ترجمة وتحرير: نون بوست
إن وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي قبل أسابيع قليلة من الذكرى السادسة للانقلاب العسكري، الذي أطاح به، يمثل دلالة مظلمة تكشف عن عودة مصر إلى الحكم الأوتوقراطي. وبعد مرور عقد متقلّب وحافل بالاضطرابات والثورة والثورة المضادة، بقي التدفق السنوي لمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأمريكية ثابتا طوال تلك المدّة.
برنامج تأهيلي
تعاملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع الإعانات العسكريّة المقدّمة لمصر على أنها برنامج تأهيلي نوعا ما. وعلى الرغم من أن الإدارات الأمريكية السابقة تعتبر أن العلاقات مع مصر أمر أساسي للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، إلا أن ذكرى الانقلاب المميت وحكم عبد الفتاح السيسي الوحشي يستوجبان من واشنطن إعادة تقييم جدية لهذه العلاقة.
لم تكن الولايات المتحدة قادرة على التصدّي للعنف الذي انجرّ عن انقلاب سنة 2013 الذي دعمته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير
منذ سبعينيات القرن الماضي، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية كبيرة لمصر في إطار معاهدة السلام المصريّة الإسرائيليّة التي وقّعت في كامب ديفيد. وبين سنة 1946 و2019، مَنحت الولايات المتحدة مصر ما قيمته 83 مليار دولار في شكل مساعدات خارجية ثنائية وغير معدلة حسب التضخم المالي. وخلال سنة 2019 لوحدها، تلقّت القاهرة 1.307 مليار دولار من المساعدات العسكرية.
رغم ضخامة الاستثمار، لم تكن الولايات المتحدة قادرة على التصدّي للعنف الذي انجرّ عن انقلاب سنة 2013 الذي دعمته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير. وفي هذا السياق، زعم وزير الخارجية جون كيري أن أحداث سنة 2013 كانت تدور حول “استعادة الديمقراطية”، إلا أنها توصف اليوم على أنها انقلاب عسكري ضد حكومة مدنيّة منتخبة ديمقراطيا.
انتهاكات غير مسبوقة في مجال حقوق الإنسان
على هذا النحو، كانت الولايات المتحدة ملزمة قانونًا بإيقاف كل المساعدات المقدمة لمصر بموجب قانون المساعدات الخارجية. وفي عرض مثير للإعجاب لمهاراته اللغوية، لم يأت الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مطلقًا على تصنيف أحداث الثالث من تموز/ يوليو 2013 على أنها انقلاب، كما أنه لم يجمّد سوى جزء رمزي من المساعدات.
كان تعليق أوباما على مذبحة رابعة، التي قُتل فيها أكثر من ألف متظاهر خلال تفريق الجيش للاعتصام، وعلى غيره من أعمال العنف التي عقبت الانقلاب، متواضعا
ظهرت في أعقاب هذا الانقلاب أعداد غير مسبوقة من حالات انتهاكات حقوق الإنسان. وفي محاولة لتهدئة المخاوف الدولية بشأن انقلاب مصر، فشل أوباما في اتخاذ موقف ضدّ الديمقراطية المعتمدة في القاهرة، قائلاً إن “حكومة مرسي لم تكن شاملة لجميع المصريين، كما أنها لم تحترم وجهات نظرهم”. وفي الواقع، لم يسبق للرئيس أن أوضح هذا المعيار غير المتناسق والمثير للقلق.
كان تعليق أوباما على مذبحة رابعة، التي قُتل فيها أكثر من ألف متظاهر خلال تفريق الجيش للاعتصام، وعلى غيره من أعمال العنف التي عقبت الانقلاب، متواضعا. ومع ذلك، لم يجمّد أوباما المساعدات العسكرية إلى حدود تشرين الأول/ أكتوبر 2013، أي بعد مرور شهرين على بداية حملة العنف.
في المقابل، لم تكن للمبالغ المجمّدة قيمة تذكر، إذ اقتصرت على بضع مئات الملايين من الدولارات، إلى جانب تعليق شحنات أنظمة الأسلحة الكبيرة. وفي الوقت ذاته، واصلت مصر تلقي المساعدات العسكرية التي تجاوزت قيمتها 1.2 مليار دولار سنة 2013 وبلغت أكثر من 1.3 مليار دولار سنة 2014.
المصريون الأمريكيون يحتجّون خارج مقر الأمم المتحدة خلال الجلسة العامة للأمم المتحدة في مانهاتن في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، في 25 أيلول/ سبتمبر 2018
في زيارة لاحقة إلى مصر، طمأن كيري الجيش المصري بأن التعاون سيتواصل ما من شأنه أن يقوّض التأثير السلبي الذي يخلّفه التجميد، علما بأن تجميد الأموال قد ألغي سنة 2015 على الرغم من عدم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان أو الديمقراطية. وعلى الرغم من التجميد المؤقت سنة 2018، الذي ألغاه وزير الخارجية مايك بومبيو، إلا أن مصر لا تزال تتلقى ما يتجاوز 9 مليارات دولار من المساعدات العسكرية بين سنة 2013 و2019. وقد أصبحت سلسلة تجميد المساعدات المقدّمة لمصر نمطا منتظما نوعا ما.
الصفعات العلنيّة
يشير هذا النمط إلى أن الولايات المتحدة مهتمة أكثر بتوظيف خطوات التجميد المؤقتة على نسبة رمزيّة من المساعدات الماليّة لتكون بمثابة تأنيب عوضا عن توجيه توبيخ شرعي بسبب سلوك النظام. في المقابل، لم تكن هذه “الإجراءات” كافية من حيث النطاق أو المدة للتأثير بشكل كبير على سلوك مصر.
في أيار/ مايو 2019، أثارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” مخاوف بشأن المساعدة العسكرية التي تتسبب في استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في سيناء باسم مكافحة الإرهاب. وفي السابق، شنّ الجيش المصري هجوما قاتلا على مجموعة أغلبها سياح مكسيكيّون باستخدام طائرات هليكوبتر أمريكية الصنع من طراز أباتشي.
تحت قيادة السيسي، كان التقدم المحرز في أعقاب أول انتخابات ديمقراطية في مصر عكسيا أكثر من المتوقّع
في أواخر حزيران/ يونيو، كشفت منظمة العفو الدولية النقاب عن “موجة من الاعتقالات التعسفيّة” التي استهدفت العديد من الناشطين العلمانيين ونائبا سابقا. ومع ذلك، لا تظهر الإدارة الحالية أي تغيير ملحوظ في السياسة. وفي هذا الصدد، أصبحت المساعدات العسكرية المقدّمة لمصر برنامجا تأهيليا يسهّل في كثير من الأحيان ارتكاب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وأفضل حتى من المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
النسخة الثانية من حكم مبارك
تحت قيادة السيسي، كان التقدم المحرز في أعقاب أول انتخابات ديمقراطية في مصر عكسيا أكثر من المتوقّع. وبين استهداف الأقباط والصحفيين والإسلاميين والليبراليين، تدهورت الممارسات في مجال حقوق الإنسان في مصر بسرعة. في الواقع، قد يكون حكم السيسي شبيها بنسخة ثانية عن عهد مبارك، ولكن بناء على عديد الروايات فإن السيسي يدير نظامًا أكثر قمعًا. كما فشلت الولايات المتحدة في توظيف المساعدة العسكرية كأداة لمحاسبة شركائها. ويجب أن تحظى السياسة الخارجية المستنيرة بحقوق الإنسان والإصلاح بالأولويّة مقارنة بالتعاون مع الجيش المصري.
تتجّه المساعدة العسكرية في الأغلب نحو الشركاء الذين لا يهتمون كثيرا بإصلاحات الحكم طويلة الأمد. وكما يوضّح مثال مصر، فإن بعض الدول الشريكة للولايات المتحدة تتلقى المبلغ ذاته كل سنة بغض النظر عن سلوكها.
بناء على نقطة ضعف السياسة الخارجية، تعلّم السيسي كيفيّة التلاعب بسياسات القوة العظمى، وزيادة واردات الأسلحة من فرنسا وروسيا، وبالتالي تقليل التأثير المحتمل للمساعدة الأمريكية. وهناك أيضا مخاوف كثيرة تفيد بأن فرض الشروط ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية من شأنه أن يهدد العلاقات الأمريكية المصرية بشكل دائم، وأن السيسي سوف يستبدل الأسلحة الأمريكية الصنع بأسلحة روسية. ومع ذلك، فإن تاريخنا في وقف شحنات الأسلحة إلى مصر يدلّ على أن هذا الأمر غير وارد.
في حال تركنا هذه المخاوف تتحكّم في تسيير السياسة وتتحكّم في إيقاف المساعدات أو الحدّ منها، فإن النتائج المنجرّة عن هذه المساعدة التي نقدمها ستنخفض. في المقابل، تفشل الولايات المتحدة باستمرار في استغلال المساعدات من أجل تعديل سلوك شريكتها لتحسين ممارسات حقوق الإنسان.
على ضوء الذكرى السادسة للانقلاب، وتزايد انتهاكات حقوق الإنسان، وموت الرئيس مرسي، يجب على أعضاء الكونغرس ومستشاري السياسة الخارجية أن يتساءلوا: “هل يهون العنف والقمع الذي يتعرّض له المجتمع المصري أمام المكاسب التي يفترض أن يحقّقها الأمن الدولي؟” نحن ننفق حاليا أكثر من 1.3 مليار دولار سنويًا مقابل نظام استبدادي يخفي في طياته انتهاكات حقوق الإنسان على أنها تدابير لمكافحة الإرهاب.
المصدر: ميدل إيست آي