في ضوء أدلة جديدة صادمة قامت منظمة العفو الدولية بجمعها مؤخرًا، اتضح تعرض العشرات من المدنيين للاختفاء القسري والاحتجاز سرًا طوال أشهر في أحد معسكرات الجيش المصري، حيث يتعرضون للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة فيه من أجل حملهم على الاعتراف بارتكاب جرائم معينة.
فقد كشفت منظمة العفو الدولية عن أدلة جديدة، تفيد باحتجاز عشرات المدنيين، في سجن “العزولي” السري بمعسكر للجيش بالقرب من مدينة الإسماعيلية الواقعة على بعد 130 كم إلى الشمال الشرقي من القاهرة، لافتة إلى تعرضهم للتعذيب لإجبارهم على الاعتراف بجرائم.
وأضافت المنظمة في تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني، أن محامين وناشطين مصريين، لديهم قائمة لـ 30 مدنيًا على الأقل، تعرضوا للاحتجاز في سجن “العزولي”، السري داخل معسكر الجلاء العسكري في الإسماعيلية.
ونقل التقرير عن معتقلين سابقين في السجن قولهم، إن العديد من السجناء – ربما يصل عددهم إلى 400 – اُحتجزوا في سجن من ثلاثة طوابق، دون توجيه تهم لهم أو إحالتهم إلى النيابة العامة أو المحاكم، ومنعوا من الوصول إلى محاميهم أو عائلاتهم.
وأوضحت المنظمة في تقريرها أن روايات من تم إطلاق سراحهم من هذا السجن، تكشف عن نمط منتظم للاعتقال، حيث يتم اختطاف الناس من الشوارع أو من منازلهم وإرسالهم إلى سجن “العزولي”، حتى لا يستطيعوا الوصول إلى المحامين أو أسرهم.
وأضافت: “يتم اجبار المتهمين على الاعتراف بجريمة ما أو استغلالهم لتوريط آخرين، ومن شدة التعذيب يوافق بعض المعتقلين على الاعتراف أمام نيابة أمن الدولة، للخروج من السجن ووقف التعذيب”.
وفيما يلي نص شهادة أحد السجناء الذي أُطلق سراحه مؤخرًا من السجن العزولي العسكري حسبما ذكرها تقرير المنظمة:
اعتقلني رجال من الجيش في يناير 2014، وأخذوني في نفس اليوم إلى سجن العزولي بعد أن ضربوني في معسكر للجيش في مدينتي لمدة أربع ساعات.
تم احتجازي في سجن العزولي لمدة 76 يومًا دون رؤية قاضٍ أو مدعٍ عام، ولم يُسمح لي حتى بالتحدث مع عائلتي.
وضعوني في الطابق الثالث من السجن في الحبس الانفرادي، واستجوبتني السلطات هناك ست مرات.
نزعوا ملابسي وصعقوني بالصدمات الكهربائية في جميع أنحاء جسمي أثناء التحقيقات، بما في ذلك خصيتيّ، وضربوني بالهراوات والأحذية العسكرية، قيدوني وعلقوني على الباب لمدة 30 دقيقة، وعصبوا عيني دائمًا خلال التحقيقات.
في أحد الاستجوابات أحرقوا لحيتي باستخدام “ولاعة”، لم أستطع أن أرى المحققين لأنني كنت معصوب العينين في جميع التحقيقات ومكبل اليدين من الخلف.
إنهم يريدون معرفة معلومات عن الاحتجاجات والمظاهرات، وسألوا عن الأعضاء العاملين في الجامعة.
أرادوا أن يعرفوا من يمول الاحتجاجات، من يحمل السلاح، ومن يشتري منه، كما سألوني عن انتمائي وما إذا كنت انتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
بعد 25 يومًا تم نقلي إلى زنزانة أخرى مع 23 سجينًا آخر، وكان معظم الأشخاص في هذه الزنزانة من سيناء، أحد السجناء كانت به حروق في جسده وأخبرني أنهم قاموا بإطفاء السجائر في جسده.
سُمح لنا بالخروج من الزنزانة مرة واحدة يوميًا إلى الحمام قبل شروق الشمس، كان الطعام سيئًا للغاية، ثم تم إطلاق سراحي دون أمر من المدعي العام أو تحقيقات، أخذوني من السجن ووضعوني خارج بوابة 2 من المخيم العسكري.
كما ذكر التقرير الذي أعدته منظمة العفو الدولية رواية سجين آخر خرج مؤخرًا من سجن العزولي:
تم اعتقالي من منزلي من قبل قوات أمن يرتدون ملابس مدنية في فبراير.
تعرضت للضرب عند القبض علي، ومن ثم تم نقلي إلى السجن، عصبوا عيني وقيدوني من الخلف وجردوني من ملابسي، ثم صعقوني بالصدمات الكهربائية في جميع أنحاء الجسم بما في ذلك خصيتي.
لم يسمح لي أن أتصل بأهلي، كان معنا رجل في الزنزانة يسمى الحاج شتيوي من شمال سيناء وكان يعاني من التعذيب منذ أن تم القبض عليه في العريش.
أدخلوا قضيبًا من الصلب الساخن في شرجه، ولم يكن قادرًا على الذهاب إلى الحمام لمدة تسعة أيام، ولم يقدموا له العلاج وتوفي في الزنزانة رقم 11 في الطابق الثاني .. بعد التحقيقات أطلقوا سراحي في شهر مايو.
وأشار التقرير أيضًا إلى أن “عمرو ربيع” وهو طالب هندسة في جامعة القاهرة، اختفى، بعد أن تم القبض عليه من شارع رمسيس يوم 11 مارس من قبل مسئولي أمن يرتدون ملابس مدنية.
وتابع: “لم تكن عائلته تعرف مكان وجوده ونفت السلطات احتجازه”.
وأضاف التقرير: “في وقت لاحق، تلقت عائلة عمرو ربيع مكالمة هاتفية في شهر أبريل من أحد السجناء المفرج عنهم قال لهم إن عمرو كان محتجزًا في سجن العزولي العسكري ولا يستطيع تحريك ذراعه اليسرى بسبب إصابات ناجمة عن التعذيب”.
كما نقل التقرير عن امرأة من بلدة تبعد 250 كيلومترًا عن القاهرة “لم يذكر اسمها”، قولها، إن زوجها تعرض للاعتقال عندما داهمت قوات أمن يرتدون ملابس مدنية وزي الشرطة منزلهم في منتصف إحدى ليال يناير الماضي، وقبل اقتياده بعيدًا، صعقوه بالصدمات الكهربائية أمام عينيها.
وأضافت “العفو الدولية”: “على الرغم من الجهود المتكررة للعثور على مكان وجوده، في النهاية تمكنت من رؤيته في سجن العقرب في مايو 2014.
وكانت به آثار التعذيب، بما في ذلك كدمات وجروح في يديه وذراعيه وحروق على ذراعيه وكان لديه أيضًا أصابه بخلع في الكتف.
وبحسب التقرير، فإن سجن “العزولي” يقع داخل مقر قيادة الجيش الميداني الثاني. ويتضمن المعسكر مقر محكمة عسكرية أيضًا، علاوة على مباني السجن والاستخبارات العسكرية، ويتألف مبنى السجن من ثلاثة طوابق، حيث يُودع في الطابق الأول المحتجزين العسكريين الذين ينتظرون المحاكمة، فيما يتضمن الطابق الثاني خليطًا من المدنيين بانتظار المحاكمة العسكرية وأفراد “قيد التحقيق” لم تتم إحالتهم بعد للمثول أمام النيابة أو المحكمة، فيما يوجد في الطابق الثالث أفراد “يخضعون للتحقيق” كذلك.
وفي معرض تعليقها على الموضوع، قالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية “حسيبة حاج صحراوي”: “ترتبط مثل هذه الممارسات بأحلك ساعات حكم العسكر ونظام مبارك، ولا يجوز أن يضرب الجيش المصري حقوق المحتجزين بعرض الحائط على هذا النحو”.
وقالت المنظمة إنه يتعين على السلطات المصرية أن تبادر من فورها إلى إخطار عائلات ومحاميّ جميع المحتجزين سرًا في معسكر الجلاء وغيره من الأماكن، ويجب السماح فورًا لكل من تعرض للإخفاء القسري بأن يُعرض على الأطباء وتمكينه من الاتصال بالمحامين وعائلاتهم.
كما يجب حماية هؤلاء من التعرض للمزيد من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وإخلاء سبيلهم ما لم يُصار إلى سرعة توجيه التهم إليهم بارتكاب جرائم معترف بتوصيفها قانونًا ومن ثم خضوعهم لمحاكمات عادلة.
وأضافت حاج صحراوي قائلة: “ما انفك عدد التقارير التي تبلغ عن ارتكاب التعذيب في مصر يزداد بشكل مستمر، ومع ذلك، فما يحدث داخل ذلك السجن هو تنفيذ حرفي لمحتويات دليل مرتكبي التعذيب المنهجي، ويظهر أن القمع الوحشي يتخفى وراء خطاب السلطات المنمق الذي يتحدث عن وضع خارطة طريق تقود البلاد نحو الديمقراطية وإجراء الانتخابات المزمعة”.
المصدر: العفو الدولية