انتشر في تركيا منذ قدوم اللاجئين السوريين وحتى الآن الكثير من الإدعاءات والاتهامات الخاطئة بحقهم كمجموعة أو كأفراد على أصعدة مختلفة، إلا أنها بدأت تأخذ منحنيات خطرة مؤخرًا تؤثر بشكل ملحوظ في يوميات السوريين في عدة مدن تركية. بالإضافة إلى تعريضها الكثير من اللاجئين وغيرهم من الأجانب لاعتداءات جسدية أو لفظية عنصرية باستخدام عدة طرق، أهمها التحريض عبر نشر محتوى كاذب في مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، وهو ما سنلقي الضوء عليه في هذا التقرير.
“اعتداء إيكي تيلي” آخر ما أنتجه التحريض
ظهر هاشتاغ “إيكي تيلي”، وهو اسم منطقة في مدينة اسطنبول، في 30 حزيران الماضي، في موقع تويتر، مثيرًا جدلًا واسعًا بين عدد كبير من الأتراك والسوريين القادرين على تحدث اللغة التركية، نتيجة إدعاء يقول بأن “طفل سوري اعتدى على فتاة تركية في الـ 12 من عمرها” مما أغضب نسبة كبيرة من الشباب التركي ودفعهم إلى فتح مسألة وجود السوريين في تركيا مجددًا. معبرين عن سخطهم حول الكثير من الحوادث الجارية ومناقشة مسألة تلقي اللاجئين أموالًا ومساعدات من الحكومة التركية، بدلًا من مساعدة الأتراك الفقراء. ليتبين بعد عدة أيام من تحقيقات للشرطة بأن لا صحة لما جرى بل هي نتيجة عملية تحريض مفتعلة من قبل أفراد قاموا بتأسيس مجموعة على تطبيق واتساب يتبادلون فيها اتهامات عنصرية ضد اللاجئين السوريين وافتعال حوادث ليس لها صلة بالواقع بهدف جذب انتباه الحكومة لموضوع إيقاف استقبال اللاجئين أو دعمهم.
أدى هذا الشحن الكبير من عدة أفراد رافضين بقاء السوريين في تركيا، بالإضافة لتعليقات بعض رجال السياسة من الحزب الجمهوري التركي المعارض إلى خلق حالة من التوتر في الشارع التركي، حتى ذهب البعض إلى تكسير واجهات المحال التي تحمل لافتات عربية. كما تعرّض أفراد عرب لشتائم من قبل أتراك في أماكن تعرف بضمها نسبة كبيرة من المغتربين.
لم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها بل سبقتها الكثير من الحوادث المماثلة قام موقع teyit، التركي بتوثيقها
مما دفع بالكثير من السوريين إلى أخذ الحيطة والحذر وتجنب التحدث باللغة العربية، أو محاولة النساء عدم ارتداء ملابس تدلّ على الهوية القومية السورية. بالإضافة إلى قيام الكثير من الشباب العرب المتقنين للتركية بكتابة توضيحات والردّ على التغريدات العنصرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الأمر لم ينته حتى صدرت عدة تصريحات من جهات تركية مختلفة بشأن الحادثة من بينها خروج رئيس البلدية الجديد، أكرم إمام أوغلو بتصريح ينفي صحة الحادثة ويدعوا المواطنين إلى التحلّي بالصبر. وإصدار وزير الخارجية مؤخرًا، سليمان صويلو قرارًا يقضي بإزالة كل اللافتات المكتوبة باللغة العربية بشكل كامل (بدون ترجمة تركية) بعموم المدن خلال 6 أشهر من الآن.
ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها بل سبقتها الكثير من الحوادث المماثلة قام موقع teyit، التركي، في تقرير توضيحي نشر باللغة التركية عام 2017 بتوثيق أكثرها إثارة للجدل بدءاً من إدعاءات موثقة بالفيديو تبين لاحقًا أنها من خارج تركيا. انتهاءً باتهامات باطلة تدعي اختطاف السوريين لأطفال أتراك والمتاجرة بأعضائهم في السوق السوداء.
مواقع تواصل.. منصات تحريض؟
تدفعنا هذه الحوادث المتكررة مؤخرًا إلى البحث في العلاقة بين تزايد الخطاب التحريضي على الإنترنت والأعمال العنيفة الموجهة ضد المهاجرين أو الأقليات في الكثير من دول العالم. إلا أن الواقع التركي بدأ يفرض نفسه كحالة منفردة تستحق البحث وفهم أسبابها وتداعياتها في ظل استقبال تركيا لأعداد مهولة من اللاجئين والسياح العرب على وجه الخصوص.
يأتي هذا الازدياد الملحوظ بمساهمة مواقع التواصل الاجتماعي بالتحريض والدفع نحو اتخاذ مواقف وتعليقات عنصرية نتيجة لعدة أسباب منها ما هو متعلق بسياسة أو شكل العرض في هذه المواقع، ومنها ما يعود لأسباب تتعلق بالوضع التركي السوري والسياق السياسي بالمنطقة والتوازنات السياسية التركية. إذ يلعب الشكل الذي صممت به مواقع التواصل الاجتماعي دورًا رئيسيًا في ارتفاع قدرة المستخدمين للوصول إلى محتوى مسيء أو ضار بشكل خاص أو يروج لمؤامرة مثيرة للخلاف ووقائع مضللة خاطئة دون قصد، نظرًا للمساحة التي تعطيها المنصة للمستخدم لصناعة موضوعات “ترند” وهمية، أو عبر اقتراح محتوى بعيد عن اهتمامات أو متابعات المستخدم. فيما يأتي التشغيل التلقائي لـ YouTube، الذي يمكّن البرنامج في نهاية مقطع الفيديو من بدأ واحد آخر عشوائي دون توجيه من المشاهد مثالًا على هذا التدخل دون قيام العديد من المنصات مثل يوتيوب بأي خطوة للحدّ من هذا الأمر.
إن المنحى الذي تأخذه هذه المسألة هو غالبًا نتيجة لتغيرات في المناخ السياسي التركي غير القادر على حسم الأمور
فيما تعتبر المساحة التي تضفيها مواقع التواصل بطبيعتها للتكلم بحرية دون رادع أو محاسبة قانونية لا يتم ملاحقة المذنب بعدها. بالأخص نظرًا لقدرة المستخدم على انتحال شخصية وهمية ومزيفة يستطيع من خلالها ممارسة جرائم أو تعديات على حقوق الآخرين أو تعريضهم للخطر.
وأيضًا لأسباب مهمة تعود لطبيعة الوضع السوري في تركيا منها ما قد طرحته بالفعل عدة شخصيات عربية متخصصة في الشأن التركي السوري. أو محللين وسياسيين أتراك قائلين إن المنحى الذي تأخذه هذه المسألة هو غالبًا نتيجة لتغيرات في المناخ السياسي التركي الغير القادر على حسم الأمور حول القضية السورية في تركيا والتصريحات الكثيرة المتباينة بين دعم ورفض من رجال سياسة أتراك. بالإضافة إلى عدم وجود الوعي الكافي لفهم مسألة اللاجئين السوريين عند الأتراك.
كما ذهب بعض المحللين إلى تحميل السوريين مسؤولية ما يحدث نتيجة “عدم جاهزية اللاجئين السوريين الاندماج داخل المجتمع التركي وخلق بيئة منغلقة حول أنفسهم عن طريق التجمع في مناطق محددة وافتتاح مراكز طبية ومحال تجارية خاصة بهم”. وهو ما يعتبره الأتراك نقطة مهمة للتعايش معهم داخل أراضيهم والتي أعرب عنها الكثيرين بسؤالهم عن أسباب عدم تعلّم نسبة كبيرة من السوريين للغة التركية.
وهنا يجدر بالذكر، برأيي، أن الوضع الطارئ الذي تجد فيه مجموعات اللاجئين نفسها، والعبء النفسي والمادي الذي تحمله معها بسبب الحرب، يدفع الأفراد للبحث عن المألوف من محيط اجتماعي بكل ما يحمله من مركّبات. وبالتالي فإن مهمة الاندماج تقع على عاتق المؤسسات والسلطات التي فتحت باب اللجوء على مصراعيه دون خطة إدماج واضحة منذ البداية، وهو ما لا يمكن تحميل السوريين في تركيا مسؤوليته.