تنتظر الرئيس الجديد لموريتانيا العديد من القضايا الداخلية التي يأمل الموريتانيون في حلها بأقرب وقت حتى تتقدم البلاد وتتجاوز أزمتها المتعددة، فضلاً عن قضايا خارجية عديدة على رأسها علاقته بدول الجوار، غير أن الواضح أن علاقته بالمغرب لن تكون على ما يرام فأول إجراء تم اتخاذه، استدعاء جبهة البوليساريو العدو الأول للمملكة المغربية لحضور حفل تنصيب الرئيس ولد الغزواني.
المرة الأولى رغم الاعتراف الرسمي
توجيه الحكومة الموريتانية دعوة رسمية إلى “البوليساريو” من أجل حضور حفل تنصيب الرئيس الموريتاني الجديد، جاء على هامش القمة الإفريقية المنعقدة بالنيجر، حيث سلم وزير الشؤون الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، دعوة إلى القيادي الانفصالي محمد سالم ولد السالك، موجهة إلى زعيم الجبهة إبراهيم غالي، من أجل المشاركة في مراسيم واحتفالات تنصيب محمد ولد محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، وفق “وكالة الأنباء الصحراوية” التابعة للجبهة الانفصالية.
تستعد موريتانيا لتنظيم حفل تنصيب ولد الغزواني الذي فاز في انتخابات 22 من يونيو/حزيران الماضي، بنسبة 52% متقدمًا على مرشحي المعارضة، حيث وجهت الرئاسة الموريتانية حتى الآن الدعوة لكل رؤساء الدول المجاورة ومنها المغرب والجزائر والسنغال ومالي والنيجر.
قرار استدعاء رئيس ما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، صدم المغاربة حيث لم يكن متوقعًا أن يتم اتخاذه
تعتبر هذه المرة الأولى التي سيشارك فيها رئيس “جبهة البوليساريو” في نشاط رسمي موريتاني، بعد أن شارك في قمة الاتحاد الإفريقي التي نظمت بداية شهر يوليو 2018 بموريتانيا (الدولة المستضيفة للقمة)، بعد تلقيه دعوة من الرئيس محمد ولد عبد العزيز باعتبار أن البوليساريو عضو في الاتحاد القاري.
يذكر أن موريتانيا تعترف رسميًا منذ عام 1984، بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، وهو الاعتراف الذي جاء بعد خمس سنوات من توقيعها اتفاق سلام مع جبهة البوليساريو ينهي حالة القتال بينهما وتنسحب بموجبه موريتانيا من جزء كانت تسيطر عليه في الصحراء الغربية.
غير أن هذا الاعتراف الرسمي لم يتطور إلى سفارة أو تمثيل دبلوماسي للبوليساريو في موريتانيا، فقد شهدت علاقات الطرفين الكثير من المد والجزر وصلت حد انقطاعها في فترات معينة، حسب الظروف الدولية وتغير أنظمة الحكم في موريتانيا، وكذا حسب مؤشر العلاقات مع الجزائر أو المغرب.
قرار غير متوقع
قرار استدعاء رئيس ما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، صدم المغاربة حيث لم يكن متوقعًا أن يتم اتخاذه، خاصة أنهم كانوا يرجون تغييرًا في سياسة موريتانيا تجاه قضية الصحراء الغربية التي تعتبر القضية المركزية للمغرب.
وسبق أن وصف الإعلام المغربي وزير الدفاع السابق والرئيس الجديد لموريتانيا محمد ولد الغزواني، “عدو البوليساريو”، مؤكدين أنه أبدى تقربًا كبيرًا من المغرب عقب رفضه التعامل مع جبهة البوليساريو، ومطالبته بمراجعة منح سكان تندوف أوراق إقامة بموريتانيا.
يرفض المغرب أي اعتراف بالبوليساريو
جاء في تقرير لموقع هسبريس المغربي “يعد ولد الغزواني أقرب المرشحين تقديرًا للموقف المغربي من قضية الصحراء، وله علاقات جيدة مع الرباط حيث تلقى دراسته بداية قبل أن يتوجه نحو مملكة الأردن لمواصلة تكوينه”.
وكان العديد من المغاربة، ينتظرون أن تشهد علاقات بلادهم مع موريتانيا تطورًا ملحوظًا مع وصول ولد الغزواني إلى سدة الحكم، استنادًا إلى تلقي هذا الأخير تكوينًا عسكريًا بالمغرب ودراسته في المغرب أيضًا قبل أن ينتقل إلى الأردن، وعلاقاته الاجتماعية مع المملكة، لكن هذا القرار يجعل هذه التوقعات تنهار.
رسائل وإشارات كبيرة وراؤها دول الخليج
من الواضح أن دعوة زعيم البوليساريو لحضور حفل تنصيب الرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد الغزواني، وفق رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني عبد الرحيم المنار أسليمي، حدث يحمل العديد من الرسائل والإشارات للشكل الذي ستكون عليه العلاقات المغربية الموريتانية وللدور الذي ستلعبه موريتانيا إقليميًا في ملف الصحراء.
يقول أسليمي في هذا الشأن: “ما دام الموريتانيون يعمدون إلى دعوة زعيم البوليساريو في فترة تسحب فيها العديد من الدول الاعتراف من جبهة البوليساريو ويعيش زعيم الجبهة إبراهيم غالي عزلة كبيرة، فإن ذلك يعني وجود العديد من الرسائل”.
وأوضح عبد الرحيم المنار أسليمي “وجود قوى كثيرة تعمل على عرقلة كل تقارب مغربي مع ولد الغزواني، فالأمر لا يقف عند حدود الجزائر وحدها وإنما الخطورة في دخول قوى خليجية على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة باتت تعتبر موريتانيا ملعبًا إستراتيجيًا للضغط على المغرب”.
يعتبر النظام المغربي تبادل الزيارات الرسمية بين النظام الموريتاني وجماعة البوليساريو، موقفًا معاديًا من الجارة الجنوبية وخروجًا عن حيادها المفروض
أولى هذه الإشارات، وفق أسليمي، تتمثل في أن الرئيس الجديد ولد الغزواني يخضع لضغوطات قوية في مرحلة بداية حكمه، ضغوطات تمارس من طرف البوليساريو والجزائر لأنهما يشعران بإمكانية قيامه بتغيير تدريجي في موقفه مقارنة بموقف الجنرال الرئيس السابق ولد عبد العزيز، وعادة ما تحاول الجزائر استمالة موريتانيا لتصطف وراءها وتدعم موقفها بخصوص الملف الصحراوي.
أما ثاني الإشارات، فهي في كون هذه الدعوة تمثل تعبيرًا عن خضوع ولد الغزواني لقوى خليجية تريد منه المحافظة على مواقف سلفه السابق ولد عبد العزيز الذي عاش معه المغرب أسوأ مرحلة في تاريخ العلاقات الثنائية المغربية الموريتانية، لذلك توجد جهات خليجية مقربة من موريتانيا ورئيسها السابق تريد الحفاظ على ورقة تجعل العلاقات الموريتانية المغربية في وضعية شبه جمود وقابلة للتوتر في أي لحظة عن طريق استعمال البوليساريو.
وأوضح رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، صعوبة اتخاذ ولد الغزواني هذه المبادرة من تلقاء نفسه، ورأى أن وراء هذه الدعوى ولد عبد العزيز لتوجيه الرئيس الجديد منذ البداية بشأن الشكل الذي ستكون به العلاقة مع المغرب في ملف نزاع الصحراء.
توتر منتظر للعلاقات
من شأن هذه الدعوة أن توتر العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وموريتانيا، ذلك أن النظام المغربي يعتبر تبادل الزيارات الرسمية بين النظام الموريتاني وجماعة البوليساريو، موقفًا معاديًا من الجارة الجنوبية وخروجًا عن حيادها المفروض، فما بالك باستدعاء رئيس هذه الجماعة لحضور حفل رسمي.
وتقاسمت موريتانيا والمغرب إدارة الصحراء الغربية وفق اتفاقية مدريد 1975 إلا أن موريتانيا انسحبت عام 1979 من إقليم وادي الذهب الذي كانت تديره واستعاده المغرب كجزء من ترابه الوطني، بعد توقيعها اتفاق سلام مع جبهة “البوليساريو”، حيث تخلت موريتانيا بموجب هذه الاتفاقية عن أي مطالبات بخصوص الصحراء، وهي المطالبات التي كانت قد ترافعت من أجلها – قبل ذلك – أمام محكمة العدل الدولية، وأيضًا خلال مفاوضاتها مع إسبانيا من أجل المطالبة بالاستقلال، أو في إطار اتفاق تقسيم الإقليم بينها وبين المغرب بعد حصولها على الاستقلال.
عناصر من حبهة البوليساريو
تضاف هذه الدعوة إلى جملة الاحترازات التي سجلها المغرب على جارته الجنوبية، من ذلك تسجيل العلاقات بين موريتانيا وجبهة البوليساريو مستوى عالٍ من التنسيق خلال الثلاث سنوات الأخيرة، حيث استقبل الرئيس محمد ولد عبد العزيز عدد من قياديي البوليساريو، فضلاً عن رغبة موريتانيا في تهميش المغرب من أي دور في غرب إفريقيا، وهو من شأنه أن يزيد في توتر العلاقات بين الطرفين، وعادة ما يحدد المغرب علاقته مع أي دولة أخرى بطبيعة علاقة هذه الدولة بجبهة البوليساريو.
كما لا ينظر المغرب بعين الرضا إلى العلاقات بين نواكشوط والجزائر، وكثيرًا ما تعمد موريتانيا إلى كسب نقاط على حساب النزاع بين المغرب والجزائر خدمة لمصالحها وفقًا لعدد من المحللين، فهي تلعب على التناقضات المغربية الجزائرية.