الهزائم المتتالية التي يتكبدها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الفترة الأخيرة، جعلته يوجه نيرانه إلى جهات لا ناقة لها ولا جمل في الحرب الدائرة في البلاد، حتى أنه استهدف ملاجئ للمهاجرين غير الشرعيين، ما جعل هؤلاء الأفارقة في معاناة متواصلة، فإن سلموا لبعض الوقت من عصابات تهريب البشر فإنهم لن يسلموا من حفتر وميليشياته.
44 قتيلًا في صفوف المهاجرين
في أحدث جرائمه، قصف الطيران الحربي التابع لحفتر، في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء، مركزًا للهجرة غير النظامية في ضاحية تاجوراء بالعاصمة الليبية طرابلس، ما أسفر عن سقوط 44 قتيلًا و130 جريحًا في صفوف اللاجئين، وفق وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية.
هذا الحادث، اتهم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق قوات حفتر بارتكابه، واعتبر المجلس – في بيان صباح اليوم الأربعاء – قصف مركز إيواء المهاجرين بمثابة “جريمة قتل جماعي وجريمة حرب تضاف لقائمة الانتهاكات الجسيمة ضد الإنسانية من جانب قوات حفتر”.
ترتقي العملية الأخيرة لحفتر، وفق الأمم المتحدة لمستوى “جريمة حرب”
بدوره، قال وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، إن عمليات البحث جارية لانتشال الجثث من تحت أنقاض القصف الذي استهدف مركز إيواء تاجوراء، وأضاف باشاغا، في تصريح صحفي “الطائرة التي قامت بالقصف غير اعتيادية وليست من الطائرات الحربية التي تملكها ليبيا”، وتابع باشاغا “هذه الجريمة جاءت بعد تصريحات قائد قوة عمليات الكرامة التابعة لقوات القيادة العامة محمد المنفور ولذلك هو من يتحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية”.
وطالب المجلس الرئاسي الذي يرأسه فائز السراج البعثة الأممية لدى ليبيا بـ”إدانة هذا العمل البربري الهمجي، وإرسال لجنة تقصي حقائق على الفور لمعاينة الموقع وتوثيق هذه العملية الإجرامية”، كما طالب المجتمع الدولي من خلال الاتحادين الإفريقي والأوروبي والمنظمات الدولية بـ”اتخاذ موقف واضح وحازم من هذه الانتهاكات المستمرة والعمل على إيقاف هذا العدوان فورًا”.
في نفس السياق، رأى نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني أن قوات حفتر هي “المسؤولة” عن القصف الجوي الذي طال مركزًا لإيواء المهاجرين في تاجوراء، بالعاصمة طرابلس، مطالبًا المجتمع الدولي بالتدخل لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، كونها الحكومة المعترف بها شرعيًا من طرف الأمم المتحدة.
حصيلة القتلى مرجحة للارتفاع
قال سالفيني في مؤتمر صحفي اليوم الأربعاء “بالنسبة إلى ليبيا، يحدوني الأمل بأن يستيقظ المجتمع الدولي، فإن المسؤولية تقع على عاتق الجنرال حفتر”، وأضاف “إنه عمل إجرامي، تمامًا مثل تلك الهجمات على الأهداف المدنية والمطارات والمستشفيات المدنية، لذا آمل ألا يبقى أحد من أولئك الذين من أجل مصالحهم الاقتصادية والتجارية يدعمون شخصًا يقصف أهدافًا مدنية، أنا هنا لا أشير إلى الفرنسيين”.
ويعيش آلاف المهاجرين في مراكز احتجاز تحت سيطرة حكومة الوفاق الوطني، يعيش أغلبهم في ظروف غير إنسانية، فهم دائمًا معرضون للخطر، في ظل وجودهم قرب مناطق المعارك المستمرة جنوب العاصمة طرابلس.
جريمة حرب
ترتقي العملية الأخيرة لحفتر، وفق الأمم المتحدة لمستوى “جريمة حرب”، حيث أعرب المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة، في بيان للبعثة الأممية، عن إدانته الشديدة لهذا العمل، وقال: “هذا القصف يرقى بوضوح إلى مستوى جريمة حرب، إذ طال على حين غرة أبرياء آمنين شاءت ظروفهم القاسية أن يكونوا في ذلك المأوى”، وأضاف “عبثية هذه الحرب الدائرة اليوم وصلت بهذه المقتلة الدموية الجائرة إلى أبشع صورها وأكثر نتائجها مأسوية”.
ودعا سلامة المجتمع الدولي “لإدانة هذه الجريمة وتطبيق العقوبات الملائمة على من أمر ونفذ وسلّح هذه العملية، بما يناقض، وبشكل صارخ، القانون الإنساني الدولي وأبسط الأعراف والقيم الإنسانية”، ودعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري لكل الانتهاكات الصارخة والاعتداءات المتكررة ضد المدنيين والبنى التحتية المدنية.
ساهم غلق الطريق البحرية بين ليبيا وإيطاليا وصعوبة وصول المهاجرين من ليبيا إلى سواحل القارة العجوز، في وقوع هؤلاء ضحايا للمهربين تجار البشر
بدوره، أدان رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد “بشدة” الغارة الجوية على المركز، وطالب بمحاسبة المسؤولين عن “هذه الجريمة الرهيبة”، ودعا في بيان إلى “تحقيق مستقل لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الرهيبة بحق مدنيين أبرياء”، مكررًا “دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى أن تضمن أطراف (النزاع) حماية المدنيين وسلامتهم، خصوصًا المهاجرين المحاصرين في مراكز الاحتجاز”، وأعربت إيطاليا عن استيائها وإدانتها الواضحة للقصف العشوائي على مواقع فيها مدنيين”.
وأكد وزير الخارجية الإيطالي إينزو موافيرو “علينا أن نؤمن فورًا إجراءات جادة للحماية، وخصوصًا نقل المهاجرين الموجودين في مراكز إيواء إلى مناطق بعيدة عن المعارك”، أما وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا أن البحر المتوسط يمثل “عصب” تحرك إيطاليا، وأضافت “أولويتنا الإستراتيجية هي إحلال السلم والاستقرار في ليبيا”.
ويعتقد أن معظم القتلى من الأفارقة الذين كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر المعابر البحرية من ليبيا، وقد عبرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن “قلقها البالغ من روايات عن وفاة لاجئين ومهاجرين”، فيما وصفت منظمة أطباء بلا حدود في بيان ما حدث بأنه “مأساة مروعة كان يمكن تجنبها بسهولة”.
معاناة مستمرة
قصف حفتر لمركز اللاجئين من شأنه أن يزيد معاناة هؤلاء الأفارقة الذين قدموا إلى ليبيا بطرق أغلبها غير شرعية قصد الوصول إلى السواحل الأوروبية، يذكر أن الفوضى السياسية والأمنية التي تشهدها ليبيا منذ سنوات قد أدّت إلى انتعاش تهريب الأشخاص بواسطة عصابات محترفة، تستغل وضع المهاجرين من جنوب الصحراء الذين يدفعون آلاف الدولارات نظير توصيلهم إلى أوروبا.
يعاني المهاجرون غير الشرعيين في ليبيا من مشاكل عدة
ساهم غلق الطريق البحرية بين ليبيا وإيطاليا وصعوبة وصول المهاجرين من ليبيا إلى سواحل القارة العجوز، في وقوع هؤلاء ضحايا للمهربين تجار البشر، وللتخلص منهم، يجلبون إلى الأسواق لبيعهم أجراء ولمن يرغب في شرائهم، وبالتالي امتلاكهم تمامًا كما يمتلك المشتري أي قطعة أثاث أو قماش أو سيارة أو جرار زراعي أو حيوان أليف.
تمثّل تجارة البشر أخطر الأنشطة التي تطورت بسرعة في ليبيا في السنوات التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي، حتى أضحت الأكثر ربحًا من بين أنشطة الاتجار في هذا البلد العربي الذي أصبح مرتعًا لسماسرة بيع البشر المحليين والدوليين بموارد مالية مهمة ووسائل متطورة جدًا، من آليات النقل المتطور ومعدات الاتصال وأجهزة التواصل الدائم، وسهلت هذه الشبكات على عناصر الجماعات الإرهابية أو الجريمة المنظمة حصولهم على المال.
وتعتبر ليبيا، حسب العديد من الخبراء، ضحية للهجرة غير النظامية وليست سببًا فيها، وتستعمل الدول الغربية خاصة فرنسا وإيطاليا مسألة الهجرة كذريعة للتدخل السياسي والعسكري في ليبيا، للحد من موجات المهاجرين الوافدين من السواحل الليبية إليها، وتخليصهم من العبودية.