ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: خالد عبد العزيز ومايكل جورجي ومها الدهان
خلال فترة حكمه التي دامت 30 سنة، نجا البشير من محاولات الانقلاب والتمرد والحرب التي كانت تستهدفه. ويقول المطلعون على الوضع إن فشله في قراءة وفهم السياسة في المنطقة بالإضافة إلى إخفاقه في الحفاظ على تحالف رئيسي واحد هو ما أدى إلى سقوطه.
مساء العاشر من نيسان/ أبريل، زار صلاح قوش، وهو رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، الرئيس عمر البشير في قصره لطمأنته بأن الاحتجاجات الشعبية لا تشكل تهديدًا على حكمه. وعلى مدار أربعة أشهر، خرج الآلاف من السودانيين إلى الشوارع للمطالبة بالديمقراطية ووضع حد للمصاعب الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وفقًا لما ذكرته أربعة مصادر، كان أحدهما حاضرا في الاجتماع، أخبر قوش الرئيس عمر البشير، الذي يعد أحد أقدم الزعماء في العالم العربي، أنه سيتم فض اعتصام المحتجين المتجمهرين خارج مقر وزارة الدفاع القريب من القصر. شعر البشير بالطمأنينة وذهب إلى فراشه. عندما استيقظ بعد أربع ساعات، أدرك أن قوش قد خانه فقد اختفى حراس القصر وحل مكانهم جنود من الجيش النظامي وهكذا انتهى حكمه الذي دام 30 سنة.
نُقل البشير إلى سجن كوبر بالخرطوم، الذي سبق أن زج فيه آلاف المعارضين السياسيين خلال فترة حكمه
صرح أحد أفراد الدائرة المقربة للبشير، الذي كان من بين القلائل الذين تحدثوا معه في تلك الساعات الأخيرة، بأن الرئيس قام لأداء الصلاة. وأخبرت هذه المصادر وكالة رويترز بأن ضباط الجيش كانوا ينتظرونه لينهي صلاته. أخبر الضباط البشير أن اللجنة الأمنية العليا السودانية، المؤلفة من وزير الدفاع وقادة الجيش والمخابرات والشرطة، قد عزلته بعد أن فقد السيطرة على البلاد.
نُقل البشير إلى سجن كوبر بالخرطوم، الذي سبق أن زج فيه آلاف المعارضين السياسيين خلال فترة حكمه. وبشكل سلس، نجح الانقلاب ضد رجل تمكن من التغلب على حملات التمرد ومحاولات الانقلاب، ونجا من العقوبات الأمريكية ومن الاعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في دارفور.
قوة الشارع: في أواخر 2018، خرج الآلاف من المتظاهرين السودانيين إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم بشأن ارتفاع أسعار الخبز كما طالبوا بإنهاء حكم البشير
أجرت رويترز مقابلات مع أكثر من عشرة مصادر كانت مطلعة بشكل مباشر على الأحداث التي أدت إلى الانقلاب حتى تفهم كيف فقد البشير السلطة. وصرحت هذه المصادر، التي كان من بينها وزير سابق في الحكومة وعضو في الدائرة الداخلية للبشير وأحد مدبري الانقلاب، أن البشير كان ماهرا في التلاعب والسيطرة على الفصائل الإسلامية والعسكرية المتناحرة في السودان، لكن عزلته في الشرق الأوسط كانت تتزايد.
أوضحت المصادر أن البشير أساء إدارة العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سبق أن ضخت مليارات الدولارات في خزائن السودان. لقد خدم البشير مصالح الإمارات في اليمن، حيث تشن كل من الإمارات والسعودية حربا ضد إيران. ولكن في نهاية 2018 ومع انهيار الاقتصاد السوداني وخروج المحتجين إلى الشوارع وجد البشير نفسه وحيدا بعد اختفاء صديقه القوي والثري.
أفادت هذه المصادر بأن قوش اتصل بالسجناء السياسيين وجماعات المعارضة السودانية لطلب الدعم في الأسابيع التي سبقت تحرك الجنرالات ضد البشير. وفي الأيام التي سبقت الانقلاب، بينت المصادر أن قوش أجرى اتصالا هاتفيا مع مسؤولي المخابرات في الإمارات العربية المتحدة لإخبارهم بشكل مسبق عن الانقلاب التي سيحدث في البلاد.
أورد مسؤول كبير في الحكومة السودانية كان قد أطلعه البشير على ما دار بينه وبين محمد بن زايد، أن ولي العهد قد طلب منه المساعدة من أجل قمع الإسلاميين.
لم تعلق الحكومتان الإماراتية والسعودية حول المعلومات التي وردت في هذا المقال. وفي شهر حزيران/ يونيو، وتحديدا بعد إقالة البشير، كتب وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش على تويتر أن الإمارات كانت على اتصال بجميع عناصر المعارضة السودانية والمجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة. وأضاف قرقاش، مشيرا إلى حلفاء البشير الإسلاميين في السودان: “لا شك في أن السودان يمر بفترة حساسة بعد سنوات من دكتاتورية البشير والإخوان المسلمين”.
الخيانة
في شهر شباط / فبراير 2017، زار البشير ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد عندما كانت العلاقات جيدة، وقد كان هناك حوالي 14 ألف جندي سوداني يقاتلون في اليمن كجزء من تحالف عسكري بقيادة السعودية والإمارات ضد المتمردين المتحالفين مع إيران. وفي هذا السياق، أورد مسؤول كبير في الحكومة السودانية كان قد أطلعه البشير على ما دار بينه وبين محمد بن زايد، أن ولي العهد قد طلب منه المساعدة من أجل قمع الإسلاميين.
صورة لولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان (الثاني على اليسار) والزعيم السوداني عمر البشير (على اليمين)، وهما حليفان في حرب اليمن، خلال حضورهما معرض ومؤتمر الدفاع في أبو ظبي في شهر شباط/ فبراير سنة 2017.
كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تبذل جهودا إقليمية لمواجهة الإسلام السياسي، الذي تعتبره هي والمملكة العربية السعودية تهديدا مباشرا للحكم الملكي والمنطقة ككل. ومنذ سنة 2011، اكتسبت هذه المساعي أهمية كبيرة، وتحديدا عندما اجتاحت ثورات الربيع العربي الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته أصبحت جماعة الإخوان المسلمين أقوى من ذي قبل. وتجدر الإشارة إلى أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تعتبران جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، في حين تصر جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة دينية سلمية.
لقد كان تأثير الإسلاميين راسخا في السودان أكثر مما هو راسخ في مصر فقد امتد لعقود طويلة
في سنة 2012، انتخب الشعب المصري مرشح الإخوان محمد مرسي ليكون بذلك أول رئيس إسلامي للبلاد، ولكن بعد مرور سنة تقريبا تمت الإطاحة به من قبل الجيش لإرضاء كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين تشاركتا مع الكويت لتقديم مساعدات بقيمة 23 مليار دولار إلى القاهرة على مدار 18 شهرا.
لقد كان تأثير الإسلاميين راسخا في السودان أكثر مما هو راسخ في مصر فقد امتد لعقود طويلة. ففي سنة 1989، استولى البشير على السلطة وأصبح رئيسا للمجلس العسكري الإسلامي، أما في الوقت الحاضر فإن الإسلاميين هم الذي يسيطرون على الجيش والمخابرات والوزارات الرئيسية التابعة للدولة. ووفقا لمسؤول حكومي، توصل كل من البشير ومحمد بن زايد إلى اتفاق، حيث سيقوم البشير بالتخلص من الإسلاميين مقابل الحصول على دعم مالي من الإمارات، لكن البشير لم يذكر الطريقة التي سيعتمدها للقيام بذلك.
في تصريحات أذيعت على التلفاز، شكر بن زايد الزعيم السوداني خلال الاجتماع لإرسال قوات لدعم الإمارات والسعودية في اليمن، حيث قال: “عندما ازدادت الأوضاع سوءا، لم يتردد السودان في دعم التحالف العربي كما أنه لم يطلب أي شيء في المقابل”. وفي تلك الأثناء، كان المسؤولون يهتفون ويصفقون لهذا التصريح.
العقل المدبر للانقلاب: كان صلاح قوش، وهو الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، من بين الشخصيات الرئيسية التي دبرت المؤامرة للإطاحة بالبشير.
بعد المحادثات مع أبو ظبي، تدفقت مليارات الدولات إلى خزينة السودان. وقد أفادت وكالة الأنباء الإماراتية بأن الإمارات قدمت في شهر آذار/ مارس 2018 دعما بقيمة 7.6 مليار دولار للبنك المركزي السوداني، في شكل استثمارات خاصة بالإضافة إلى استثمارات أخرى من صندوق أبو ظبي للتنمية.
تم تكليف طه عثمان الحسين، وهو من كبار مساعدي البشير الموثوق بهم ومدير مكتبه، بالإشراف على علاقات السودان بكل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. لقد كان الحسين ضابط مخابرات سابق وقد وصفه زملاؤه بأنه شخص طموح وماهر، لكن وزراء الحكومة استاؤوا من نفوذه، واشتكوا من عجزهم الوصول إلى البشير إلا عبر الحسين، كما صرحوا بأنه يسيطر على السياسة الخارجية. وفي إحدى المرات، أصدر الحسين إعلانا مهما متعلقا بالسياسة الخارجية لوكالة الأنباء السودانية ووكالة الأنباء السعودية، متجاوزا بذلك وزارة الخارجية.
ذكر مسؤول حكومي سابق أن البشير قام بإقالة الحسين في شهر حزيران/ يونيو 2017 وذلك بعد أن اكتشف أنه حصل على الجنسية السعودية
في شأن ذي صلة، أوردت قمر هباني وهي مسؤولة كبير في حزب المؤتمر الوطني التي يترأسه البشير: “إن الحسين كان يملك قدرة خارقة للتأثير على عقل البشير”. اتهم رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني وكبار السياسيين الحسين علنا بالتجسس لصالح المملكة العربية السعودية، حيث زعمت المخابرات السودانية بأن السعودية والإمارات قد أودعتا مبلغا قدره 109 ملايين دولار في حساب مصرفي في دبي يعود للحسين. ووفقا لما صرحت به عدة مصادر لرويترز، فإن حسين نفى هذه الادعاءات الكاذبة التي تناقلتها وسائل الإعلام السودانية.
ذكر مسؤول حكومي سابق أن البشير قام بإقالة الحسين في شهر حزيران/ يونيو 2017 وذلك بعد أن اكتشف أنه حصل على الجنسية السعودية. انتقل حسين للعيش في الرياض حيث أصبح مستشارا للسعودية والإمارات، وهو منصب لا يزال يشغله إلى اليوم. للأسف، لم تتمكن رويترز من الوصول إلى الحسين للحصول على رد منه، كما لم ترد الحكومتان الإماراتية والسعودية على بعض الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع. وحيال هذا الشأن، أفادت هباني بأن البشير قد تأثر كثيرا بما فعله طه الحسين وأن إقالته كانت بمثابة ضربة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
نحن إسلاميون
في صائفة سنة 2017، حدثت أزمة دبلوماسية بين دول الخليج العربية، حيث قطعت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية علاقاتها مع قطر بسبب دعمها المستمر للإخوان المسلمين. وضع هذا الصراع البشير في موقف صعب، فقد قدمت قطر مثلها مثل الإمارات العربية المتحدة، مليارات الدولارات من المساعدات المالية لدعم اقتصاد السودان الفقير.
آثر عمر البشير عدم الإعلان عن مساندته للإمارات والسعودية في النزاع. لكنه اختار أيضا عدم التقليل من تأثير الإسلاميين في حكومته
مارس حلفاء البشير الإسلاميين في السودان ضغوطا عليه للحفاظ على علاقاته مع قطر وعدم الانحياز إلى أي طرف في النزاع. وفي هذا السياق، قال مسؤول حكومي سابق، إن رسالتهم كانت واضحة للغاية، “ينبغي علينا الحفاظ على العلاقات مع قطر”.
في شهر آذار/ مارس 2018، أعلن السودان وقطر عن خطط لإبرام اتفاق بقيمة أربعة مليارات دولار للمشاركة في تطوير ميناء سواكن على البحر الأحمر قبالة ساحل السودان. لقد آثر عمر البشير عدم الإعلان عن مساندته للإمارات والسعودية في النزاع. لكنه اختار أيضا عدم التقليل من تأثير الإسلاميين في حكومته.
حيال هذا الشأن، قال مسؤول حكومي بارز إن البشير كان يخشى التفريط في الشخصيات الإسلامية القوية. وكان علي عثمان طه من بين أصحاب النفوذ حيث شغل منصب نائب أول للرئيس سابقا، إلى جانب خلفه بكري حسن صالح الذي شارك في الانقلاب الذي أوصل البشير إلى الحكم. لم تتمكّن وكالة رويترز من الوصول إلى طه أو صالح للتعليق على الموضوع.
الدعم الإسلامي: يتضمّن الحلفاء الإسلاميين للبشير علي عثمان طه الذي كان يشرف في السابق على منطقة دارفور في السودا
حليف قديم: شارك النائب الأول السابق للرئيس بكري حسن صالح في الانقلاب الذي قاده الإسلاميون والذي أدى إلى وصول البشير إلى السلطة سنة 1989.
بحلول شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018، كان السودان ينزلق إلى أزمة اقتصادية، في ظل نقص الخبز والوقود والعملات الصعبة. خلال اجتماع لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، سألت هباني الرئيس عن السبب الذي منع الإمارات العربية المتحدة والسعودية من تقديم يد المساعدة للسودان. ونقلت عنه قوله إن “إخواننا يريدون مني أن أتخلص منكم أيها الإسلاميون”.
وفقًا لما أكده ثلاثة مسؤولين سودانيين، أوقفت الإمارات في كانون الأول/ ديسمبر 2018 إمداد السودان بالوقود لشعورها بالاستياء من عدم التزام البشير بإتمام الصفقة المتمثلة في التخلص من الإسلاميين. في المقابل، أوردت هباني أن “الإمارات والسعودية قررتا عدم دعم البشير على الصعيد المالي لأنه رفض التخلص من الإسلاميين ولم يستسلم للضغوط من أجل دعم السعودية والإمارات ضد قطر. لم تتقبلا فكرة أن السودان لم يرغب في الانحياز إلى أي طرف”.
في شباط/ فبراير 2019، خلال اجتماع في مجلس الشورى للحزب الذي يتكون من كبار قادة البلاد، بدا البشير وكأنه يحسم مصيره. في هذه الأثناء، اندلعت الاحتجاجات تنديدا بارتفاع أسعار الخبز في جميع أنحاء البلاد. أعلن البشير: “نحن إسلاميون ونفخر بكوننا إسلاميين”. وقال مسؤول حكومي بارز إن هذه الأحداث كانت نقطة اللاعودة. كان من الواضح أن البشير لن يتخذ أي قرار ضد الإسلاميين.
في اتصال مع وكالة رويترز، قال مسؤول بوزارة الخارجية القطرية إن دعم قطر للسودان “يهدف إلى تحقيق الرخاء والرفاهية لشعبها وليس مرتبطا بحزب أو نظام سياسي معين”
في وقت لاحق من نفس الشهر، سافر البشير إلى قطر لإجراء محادثات مع الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكان بحاجة ماسة إلى المال. ووفقًا لعضو في الدائرة الداخلية للبشير، عرض الأمير على الرئيس السابق مساعدات مالية بقيمة مليار دولار. وعلى الرغم من ذلك، عاد البشير إلى السودان خالي الوفاض، على حد قول المصدر، بعد أن كشف الأمير أنه تعرض لضغوط من “أطراف معينة” لتغيير رأيه. ولكن، لم يحدد الأمير هوية هذه الأطراف المتدخلة.
في اتصال مع وكالة رويترز، قال مسؤول بوزارة الخارجية القطرية إن دعم قطر للسودان “يهدف إلى تحقيق الرخاء والرفاهية لشعبها وليس مرتبطا بحزب أو نظام سياسي معين”. وأضاف المصدر ذاته أن قطر لم تمارس عليها ضغوط من أطراف أجنبية لوقف المساعدات المقدمة للسودان وأن المشاريع التنموية في السودان مازالت متواصلة.
بعد سقوط البشير، استمر المحتجون في المطالبة بالديمقراطية وإنهاء الحكم العسكري ووضع حد لتدخل القوى العربية. هنا يستخدم المتظاهرون الإطارات المحترقة لإقامة حاجز في أحد شوارع الخرطوم.
المؤامرة
كانت مؤامرة الإطاحة بالبشير تُحاك وراء الكواليس. وحيال هذا الشأن، روى أحد زعماء المعارضة، الذي كان من بين السجناء السياسيين في سجن كوبر بالخرطوم، حيث يقبع البشير في الوقت الراهن، كيف ظهر صلاح قوش بشكل غير متوقع في السجن خلال الأيام الأولى من شهر كانون الثاني/ يناير 2019 والتقى بثمانية أشخاص من رموز المعارضة.
أخبر قوش السجناء أنه قدام من أبوظبي حاملا في جعبته وعدا قدمته له الإمارات بمنح البلاد إمدادات الوقود ومساعدات اقتصادية أخرى، وقال إنه يرغب من السجناء أن يدعموا خطة هيكلية لإرساء نظام سياسي جديد في السودان. وأكد مصدر مقرب من قوش وقوع تلك المحادثة.
عاد قوش إلى السجن بعد 10 أيام. هذه المرة زار 26 زنزانة تحتجز سجناء سياسيين. منذ ذلك الحين تحسنت الظروف. قال زعيم المعارضة، الذي أصبح الآن حراً إلى جانب الآخرين، لقد تلقينا سجائر مجانية وجهاز تلفزيون ومضغ التبغ. لقد وجدنا أنه من الغريب أن يزور رئيس الاستخبارات سجناء المعارضة. لكن عندما حدث الانقلاب فهمت السبب”.
من جهته، أعلن قوش في مؤتمر صحفي عُقد في 22 شباط/ فبراير أن البشير سيتنحى عن زعامة حزب المؤتمر الوطني وأنه لن يلتمس إعادة انتخابه سنة 2020
وفقا لدبلوماسي غربي بارز في الخرطوم، وهو عضو في الدائرة الداخلية للبشير ومصدر مقرب من قوش، اقترحت الإمارات بالاتفاق مع قوش في منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي خروجا مشرّفا للرئيس عمر البشير. وبموجب هذه الخطة، كان من المقرّر أن يظل البشير في السلطة لفترة انتقالية تليها الانتخابات.
من جهته، أعلن قوش في مؤتمر صحفي عُقد في 22 شباط/ فبراير أن البشير سيتنحى عن زعامة حزب المؤتمر الوطني وأنه لن يلتمس إعادة انتخابه سنة 2020. ولكن في خطاب متلفز بعد ذلك بفترة قصيرة، لم يشر البشير إلى الاستقالة كزعيم للحزب، وأخبر أعضاء الحزب في وقت لاحق من اليوم ذاته أن قوش قد بالغ في تصريحاته. عندها، بدأت التحركات ضد البشير تتسارع. وأجرت الإمارات اتصالات مع أحزاب المعارضة السودانية والجماعات المسلحة التي شنت حربا ضد البشير لمناقشة “الوضع السياسي في السودان بعد الإطاحة بالبشير، وذلك حسب ما أفاد به أحد زعماء المسلحين وشخص كان يعمل كحلقة وصل بين الجانبين.
عندما أقام المحتجون معسكرا خارج وزارة الدفاع غير بعيد عن مقر إقامة البشير، في السادس من شهر نيسان/ أبريل الماضي، لم يقم جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني التابع لقوش بأي تحرّك لإيقافهم. وقالت هباني، وهي عضو بارز في حزب المؤتمر الوطني الحاكم: “عندها أدركنا أن الجيش قد سيطر على الأمر”.
في 21 نيسان/ أبريل، أعلنت الإمارات والسعودية أنهما ستقدمان ثلاثة مليارات دولار من المساعدات للسودان، وفي وقت لاحق، قال حميدتي إن القوات السودانية ستبقى في اليمن
والجدير بالذكر أن قوش قد تواصل مع كبار المسؤولين بما في ذلك وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وقائد الشرطة، واتفقوا على أن الوقت قد حان لإنهاء حكم البشير. وقال مصدر مقرب من قوش إن هؤلاء الرجال أدركوا أن “البشير قد انتهى. وقد أكد متحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم السودان الآن أن قوش قام بدور قيادي.
انضم حليف البشير القديم، وهو قائد المليشيا الجنرال محمد حمدان دقلو، إلى هذه المؤامرة. يُعرف دقلو باسم “حميدتي”، وهو الاسم الذي منحته له جدته، ويقود “قوات الدعم السريع” السودانية، وهي وحدة شبه عسكرية مدججة بالسلاح ويبلغ عددها عشرات الآلاف وتسيطر على الخرطوم.
النجم الصاعد: برز الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، كأقوى شخصية في السودان بعد البشير. تسيطر قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي على العاصمة.
حُسم مصير البشير، وفي الساعات الأولى من يوم 11 نيسان/ أبريل وقعت إقالته من السلطة. بعد بضعة أيام، عاد طه عثمان الحسين، الذي كان يشغل منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية للعلاقات مع الإمارات والسعودية، إلى السودان كجزء من وفد سعودي وإماراتي، ليقابل الحكام العسكريين السودانيين الجدد.
في 21 نيسان/ أبريل، أعلنت الإمارات والسعودية أنهما ستقدمان ثلاثة مليارات دولار من المساعدات للسودان، وفي وقت لاحق، قال حميدتي إن القوات السودانية ستبقى في اليمن. وبالتزامن، كانت جماعات المعارضة والمسلحين تلتقي بمسؤولين إماراتيين في أبوظبي. وكان أحمد توجود، وهو أحد كبار المسؤولين في حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور، من بين الذين حضروا هذه المحادثات، وقال إن المسؤولين الإماراتيين يريدون سماع وجهات نظرهم بشأن المصالحة والاستقرار. وقال توجود: “ركزنا على عملية السلام وكيفية حل النزاع في مناطق الحرب”.
ذكر توجود والشخص الذي قام بالتواصل معه، أن الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، مالك نادي مانشستر سيتي الإنجليزي وأحد أفراد العائلة الحاكمة في أبو ظبي، قد أشرف على الاتصالات التي جمعت بين الإمارات والجماعات المتمردة. وفي الواقع إن الأسئلة التي وجهتها وكالة رويترز إلى شيخ منصور عبر وزارة الخارجية الإماراتية والمجلس الوطني للإعلام، لم تقع الإجابة عنها. كما قوبلت محاولة قطر لإرسال وزير خارجيتها لإجراء محادثات في الخرطوم بالرفض.
استقال قوش من منصبه في المجلس العسكري الانتقالي في 13 نيسان/ أبريل الماضي. وقد تعرّض لموجة من الانتقادات الواسعة من قبل المتظاهرين، ومارسوا عليه ضغوطا هائلة للتنحي من منصبه
في الأسابيع التي تلت إقالة البشير، ظهر حليفه القديم حميدتي وأقوى شخصية في السودان، كنائب لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي يدير البلاد الآن. وفي المقابل استقال قوش من منصبه في المجلس العسكري الانتقالي. واكتسب تاجر الماشية السابق سمعة دولية كواحد من أكثر قادة المليشيات قسوة في حرب دارفور التي اندلعت سنة 2003. واتهمت جماعات حقوق الإنسان ميلشياته بارتكاب الفظائع، بما في ذلك حرق القرى واغتصاب وقتل المدنيين. من جهته، نفى حميدتي كل هذه المزاعم، وهو الأمر ذاته التي قامت به حكومة البشير.
في المقابل، استقال قوش من منصبه في المجلس العسكري الانتقالي في 13 نيسان/ أبريل الماضي. وقد تعرّض لموجة من الانتقادات الواسعة من قبل المتظاهرين، ومارسوا عليه ضغوطا هائلة للتنحي من منصبه. وتجدر الإشارة إلى أن مكان قوش غير معروف إلى حد الآن، لكن قوات الأمن منتشرة حول منزله في الخرطوم.
في الثالث من شهر حزيران/ يونيو، فضّ جنود حميدتي الاعتصام خارج وزارة الدفاع، وأطلقوا النار على المتظاهرين. وذكر مسعفون من المعارضة أن أكثر من 100 شخص قتلوا خلال هذه الأحداث، في حين أن السلطات السودانية قدّرت عدد القتلى بنحو 62 شخصا. ثم شرع الجنود في إزالة اللافتات والرايات التي كُتب عليها شعارات من قبيل “لا نريد أن نكون مثل مصر” و”الإمارات والسعودية توقفا عن التدخل في السودان”.
المتظاهرون السودانيون خارج وزارة الدفاع قبل ساعات من الإطاحة بالبشير في شهر نيسان/ أبريل.
المصدر: وكالة رويترز