ترجمة حفصة جودة
كان مهند شهاب الدين – نجار في الأربعينيات من عمره – يعمل في متجره بالسويداء جنوب سوريا عندما وقفت شاحنة بيضاء أمام المتجر، يُقال إن قوات الأمن السورية الحكومية اقتحمت المكان واختطفت شهاب الدين في وضح النهار.
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها إن أعضاء من فرع أمني عسكري نفذت هذا الاختطاف الشهر الماضي، لكن المواطنين ليسوا متأكدين تمامًا أي الجماعات مسؤولة عن ذلك، وفي اليوم التالي، ظهرت والدة مهند العجوز في مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تبكي وتطالب بإطلاق سراحه.
في الوقت نفسه تجمع عشرات المتظاهرين في الشارع الرئيسي بالسويداء في الأسبوع نفسه وحملوا لافتات تطالب بإطلاق سراح سجناء الرأي، كان مهند – أب لأربعة – معروفًا بين السكان بنشاطه المعارض وكتابة آرائه عن الحكومة السورية والحرب على فيسبوك، وكان حسابه على فيسبوك قد حُذف بعد اختفائه وفقًا لناشط محلي، ومنذ ذلك الحين لم ترد أي أخبار عن شهاب الدين.
المكان لم يعد آمنًا
كانت السويداء ذات الأغلبية الدرزية قد نجت من العنف المدمر والقتال والاعتقال الجماعي الذي هز جميع مجتمعات المدن السورية في الحرب التي استمرت 8 سنوات، لكن المحافظة تصدرت الصحف العالمية العام الماضي عندما شن مقاتلو الدولة الإسلامية هجومًا وحشيًا على السويداء وقتلوا أكثر من 200 مواطن واحتجزوا أكثر من 20 امرأةً وطفلاً كرهائن، وفقًا للأخبار المحلية.
والآن يقول بعض النشطاء والصحفيون إنهم بالكاد يغادرون منازلهم خوفًا من الاعتقال والاختطاف، فحادثة شهاب الدين هي الأحدث فقط، لكن الشبكة السورية لحقوق الإنسان سجلت 208 حالات اختطاف منذ بداية 2018 نفذ معظمها القوات الأمنية الحكومية.
جاءت “الفوضى الأمنية” كما وصفها اثنان من السكان وسط سلسلة من الهجمات في الأشهر الأخيرة بواسطة الميليشيات المحلية المعارضة ضد أفراد الأمن الحكوميين الذين يعملون في السويداء.
يعد الدروز جماعة دينية تتبع فرعًا من الإسلام ولهم حضور بارز في السويداء ومرتفعات الجولان المحتلة وبعض أجزاء لبنان وبعض القرى المنتشرة حول الجليل
يقول مروان (اسم مستعار) – صحفي سوري من السويداء ويعيش في الخارج الآن -: “يخشى المواطنون في تلك المحافظة الجنوبية من الفوضى الأمنية لأنه لم يكن متوقعًا من قبل أن تصل السويداء إلى هذا الموقف”، ويضيف “تقول قصة مهند للناس إنكم لم تعودوا بأمان هنا، يمكننا اختطافكم ولن يستطيع أحد اكتشاف مكانكم”.
الصحفيون المواطنون
طوال الحرب السورية كانت الحكومة تتعامل مع السويداء ومواطنيها الدروز بشيء من الحذر، يعد الدروز جماعة دينية تتبع فرعًا من الإسلام ولهم حضور بارز في السويداء ومرتفعات الجولان المحتلة وبعض أجزاء لبنان وبعض القرى المنتشرة حول الجليل.
من الناحية التاريخية، عادة ما يخلص الدروز للزعماء الدينيين والمحليين أكثر من الدولة، وعند اندلاع الاحتجاجات عام 2011، ظهرت الاحتجاجات كذلك في السويداء، ومثلما هو الوضع في كل مكان، بدأ النشطاء والصحفيون من المواطنين بنشر قصص الحرب على مواقع التواصل الاجتماعي ثم ظهرت الجماعات المعارضة المسلحة.
لكن الحكومة السورية نجحت في تجنيب السويداء عمليات الاعتقالات الضخمة وحملات القصف التي كانت تشنها في كل مكان، نظرًا لأن الدروز أقلية ذات حساسية سياسية ولا ترغب الحكومة في إفساد العلاقة معهم.
يقول توبياس لانج – محلل مهتم بالسياسة الدرزية -: “رغم انتشار العنف في السويداء أيضًا، فإن حملات القمع لم تكن بنفس القدر من الوحشية التي حدثت في المناطق الأخرى من البلاد، وبالطبع اختفى بعض الناس من السويداء أيضًا لكن لم يكن الأمر بنفس القدر من العنف العلني، فقد حاولت الحكومة الإبقاء على مستوى معين من العنف حتى لا تحدث مشاكل مع السكان الدروز”.
كبح جماح معارضة السويداء
غادرت سارة هنيدي – كاتبة من السويداء – البلاد قبل 5 سنوات نظرًا للتهديدات الأمنية بسبب آرائها المعارضة، وتقول سارة إنه قبل رحيلها كانت تتذكر أن الحكومة السورية لا تتدخل نسبيًا في السويداء، وتضيف: “لكننا بحاجة للتركيز على كلمة نسبيًا، فقد كان بإمكانهم اعتقال أي شخص متى أرادوا ذلك، في الوقت نفسه كان عليهم الانتباه لأفعالهم أكثر من أي محافظة أخرى لأن السويداء تتمتع نوعًا ما بالحكم الذاتي والناس هناك يستمعون للقادة الدينيين أكثر من الحكومة الفعلية”.
لكن مع استعادة الحكومة سيطرتها على معظم البلاد حتى المناطق التي كانت خاضغة للمعارضة، فهناك دلائل تشير إلى أن الحكومة قد تتجه إلى قمع متمردي السويداء أيضًا رغم الاحتجاجات المحلية.
هذه المنشأة العسكرية التي تقع بالقرب من دمشق تعد “مسلخًا بشريًا” حيث يتعرض المعتقلون السياسيون للتعذيب والقتل الجماعي
قبل عدة أسابيع حاولت القوات الأمنية الحكومية إقامة نقطة تفتيش على الطريق المؤدي إلى مدخل المدينة، فاعتقل أعضاء جماعة محلية معارضة (شيوخ الكرامة) اثنين من أفراد الأمن ثم أطلقوا سراحهم بعد إزالة نقطة التفتيش.
ومنذ شهر من الآن، تعرض وسام العيد – عضو بارز في شيوخ الكرامة – إلى إطلاق نار عليه في سيارة ليلًا في بلدة صلخد خارج مدينة السويداء، ومات العيد على الفور ولم يكن واضحًا من قتله، لكن أحد المواقع المعارضة يلوم الحكومة على ذلك.
يقول مروان: “هناك رواية تقول إن الوضع يتدهور في السويداء نظرًا لعمليات الاختطاف، لذا يرغب النظام في كبح جماح الجماعات المسلحة والمحلية، هذا الوضع مستمر منذ 8 أشهر”.
الشعور بالفزع
بالنسبة لهؤلاء الذين يعيشون في السويداء، فقد تسببت التوترات الأمنية الأخيرة في زيادة الشعور بالفزع، يقول نور – اسم مستعار – وهو مواطن صحفي يعيش في بلدة بالريف خارج السويداء: “لم أعد أخرج من منزلي كثيرًا”.
أصبح نور خائفًا بعد أن وجد أحد معارفه العام الماضي أن اسمه في قائمة المطلوبين لدى الحكومة بسبب عمله الصحفي، هذا يعني أنه ليس بإمكانه السفر خارج السويداء بسبب مخاطر نقاط التفتيش، لذا فهو يواصل عمله من المنزل.
أما ريان فما زال يعمل خارج المنزل يوميًا لإرسال تقارير لموقع إخباري محلي معارض “السويداء 24″، ويقول: “لكنني ما زلت حذرًا ولا أخرج في وقت متأخر من الليل أو أذهب إلى أماكن بعيدة كثيرًا عن المنزل، وأخبر أقاربي دائمًا إلى أين أذهب وأحاول في معظم الوقت أن يكون معي شخص آخر”.
المجزر البشري
هناك آخرون وازنوا المخاطر ووجدوا أنها أكبر من اللازم، يقول مروان “قبل شهر أخبرني صديق يعيش في السويداء أنه قرر البقاء في المنزل”.
هذه المخاوف ليست زائدة عن الحد، فقد وصلت أنباء إلى السويداء عن وفاة لؤي أريج – أحد المواطنين – الذي اعتقلته قوات الأمن الحكومية عام 2016 وقيل أنه أرُسل إلى سجن صيدنايا، وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها عام 2017 إن هذه المنشأة العسكرية التي تقع بالقرب من دمشق تعد “مسلخًا بشريًا” حيث يتعرض المعتقلون السياسيون للتعذيب والقتل الجماعي.
ووفقًا لنور فلم يكن لأريج أي انتماء سياسي معروف، لقد كان يقود سيارته ببساطة عائدًا إلى منزله من لبنان عند اعتقاله، يعد أريج سابع مواطن من السويداء يتعرض للقتل في سجن حكومي منذ عام 2018 وفقًا لوكالة أنباء “السويداء 24”.
في صورة له قبل اعتقاله كان أريج يرتدي سترة صوفية ويتحدث في هاتفه بأحد المقاهي، كان في الـ34 من عمره، يقول هنيدي: “من الخطر أن تكون مواليًا للمعارضة في السويداء حتى اليوم بسبب عمليات الاختطاف والخوف من حملة قمعية تشنها الحكومة، ومن الخطر حتى أن تكون إنسانًا هنا”.
المصدر: ميدل إيست آي