ترجمة وتحرير: نون بوست
قد تمثل الصداقة مصدرًا للفرح أو للتعاسة. وبما أنه لا يوجد كتاب محدد يبين كيفية التصرف وإدارة العلاقات بين الناس، فقد تحدثنا إلى باحثين وكتاب وأخصائيين لمعرفة رأيهم في أفضل السبل للتعامل مع بعض المشاكل الشائعة في علاقات الصداقة بين الناس.
عدم الالتزام بالوعود
إن وجود الأصدقاء في حياتنا مسألة مهمة جدًا، وكل شخص يحتاج إلى هذا الأمر في حياته. وذكرت يان ياغر، وهي عالمة اجتماع حاصلة على الدكتوراه في أبحاث الصداقة ومؤلفة كتاب “عندما تصبح الصداقة مؤلمة”، أنها غالبًا ما تسمع تذمر الناس الذين تعرضوا لمشاعر سلبية بسبب قيام أصدقائهم بنكث وعودهم، مثل إلغاء اللقاء في الدقيقة الأخيرة، أو رفض حضور حفلة مهمة.
تشير الدكتورة ياغر إلى أنه لا توجد عقود رسمية تربطنا مع الأصدقاء تجبرنا على الحفاظ على عهودنا أو البقاء إلى جانبهم إلى الأبد، أو تمنعهم من خيانتنا أو تخييب آمالنا. ومن يبالغ في توقعاته ويتخيل وجود صديق مثالي سيتصرف دائما بشكل جيد معه، فإنه في الواقع مقبل على خيبة أمل كبيرة.
من الأمثلة على كيفية التعامل مع هذه المواقف، تقول الدكتورة ياغر: “عندما توفي والدي، تغيب أحد أصدقائي عن حضور الجنازة. ولكن عوضًا عن الشعور بالغضب وقطع علاقتي به، فضلت أن أسأله عن أسباب هذا الفعل وقلت له: “لقد فاجئني عدم رؤيتك في جنازة والدي. وأنا لست غاضبة ولكن فقط ينتابني الفضول لمعرفة السبب. وقد تبين أن ذلك الصديق هو بدوره توفي والده مؤخرًا، ولم يكن بمقدوره تحمل حضور جنازة أخرى، وهو سبب لم يكن ليخطر على بالي لو أنني لم أطرح السؤال”.
عندما تصبح العلاقة غير متوازنة
ربما تشعر بأنك تشارك كل جوانب حياتك مع صديقك، ولكنه في المقابل لا يعاملك بنفس الطريقة. هذا الأمر شائع في العلاقات، ويمكن أن يحدث في فترات تكون فيها الأمور غير متوازنة، ربما لأن أحد الصديقين يمر بمرحلة اجتماعية صعبة مثل الطلاق ويحتاج إلى الدعم النفسي، كما يمكن في حالات أخرى أن يكون ذلك الصديق محملًا بالمواضيع الحارقة التي يحتاج لمناقشتها، وفي أوقات مثل هذه، من الأفضل لك أن تكون مستمعًا جيدًا.
تقول ليزلي جاي، مستشارة العلاقات الاجتماعية: “إنه من المهم طلب الأشياء التي نحتاجها، حتى لو كان ذلك يجعلك في وضعية هشة. يجب عليك التعامل بانفتاح وتبادل الآراء مع الطرف الآخر ومعاملته بنفس الطريقة. ومن الجمل المفيدة في بعض الحالات: “أنا سعيد لأنني تمكنت من الاستماع إلى ما تمر به. أنا أيضا أحتاج للتحدث، فهل يمكنك الاستماع لمشاكلي؟” أو إذا كان العكس هو الذي يحصل، يمكنك أن تقول: “لقد لاحظت أنني دائما ما أحدثك حول حياتي، أريدك أنت أيضا أن تخبرني شيئا عن حياتك”. وأحيانا عندما تتصاعد التوترات بين الصديقين، فإن التحدث بوضوح يمكن أن يساعد على تجاوز المشكل.
الشعور بالفقد
إن الشعور بأن صديقًا اختفى من حياتك هو أمر صعب، خاصة إذا كنت قبل فترة قصيرة تشعر بأنك مقرب منه وأن بينكما رابطًا قويًا. ربما بعد أن خرجت معه لقضاء سهرة جميلة، فجأة لم يعد يرد على رسائلك ومكالماتك. هذا الموقف يجعلك تشعر بالحيرة والمرارة بسبب اختفائه عنك لمدة طويلة، وهذا الأمر قد يدفعنا لبداية الشعور بالغضب والنقمة.
تقول الدكتورة ياغر إنه من مزايا علاقات الصداقة التي يجب دائمًا أن نتذكرها، هي وجود الخيارات. بمعنى أن كل طرف لديه الحرية في اتخاذ قراراته، ونحن أحرار في من نعتبره صديقًا، والآخرون أيضًا أحرار في أن يتخذونا أصدقاء لهم. لذلك يجب على كل شخص أن يقاوم الشعور السلبي بأنه غير جدير بصداقة الآخرين، ولا يشعر بالإحباط أو يضيع عن نفسه فرصة الالتقاء بأصدقاء جدد وبناء علاقات أخرى.
يجب دائمًا أن نتذكر أن الشعور بالمرارة بعد أن يهجرنا صديق هو أمر عادي، قد نمر به لفترة من الزمن ثم نتجاوزه. وتنصح عالمة الاجتماع كارلين فلورا كل شخص يمر بهذه التجربة بأن يتوقف عن السعي لمعرفة السبب وراء ابتعاد صديقه عنه، إذ أنه من الأفضل لراحته الذهنية أن يتقبل هذا الأمر دون فهم الأسباب، خاصة وأنه من الصعب معرفة ما يدور حقيقة في أذهان الآخرين.
الشعور بأنك منبوذ
لا أحد يحب أن يشعر بأنه ترك خارج المجموعة. ولكن هذا الشعور باليأس هو نتاج لوجودنا في حالة وحدة، ويجب علينا مقاومته. ومن الطبيعي أن لا تشعر بأنك بخير عندما تتفقد موقع فيسبوك يوم الإثنين، لتكتشف أن أصدقاءك ذهبوا في رحلة في عطلة نهاية الأسبوع دون أن تتم دعوتك.
يقول الطبيب النفسي سكوت كريستنلي: “دائما ما أشجع زبائني على التعبير عن مشاعرهم حول هذا الأمر، ولكن دون القفز نحو الاستنتاجات. ومن يعانون من الوحدة والشعور بأنهم منبوذون من قبل مجموعة الأصدقاء، أنصحهم بالتحدث إلى مستشار نفسي أو فرد من العائلة أو صديق مقرب لشرح مشاعرهم. ومن خلال هذه المحادثة، يمكن للشخص أن يفهم سبب ذلك التصرف الذي بدر من أصدقائه، والطريقة المناسبة للتعامل معهم”.
تداخل المواعيد والارتباطات
في بعض الأيام، يصبح جدول المواعيد مزدحمًا بالالتزامات، وبالتالي فإن إعادة تعيين مواعيد جديدة للقاء الأصدقاء أمر لا بد منه. وأحيانا يستغرق الأمر عدة أسابيع من أجل ضبط موعد للخروج للتنزه أو السهر مع الرفاق، وفي هذه الحالة ينصح الخبراء بالاعتماد على التواصل المباشر والصريح من أجل تجاوز هذه العقبة. مثل أن نقول: “أنا أريد فعلا رؤيتك في هذا الأسبوع، ولكن أعلم أن كلانا مشغول، ما رأيك أن نغير الموعد إلى تاريخ آخر؟” هذا الحوار يمكن أن يكون في البداية مصدر حرج لنا، ولكن نتائجه دائما مفيدة لعلاقة الصداقة وتبعد كل مخاطر الخلافات.
الشعور بالغيرة
ربما تكونين لا تزالين عزباء، وصديقتك متزوجة. أو ربما يكون أحد أصدقائك مسافرًا حول العالم بينما أنت مفلس وعالق داخل غرفة صغيرة وبصدد تسديد ديونك. حتى لو كنت صديقًا محبًا ووفيًا، يمكن أن ينتهي بك الأمر في بعض الحالات إلى الشعور بالغيرة. ربما يقودك هذا للاعتقاد بأن صديقك يعيش حياة أسهل لأنه أكثر حظا منك. ولكن قبل الانقياد لهذه المشاعر، عليك استغلال الغيرة لصالحك، حيث أن هذا الشعور يمكن أن يصبح صحيا، عندما يكون دافعا لنا للمثابرة والنجاح.
كما تشير الدكتورة ياغر إلى أن العكس أيضا يمكن أن يحدث، حيث أن أصدقاءك قد يشعرون بالغيرة تجاهك، وفي هذه الحالة فإن التحاور حول هذا الأمر يمكن أن يساعد على تجاوز المشاعر السلبية، للتذكير بأن الغيرة في النهاية هي شعور مؤقت يجب أن نكون واعين به ونعمل على تجاوزه، حتى لا يؤدي لتدمير علاقة الصداقة.
الانفصال عن صديق
غالبا ما يتحدث الناس حول انقطاع علاقتهم بأصدقائهم. وإذا كنت تعيش علاقة مسمومة ومليئة بالمواقف السلبية، فربما يكون الوقت قد حان حتى تبتعد أنت أيضا. ولكن هذه الخطوة غالبا لا تكون سهلة، خاصة وأن غالبية الناس لا يتحدثون عن المعاناة النفسية التي تنجر عن انتهاء الصداقة. إن خسارة صديق بسبب خلاف حاد أو على خلفية السفر خارج البلاد، أو التعرض للخيانة أو أي سبب آخر، هو حدث حزين.
لعل ما يجعل الأمور أكثر صعوبة هو أن الناس لا يتاح لهم التحدث حول هذا الأمر والتفكير فيه، مثلما هو الحال عند الانفصال عن الشريك. وتقدم الدكتورة فلورا هذا المثال: “تخيل أن شخصًا يخبر رئيسه في العمل أنه يحتاج لأخذ يوم راحة لأنه تعرض لخلاف حاد مع صديقه. وفي المقابل، تخيل أنه طلب عطلة ليوم بسبب الطلاق. بالطبع ستكون ردة فعل رب العمل مختلفة في الحالتين. ولكن في الواقع إن الانفصال عن الأصدقاء قد يكون مؤلمًا تمامًا مثل الانفصال عن فرد من العائلة، ومن المهم جدًا مواجهة هذا الألم”. ويجب علينا جميعًا أن نقر بأن الصداقة أمر جميل وهام، وأن خسارتها هو حدث لا يستهان به.
الشعور بالحنين لصديق
غالبا ما ننظر إلى علاقات الصداقة القديمة ونشعر بالحنين. قد تكون بعض هذه المشاعر مفيدة، ولكن إلى حد معين. إذا كنت دائما تنظر إلى الخلف وتعيش على الذكريات، فإنك ستواجه صعوبة في إقامة صداقات جديدة تعوضك عن الماضي. وعند الالتقاء بأشخاص جدد، يجب عليك دائما البحث عن الأفكار المشتركة، مثل حب الابتكار أو الجانب الروحاني، إذ أن هذه القيم المشتركة هي أفضل مقومات الصداقة الدائمة.
لا تسمح هذه القيم المشتركة باستمرار الصداقة فقط، بل إنها تؤثر إيجابيا على حياتنا ومشاعرنا، حيث تقول فلورا إن “الصداقات تحرك معتقداتنا وأفكارنا بشكل لا ندركه، وتؤثر حتى على صحتنا النفسية والجسدية. فعلى سبيل المثال، غالبا ما يواجه الناس غالبا صعوبة في الالتزام بقرار اتباع الحمية أو ممارسة الرياضة أو تغيير صفات شخصية معينة، ولكن عندما نصبح أصدقاء مع أشخاص يحسنون المساندة والدعم ونشر الأفكار الإيجابية، فإن ذلك سيسهل علينا اقتباس هذه الجوانب من شخصيتهم والتحلي بالعزيمة”.
تشعر بالملل
إذا كانت مشكلتك هي أنك تشعر بأن صداقتك مع شخص آخر باتت مملة، يمكنك إضفاء بعض المرح عليها من خلال طرح مواضيع جديدة وممتعة للنقاش. ويمكن إضفاء روح جديدة على هذه الصداقة من خلال التخطيط لخوض تجارب ممتعة، مثل إضافة أشخاص جدد إلى دائرة الصداقة، ودعوتهم للانضمام لكم عند الخروج لشرب القهوة أو التنزه، أو الذهاب للسينما لمشاهدة فيلم. كما يمكن إضفاء التجديد على هذه الصداقة من خلال الانضمام لدروس الطبخ، أو نادي الكتب.
لا تشعر بأنك تحظى بالأولوية
يجب دائما أن نتذكر أن علاقات الصداقة تمر بحالات المد والجزر. وقبل القفز نحو أي استنتاجات، يجب أولا تجنب المبالغة في ردة الفعل عند الشعور بأنك لا تمثل أولوية في حياة صديقك، إذ أنه قد يكون لديه التزامات أخرى مثل العمل والعائلة والعلاقة العاطفية، أو تحديات اجتماعية أخرى مضطر للتعامل معها بعيدا عنك.
تنصح الدكتورة ياغر بالسعي لفهم ما يدور في حياة صديقك، والأسباب التي تجعله يبتعد عنك من حين لآخر. إذا كان صديقك لا يتجاوب معك أو يرد على رسائلك، فعليك أن تسعى أولا لمعرفة ما يزعجه. تتطلب الصداقة الحقيقية قدرًا من الصراحة والتفهم وطرح المسائل بكل وضوح، من أجل معرفة الأسباب.
الابتعاد بعد بلوغ مرحلة النضج
من الممكن أن تستمر علاقات الصداقة عبر مختلف مراحل الحياة، ولكن العديد من الأصدقاء ينتهي بهم الأمر إلى الابتعاد عن بعضهم في مرحلة ما. ومن الأمثلة الأكثر انتشارًا، عندما ينتقل أحد الأصدقاء من مرحلة المراهقة والسهر والمرح نحو مرحلة النضج وتحمل المسؤولية، فيما يبقى صديقه على نفس الحال، وبالتالي تقل الاهتمامات المشتركة بين الطرفين.
غالبًا ما تقابل الدكتورة جاي أشخاصًا يعانون بسبب علاقات صداقة لم تعد صحية أو مناسبة بالنسبة لهم. فالشخص الذي يحرز تقدمًا في حياته، قد يشعر بالذنب والخجل لأنه ترك أصدقاءه وراءه. والحل من أجل تجاوز هذا الشعور هو تخصيص مساحة لهؤلاء الأصدقاء، مع التقليل من الانتظارات منهم. فعلى سبيل المثال، عندما تشعر بأنك ترغب في الخروج للحصول على بعض المرح، يمكنك الاتصال بذلك الصديق ودعوته للخروج.
الاعتماد على الأصدقاء الافتراضيين
عند قضاء وقت طويل في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن نعتقد بأن لدينا مئات الأصدقاء، ولكننا بعد ذلك قد نصاب بالصدمة عندما لا نجد صديقا واحدا يخرج معنا لشرب القهوة أو مشاهدة فيلم. لذلك تحذر الدكتورة ياغر من خطورة الاعتماد كثيرا على شبكة الإنترنت في الحياة الاجتماعية، وبدلا من ذلك يجب البحث عن أصدقاء في الحياة الحقيقية، لأن تلك العادات يمكن أن تكون لها مضار على الجانب النفسي والمهارات الاجتماعية.
من الأفكار المفيدة لعقد صداقات خارج الشبكة الافتراضية، حضور اللقاءات المنظمة بين المجموعات التي تمارس هوايات مثل المشي أو قراءة الكتب. وتقول فلورا إنها بعد أن أصبحت أما، قررت الانضمام إلى مجموعة من الأمهات الجدد اللواتي يعشن في نفس مدينتها، واللواتي كن يلتقين بانتظام لممارسة المشي في الحي. هذه الأنشطة الاجتماعية تضمن لنا قضاء وقت مفيد مع أشخاص حقيقيين، وتوفر لنا فرصة بناء الصداقات. ومن المهم في هذا الصدد الإشارة إلى ضرورة تخصيص وقت للحصول على مثل هذه الفرص، إذ أن أغلب الناس يضيعون وقتهم في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ويتصرفون بحذر وسلبية، متناسين الفوائد الكبيرة للصداقة في العالم الحقيقي.
المصدر: ريدرز دايجست