“أمام تطلعات الشعب المصري العظيم نحو مستقبل مزدهر ومستقر، وتأكيدًا على قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، فإننا نعلن بعون الله تأسيس كيان حزبي جديد تحت مسمى حزب الجبهة الوطنية، والذي يجمع بين طاقات الشباب وخبرات الأجيال، في إطار رؤية شاملة قائمة على التعددية واحترام اختلاف الرؤى والأفكار”.
بهذه الكلمات، وقبل ساعات من طيّ صفحة عام 2024، أُعلن عن تدشين حزب سياسي جديد في مصر، في حفل خاص في أحد فنادق العاصمة الإدارية الجديدة، حيث تم استعراض الهيئة التأسيسية للحزب التي ضمّت سياسيين ورجال أعمال ونواب برلمانيين ووزراء ومسؤولين حاليين سابقين وفي أجهزة الدولة وشخصيات عامة ومشاهير.
يحمل الحزب الجديد اسم “الجبهة الوطنية”، تحت شعار “مصر للجميع”، لكن مكان وتوقيت تأسيسه وتمويله وضمّه لشخصيات جدلية أثار انتقادات حادة، بسبب ما اعتبره ناشطون إعادة إنتاج لوجوه النظام القديم بلباس حزبي، فيما وصفه آخرون بأنه “حزب سياسي بنكهة مخابراتية”.
وتساءل الكثيرون عن برنامج الحزب وأهدافه وسبب ظهوره في هذا التوقيت تحديدًا، وطبيعة دوره السياسي، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أن الحزب “لن يكون حزب موالاة أو معارضة”، بالإضافة إلى تساؤلات أخرى عمَن يقف وراءه، وما إذا كان سيغير المشهد السياسي في مصر، لا سيما أن البلاد مقبلة على انتخابات برلمانية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
توليفة قديمة لحزب جديد
“حزب يضم تحت مظلته نخبة وطنية صادقة تنشد مسارًا ديمقراطيًا شفافًا يحقق الأمل والطموحات لجميع المصريين”، هكذا وصف البيان الذي ألقاه وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، الهيئة التأسيسية للحزب التي أثار أعضاؤها جدلًا واسعًا، فمعظمهم مقربون للحكومة أو تولوا مناصب فيها، ما أثار التساؤلات حول الإضافة التي قد يحدثها الحزب الجديد في المشهد السياسي المصري.
بحسب كلمة الجزار أيضًا فـ”في خضمّ واقع سياسي بات في حاجة لضخ دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية”، إلا أن الهيئة التأسيسية للحزب ضمت توليفة من 54 اسمًا من رجال الدولة والشخصيات المقربة من نظام السيسي، والذين شغلوا سابقًا مناصب رفيعة، من بينهم 8 وزراء سابقين و7 رجال أعمال و15 برلمانيًا حاليًا وسابقًا، أحدهم رئيس مجلس نواب سابق وآخر وكيل مجلس النواب، بالإضافة إلى عدد من المحافظين السابقين.
بخلاف الجزار الذي تصدر مشهد الإعداد للحزب الجديد، والذي وصفته بعض المواقع الإخبارية بأنه رئيس الحزب بدلًا من وكيل مؤسسيه، ضمت الهيئة التأسيسية للحزب وزراء سابقين آخرين: وزير الزراعة السيد القصير، والبترول عبد الله غراب، والاستثمار سحر نصر، والمجالس النيابية علاء الدين فؤاد، والشباب طاهر أبو زيد، والاتصالات هاني محمود، ووزيرا التنمية المحلية السابقَين عادل لبيب ومحمود شعراوى.
من بين الشخصيات الجدلية أيضًا في الهيئة التأسيسية للحزب “الكابتن” عصام العرجاني، نجل رئيس اتحاد القبائل والعائلات المصرية إبراهيم العرجاني، المعروف بـ”رجل السيسي ويده الباطشة بسيناء”، الذي بزغ نجمه خلال الفترة الأخيرة في مصر، وأثار الجدل منذ ظهوره على الساحة السياسية بقربه من الرئيس واختياره رئيسًا لاتحاد القبائل العربية.
نادي كرة قدم، اوشك على الهبوط إلى الدرجة الثانية، جرب كل الحيل لتجنب هذا المصير المحتوم، استعان بلاعبي رياضات أخرى مثل ألعاب القوي والجمباز والسباحة ولم يتحسن الوضع، غير قواعد اللعبة ثم خالف القواعد، الراسخ منها وتلك اللتي غيرها، واستمر الفشل ١/٢ pic.twitter.com/c3USTvFxi2
— Hisham Kassem (@hishamkassem) December 31, 2024
إلى جانب العرجاني الابن، امتدت التوليفة الجديدة لقائمة مؤسسي الحزب إلى أصحاب مناصب رسمية ومسؤولي هيئات مختلفة، فهناك مفتي الجمهورية السابق شوقي علام، بالإضافة إلى ضياء رشوان الذي كان عضوًا مؤسسًا لحزب التجمع، وهو رئيس هيئة الاستعلامات التابعة للرئاسة ومنسق الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي في أبريل/ نيسان 2022، وانعقدت أولى جلساته بعد أكثر من عام، وأثارت جدية الحوار ومخرجاته الكثير من الشكوك، وجاءت أقل نسبة مشاركة في المقترحات من الأحزاب.
بدا لافتًا أيضًا التنوع في النواب المنضمين للهيئة التأسيسية للحزب، وكان أبرزهم رئيس مجلس النواب السابق علي عبد العال، الذي تشير تقارير إلى أنه سيشارك منصب نائب رئيس الحزب مع وزير الزراعة، ووكيل مجلس النواب الحالي رجل الأعمال محمد أبو العينين، الذي اُنتخب كنائب برلماني عدة مرات أولها كان في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وشغل سابقًا منصب نائب رئيس حزب الأغلبية بالبرلمان “مستقبل وطن”، والذي ينتمي له عضو آخر في الهيئة التأسيسية للحزب، وهو وكيل اللجنة الدينية للنواب أسامة العبد.
ووفقًا لموقع “مدى مصر“، فإن “ضخ الدماء الجديدة” -التي تحدث عنها الجزار- قد تعيد إحياء 4 نواب سابقين، إحداهم كانت معينة بواسطة رئيس الجمهورية في مجلس النواب، وأحدهم كان عضوًا في حزب المصريين الأحرار، وآخر كان عضوًا في حزب التجمع، والرابع سبق أن وصفته صحف محلية موالية للنظام بـ”النائب الصامت تحت قبة البرلمان”، كونه لا يتحدث داخل مجلس النواب، ويكتفي بالتصوير مع المسؤولين، وفشل فى منصبه كنائب لرئيس البرلمان العربى فى وضع رؤى للقضايا العربية.
يضاف إلى هؤلاء نواب حاليون معيّنون من قبل السيسي في مجلسي النواب والشيوخ، بالإضافة إلى رئيس لجنة الثقافة بمجلس الشيوخ محمود مسلم، وعضو مجلس الشيوخ فايز أبو حرب، نائب محافظة شمال سيناء المقرب من العرجاني، وينتمي إلى حزب “حماة الوطن” الموالي للنظام، ونائب رئيس حزب الوفد السابق سليمان وهدان، بعدما فصله رئيس الحزب عبد السند يمامة، لحضوره مؤتمر اتحاد القبائل والعائلات المصرية وانضمامه لاحقًا إلى الحزب الجديد، دون إخلاء طرفه من حزب الوفد الذي يمثل بـ 39 نائبًا في البرلمان الحالي.
ووفقًا لتصريحات يمامة الذي كان مجرد “ديكور” في انتخابات الرئاسة الأخيرة أمام السيسي، فإن فصل وهدان كان بسبب مطالبته نوابًا برلمانيين آخرين تابعين لحزب الوفد بالانضمام للحزب الجديد، وفي حال ثبت ذلك، فقد يطال الفصل نوابًا آخرين ثبت تنسيقهم للانضمام للحزب الجديد، ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع داخل الحزب الذي يعاني أزمة قد تطيح بما حققه من نجاحات خلال الانتخابات البرلمانية الماضية.
يعيدنا ذلك بالذاكرة إلى عام 1978، عندما أعلن الرئيس المصري الراحل أنور السادات تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي برئاسته، وبعد ساعات قليلة هرولت قيادات وأعضاء الأحزاب الأخرى، وفي مقدمتهم حزب مصر العربي الاشتراكي الذي يترأّسه رئيس الوزراء آنذاك اللواء ممدوح سالم، للانضمام للحزب الوليد تحت مظلة الرئيس.
حزب جديد من عباءة كيان مسلح
لمعرفة علاقة الحزب برجل الأعمال المقرب من الأجهزة الاستخباراتية إبراهيم العرجاني، نعود بالزمن قليلًا إلى بداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما عقد اتحاد القبائل اجتماعًا حاشدًا دام 4 ساعات بأحد الفنادق بمنطقة التجمع الخامس بعيدًا عن قلب العاصمة القاهرة، وضم عددًا من الرموز السياسية والقَبَلية والعائلية والأسماء التي انضمت لاحقًا للهيئة التأسيسية للحزب، وظهر خلاله العرجاني كما لو أنه زعيم الحزب الجديد أو المحرك الأساسي وراء تشكيله.
ورغم التحفظ عن الإعلان الرسمي حينها عن التجهيز لتدشين حزب جديد، والاكتفاء بدلًا من ذلك بحصر هدف الاجتماع في “تعزيز الوحدة الوطنية”، تحدثت وسائل إعلام عن الاتفاق على الهيكل التنظيمي للحزب ولائحته التنفيذية ومبادئه وسياساته العامة وبرنامجه وآلية اختيار الأعضاء، ووصفت الاجتماع بأنه التمهيدي لتأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسمًا مبدئيًا “اتحاد مصر الوطني”، ويعتبر امتدادًا للكيان الغامض المسمى “اتحاد القبائل والعائلات المصرية”.
لم يمرَّ كثيرًا على انتهاء هذا الاجتماع حتى أُثيرت التساؤلات حول دخول العرجاني الحياة السياسية، واحتمالات أن يتحول اتحاد القبائل إلى حزب الأغلبية، وأن يصبح العرجاني رئيسًا لهذا الحزب المنبثق عن الاتحاد بعد انتخابات البرلمان المقبلة بغرفتيه النواب والشيوخ، ما يجعله أول حزب سياسي “مسلح” في تاريخ مصر.
دفعت هذه المعطيات مختصون إلى اعتبار أن تشكيل حزب جديد خرج من عباءة اتحاد القبائل مخالف للدستور ولقوانين تنظيم الأحزاب السياسية، الذي يحظر إنشاء الأحزاب السياسية على أساس قَبَلي وعصبي، خاصة أن العرجاني أسّس قبل نحو 8 أشهر “اتحاد القبائل“، وظهر علم خاص لهذا الاتحاد، وتم اختيار السيسي رئيسًا شرفيًا له، ما أثار المخاوف من وجود كيان أقرب للميليشيا، يحظى بدعم أعلى هرم للسلطة في مصر.
يستند هؤلاء في انتقاداتهم إلى قيادة العرجاني على مدى سنوات قليلة “اتحاد قبائل سيناء”، كيان قبلي مسلح يدعم الجيش في مواجهة ما يسميها “التنظيمات الإرهابية”، ومع مرور الوقت أصبح كيانًا مدنيًا يسمى “اتحاد قبائل سيناء”، وتحول بعدها الى اتحاد القبائل قبل أن يمنحه السيسي الشرعية اللازمة بحضوره إحدى فعالياته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تلك الفعالية التي شهدت تغييرًا بسيطًا لكن لافتًا في اسم الاتحاد ليصبح “اتحاد القبائل والعائلات المصرية”.
تجربة الميليشيا التي تطورت الى اتحاد القبائل قبل أن تتحول إلى حزب سياسي لا تبتعد كثيرًا عن دراما رئيسها ومؤسسها إبراهيم العرجاني الذي يطلقون عليه لقب “الحاج” أو “الشيخ” أو “فخر السيناوية”، وهو في نظر البعض أقرب ما يكون إلى “ملك على شبه جزيرة سيناء”.
في رأيي أخطر حاجة اتعملت في مصر الفترة الأخيرة وتهدد وحدة #مصر هو إنشاء ما يسمى ب #اتحاد_القبائل_العربية
ولنا فيما حدث في #السودان عبرة
لدرجة انه تم تقسيم #علم_مصر pic.twitter.com/hsBlyznlUl
— محمود دياب (@mahmoud_diab52) May 3, 2024
تزامنت رحلة صعود العرجاني السريعة مع مشاركة اتحاد القبائل في الحرب على الجماعات المتطرفة في سيناء، وانتهت بامتلاك الرجل الكثير من المصالح في سيناء وخارجها، واكتساحه عالم “البزنس” في القاهرة، حتى أصبحت شركته تضم مجموعة شركات تعمل في مجالات البناء والبيئة والطاقة والأمن، وأخيرًا السياحة، وامتدت سيطرته إلى معبر رفح.
اليوم، وبعد مرور سنوات قليلة، يتصدر العرجاني واتحاده المشهد السياسي، حيث يشارك من خلف الكواليس في تأسيس ظهير سياسي جديد للحكومة بدلًا من القائم حاليًا، والذي يقوده حزب “مستقبل وطن” صاحب الأغلبية البرلمانية، ومعه حزب “حماة وطن” وعدد من الأحزاب الأخرى الضعيفة.
رغم غياب العرجاني الأب عن المشهد، واكتفائه بوجود نجله في مراسم الإعلان عن تأسيس الحزب، فإن من السهل استنتاج طبيعة علاقته بالحزب، حتى وإن لم يكن على رأس هيئته التأسيسية، وذلك بالنظر فقط إلى أسماء المسؤولين السابقين الذين شغلوا مناصب رفيعة ضمن اتحاد القبائل.
يأتي في مقدمتهم الأمين العام لاتحاد القبائل عاصم الجزار، الذي اختاره العرجاني لرئاسة إحدى شركاته بعد أيام من تركه حقيبة وزارة الإسكان، ووزير الزراعة السابق السيد القصير، الذي يشغل منصب الأمين العام المساعد لاتحاد القبائل، ومحافظ الغربية الأسبق أحمد صقر وعضو مجلس النواب عن محافظة مرسى مطروح النائب أحمد رسلان، اللذان يشغلان منصب نائبي رئيس اتحاد القبائل، بالإضافة إلى النائب فايز أبو حرب عضو مجلس إدارة اتحاد القبائل.
تحدث الجزار في لقاء تليفزيوني، عن تفاصيل العلاقة بين العرجاني والحزب الجديد، واعترف بدوره في تمويله “لضمان استقرار الحزب وقوته”، وأنه “ساهم بشكل كبير في تجهيز اللقاءات، وكان واحدًا من 10 أسماء ساهمت في تلك الاجتماعات”، إلى جانب رجال أعمال آخرين منهم ياسين منصور وأيمن الجميل وكامل أبو علي، لكنه لم يكشف عن الغاية وراء ضخّ الأموال السياسية، وحصرها في كلام مبطن مفاده أن “هدف رجال الأعمال هؤلاء ليس دخول البرلمان، وإنما رد الجميل للدولة في صورة عمل مجتمعي”.
واليوم، يقف العرجاني عند مفترق طرق جديد، حيث يسعى لتحويل إرثه القَبَلي إلى قوة سياسية تنافس في الانتخابات المقبلة، ومع دعم الدولة وتاريخ من التحولات المثيرة، تبرز العديد من التساؤلات حول ما إذا كان حزب الجبهة الوطنية سيصبح منصة حقيقية للتغيير السياسي أم انعكاسًا لتحالفات السلطة والنفوذ.
“لا موالاة ولا معارضة!”
بخلاف ما أكده مؤسسو الحزب حول “عدم سعيهم لتحقيق الأغلبية البرلمانية، بل خوض الانتخابات بأكبر تحالف سياسي وطني مع الأحزاب القائمة”، ثمة الكثير من الدلالات التي تشير إلى أن هذا الحزب يتشابه كثيرًا مع “أحزاب السلطة” التي نشأت على مدار العقود الماضية، بدءًا من حزب الاتحاد الاشتراكي، مرورًا بالحزب الوطني، وصولًا إلى حزب “مستقبل وطن”، وقد يكون الاختلاف الوحيد أنه “حزب مولود كبير بملعقة ذهب في فمه”، كما يقول رئيس حزب الإصلاح والتنمية المعارض محمد أنور عصمت السادات.
وثمة دليل آخر ينفي صفة المعارضة عن الحزب الجديد، وتؤكده الأهداف الضحلة التي ردّدها مؤسسو الحزب في أكثر من مناسبة، وهي أنهم مجرد بيت خبرة، وأنهم لا يسعون لحكم البلاد على عكس بديهيات عمل الأحزاب السياسية في جميع أنحاء العالم، ويتبنون نهجًا متوازنًا، بل يعترفون صراحة وعلانية بأنهم “ليسوا حزب موالاة ولا معارضة”.
هذه الأوصاف تنفي تمامًا غرض قيام أي حزب سياسي، فلا يوجد حزب وظيفته تقديم الاستشارة والنصيحة حال طلبها، أو غرضه جمع أكبر عدد من كل أطياف المجتمع، ولا يوجد حزب محايد، فإمّا مع وإمّا ضد سياسات النظام القائم، أما عدم السعي إلى السلطة فتجعل منه مجرد جماعة ضغط.
عدا عن ذلك، تبدو مباركة النظام ومؤيديه على دخول الحزب الجديد الحياة السياسية في مصر واضحة حتى قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس الحزب، ففي البداية أُقيم حفل ضخم لتدشينه بفندق الماسة التابع للجيش، ونقلته على الهواء مباشرة قنوات المتحدة الإعلامية المملوكة للمخابرات، وحضره -إلى جانب أعضاء الهيئة التأسيسية الموالين للنظام- قيادات أحزاب أخرى مثل “مستقبل وطن” برئاسة الأمين العام ونائب رئيس الحزب أحمد عبد الجواد، ورئيس حزب النور ورئيس هيئته البرلمانية.
ولم تمرَّ ساعات قليلة على إعلان تدشين الحزب حتى أنشأ الحزب صفحات رسمية على وسائل التواصل الاجتماعي قوامها عشرات الآلاف، رغم أن قلة قليلة من المصريين قد يبدون اهتمامًا بمتابعة حزب سياسي حديث العهد.
وكان لافتًا انتشار صور من داخل مقرات للحزب بمختلف المحافظات فور تدشينه، ما يعني الحصول مسبقًا على التراخيص اللازمة التي تمكّنه من الانتشار وفتح المقرات لجمع التوقيعات (التوكيلات) اللازمة لإطلاق الحزب رسميًا، والبالغ عددها وفقًا لقانون الأحزاب السياسية 5 آلاف من الأعضاء المؤسسين من 10 محافظات على الأقل، بحد أدنى 300 توكيل لكل محافظة.
وينشر الحزب على صفحته على فيسبوك صورًا من مكاتب الشهر العقاري لمواطنين يحررون توكيلات للحزب داخل وخارج مصر، لكن المشاهد لم تخلُ من مظاهر الحشد والتجييش واستغلال حاجة الناس في مشهد يتكرر مع كل حدث سياسي.
يتناقض كل هذا تمامًا مع التضييق على البرلماني والرئيس السابق لحزب الكرامة أحمد الطنطاوي، الذي واجه مؤيدوه ضروبًا من التنكيل والتعنُّت خلال سعيهم لجمع التوكيلات لتأسيس حزب الأمل، وترشح الطنطاوي لانتخابات الرئاسة السابقة، قبل أن ينتهي الحال بكثير منهم في السجن، وعلى رأسهم الطنطاوي نفسه، بتهمة “تزوير وثائق انتخابية”، في القضية المعروفة بـ”قضية التوكيلات الشعبية” مع حظر ترشحه بالانتخابات 5 سنوات.
في ضوء هذه المعطيات، لا يُستبعد أن يخوض هذا الحزب التجربة ذاتها التي خاضها النظام الحزبي في مصر منذ عام 2014، ليكون في نهاية المطاف حزب السلطة الجديد الذي يتنافس مع الأحزاب الموالية الأخرى في دعم الدولة وأجهزتها الأمنية الراعية الرسمية لكيانات حزبية بعينها، وخدمة القيادة السياسية التي لا تقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب.
هل يتغير المشهد السياسي؟
رغم أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن بعد توليه الحكم عام 2014 أنه لن ينضم إلى أي حزب سياسي، إلا أنه ومع تراجع شعبيته برزت الحاجة إلى تأسيس حزب، فاستثمرت حكومته في حزب “مستقبل وطن” الذي حصل على الأغلبية في انتخابات عام 2020، بفارق 270 مقعدًا عن أقرب منافسيه حزب “الشعب الجمهوري” الذي يمثَّل بنحو 50 مقعدًا.
واليوم، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقبلة نهاية هذا العام، يبدو أن هناك من يسعى لتكرار التجربة وتأسيس حزب جديد، فما زالت التساؤلات تدور حول دوره ومدى اختلافه عن عشرات الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية، والتي لا يعرف منها الكثير من المصريون سوى عدد يكاد يحصى على أصابع اليد.
لا تسقط الأحزاب من السحاب، إنما تنبت في الأرض، تضرب جذورًا عميقة في التربة الاجتماعية، وتنمو فروعها عفية، وتطرح ثمارها رجال سياسة ودولة، وثقافة سياسية تدفع إلى الأمام، ومؤسسة تضيف إلى الحياة العامة.
الأحزاب التي تسقط فوق الرؤوس فجأة، والتي تولد من أرحام صناعية، وتعرض نفسها كلافتة…
— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) December 31, 2024
ولعلّ هذا ما يصعّب مهمة قراءة الهدف من تدشينه في وقت يمتلك فيه النظام بالفعل أحزابه الداعمة والموالية، فهناك نحو 87 حزبًا سياسيًا، منها 14 حزبًا ممثلًا في البرلمان الحالي، جميع أعضائها تقريبًا موالون للنظام، ويتصدرها حزب “مستقبل وطن” بأغلبية 320 مقعدًا، في حين تقتصر المعارضة على 3 نواب فقط من أصل نحو 600 نائب، ويصوت الباقي مع الحكومة.
🛑القائمة الكاملة لأعضاء الهيئة التأسيسية لحزب الجبهة الوطنية بعد تدشينه
– الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان السابق
– الدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات
– الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار الأسبق
– الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب السابق
– السيد القصير وزير… pic.twitter.com/FnS9FojEiK
— Shorouk News (@Shorouk_News) December 30, 2024
يفسّر البعض تدشين الحزب الجديد ليكون بديلًا لحزب “مستقبل وطن”، الذي بات هو نفسه في نظر البعض -منذ أسّسته أجهزة أمنية قبل عقد من الزمن- بديلًا للحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ويحصل على دعم كبير من المسؤولين في شتى محافظات الجمهورية، مقابل تقديم الدعم اللامحدود لجميع قرارات النظام من حشد وشحذ الجماهير خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وحتى التظاهرات التي دعا لها النظام أكثر من مرة.
بينما يرى آخرون أن الحزب الجديد ليس سوى مناورة جديدة لهروب النظام -القادم من خلفية عسكرية بلا خبرة سياسية- من الاستحقاقات السياسية الحقيقية، التي اضطر لمواجهتها منذ الدخول في نفق الأزمة الاقتصادية المزمنة، وبدأت قبل عامين بالمناورة الكبرى المسماة “الحوار الوطني“، وما زالت مستمرة مع المناورة الصغرى الجديدة المتمثلة في حزب “الجبهة الوطنية”.
يبدو من ذلك أن السيسي يحاول استبدال الأحزاب القائمة بحزب سياسي جديد يجمع من خلاله مقاعد أحزاب السلطة المبعثرة على غرار الحزب الوطني المنحل، ويظهر من خلاله للعالم الخارجي والمؤسسات الدولية التي تضغط عليه، وجود أحزاب جديدة وتعددية شكلية عن طريق ضمّ حلفائه والمقربين منه في إطار حزبي جديد.
مع ذلك، إن المشكلة كما يرى الكاتب والمفكر السياسي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عمرو الشوبكي، ليست في تأسيس الأحزاب بل في المناخ السياسي والقيود المفروضة على حركتها، فرغم وجود الكثير من الأحزاب على الساحة السياسة، وكثير منها ولدت مرتبطة مباشرة بمؤسسات وأجهزة الدولة، فإن قلة منها فقط تتمتع بحرية الحركة في الشارع والانتخابات والوصول لتشكيل الحكومة والمشاركة فيها.