يرسم الطفل منا في أولى لوحاته منظرًا طبيعيًا يحتوي على جبال خضراء، تضم بيوتًا ملونة بألوان مختلفة زاهية، تجتمع تحت شمس مشرقة مبتسمة تغمر وجه طفل يلعب في ساحة مقابلة لتلك البيوت، إذا أردت رؤية تلك اللوحة على الحقيقة، فإن زيارتك لجورج تاون في موسم مناسب قد تحقق أمنيتك!
تعتبر جزيرة بينانج من أجمل الجزر وواحدة من أهم الوجهات السياحية بماليزيا وآسيا، الجزيرة التي اكتشفها الغربيون عام 1786 على يد فرانسيس لايت كمركز تجاري بالشرق الأقصى تحولت إلى واحدة من أهم المراكز الاقتصادية، حيث تستضيف العديد من الشركات التقنية والمراكز التجارية، بالإضافة للعديد من المنتجعات والمراكز الثقافية والترفيهية، وتقع جورج تاون عاصمة بينانج في شمال شرق الجزيرة وتعتبر من أقدم مدن ماليزيا وتم إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، واسم جورج تم اتخاذه نسبة للملك جورج الثالث ملك بريطانيا آنذاك.
قبل زيارة جورج تاون عليك التخطيط جيدًا باختيار الوقت المناسب للرحلة، فهي تقع تحت منطقة المناخ الاستوائي المطير، وأقل فترة يهطل فيها المطر تكون بين شهري ديسمبر وفبراير، وتتمتع بمناخ معتدل حيث تتوسط درجة الحرارة على مدار السنة بين 21 إلى 32 درجة مئوية. وبالإضافة إلى كونها معلمًا سياحيًا مهمًا بجمالها الطبيعي وأهميتها التاريخية، فإنها تحتل مكانة مميزة في مجال السياحة العلاجية، حيث يزورها آلاف السياح سنويًا من أجل الاستشفاء وخاصة من البلدان المجاورة كسنغافورة وإندونسيا.
تضم جورج تاون العديد من المعالم السياحية الفريدة، حيث تحتوي على واحد من أكبر المعابد البوذية بماليزيا وهو معبد كيكلوك سي، وأيضًا يمكنك زيارة متحف الدمى الذي يحتوي على نحو مئة ألف دمية، وإذا كنت من عشاق التاريخ، فإن زيارتك للشوارع التاريخية التي أنشأها المستعمرون ستبهرك بالجمال المعماري الفريد للمباني الخاصة والعامة على حد سواء.
ومن الجيد معرفة أنه تم المحافظة بشكل دقيق على تلك التحف المعمارية مما حول جورج تاون إلى متحف هواء طلق مفتوح لجميع زائريها، فكل بناء يحكي صفحة من تاريخها وكل ركن بشوارعها له حكاية خاصة يحكيها، ومن الغريب أن تلك المباني التاريخية القزمة بجانب ناطحات السحاب الموجودة على الجانب الآخر من المدينة يخلقان معًا مزيجًا مميزًا من العمارة السفيرة للعصور المختلفة الحاكية لتطور تلك المدينة الصغيرة.
وفي أثناء تجولك بالشوارع، سيعتاد أنفك شم رائحة البخور المميزة القادمة من المعابد الصينية، حيث إن جورج تاون تحتوي على جزء كبير من الطائفة الصينية التي تعتبر مكونًا رئيسيًا للأعراق المكونة للدولة الماليزية، وعلى النقيض من رائحة البخور، فسيلتقط أنفك رائحة بعض الأطعمة الغريبة من المطاعم الصينية، فإن كنت من هواة تجربة الأطعمة المختلفة، فقد تجد هنالك فرصة لتذوق مختلف أنواع أطباق الشرق الأقصى، ولكن تأكد قبل التذوق إذا كان الأكل حلالاً أم لا!
ولا تنسى أن تزور هضبة بينانج باستخدام التلفريك التي تقل فيها درجة الحرارة حتى في أشد أيام الصيف لارتفاعها، تلك الهضبة التي استوطنها البريطانيون حيث كانت موقعًا لتمركز قوات الاحتلال لمراقبة مداخل ومخارج المدينة، ويمكنك زيارة ساحل القرد الذي يمتاز بأنه موطن للعديد من القرود، كما أنه يحتضن الحديقة الوطنية ببينانج، ولا تفوت أيضًا زيارة الحديقة النباتية التي تحتضن العديد من الشلالات، كما أنها موطن للأشجار والحيوانات النادرة.
أصابني بعض القلق قبل زيارتي لجورج تاون، ما إذا كنت سأستطيع التجول في ذاك العالم الجديد وحيدًا أم لا، كنت أخاف أن أفوت أحد معالمها دون استكشافه، فإذا كنت قلقًا مثلي حيال ذلك، فالحل الأمثل هو الالتحاق بالرحلات الإرشادية التي تنظمها العديد من المنظمات السياحية من بينها الحافلة السياحية “هوب أون هوب أوف” التي تمكنك من زيارة العديد من المعالم بتذكرة واحدة فقط.
بالنسبة للمواصلات، الجزيرة تضم مطارًا دوليًا يمكنك السفر إليه مباشرة من مدينتك، كما يمكنك التنقل بداخلها بواسطة وسائل مواصلات متعددة ومريحة، مثل محطات الحافلات التي تربط مناطقها الداخلية ببعضها كما تربطها بجزر مجاورة مثل لنكاوي، كما أن هناك مرسى للعبارات يربط الجزيرة مباشرة بجزيرة لنكاوي، ومراسي أخرى تربطها بمدن ماليزية أخرى.
وكما ذكرت، فإن أنسب وقت للزيارة يكون تقريبًا في الفترة من ديسمبر إلى أوائل فبراير، للاستمتاع بمعالمها المتنوعة، بالإضافة إلى حضور احتفالات ليلة رأس السنة ومشاهدة الطقوس المحلية المختلفة، أما الفترة من فبراير لأبريل، فتخلو الجزيرة من السياح وهذه أيضًا فرصة جيدة إذا لم تكن من محبي الزحام، ويكثر هطول الأمطار من مايو إلى أكتوبر لذا فلا ينصح بالذهاب في تلك الفترة أبدًا.