منطقة التبادل الحر القارية، مشروع محوري للاتحاد الإفريقي، يهدف إلى النهوض الاقتصادي بالقارة السمراء، ورفع التجارة البينية الإفريقية بـ60% بحلول عام 2022، كما يقول الاتحاد الإفريقي الذي يجتمع في قمة استثنائية يومي 7 و8 من يوليو/تموز الحاليّ، في عاصمة النيجر نيامي.
يرى المدافعون عن منطقة التبادل الحر القارية أنها ستساعد في تنويع الاقتصادات الإفريقية وتصنيع القارة مع توفير منصة فريدة لتفاوض أفضل بشأن اتفاقات تجارية مع الدول والكيانات خارج القارة، فيما يقول منتقدو المشروع إن الوضع المتردي للبنى التحتية ونقص التكامل بين الاقتصادات الإفريقية وتفشي الفساد عوامل تعرقل تنمية التجارة البينية الإفريقية.
هذه التحديات دفعت دولاً إفريقية إلى إطلاق مشاريع ضخمة من بينها ميناء طنجة المتوسط، أكبر ميناء في إفريقيا والبحر المتوسط، وأبرز ممرات التجارة العالمية، فهل ستثبت الرباط جدارتها رغم منافسة أوروبية وعربية قوية؟ وهل يساهم الميناء في جذب فرص الاستثمار والصناعات التحويلية وخلق فرص العمل للمغرب؟
أكبر ميناء في إفريقيا والبحر المتوسط
“ها نحن نُقدم اليوم بعون الله وتوفيقه على إعطاء الانطلاقة لمشروع من أضخم المشروعات الاقتصادية في تاريخ بلادنا، إنه الميناء الجديد لطنجة المتوسط، الذي نعتبره حجر الزاوية لمُركَب مينائي ولوجيستي وصناعي وتجاري وسياحي”. بهذه الكلمات أعلن ملك المغرب محمد السادس في فبراير/شباط 2003، بدء العمل في ميناء “طنجة المتوسط 1”.
هذا الميناء يعد بوابة المغرب البحرية الرئيسية المطلة على البحر المتوسط، ويحتل موقعًا دوليًا على مضيق جبل طارق، يجعله على بعد 10 أيام من الولايات المتحدة، و20 يومًا من الصين، وما بين 2 إلى 8 أيام من دول غرب إفريقيا، وعلى بُعد ساعة فقط من إسبانيا.
هذه التوسعة تمنح الرباط التفوق على أكبر مينائين على البحر المتوسط، ميناء ألخثيراس (الجزيرة الخضراء) وميناء فالنسيا، من حيث طاقة استيعاب الحاويات واجتذاب المزيد من الاستثمار والصناعات التحويلية إلى البلاد
في عام 2007، افتتح الميناء رسميًا، ليتبوأ سريعًا صدارة الموانئ الإفريقية، ويتمكن من بلوغ مواقع ريادية على الصعيدين القاري والدولي، حيث يُصنف حاليًّا كأكبر ميناء في إفريقيا، والرابع على مستوى حوض المتوسط، والـ45 على المستوى العالمي من بين 500 ميناء دولي.
ويمتد المُركَب المينائي على مساحة مليون متر مربع، ويضم ميناء “طنجة المتوسط 1” الذي يضم بدوره محطتين للحاويات ومحطة السكك الحديدية ومحطة المحروقات ومحطة السلع المتنوعة ومحطة السيارات، بالإضافة إلى ميناء طنجة المتوسط للركاب والشاحنات ذي الأرصفة المخصصة لركوب المسافرين وصعود شاحنات النقل الدولي ونقاط التنظيم ومحطة الركاب.
وبعد 7 أعوام من الاستغلال، أصبح “طنجة المتوسط” واحدًا من أضخم مشاريع البنية التحتية في المغرب وأهم بوابة بحرية للتجارة الخارجية في المملكة، حيث يوفر الميناء ربطًا دوليًا، ويغطي ما يقارب 186 ميناءً في 80 دولة عبر العالم.
صورة من محطات ميناء الشحن الجديدة من طنجة المتوسط
وترسو بميناء طنجة المتوسط 14 ألف سفينة سنويًا، وفضلاً عن كونه ميناء لنقل البضائع والركاب ومعالجة الحاويات، ظل يكرس مكانته كأول منصة للتصدير والاستيراد في المغرب بمعالجة ما مجموعه 317 مليار درهم سنويًا.
المغرب استثمر مليار يورو في المرفأ الأول، وهو ما خلق ما لا يقل عن 6 آلاف فرصة عمل مباشرة في الميناء، و70 ألف أخرى في المنطقة التجارية المجاورة للميناء في أقل من 13 سنة، بحسب تصريحات مدير ميناء طنجة المتوسط للمسافرين حسن عبقري.
تعزيز التنافسية الاقتصادية للمغرب
منذ افتتاحه لأول مرة، شهد الميناء عدة توسعات كان آخرها افتتاح ميناء “طنجة المتوسط 2” منذ أيام قليلة، بعد عمل استمر نحو 9 سنوات، ليصبح أكبر ميناء في إفريقيا بحجم مناولة سنوية تُقدَر بـ3.5 مليون حاوية، وبطاقة استيعابية تُقدَر بـ52 مليون طن في 6 سنوات فقط.
وتقع التوسعة الجديدة على بعد نحو 50 كيلومترًا إلى الشرق من طنجة، المدينة الرئيسية في شمال المغرب، وهو ما يتيح مجالاً للتوسع في المستقبل، ويحتوي على محطتين للحاويات، بالإضافة إلى مركز طنجة المتوسط للأعمال.
المشروع يوفر ربطًا دوليًا لـ77 ميناءً عالميًا، ليكون أول مُركَب مينائي تجاري وصناعي بالمنطقة، متفوقًا على الموانئ المتوسطية الأوروبية، ومنافسًا لميناء جبل علي في دبي
وبعد التوسعة الضخمة للمُركَب المينائي “طنجة المتوسط”، والتي وصلت قيمة الاستثمارات فيه إلى 1.3 مليار يورو، أصبح المغرب يتبوأ عرش موانئ البحر الأبيض المتوسط، فهذه التوسعة تمنح الرباط التفوق على أكبر مينائين على البحر المتوسط، ميناء ألخثيراس (الجزيرة الخضراء) وميناء فالنسيا، من حيث طاقة استيعاب الحاويات واجتذاب المزيد من الاستثمار والصناعات التحويلية إلى البلاد.
وينتظر المغرب الريادة على الميناء بحوض البحر الأبيض المتوسط، ويتطلع أن يكون وجهة عالمية للصناعات التحويلية واللوجستية ومنصة تجارية وصناعية بطاقة استيعابية جديدة تصل إلى 6 ملايين حاوية سنويًا و7 ملايين راكب و700 ألف شاحنة ومليون سيارة، بحسب ما جاء على موقع الميناء، وهذا من شأنه أن يساعد على اجتذاب مزيد من الاستثمارات والصناعات التحويلية للبلاد، حيث يعبر هذا الرقم عن حجم التبادلات بين المغرب وأوروبا.
ويأمل مدير ميناء طنجة رشيد الهواري أن يصل حجم مناولة الحاويات بالميناء، الذي يتيح منصة للصادرات من مصانع الإنتاج المحلية لشركات فرنسية لصناعة السيارات مثل “رينو وبيجو”، إلى 4.5 مليون حاوية بنهاية العام بإضافة مليون حاوية سنويًا، مثل ميناء ألخيثراس في جنوب إسبانيا، كما يأمل المغاربة أن يساعد الميناء على اجتذاب المزيد من الاستثمارات والصناعات التحويلية إلى البلاد.
ولي عهد المغرب يفتتح القسم الثاني من ميناء
ويشير الهواري في تصريحات لوكالة “رويترز” إلى أن 90% من الحاويات التي تمر عبر ميناء طنجة المتوسط هي حاويات “ترانزيت” تتجه إلى وجهات أخرى، إذ يرتبط المغرب عبر الميناء بدول غرب إفريقيا التي تشكل السوق الأكبر، إضافة إلى دول أوروبا والأمريكتين، ويسهل آلية العمل في الميناء الجديد وجود رصيف أوتوماتيكي، الأمر الذي يقلص مدة تفريغ وشحن السفن.
لكن هذه التوسعة الضخمة للميناء الواقع على الطرف الغربي لساحل البحر المتوسط، على الجهة المقابلة للساحل الإسباني مباشرة، تُراقب بعين حذرة من طرف دول أوروبية فقدت ريادتها على التجارة البحرية بالمنطقة، فالمشروع يوفر ربطًا دوليًا لـ77 ميناءً عالميًا، ليكون أول مُركَب مينائي تجاري وصناعي بالمنطقة، متفوقًا على الموانئ المتوسطية الأوروبية، ومنافسًا لميناء جبل علي في دبي.
قاطرة لاقتصاد المغرب
غير بعيد عن السواحل الإسبانية وقرب مدينة طنجة، كبرى حواضر الشمال المغربي، يحتل المغرب موقعًا إستراتيجيًا بإطلالته على مضيق جبل طارق، يمكِن المغرب من تموضع جديد على خريطة التجارة الدولية بين كبريات الدول الأوروبية.
وعلى صعيد المناطق الصناعية التي تديرها “طنجة المتوسط”، يمتد المُركَب المينائي حاليًا على مساحة مساحة 16 مليون متر مربع، وتُعد منصة إقليمية للتنافسية الصناعية واللوجستيات والخدمات والتجارة، ويضم عدة مناطق صناعية، منها “طنجة أوطوموتيف سيتي وتطوان بارك وتطوان شور ومنطقة التجارة الحرة للخدمات اللوجستية ومنطقة رونو طنجة المتوسط”.
الميناء الجديد يمكن أن يكون معبرًا لاقتصاد المملكة كما يأمل المغاربة، ويعني ذلك أن مشكلة البطالة المتنامية في البلاد قد تُحل
وتمثل المنطقة الصناعية الحرة قطبًا صناعيًا لأكثر من 912 شركة دولية عاملة في قطاع السيارات قطاع النسيج واللوجستيك والخدمات، وتمثل القيمة المالية والاقتصادية الإجمالية لهذه الشركات أكثر من 8 مليارات يورو سنويًا، وهذا من شأنه المساهمة في تنمية صادرات المغرب، بالإضافة إلى آلاف فرص العمل في هذه المصانع.
وبافتتاح الميناء الجديد المطل على أوروبا يحقق المغرب أحد طموحاته لتعزيز مكانته على خريطة المراكز العالمية للشحن البحري وتدعيم بنيته التحتية، أمَا على المدى البعيد فهو اجتذاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، لا سيما أنه افتتح قبل أيام أكبر مصنع لإنتاج السيارات في المنطقة ضمن خطة لإنتاج مليون سيارة سنويًا.
وعلى مستوى هذه الصناعة نجح المغرب في احتلال المركز الأول على مستوى قارة إفريقيا، وذلك بعد رفع حجم إنتاج السيارات سنة 2018 إلى مستويات قياسية، متقدمًا على جنوب إفريقيا، إذ تمكنت المملكة من رفع مستوى إنتاج السيارات بنحو 8 أضعاف في أقل من 8 سنوات، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة صادرات المغرب بقطاع السيارات بنسبة 300% خلال الفترة نفسها، وبالطبع كان “ميناء طنجة” محورًا رئيسيًا لهذا التطور.
ملك المغرب محمد السادس خلال تدشينه مصنعًا للسيارات
وبالنظر إلى هذه الأرقام التي تصب في قطاع واحد فقط، فإنه الميناء الجديد يمكن أن يكون معبرًا لاقتصاد المملكة كما يأمل المغاربة، ويعني ذلك أن مشكلة البطالة المتنامية في البلاد قد تُحل، حيث سيُفتح المجال لفرص عمل جديدة، مما قد يقلص من حدة المشكلة التي لا يبدو أنها تشهد تحسنًا ملحوظًا خلال السنوات القليلة الماضية وفقًا لبيانات البنك الدولي.
يُضاف إلى ذلك أن توسيع البنيات المينائية لطنجة المتوسط سيزيد من الطاقة الاستيعابية والقدرة التنافسية للميناء، خاصة فيما يتعلق بمعالجة تدفقات الحاويات والتدفقات اللوجستية، كما سترفع المنصة الجديدة القدرة الاستيعابية للميناء لتصل إلى 9 ملايين حاوية، من بينها 3 ملايين تتم معالجتها في طنجة المتوسط، وسترتفع سعة الحاويات لتبلغ 120 مليون طن سنويًا.