ترجمة وتحرير: نون بوست
صادفني مؤخرًا منشور على موقع فيسبوك جاء فيه: “عندما يختفي فيسبوك وتصبح غير قادر على النقر فوق زر “الإعجاب”، هل ستظل تعتبر نفسك ناشطًا؟”. على الرغم من بساطة السؤال إلا أنه أثار في ذهني العديد من الأسئلة المهمة: هل يمكن للمرء أن يكون ناشطًا حقيقًا ببساطة لأنه ضغط على زر “إعجاب” أو أعاد مشاركة بيان سياسي على مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل يوجد حقا نشطاء يقتصر نشاطهم على القيام بذلك على مواقع التواصل الاجتماعي؟ لكن ما مدى تأثير هذا النشاط الفعال على هذه المواقع؟ هل يمكن استبعاد مثل هذه النشاطات لأن المنصة تسمح أيضًا لمستخدميها بنشر صور عن الأطباق التي فشلوا في إعدادها مثلما تسمح لهم بنشر صور لكلابهم وقططهم وهي ترتدي أزياء مضحكة؟
ثورة الفيسبوك
لا يمكن أن ننكر الدور الفعال الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر في تنظيم الاحتجاجات وجمع المتظاهرين على نطاق واسع، خاصة أنه أطلق على انتفاضة مصر سنة 2011 اسم “ثورة الفيسبوك”.
فيسبوك شركة تهدف إلى تحقيق الربح، فجميع إيراداتها متأتية من الإعلانات (تجاوزت إيراداتها 55 مليار دولار سنة 2018)
وكما قال أحد المتظاهرين: “نحن نستخدم فيسبوك للتخطيط لموعد تنظيم للاحتجاجات، وتويتر للتنسيق، ويوتيوب لإخبار العالم عن مساعينا”، مع العلم أن هذه المواقع تخضع للرقابة.
إن فيسبوك شركة تهدف إلى تحقيق الربح، فجميع إيراداتها متأتية من الإعلانات (تجاوزت إيراداتها 55 مليار دولار سنة 2018). تعد عبارة “سجن فيسبوك” عبارة مألوفة لدى العديد من الناشطين الذين ينشرون على هذه المنصة مواد حول القضايا التي تتحدى المؤسسة، بدءا من القضايا المتعلقة بالأمريكيين من أصل أفريقي الذين يدينون تفوق العرق الأبيض وصولا إلى النشطاء المؤيدين للعدالة الذين يفضحون الصهاينة.
لعل أحدث مثال على ذلك هو ريتشارد سيلفرشتاين، وهو مساهم عرضي في موقع “ميدل إيست آي”، الذي تم حظره مؤخرا من موقع فيسبوك لمدة أسبوع. صادف سيلفرشتاين مقالا نشره موقع “المونيتور” يتحدث عن إصدار محكمة إسرائيلية بيانا قالت فيه إن المستوطنين قد قاموا بتزوير توقيعات للحصول على الأراضي الفلسطينية، لتعيدها بذلك إلى أصحابها الشرعيين. وقد أعاد سيلفرشتاين نشر هذا المقال مضيفا التعليق التالي “المستوطنون الإسرائيليون يسرقون الأراضي الفلسطينية” فوجد نفسه محظورا من الموقع.
تعريف فيسبوك لخطاب الكراهية، وهو: عبارة عن هجوم مباشر على الأشخاص استنادا إلى عرقهم أو جنسيتهم أو انتماءاتهم الدينية أو ميولاتهم الجنسية أو طبقتهم الاجتماعية أو جنسهم أو إعاقتهم
ذكر سيلفرشتاين في منشور شاركه على حسابه الشخصي: “يبدو أن جيش المتصيدين الإسرائيلي نشط على موقع فيسبوك، فهم يبلّغون عن المنشورات المحرضة على الكراهية. وقد وصلتني مجموعة من البلاغات التي تفيد بأن المنشور الذي شاركته قد تمت إزالته وأنه تم إلغاء تنشيط حسابي بشكل مؤقت”.
هذا تعريف فيسبوك لخطاب الكراهية، وهو: عبارة عن هجوم مباشر على الأشخاص استنادا إلى عرقهم أو جنسيتهم أو انتماءاتهم الدينية أو ميولاتهم الجنسية أو طبقتهم الاجتماعية أو جنسهم أو إعاقتهم. نحن نعرّف الهجوم على أنه خطاب عنيف وغير إنساني ويدعو للتحقير والاستعباد”.
تحديد مفهوم خطاب الكراهية
طلب سيلفرشتاين من موقع فيسبوك تقديم تعريفه الخاص لخطاب الكراهية حتى يقتنع بأن المنشور الذي شاركه لا يتناسب مع المعايير المعمول بها، فهو لم يهاجم المستوطنين الإسرائيليين بشكل مباشر بقدر ما يبلغ عن حقيقة سبق أن اعترفت بها المحكمة الإسرائيلية بنفسها والتي تفيد بأن هؤلاء المستوطنين قد حصلوا على الأرض عن طريق التحيّل.
يدل وجود هذه الخوارزميات على أن “إسرائيل” تدفع جيشا من المتصيدين للإعلام عن المنشورات المؤيدة لفلسطين والإبلاغ عنها بأنها مسيئة
في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تعليق حساب سيلفرشتاين، فقد أخبر موقع “ميدل إيست آي” بأنه تم إلغاء نشاط حسابه على موقع فيسبوك وتويتر عديد المرات، كما تم حذف عدد من منشوراته دون أن يتم إغلاق حسابه. وصرح سيلفرشتاين بأن أستاذا إسرائيليا يدرّس في إحدى الجامعات المتخصصة في تدريب المهندسين للقوات الجوية الإسرائيلية قد أرسل بلاغات عديدة لفيسبوك مدعيا بأن حسابي كان مزيفًا.
في حالات أخرى، قال سيلفرشتاين إنه تم تعليق حسابه من قبل فيسبوك لمشاركته منشورا عن حركة حماس يضم صورا للقوات الخاصة الإسرائيلية التي غزت غزة. وقد تم تعليق حسابه على تويتر لانتقاده زعيم المستوطنين الإسرائيليين الذي نظم دوريات أمنية عسكرية في المستوطنات والذي تعرض في نهاية المطاف للطعن على يد مواطن فلسطيني. وحيال هذا الشأن، أفاد سيلفرشتاين: “لقد وقع إلغاء حسابي عدة مرات وقد ذكرت فقط المرات التي ما زلت أتذكرها”.
نشطاء فلسطينيون يقفون بالقرب من سور غزة سنة 2018
يخضع موقع “كورا”، وهي منصة جديدة، نسبيا لرقابة صارمة، فقد تم حظر حساب ريما نجار، وهي أستاذة جامعية فلسطينية متقاعدة، بشكل دائم بعد أن كانت تنشر على هذه المنصة باستمرار. وفي أواخر الشهر الماضي، رفعت نجار دعوى قضائية ضد موقع كورا لأن الموقع قد علق حسابها بسبب منشورها الذي يحمل عنوان “أكتب بينما أنا فلسطينية”.
وفقًا لمحامي نجار، أكد موقع كورا أن انتقاد نجار للصهيونية كان “خطابًا يحرض على الكراهية”، وذلك استنادًا إلى عدد من تعليقات القراء. وفي مراسلات لاحقة مع أحد موظفي المنصة، أفادت نجار بأن الموظف قد أخبرها بأن الحظر كان نتيجة لخوارزمية تستند إلى قرارات متعددة ينتهكها الكتاب. ومع ذلك، أشار محامي نجار إلى أن المسؤولين عن الموقع قد ناقشوا قرار الحظر الدائم لحسابها حيث يبدو أنهم مصممون على عدم إلغائه.
جيش المتصيدين الموالين لـ”إسرائيل” على الإنترنت
يدل وجود هذه الخوارزميات على أن “إسرائيل” تدفع جيشا من المتصيدين للإعلام عن المنشورات المؤيدة لفلسطين والإبلاغ عنها بأنها مسيئة. ففي أوائل سنة 2013، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه سيقدم منحا دراسية للطلاب لمكافحة معاداة السامية والدعوات لمقاطعة “إسرائيل” عبر الإنترنت، وأن الرسائل التي سيحرص الطلاب على إيصالها ستكون مطابقة للتصريحات التي يدلي بها المسؤولون الحكوميون.
في مقالها الذي يعود تاريخه إلى سنة 1979، أخبرت الكاتبة الأمريكية الراحلة أودري لورد النساء اللواتي يحاولن الانصياع لما يعتبره المجتمع مقبولا أن “أدوات السيد لن تهدم منزله”
يبدو أن جيش المتصيدين هذا نشط للغاية فهو يرصد ويبحث عن التقارير التي ينتقد فيها الكتاب “إسرائيل”. للأسف، يبدو أن مسؤولي مواقع التواصل الاجتماعي لديهم حكم انتقادي ضئيل من جانبهم أو وكالة صغيرة. وإذا أبلغ عدد كافٍ من المستخدمين عن منشور على أنه مسيء، فسيقومون بحذفه على الفور، لأن إيرادات المنصة تعتمد على عدد المستخدمين، ومن الأفضل حظر حساب واحد بدلاً من الإساءة للمئات.
في السنة الماضية وتحديدا خلال مسيرة العودة الكبرى في غزة، نشرت تعليقا على حسابي على فيسبوك كتبت فيه: “لقد سئمت حقًا من الإشارة دوما إلى أن الضحايا هم نساء وأطفال، فهل أصبحت المجازر والتفجيرات وعمليات القتل التي تنفذها “إسرائيل” أكثر عنفا لأن أغلب الضحايا هم من النساء والأطفال؟ يبدو أنه لا بأس في أن تواصل “إسرائيل” قتل الفلسطينيين، طالما أن جميع الضحايا من الرجال”.
بعد نشر المقال تم إعلامي بأنه قد خالف معايير فيسبوك، لذا تواصلت مع الموقع للاستفسار حول قرار الحذف، موضحةً أنه لا يتضمن خطابا يدعو للكراهية ولا يحرض على العنف، فكل ما في الأمر أني أعربت عن إحباطي بخصوص الرجال الذين أصبحوا مستهدفين، ومع ذلك لم يتراجع الموقع عن قراره.
بينما كنت أكتب هذه المقالة، قمت بإعادة مشاركة المنشور، لكنني لم أقم بذكر “إسرائيل” وإلى الآن لا يزال المنشور موجودا، لأن المتصيدين لم يجدوا كلمة “إسرائيل” وبالتالي لم يتم حذف مقالي ولم يحسب على أنه خطاب يحرض على الكراهية.
أدوات السيد
في مقالها الذي يعود تاريخه إلى سنة 1979، أخبرت الكاتبة الأمريكية الراحلة أودري لورد النساء اللواتي يحاولن الانصياع لما يعتبره المجتمع مقبولا أن “أدوات السيد لن تهدم منزله”. وأضافت لورد قائلة إن “هذه الحقيقة تشكل تهديدا فقط على النساء اللاتي لازلن تعتقدن بأن منزل السيد هو مصدر الدعم الوحيد”.
في عالم التكنولوجيا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة مفيدة للغاية لذلك عندما نكون محرومين منها فإننا نكون في موقف ضعف
يعد فيسبوك وتويتر وكورا وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي التي تهدف إلى الربح أحد “أدوات السيد”، لكنني مع ذلك لازلت أستخدم موقع فيسبوك، ولا زالت نجار تريد إلغاء حظر حسابها على موقع كورا، كما لا يزال سيلفرشتاين يرغب في استرجاع حسابه على فيسبوك.
في عالم التكنولوجيا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة مفيدة للغاية لذلك عندما نكون محرومين منها فإننا نكون في موقف ضعف. لكننا لن نتوقف عن سعينا لتحقيق العدالة. إن نشاطنا من أجل ضمان حقوق فلسطين متأصل في وعينا الحقيقي لهذه القضايا، فهو نشاط شعبي ونحن لا نتلقى أجرا مقابل ذلك، فمعظمنا ينفق المال للذهاب إلى عديد الأماكن لتثقيف وتوعية الجماهير.
لا شك في أن الطلاب لن يستفيدوا من دعمهم لفلسطين لكنهم مع ذلك يواصلون دعم القضية. لذلك لن يتوقف نشاطنا، لأن فيسبوك قام بحذف منشوراتنا. وعوضا عن السؤال الذي افتتحت به المقال، كنت سأطرح هذا السؤال: إذا أصبحتم لا تتقاضون أجرا مقابل تترصدنا على فيسبوك، فهل ستواصلون الدفاع عن “إسرائيل”؟
المصدر: ميدل إيست آي