ترجمة وتحرير: نون بوست
دانييل بنيامين: مدير مركز جون سلون ديكي للتفاهم الدولي في كلية دارتموث كما عمل منسقًا لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية بين سنة 2009 و2012.
ستيفن سيمون: أستاذ التاريخ الزائر في كلية أمهرست. شغل منصب مدير أول مجلس الأمن القومي لمكافحة الإرهاب والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على التوالي، في إدارتي كلينتون وأوباما.
من الذي قصف بالفعل ناقلات النفط في الخليج العربي قبل أسبوعين؟ هل كانت إيران كما أكدت لنا إدارة ترامب؟ أم أنها المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو”إسرائيل” – أم مزيج من الثلاثة؟
فيما يلي اعتراف اثنين من كبار المسؤولين الحكوميين السابقين:
لعدة أيام بعد الهجمات، لم نكن متأكدين. لقد آمن كلانا بكل إخلاص بوجود فرصة جيدة لأن تكون هذه الأعمال جزءًا من عملية زائفة، وهي محاولة من جانب الغرباء لإشعال حرب بين الولايات المتحدة وإيران. فحتى رواية الإيرانيين الذين ينقلون لغما غير متفجر بالقرب من الناقلة نظن أنها قصة قد تكون ملفقة ومزيفة على غرار مقطع نانسي بيلوسي الذي ظهرت فيه وهي في حالة سُكر.
الحلقة المزعجة بأكملها فتحت أعيننا على حقيقة مقلقة للغاية: ألا وهي أن وباء الأخبار المزيفة الحالي لا يهز السياسة الأمريكية فحسب؛ بل قد ينتهي الأمر بالتسبب في نشوب حرب
ربما راودك أيضا نفس الشعور. ولكن بالنسبة لنا، مع ما يزيد عن 30 عامًا من الخدمة الحكومية وما يقرب من 20 عامًا كقائمين على مجمع تفكير، كان هذا الأمر مفاجئًا. نعم، نحن أعضاء يحملون بطاقة في “بلوب”، وهي مؤسسة للسياسة الخارجية في واشنطن، ولكننا لسنا متأكدين من تصديق حكومتنا لنا أم لا.
في الواقع، كان الأمر يدعو للقلق. تخيل الاستيقاظ في صباح أحد الأيام والتفكير في أن أليك جونز، مناصر نظرية المؤامرة في اليمين المتطرف، كان منطقيًا جدًا، أو ربما أن حادثة إطلاق النار على مدرسة “ساندي هوك” كانت مزيفة أو أن هجمات 11 من أيلول/ سبتمبر كانت حقًا من قبل أطراف داخلية؟ تخيل ما قد يكون عليه الحال في قبضة نظرية المؤامرة عندما تقضي حياتك المهنية بأكملها في كونك أحد هؤلاء الأفندية السياسيين الذين يمكنهم شم رائحة نظرية المؤامرة على بعد ميل واحد؟
في الحقيقة، نحن لسنا الوحيدين اللذين يفكران بتلك الطريقة. في المحادثات مع الزملاء السابقين؛ السفراء ووكلاء الوزارة وما شابه ذلك، وجدنا أن الكثير منهم تبنوا أيضًا فكرة أن هجمات على الناقلة كانت بمثابة قصة زائفة. بالنسبة إلى هذه الأحداث، بدا من المعقول أن السعوديين أو غيرهم يقفون وراء هذه التفجيرات. بعد كل شيء، شجع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عمليًا على نشوب صراع بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة أن فكرة أن الإيرانيين سيخاطرون ويعرضون أنفسهم لهجوم أمريكي تبدو مثيرة للضحك.
لم يكن من الواضح لماذا تريد إيران إهانة نفسها في مواجهة عسكرية أو مهاجمة ناقلة يابانية أثناء زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى طهران. بعد محادثات مع زملاء آخرين ما زالوا في الحكومة الذين نثق بهم والذين شهدوا أنه دون شك كان الإيرانيون وراء الهجمات، وصلنا إلى الموقف الرسمي. إن الرواية القائلة إن إيران كانت تحاول من خلال هذه الهجمات حث الدول الأخرى على الضغط على الولايات المتحدة لتخفيف عقوباتها، ليست ببعيدة عن نوع الأعمال المثيرة التي انسحبت من خلالها كوريا الشمالية في الماضي.
حتى الوقت الراهن، ركزت المناقشة العامة حول الأخبار المقلدة والمزيفة في نطاق أوسع على السياسة الداخلية وخاصة الانتخابات
لكن الحلقة المزعجة بأكملها فتحت أعيننا على حقيقة مقلقة للغاية: ألا وهي أن وباء الأخبار المزيفة الحالي لا يهز السياسة الأمريكية فحسب؛ بل قد ينتهي الأمر بالتسبب في نشوب حرب أو نتيجة لذلك إعاقة الاستجابة الوطنية للتهديدات الحقيقية.
حتى الوقت الراهن، ركزت المناقشة العامة حول الأخبار المقلدة والمزيفة في نطاق أوسع على السياسة الداخلية وخاصة الانتخابات. كان ذلك أمرًا لا مفر منه بعد التدخل الروسي لصالح الرئيس دونالد ترامب سنة 2016. وقد تم تحديد حجم هذا التدخل في التقييم المشترك غير المسبوق لوكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في شباط/ فبراير 2017 وتقرير مولر.
لكن آثار الأخبار المزيفة على السياسة الخارجية والأمنية قد تكون بعيدة المدى – بل وأكثر خطورة. يمكن أن تؤدي المعلومات الخاطئة في الجغرافيا السياسية إلى استمرار إضعاف مؤسساتنا ويحد من مكافحة الوفيات. من المؤكد أن الأخبار المزيفة كانت سمة من سمات العلاقات الدولية منذ فترة طويلة، لكنها مختلفة الآن: إن تقديم التكنولوجيا التي يمكنها تلفيق الصور ومقاطع فيديو مقنعة لأحد القادة الساميين وأتباعه واتهامهم بخيانة الأمانة يعني أنه لا يمكن لأحد أن يشعر بالثقة في تقييم خيارات الحياة أو الموت في أزمة السياسة الخارجية. بالنسبة للديمقراطية، الديمقراطية ذات المصالح العالمية، هذه كارثة.
في أربعينيات القرن التاسع عشر، أرادت إدارة جيمس بولك غير البطولية توسيع أراضي المناطق التي تقر بالعبودية، كما سعت إلى توسيع حدود الولايات المتحدة في الجنوب الغربي على حساب المكسيك
إن تاريخ الذرائع المزيفة أو المصطنعة من أجل نشوب الحروب هو تاريخ طويل، ساهم في توريط أبطالنا. قام بول ريفير، في نقشه الشهير لمذبحة بوسطن سنة 1770، بتصوير مجموعة من الجنود البريطانيين المصطفين الذين أطلقوا النار على حشد من مواطني بوسطن، وصوّر المشهد على أنه إعدام جماعي أكثر من أنه إطلاق نار غير المقصود.
في أربعينيات القرن التاسع عشر، أرادت إدارة جيمس بولك غير البطولية توسيع أراضي المناطق التي تقر بالعبودية، كما سعت إلى توسيع حدود الولايات المتحدة في الجنوب الغربي على حساب المكسيك. في المقابل، ثبت أن تعبئة جيش لهذا الغرض أمر صعب، على الرغم من الحوافز الفخمة التي عرضت على المجندين. اعتقد بولك أنه سيتعين عليه رفع حمى الحرب من خلال هندسة هجوم مكسيكي، لذلك قام الجنرال زاكاري تايلور، الذي سيقدم لاحقًا سجل الحرب الخاص به إلى البيت الأبيض، بنشر قوة داخل الأراضي التي تطالب بها كل من الولايات المتحدة والمكسيك بين نهر نويس وريو غراندي، وذلك لاستفزاز المكسيكيين ودفعهم إلى مهاجمة الأمريكيين.
وقع المكسيكيون في الفخ، ودخلوا في حرب كلفتهم فقدان موطئ قدمهم في الولايات المتحدة اليوم. في المقابل، لم يتصدى المواطنون المتشككون لهذه المناورات. قدم أحد أعضاء الكونغرس الذي ترشح لولاية رئاسية أولى والذي يدعى أبراهام لنكولن سلسلة من القرارات التي تطالب بولك بأن يعلن ما إذا كانت “بقعة الأرض التي سفك دماء مواطنينا من أجلها” في الأصل أمريكية أم لا. وقد أكسبته جهوده الحثيثة نيل لقب “سبوتي لينكولن” الذي ظل معه حتى تم انتخابه رئيسًا.
عقب الانفجار الذي أغرق السفينة في قاع الميناء وهي محملة بـ 260 بحارًا، خلصت لجنة التحقيق التابعة للبحرية إلى أن منجمًا إسبانيًا هو المسؤول عن الانفجار
لكن الخداع لم يتوقف مع بولك. سنة 1898، استغلت إدارة ويليام ماكينلي غرق سفينة “يو إس إس مين” في ميناء هافانا لتبرير الحرب مع إسبانيا وأول قوة إمبريالية في أمريكا. كان الكوبيون يسعون للحصول على الاستقلال عن إسبانيا منذ سنة 1895؛ وقد أرسِلت سفينة “يو إس إس مين” إلى كوبا لتأكيد اهتمام واشنطن بالصراع وحماية الأرواح والممتلكات الأمريكية.
عقب الانفجار الذي أغرق السفينة في قاع الميناء وهي محملة بـ 260 بحارًا، خلصت لجنة التحقيق التابعة للبحرية إلى أن منجمًا إسبانيًا هو المسؤول عن الانفجار. لكن اثنين من أبرز خبراء البحرية الذين اعتقدوا أن التفجير المميت كان نتيجة انفجار داخلي مفاجئ، لم تتم استشارتهم. (اليوم، يتفق الخبراء على أن الانفجار كان عرضيًا وليس بسبب لغم). وكان ماكينلي، لكي نكون منصفين، يعمل على كبح القمع الإسباني في كوبا، كما أنشأت مدريد معسكرات لإعادة التركيز، حيث تم وضع الكوبيّين العاديين لمنع التعاون بينهم وبين الكوبيّين المتمردين. بالإضافة إلى ذلك، أحرز ماكينلي تقدما دبلوماسيا ملحوظا.
لكن بالنظر إلى الضغوط التجارية لحماية مصالح الولايات المتحدة في كوبا وحمّى الحرب التي أشعلتها الصحافة الصفراء لويليام راندولف هيرست، فإن رواية البحرية الخاطئة عن تدمير سفينة حربية أميركية من قبل لغم إسباني جعل الحرب أمرا لا مفر منه.
يبدأ التاريخ الحديث للحرب المزيفة سنة 1964، على أعتاب التصعيد الأول لإدارة جونسون لحرب الفيتنام. خلال فترة متوترة قبالة الساحل الفيتنامي الشمالي، هاجمت زوارق الدورية الفيتنامية الشمالية في خليج تونكين حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس مادوكس”، المدمرة التي كانت تجمع المعلومات بهدوء في المياه الدولية. اعتقد الفيتناميون الشماليون عن طريق الخطأ أن مادوكس كانت هناك لدعم جنود الكوماندوز الفيتناميين الجنوبيين الذين داهموا منشآت الجزيرة القريبة.
إن بدء الحروب تحت ذرائع زائفة هو عمل سيئ، لكن الاعتقاد المتآكل بأن الحكومة عادة ما تعود إلى الشعب بشأن قضايا الحرب والسلام يشكل مجموعة من الأخطار
بعد يومين، وفي خضم العاصفة، اعتقدت أطقم مادوكس ومدمرة أخرى تحمل اسم “يو إس إس تيرنر جوي ” أنهم يتعرضون للهجوم من خلال اشتباههم بأن أصوات مراوحهم الخاصة بالطوربيدات هي أصوات هجوم فقاموا بشحن الزوارق الدورية وسط الأمواج العاصفة والرياح الشديدة.
بعد إطلاق وابل من مئات القذائف في البحار الفارغة، خلص القادة إلى أنهم ربما لم يكونوا مستهدفين. لكن تم التلاعب بالحادثة من قبل المسؤولين في واشنطن للظهور كما لو كانت المعركة قد وقعت، مع إرسال إشارات استخباراتية لدعم هذا الاستنتاج.
قدم الكونغرس لليندون جونسون كل ما يريد، وهو تفويض واسع لاستخدام القوة. وهذا بدوره مكّن إدارة جونسون من تعزيز الوجود الأمريكي في فيتنام الجنوبية وتوسيع نطاق العمليات القتالية الأمريكية دون الحاجة إلى العودة إلى الكونغرس للحصول على إذن. وفي هذا الشأن، قال جونسون، وهو يتلذذ بالقرار، “إنه مشابه لقميص نوم الجدة، حيث أنه يغطي كل شيء”.
سنة 2003، جاء دور جورج دبليو بوش، حيث استخدمت إدارته تقييمات استخباراتية معيبة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية وروابط متخيلة بين نظام صدام حسين والقاعدة لتبرير الحرب على العراق التي كانت لا علاقة لها بالأزمة المحيطة بهجوم 11 من أيلول/ سبتمبر. في هذه الحالة، ذهبت الإدارة إلى أبعد من ذلك لإنشاء عملية استخبارات موازية داخل البنتاغون لمحاولة إضفاء الموثوقية على المعلومات التي اعتبرتها وكالة الاستخبارات المركزية أنها غير موثوق بها.
في الوقت الراهن، أصبحت مسألة متى وما إذا كان من الممكن الوثوق في الحكومة أكثر صعوبة بشكل كبير
إن بدء الحروب تحت ذرائع زائفة هو عمل سيئ، لكن الاعتقاد المتآكل بأن الحكومة عادة ما تعود إلى الشعب بشأن قضايا الحرب والسلام يشكل مجموعة من الأخطار. في الواقع، نتمتع ببعض الخبرة في هذا الموضوع. في آب/ أغسطس 1998، كنا نعمل على مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي عندما قُصفت سفارتان أميركيتان في إفريقيا من قبل تنظيم القاعدة. لقد تصرفت إدارة بيل كلينتون على أساس أن معلومات الاستخبارات موثوق بها وقامت باستهداف معسكرات تدريب إرهابية في أفغانستان ومصنع الشفاء في الخرطوم، حيث كان يعتقد أن منظمة أسامة بن لادن كانت تطور أسلحة كيميائية.
كانت الهجمات مثيرة للجدل بسبب المعلومات المتناقضة حول المصنع المستهدف والشك العام حول التهديد الإرهابي وبسبب فضيحة مونيكا لوينسكي. واتهم كلينتون بمحاولة صرف الانتباه عن متاعبه في الداخل بالهجوم على الخارج. لكن في أعقاب أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر، تبدو الهجمات بمثابة عمل حكيم في مواجهة الاستخبارات المثيرة للقلق.
في كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام، تعرض كلينتون مرة أخرى لحملة من الاستهجان من قبل الصحافة بصرف الناخبين عن مشاكله السياسية مرة أخرى عن طريق شن حملة جوية مكثفة لمدة أربعة أيام ضد مواقع أسلحة الدمار الشامل العراقية.
في الوقت الراهن، أصبحت مسألة متى وما إذا كان من الممكن الوثوق في الحكومة أكثر صعوبة بشكل كبير. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة قد استغلت دائمًا ذرائع الحرب أو تعارضت معها، ونحن لسنا وحدنا في هذا الصدد. ولكن في الوقت الحالي، نحن نتعامل مع التكنولوجيا الناشئة والقائد الذي لا تمثل الحقيقة بالنسبة له فئة خطابية ذات معنى. وكل هذه الأسباب سوف تعقد بشدة الأحكام المتعلقة بالتزام بالقوة العسكرية.
في أعقاب حادثة خليج تونكين تم قطع الاتصالات الفيتنامية الشمالية التي تم اعتراضها ولصقها ودمجها ووضع تاريخ مزيف عليها لتقديم “دليل” على الهجمات غير الموجودة على المدمرة “تيرنر جوي”
في الحقيقة، إن نطاق التلاعب بالأخبار أصبح هائلا. يمكن للمرء أن يتخيل بسهولة الخراب الناجم عن الفيديو المزيف الذي يصور المسؤولين الإيرانيين الأجانب الذين يتعاونون مع الإرهابيين لاستهداف الولايات المتحدة أو التقارير الإخبارية المخترعة حول الخطط العسكرية الإيرانية أو الكورية الشمالية لشن ضربات استباقية على أي من الأهداف.
إن الروس ليسوا المورد الوحيد لمثل هذه المواد المسببة للتآكل، فقد أبلغت صحيفة نيويوركر، على سبيل المثال، عن شركة إسرائيلية استأجرها رجال أعمال من كاليفورنيا لنشر أكاذيب تولدت عن الكمبيوتر حول المرشحين لشغل وظائف محلية.
من المحتمل أن تتبنى المؤسسات الدفاعية والاستخبارية في العديد من البلدان وكذلك الكثير من الكيانات الخاصة هذا النوع من الخداع الآن. يمكن للحكومات، إذا اختاروا ذلك، الاعتماد على اختلاق قصة على البلد الآخر لتوفير ذريعة للحرب وتأكيد صحة تصرفاتهم.
في أعقاب حادثة خليج تونكين تم قطع الاتصالات الفيتنامية الشمالية التي تم اعتراضها ولصقها ودمجها ووضع تاريخ مزيف عليها لتقديم “دليل” على الهجمات غير الموجودة على المدمرة “تيرنر جوي”. مع توفر التقنيات الآن، يمكن للخبراء الجمع بين هذه التقارير المزورة والصور الحية للسفن التي تنفذ هجمات والتسجيلات الصوتية لتتوافق مع نصوص اعتراض مزورة. كما يمكن أيضا تصوير قادة الدول الأخرى زورا بطرق ملموسة لمناقشة خطط لمهاجمة المصالح الأمريكية أو يمكن لمعارضي سياسات الرئيس العدوانية “الوقوع” في مناقشات مع الخصوم.
إن البناء السلس لمثل هذه الصور يضاهي بالفعل إنتاجات هوليوود
إن التقدم المحرز في مزامنة الشفاه ومعالجة المعالم الفسيولوجية للتطابق مع أنماط الكلام والمحتوى سيجعل مقاطع الفيديو هذه مقنعة للغاية، لا سيما عند عرضها على شاشات صغيرة منخفضة الدقة نسبيا في معظم الهواتف أو الأجهزة اللوحية. كما يمكن أيضا دمج الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر للتشكيلات العسكرية الكبيرة في صور جوية لأماكن مفتوحة على الحدود المتنازع عليها، مما يزيد من خطر الحروب التي قد تفيد الطرف الذي ينشر الرسومات.
إن البناء السلس لمثل هذه الصور يضاهي بالفعل إنتاجات هوليوود. هل تتذكر الإنذار الكاذب الصادر في كانون الثاني/ يناير 2018 من ضربة صاروخية باليستية وشيكة ضد جزر هاواي؟ حيث استغرق الأمر 38 دقيقة حتى تتخلى السلطات عن حالة التأهب وتطمئن الرأي العام وتوقف سير الحياة على أواهو تمامًا بسبب الحركة واسعة النطاق للسكان المذعورين. لنفترض أن شبكة الدفاع المدني قد تم اختراقها لتسود هذه الفوضى من خلال تعزيز رسالة التنبيه الآلية مع صورة تم إنشاؤها لمسؤول حكومي كبير يحذر من وقوع هجوم؟ حتى لو كان من الممكن تزوير هذه التحذيرات المؤذية في غضون أيام قليلة، فإن تأثيرها سيكون فوريًا ويصعب عكسه.
لعل ما يزيد الأمور تعقيدًا سباق التسلح الاستخباري المصطنع الذي يجري بالفعل بين المزيفين وأجهزة الكشف، حيث يطور كل منهم طرقًا معقدة بشكل متزايد لإحباط الآخر. كما هو الحال في الإعدادات الاستراتيجية الأخرى، فإن الهجوم والدفاع سوف يتصدر المواجهة. وفي الوقت الحالي، ستكون المنافسة بين المزيفين والكاشفات متقلبة. وبالتالي، فإن الاعتماد على هيمنة القدرات الدفاعية سيكون من الحكمة.
لقد أدرك الكثيرون بالفعل الخطر الذي يشكله النظام الدستوري بسبب المزيج المتكون من التقدم التكنولوجي والسياسة القذرة
هذا سيكون تحديا كافيا. وما يجعل الوضع الحالي مشؤومًا للغاية هو أن تقنية الارتباك يتم تعزيزها من خلال الأكاذيب التي يولدها دونالد ترامب. لا شك في أن خيانة القائد الأعلى التي لا هوادة فيها تؤدي إلى تقويض الإيمان بـ “الرواية الرسمية” الصادرة من واشنطن – كما اكتشفنا مع هجمات الناقلة – كما لها أيضا تأثير محير. وحتى بالنسبة للأشخاص العقلانيين وغير المعرضين للتفكير في التآمر، فإنه من الصعب على نحو متزايد إيجاد طريق نحو فهم معقول للأحداث الحالية.
في كتابهم الجديد “الكثير من الناس يقولون: المؤامرة الجديدة والاعتداء على الديمقراطية”، يتحدث علماء السياسة راسل مويرهيد ونانسي روزنبلوم عن “الإحباط الجذري الذي يشعر به معظم الناس عندما يواجهون تيارًا ثابتًا من مزاعم المؤامرة غير المبررة”. باستخدام القدرة الهائلة للذكاء الاصطناعي لنشر صور مروعة ولكنها مصممة لتعبئة الرأي العام ووصم الخصوم، يمكن للجهات الفاعلة مثل ترامب أن تتجاوز المشهد اللفظي للنزاع المفترض. يمكنهم توجيه الأمة إلى صراع إذا اعتقدوا أنها ستساهم في زيادة ثرواتهم السياسية. وبذلك ستواجه الصحافة وربما وكالات الاستخبارات الخاصة بنا تحديًا لكشف الاحتيال. مع اعتقاد قاعدة ترامب الآن أنه ضد كل التقارير المتناقضة، سيتم ضمان تأثير الرأي العام.
في الحقيقة، لقد أدرك الكثيرون بالفعل الخطر الذي يشكله النظام الدستوري بسبب المزيج المتكون من التقدم التكنولوجي والسياسة القذرة. لذلك، إن النظام الاستراتيجي في خطر شديد. لقد أدى تقويض ترامب المتعمد والبرامجي لثقة الجمهور في مؤسسات الأمن القومي، وخاصة مجتمع الاستخبارات، إلى تقويض الثقة في إمكانية الوصول إلى الحقيقة نفسها الأمر الذي له آثار هامة على أمننا. وكلما كرس زعماؤنا في البيت الأبيض والكونغرس أنفسهم لتفكيك هذه الثقة، كلما أصبحنا رهينة للتكنولوجيات التي لا يعرف أحد كيف يسيطر عليها.
المصدر: بوليتيكو