دعا ناشطون وأحزاب جزائرية للخروج اليوم الجمعة في مسيرة تحمل اسم “الاستقلال والحرية” كونها تصادف ذكرى استقلال البلاد عن الاحتلال الفرنسي في 5 يوليو 1962، وهي الجمعة التي ستكون فيها مبادرة رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح في المزاد، خاصة وأن التنازلات التي حملتها جعلت الآراء تنقسم بين مرحب بها ومتخوف من الغموض الذي تخفيه في طياتها.
ورغم مرور أكثر من 4 أشهر على انطلاق الحراك الشعبي الجزائري في 22 فبراير الماضي، إلا أن معظم المقترحات التي قدمت للخروج من الأزمة لم تستطع أن تجد طريقًا للتنفيذ بسبب عدم تحقيق التوافق حولها من جميع الأطراف، ما جعل الجزائريين يصرون على الخروج أيضًا في الجمعة رقم 20 منذ انطلاق مسيرة مطالبتهم بالحرية والديمقراطية.
إصرار
رغم التضييق الأمني الذي بدأت تشهده مسيرات الجمعة بعد شهر رمضان، إلا أن المؤمنين بالسلمية وسيلة وشعارًا لتحقيق أهداف الحراك متمسكون بمواصلة المسيرة حتى تحقيق الأهداف.
يصر النشطاء على رحيل رموز نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وعلى رأسهم الباءين المتبقيين المتمثلين في رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ووزيره الأول نور الدين بدوي
ويتوقع الجميع أن تكون مسيرة اليوم ضخمة من حيث عدد المشاركة، بالنظر إلى رمزيتها لتصادفها مع ذكرى الاستقلال ولحملها الرقم العشرين، إضافة إلى أنها تصادف يوم إعلان نتائج الانتخابات لو لم يسقط الحراك رئاسيات 4 يوليو ويلغيها.
ويصر النشطاء على رحيل رموز نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وعلى رأسهم الباءين المتبقيين المتمثلين في رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ووزيره الأول نور الدين بدوي، خاصة وأن رحيل الباء الثالثة المتمثل في رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب زاد الحراك جرعة نضال إضافية لمواصلة طريقه التي رسمها.
ودعت حركة مجتمع السلم كبرى الأحزاب الإسلامية في البلاد للخروج في مسيرة اليوم، ومواصلة النضال. وقالت في بيان تلا اجتماع مكتبها التنفيذي إنها “تدعو الجزائريين والجزائريات للخروج بكثافة في حراك يوم الجمعة 5 جويلية يوليو احتفالا بعيد الاستقلال والشباب وتعبيرا عن ثباتهم على المطالبة بالتغيير الشامل والانتقال الديمقراطي الحقيقي الذي بغيره سنضيع المكتسبات المحققة إلى الآن ونعود إلى عهد التزوير وديمقراطية الواجهة.”
وإن اتفقت جميع الأطراف على ضرورة الخروج إلى الشارع، إلا أنها أظهرت اختلافا في الآراء، فتفرقت بين داعم لقرارات الجيش وبين باحث عن العدالة والقبول بالآخر وتفادي التخوين والتقسيم، وبين من يريدها ردا على موقف المؤسسة العسكرية التي يراها أنها لا تخدم اليوم إرادة الحراك وتريد الالتفاف عليه.
ستشكل مسيرة الجمعة اختبارا لمبادرة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح التي أعلنها الأربعاء، والتي تقوم على تولي شخصيات وطنية تحظى بتوافق وطني وقبول من جميع الأطراف قيادة الحوار الوطني للوصول إلى تنظيم انتخابات رئاسية
ورغم أن هذا الاختلاف في الآراء منطقي وقد يشكل ثراء، إلا أن البعض يتخوف من اتساع رقعته، خاصة بعد تعالي بعض الأصوات المتطرفة رغم قلتها والتي قد تزيد من أزمة الحراك المتمثلة في فشله في تقديم قادة يتكلمون باسمه.
في الميزان
ستشكل مسيرة الجمعة اختبارا لمبادرة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح التي أعلنها الأربعاء، والتي تقوم على تولي شخصيات وطنية تحظى بتوافق وطني وقبول من جميع الأطراف قيادة الحوار الوطني للوصول إلى تنظيم انتخابات رئاسية تشرف عليها لجنة مستقلة بهدف إعطاء هذا الاستحقاق الشفافية والنزاهة الكاملة، ومنح الرئيس الذي ستفرزه صناديق الاقتراع الشرعية غير المشكوك فيها للقيام بالإصلاحات اللازمة الذي تلبي انشغالات الحراك.
واختلفت أراء السياسيين والمراقبين بخصوص ما حملته مبادرة بن صالح، فقد بينت حركة مجتمع السلم أنها “تثمن كل دعوة للحوار للخروج من الأزمة والوصول إلى التوافق الوطني على أن يكون الحوار جادًا ومسؤولًا وصادقا وملزما وغير مميع، وأن يكون الهدف هو تحقيق الانتقال الديمقراطي الذي يبدأ بالانتخابات الرئاسية الشفافة والنزيهة في أجل معقول غير بعيد”، مؤكدة في الوقت ذاته “التزامها بالإرادة الشعبية المعبر عنها في الحراك الشعبي والداعية إلى ذهاب كل الرموز السياسية للنظام البائد قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية.”
فيرى كثيرون أن مبادرة بن صالح حملت مكاسب تحققت للحراك، ويبقى التساؤل فقط حول طبيعة الشخصيات الوطنية التي ستقود هذه الحوار
وتشارك حمس في ندوة السبت لقوى التغيير التي ستجمع معظم أطياف المعارضة، والتي سيكون موقفها من مبادرة السلطة مفصليا في نجاح مسعى بن صالح من عدمه.
غير أن الناشط السياسي كريم طابو اعتبر ما قدمه رئيس الدولة المؤقت استمرار لممارسات النظام السابقة، غير أن طابو لم يعد يحظى بالشعبية ذاتها التي كسبها مع بداية الحراك.
ويرى الكاتب الصحفي نجيب بلحيمر أن السلطة بهذه المبادرات تريد احتواء مطالب الحراك وتخطيها بالمعنى السلبي للاحتواء .
وقال بلحيمر ” بالأمس فقط كان بن صالح يتحدث عن هيئة مستقلة تضم شخصيات وطنية تشرف على حوار وطني شامل، وبسرعة انتقلنا إلى البحث عن أسماء تلك الشخصيات متناسين حقيقة أن الحد الأدنى الذي كانت قد أجمعت عليه كل المبادرات التي طرحت منذ 22 فيفري كان يقوم على استقالة بن صالح وتعويضه بهيئة رئاسية تتكون من شخصيات مستقلة ومقبولة, أو بشخصية تتولى هذه المهمة وتكلف بتنفيذ خارطة طريق خلال مرحلة انتقالية يكون هدفها توفير شروط انتقال ديمقراطي وإجراء انتخابات.”
لكن رغم هذه الانتقادات فيرى كثيرون أن مبادرة بن صالح حملت مكاسب تحققت للحراك، ويبقى التساؤل فقط حول طبيعة الشخصيات الوطنية التي ستقود هذه الحوار.
ما يدور حول التشكيك في نية السلطة حول تنفيذ المبادرة التي طرحها عبد القادر بن صالح مرده فقدان الثقة الذي سكنت الجزائريين خلال نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يقول كلاما ويفعل عكسه
لكن سواء اختلفت أراء السياسيين والمحللين أو اتفقت حول مبادرة بن صالح الجديدة، تبقى في الاخير دون تأثير في معادلة أحد طرفيها الرئيسيين الحراك الشعبي الذي تبقى طريقة تعبيره الوحيدة حتى اليوم المسيرات والتظاهر للرد علة هذه المبادرة، في ظل رفضه تقديم ممثلين عنه.
عدم ثقة
ما يدور حول التشكيك في نية السلطة حول تنفيذ المبادرة التي طرحها عبد القادر بن صالح مرده فقدان الثقة الذي سكنت الجزائريين خلال نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يقول كلاما ويفعل عكسه، وهو ما جعل الشعب يضع مختلف المقترحات تحت مجهر الشك، رغم التطمينات التي تقدمها المؤسسة العسكرية.
ويحرص رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح على التأكيد في كل مرة على عدم وجود طموحات سياسية له، سوى خدمة البلاد وفق المهام الدستورية المحددة له، إلا أن ذلك يراه البعض غير كاف، فما حدث في مصر لا يغادر مخيلة الجزائريين ولا يريدون تكرار تجربة السيسي، رغم الفروقات الواضحة بين التجربتين.
والمتمعن في موقف الطبقة السياسية والجزائرية من قرارات الفريق قايد صالح الذي يمثل في الوقت الحالي السلطة الحقيقية للبلاد، يلاحظ أنها تنقسم بين 3 اطراف، طرف أول يتمثل في الأحزاب الإسلامية والوطنية التي تتعامل مع المؤسسة العسكرية بمنطق الواقع والانفتاح على مقترحاتها إن صبت في ما يريده الحراك الشعبي.
المبادرة التي طرحها تبقى حسب البعض خطوة جديرة بالاهتمام والاختبار، لأن الحراك على وشك أن يكمل شهره الخامس
أما الطرف الثاني فيتمثل في الأحزاب ذات التوجهات اليسارية والعلمانية التي تتهم من طرف خصومها بالولاء لفرنسا ولرئيس المخابرات السابق الفريق محمد مدين، والتي لا تخف تخوفاتها من قرارات قايد صالح وترى أنه يحاول الالتفاف على مطالب الحراك.
ويتمثل الطرف الثالث في الأحزاب الحاكمة التي كانت تدعم بوتفليقة والتي لم تتحرج اليوم في تغيير جلدها والكفر بنظام الرئيس السابق، والتملق لرئيس الأركان بهدف الحصول على موطئ مصلحة في الجزائر الجديدة.
لكن رضوان بوجمعة الأستاذ المحاضر بكلية العلوم السياسية والإعلام، فيرى أن الجزائر الجديدة التي يريدها الجزائريون تكون بالخروج اليوم لـ “استرجاع شرف الاحتفال بعيد الاستقلال، وباستعادة الاستقلال وعظمته ومعانيه اليوم، للقول لهؤلاء أنكم صادرتم الثورة غداة الاستقلال وحولتم مسارها وروحها، وتجارتم بدماء الشهداء، وأنجبتم لنا قطيعًا سياسيًا أصبحنا نكتشف خصوصيته السياسية بكلمة سر واضحة بثقافة مص دماء الشهداء، وهي “المجد والخلود لدماء الشهداء”، فكم من بيان وتصريح وحوار وخطاب… انتهى بهذه العبارة من قبل أشخاص وأحزاب وجمعيات وهيئات غرقت في الفساد وتربت في مخابر النظام الذي أنتج الفساد والاستبداد”.
وإن كان بن صالح من الذين تربوا في مخابر النظام ، مثل ما قال رضوان بوجمعة، إلا أن المبادرة التي طرحها تبقى حسب البعض خطوة جديرة بالاهتمام والاختبار، لأن الحراك على وشك أن يكمل شهره الخامس دون أن يصل إلى الهدف الأسمى الذي انطلق من أجله، ومن ثمة، فإن كان تحقيق هذا الهدف يمر عبر تقديم تنازلات والقبول بمبادرة بن صالح، فلا ضير، لأنه في مواقف تتعلق بمصير الوطن يصبح العمل بقانون الغاية تبرر الوسيلة أمرًا مشروعًا ومباحًا.