تعرضت الجمهورية التركية بين الأعوام (2016-2019) لمجموعة من التحديات والاستحقاقات التي تركت أثرها على البنى السياسية والاقتصادية في البلاد. ففي العام 2016 واجهت أنقرة محاولة انقلاب فاشلة، تلاها دخول البلاد في عملية تغير واسعة للنظام السياسي بدأت بالاستفتاء على التعديلات الدستورية عام 2017 التي أدت إلى الانتقال للنظام الرئاسي، ومن ثم انتخابات رئاسية وبرلمانية عام 2018 فاز بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأخيرًا الانتخابات المحلية عام 2019.
ترافق ذلك مع أزمة اقتصادية وتقلبات في أسعار صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية وارتفاعًا في معدلات التضخم والبطالة؛ الأمر الذي انعكس على قضية اللاجئين السوريين الذين وجدوا أنفسهم وسط السجال الانتخابي بين الأحزاب التركية التي غذت بصورة ما حالة العداء تجاه السوريين “Suriyelilere düşmanlık“.
أرقام ونسب
وفقًا للإحصاءات الصادرة عن دائرة الهجرة التركية في يونيو/حزيران الماضي، بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في قيود الدولة التركية 3.613 مليون لاجئ، شكل الذكور منهم 54.14%، بواقع 1.956 مليون لاجئ، فيما شكلت الإناث ما نسبته 45.85% بواقع 1.657 مليون لاجئة. شكلت الفئة العمرية من 15-24 ما نسبته 22.57%، بعدد وصل إلى 815.721 لاجئ، فيما وصل عدد المواليد الجدد من اللاجئين 405.521 طفل.
على صعيد الأقاليم والمناطق تركز العدد الأكبر من السوريين في مناطق جنوب شرق الأناضول وقسم أضنة من منطقة البحر الأبيض المتوسط
ووفقًا لذات البيانات يعيش 96.98% من اللاجئين السوريين في المدن التركية بواقع 3.504 مليون لاجئ، فيما يعيش العدد المتبقي في مخيمات اللاجئين، وتعد مدينة إسطنبول من أكثر المدن التركية استقبالًا للاجئين بعدد وصل إلى 546.296 لاجئ، فيما جاءت مدينة بايبورت في العدد الأقل بـ23 شخصًا.
وعلى صعيد الأقاليم والمناطق تركز العدد الأكبر من السوريين في مناطق جنوب شرق الأناضول وقسم أضنة من منطقة البحر الأبيض المتوسط، فمن أصل 10 مدن تركية فاق عدد اللاجئين فيها 100 ألف شخص، جاء 6 منها (غازي عنتاب وشانلي أورفة وكيليس وهاتي وأضنة ومرسين) من المناطق السابقة التي تشهد وجودًا كرديًا كثيفًا ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى قرب هذه المناطق من الحدود السورية التركية، وبالمقابل تعد منطقة البحر الأسود الأقل في استقبال اللاجئين السوريين.
أهم المدن التركية التي تستضيف اللاجئين السوريين
شائعات وأكاذيب
من الممكن القول إن نسبة كبيرة من عموم الشعب التركي تقارب الوجود السوري من خلال عدد من المقولات غير الصحيحة التي يتم التعامل معها كحقائق ووقائع على الأرض دون النظر في مدى صحتها، إلى جوار هذه الأكاذيب يبدي عدد كبير من أفراد الشعب التركي قابلية لقبول الشائعات المثارة عن اللاجئين السوريين بل وبناء ردود فعل تجاهها كما حصل في الحادثة الأخيرة في منطقة إيكي تيلي، حيث هاجم عدد من المواطنين الأتراك محلات اللاجئين السوريين ردًا على شائعة تتهم لاجئًا سوريًا بالتحرش بفتاة عمرها 12 عامًا، ليتضح لاحقًا أن هذه الواقعة لا أساس لها من الصحة.
في هذا الصدد، تناول تقرير أعدته جمعية اللاجئين – جمعية تأسست عام 2014 في تركيا لمساعدة اللاجئين – بعضًا من هذه الأكاذيب التي تقدم كحقائق ولاقت انتشارًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن إبراز أهمها بالتالي:
1- تدفع الدولة رواتب للاجئين السوريين
تعد هذه المغالطة من أكثر ما يتم تداوله بين أفراد المجتمع التركي، حيث يعتقد الأتراك أن جميع السوريين يحصلون على رواتب من الدولة التركية.
بينما الحقيقة في ذلك أن بعض اللاجئين السوريين يحصلون على مساعدة نقدية من برنامج المساعدات الاجتماعية الذي يتم تمويله من الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة (WFP) ويدار من خلال الهلال الأحمر التركي بالتنسيق مع وزارة الأسرة والشؤون المجتمعية، بالتالي فتمويل البرنامج لا يتم من خلال الدولة التركية إنما تشرف الدولة على إدارته وتنفيذه.
ولا يستفيد جميع السوريين من هذه المساعدات كما يشاع عند المواطنين الأتراك، بل توجد مجموعة من الشروط والمعايير حتى يتسنى الاستفادة من مساعدات البرنامج، كالحالة الاجتماعية وعدد الأولاد والقدرة على العمل، ووجود الإعاقة وغيره، حيث يركز البرنامج على دعم وإسناد الفئات الضعيفة من المجتمع السوري اللاجئ ويستثني كل شخص قادر على العمل من برنامج المساعدات.
الجدير بالذكر أن مقدار المساعدة المقدم للفرد المستفيد من البرنامج هو 120 ليرة تركية تقدم بشكل شهري، حيث روعي في تحديد المبلغ توافقها مع سياسات الدعم التي تقدمها وزارة العائلة والشؤون المجتمعية بحيث لا يكون المبلغ المقدم للفئات الضعيفة من اللاجئين السوريين يفوق المبلغ المقدم للفئات الضعيفة من المجتمع التركي، ويستفيد في الوضع الحاليّ ما يقرب من 1.96 مليون لاجئ من أصل 3.6 مليون لاجئ سوري على الأراضي التركية.
2- يحصل اللاجئون السوريون على بيوت مجانية من الحكومة
من الأمور الشائعة كذلك أن اللاجئين السوريين يحصلون على بيوت مجانية من هيئة الإسكان التركية (TOKİ)، حيث انتشرت هذه الإشاعة بعد تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في صيف عام 2016، عندما دعا هيئة الإسكان التركية إلى إيجاد حل للاجئين السوريين القاطنين في مخيمات اللاجئين وبناء مساكن لهم.
لكن المسألة لم تدخل حيز التنفيذ واقتصرت على تصريحات الرئيس التركي، حيث أوضح عدد من المسؤولين أن الدولة لم تمنح أي لاجئ مساكن مجانية، كما لم يحدث أي تغيير في شروط تملك بيوت هيئة الإسكان التي تشترط في أول شروطها أن يكون مواطنًا تركيًا حتى يتسنى له الاستفادة من خدماتها.
3- يحصل الطلبة السوريون على رواتب ويلتحقون بالجامعة التي يريدون
من المغالطات المشهورة أن الطلبة السوريين يلتحقون بالجامعة التي يرغبون بها دون تقديم أي اختبارات على خلاف الطلبة الأتراك المجبرين على دخول امتحان القبول.
يُكذّب هذا الادعاء شروط الجامعات التركية التي تطالب اللاجئ السوري بما تطالب به الطالب الأجنبي دون أن يحصل على أي معاملة تفضيلية، فلا يمكن للطالب السوري دخول الجامعات الحكومية دون تقديم الامتحانات المطلوبة، أما الجامعات الخاصة فلها حرية التقييم ووضع الشروط التي تلائمها.
أما فيما يتعلق بجزئية منح الدولة رواتب للطلبة السوريين، فهذا الأمر ينطبق على الطلبة السوريين الفائزين بالمنحة التركية التي تنظمها هيئة المنح التركية التي يغطي الاتحاد الأوروبي 85% منها، فيما تغطي الدولة التركية 15% في إطار برنامج المنح الدراسية.
4- يقاتل الجيش التركي في سوريا لأجل السوريين الفارين إلى تركيا
لاقت هذه الإشاعة انتشارًا كبيرًا بعد مقتل جندي تركي بقصف صاروخي للنظام السوري عام 2019، حيث يرى عدد من المواطنين الأتراك أن على اللاجئين السوريين أن يقاتلوا بدلًا من إرسال الجيش التركي إلى الأراضي السورية ليقاتل بدلًا منهم.
الجيش التركي لا يقف وحيدًا في هذه المعارك حيث تعاونه مجموعات مسلحة تتبع فصائل الجيش الحر التي شكلت في العمليات العسكرية الأخيرة رأس الحربة للجيش التركي
يحمل هذا الادعاء عددًا من الأخطاء والمغالطات، أهمها أن الدافع الأساس لوجود الجيش التركي في شمال سوريا هو خطر الجماعات التي تصنفها أنقرة على لوائح الإرهاب وتحمل مطامع انفصالية، فوجود الجيش التركي يهدف بالدرجة الأساسية لمنع قيام كيان انفصالي شمالي سوريا يهدد الاستقرار الإثني في مناطق جنوب شرق الأناضول، فعمليات الجيش التركي في مناطق الشمال السوري هي استمرار للمعارك التي يخوضها الجيش التركي ضد انفصاليي تنظيم حزب العمال الكردستاني التي بدأت عام 2015.
بالإضافة إلى ذلك فإن الجيش التركي لا يقف وحيدًا في هذه المعارك، حيث تعاونه مجموعات مسلحة تتبع فصائل الجيش الحر التي شكلت في العمليات العسكرية الأخيرة رأس الحربة للجيش التركي، فوفقًا لتصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد سقط ما يقرب من 302 قتيل من فصائل الجيش الحر في عملية غصن الزيتون فيما قتل العشرات من الجيش التركي في العملية.
كتب في الشق العلوي من الصورة: “السوريون في تركيا”، وفي الشق السفلي من الصورة” الأتراك في سوريا”.
5- يتلقى اللاجئون السوريون معاملة تفضيلية في المستشفيات التركية
تنتشر مغالطة لدى عدد كبير من الشعب التركي مفادها أن اللاجئين السوريين يتلقون معاملة تفضيلية في المستشفيات الحكومية التركية تعفيهم من الانتظار في طوابير المرضى، حيث تداول الأتراك صورة لشاشة انتظار في مستشفى تركي تظهر اسمًا لشخص عربي تم إعفاؤه من الوقوف في طابور الانتظار.
صورة لشاشة انتظار في مستشفى تركي يظهر عليها اسم شخص عربي منح معاملة تفضيلية، لاقت هذه الصورة تداولًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي التركية، كدليل على المعاملة التفضيلية للاجئين السوريين
بالنظر إلى الإجراءات المتبعة لتنظيم عملية انتظار تلقي العلاج في المستشفيات التركية والمقرة من وزارة الصحة، نجد أن حق الأولوية منح لعدد من الفئات:
1- الحالات العاجلة التي تستدعي تدخل عاجل من الأطباء.
2- المرضى ذوي الاحتياجات الخاصة.
3- النساء الحوامل.
4- العاملون في القوات المسلحة والجندرمة وهيئة التأمين.
5- أبناء وعوائل الشهداء والجرحى.
6- المرضى فوق سن 65.
7- المرضى من الأطفال تحت 7 سنوات.
8- المتقاعدون من القوات المسلحة والجندرمة وهيئة التأمين.
مما سبق يتضح أن القانون المنظم للعمل في المستشفيات التركية لا يمنح اللاجئ السوري أي معاملة تفضيلية، وفيما يتعلق بالصورة المتداولة – إن فرضنا صحتها – فقد يكون اللاجئ السوري في ذلك الوقت قد انطبقت عليه إحدى المواصفات السابقة.
صورة للقانون المنظم لعملية تلقي العلاج في المستشفيات التركية، حيث لا يظهر أي ذكر لمعاملة تفضيلية للاجئ السوري
6- اللاجئون السوريون لا يدفعون فواتير الكهرباء والمياه والغاز والهاتف
يتداول الأتراك مغالطة مفادها أن السوريين معفيون من دفع فواتير الكهرباء والماء والغاز الطبيعي والهاتف، حيث يتم تداول صورة لفاتورة مياه تعود للاجئ سوري في مدينة قونيا وقد جاءت مصفرة من الدفع.
من المؤكد أن هكذا ادعاء لا أساس له من الصحة، فيكفي النظر إلى طوابير اللاجئين المصطفاة لدفع فواتير الكهرباء والمياه والغاز لتكذيب هكذا ادعاء، أما فيما يتعلق بالصورة المنتشرة فعند النظر في تفاصيل الفاتورة وخاصة القسم السفلي، يتضح أنها جاءت مصفرة لأن اللاجئ السوري لم يتجاوز الحد الأدنى في الاستهلاك، حيث جرت العادة – ومن باب تشجيع المواطنين على التوفير – أن من لا يتجاوز 3 كوب في الاستهلاك الشهري فإنه يعفى من الرسوم، وهذا ما جرى مع اللاجئ السوري، حيث استهلك كوبًا من أصل 3 كوب مسموح بها.
صورة لمنشور فيسبوك لأحد المواطنين الأتراك يعرض فيه صورة لفاتورة مياه تعود للاجئ سوري وقد جاءت مصفرة
وبشأن فواتير الهاتف، نشر الكاتب في صحيفة سوزجو “sözcü” بورا ايردان مقالة ادعى فيها أن دائرة الهجرة في وزارة الداخلية بصدد توزيع كروت اتصال دولية ومحلية على اللاجئين السوريين.
لكن الحقيقة في هذه المسألة أن دائرة الهجرة وفرت – بتمويل من الاتحاد الأوروبي – كروت اتصال دولي في مراكز ترحيل المهاجرين غير الشرعيين حتى يتسنى لهم التواصل مع سفارات بلادهم، فالأمر لا يخص اللاجئين السوريين وحدهم إنما ينطبق على كل المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم ضبطهم وإحضارهم لمراكز الترحيل.
توضيح دائرة الهجرة لهذه المسألة
7- يحصل اللاجئون السوريون على الجنسية التركية بعد 5 سنوات
يتداول الأتراك مقولات مفادها أن الدولة التركية تمنح السوريين الجنسية التركية بعد مرور خمس سنوات على مكوثهم في البلاد.
فيما الصحيح أن اللاجئ السوري في تركيا يعيش تحت بند “الحماية المؤقتة”، ووفقًا للقانون رقم5901 الذي ينظم عملية اكتساب الجنسية التركية لا يحق للشخص الذي يعيش بهذه الوضعية القانونية الحصول على الجنسية التركية، ويستثنى من ذلك أصحاب القدرات الخاصة من المتعلمين والمهارة ورجال الأعمال الذين عملت تركيا على منحهم الجنسية التركية، فوفقًا لتقرير دائرة الهجرة فقد حصل ما يقرب من 79.894 لاجئ سوري على الجنسية التركية.
بالإضافة إلى ذلك فلو كان هذا المبدأ صحيحًا لكنا الآن أمام 3 ملايين مجنس على الأقل، فوجود الأغلبية العظمى من السوريين في تركيا تجاوز الخمس سنوات.
ختامًا
يستشعر مواطنون أتراك خطرًا مزودجًا من الوجود السوري على الأراضي التركية، فمن جانب يرون في اللاجئين السوريين سببًا في ضائقتهم الاقتصادية التي يعيشونها، حيث يَعتقدون أن العمالة السورية الرخيصة أدت إلى تراجع معدلات الأجور ونقص الوظائف وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة، بالإضافة إلى أن الطلب الكبير للاجئين السوريين على الشقق السكنية ساهم في رفع أسعارها وبالتالي زيادة تكلفة المعيشة على المواطن التركي.
ومن جانب آخر يرى المواطن التركي في وجود اللاجئين السوريين في بعض المناطق تهديدًا هوياتيًا لهذه المناطق، حيث يشكو مواطنون من مظاهر الوجود السوري كانتشار اللافتات المكتوبة باللغة العربية وغيرها من المظاهر والتصرفات.
أمام هذه الحالة من الاحتقان المتزايد منذ ثلاث سنوات، وفي ظل حالة الضعف المؤسساتي للاجئين السوريين في تركيا، فإن المسؤولية تقع بشكل كبير على عاتق الحكومة التركية المطالبة بتنفيذ خطوات تعمل على تنفيس هذه الحالة من الاحتقان، فخطاب إعادة اللاجئين إلى بلادهم لا يجد حلًا لهذه الحالة، فعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم مرتبطة باستقرار الأوضاع الأمنية في سوريا وإيجاد بيئة آمنة يستطيع اللاجئ العودة إليها، وفي ظل التطورات السياسية والميدانية التي لا يحمل أفقها أي حل سريع قادم للأزمة السورية نجد أن هذا الخيار قد لا يكون متاحًا في الوقت القريب.