لا نمارس الرياضة بدورنا، وقد يتفاقم الأمر للإفراط في تناول الطعام والانعزال التام.
لكن في ظل تلك الدراسات الموجودة التي تؤكد الضرر الواقع بسبب الاستيقاظ ليلًا، فهناك دراسات تتحدث عن الإنتاجية الأكبر للأشخاص في المساء!
الاستيقاظ ليلاً
وجدت دراسة أجريت عام 2011، ركزت على طلاب الجامعات في المملكة العربية السعودية (540 من الذكور و 219 من الإناث) الذين تتراوح أعمارهن بين 18 و32 عامًا، أن 26.9% من المشاركين في الدراسة كانوا أشخاصًا ليليين، وأفضل وقت بالنسبة إليهم هو المساء سواء للعمل أم للدراسة.
نظرًا للعدد الكبير من الأشخاص الذين يميلون بشكل طبيعي إلى النوم في وقت متأخر والاستيقاظ في وقت متأخر أيضًا، فمن الضروري فهم التأثيرات التي تحدث لهم ولصحتهم ولماذا تحدث؟ بعبارة أخرى يمكن للأبحاث مساعدتنا على معرفة تلك الأضرار.
جميع البشر لديهم آليات تنظيم داخلية وهي التي تسمح للشخص بالتكيف سواء مع الليل أم النهار، فأجسامهم تخبرهم متى يأكلون أو يشربون أو ينامون.
يوضح ذلك الدكتور روبرتو مانفريديني وهو خبير في أمراض الكلى وطب القلب والأوعية الدموية من جامعة فيرارا بإيطاليا، قائلاً إن نظام حفظ الوقت اليومي أو ما يطلق عليه “الساعة البيولوجية” هو نظام خاص باليوم الواحد، مع ذلك لا تتوافق إيقاعات كل إنسان، فهناك من يشعر أنه أكثر نشاطًا في المساء، ويجد صعوبة في الاستيقاظ في الصباح.
وقد كتب مؤلفو دراسة نشرت عام 2017 بمجلةChronobiology International: “يستخدم الباحثون عادة اختبار يسمى “استبيان هورن–أوستبيرغ الصباحي المسائي” لتحديد ما إذا كنت شخصًا مسائيًا أم صباحيًا.
الاستيقاظ باكرًا
لا شك أن الاستيقاظ مبكرًا يضيف بعض الهدوء والتركيز على الأعمال الصباحية قبل استيقاظ الجميع وبداية الضوضاء، فمثلاً يقول تيم كوك المدير التنفيذي لشركة آبل، إنه يستيقظ في الساعة الرابعة إلا ربع صباحًا ليبدأ تفقد بريده الإلكتروني في كاليفورنيا قبل زملائه بالساحل الشرقي للولايات المتحدة، التي تكون الساعة به 06:45 صباحًا، بينما تستيقظ أوبرا وينفري في السادسة صباحًا.
في إحدى التجارب التي أُجريت على مجموعة الأشخاص تم وضعهم بعيدًا عن الضوء الطبيعي، لُوحظ ميلهم للنوم بشكل أكثر بنحو نصف ساعة
أشارت العديد من دراسات إلى أن نسبة كبيرة من النجاح تقترن بالاستيقاظ مبكرًا، فالذين يستيقظون مبكرًا يتسمون عادة بالمبادرة، ما قد ينعكس في شكل درجات أفضل في الدراسة ورواتب أعلى في العمل.
كذلك فإن الضوء الصناعي في أثناء الليل يعرقل عمل الساعة الداخلية للجسم، فمنع دخول الضوء إلى المنزل عن طريق الستائر يجعل الإنسان ينام ساعات أطول في الصباح، كذلك إشعال الضوء في المساء في أثناء النوم يربك الساعة البيولوجية.
في إحدى التجارب التي أُجريت على مجموعة الأشخاص تم وضعهم بعيدًا عن الضوء الطبيعي، لُوحظ ميلهم للنوم بشكل أكثر بنحو نصف ساعة، وإن كان هذا يدل على شيء، فيدل على حاجتنا للاعتماد على النور الطبيعي للحفاظ على ساعتنا الداخلية.