توجّه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اليوم الإثنين، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في زيارة من المقرر أن يلتقي خلالها الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض غدًا الثلاثاء، لمناقشة العديد من الملفات الإقليمية والدولية وتفعيل سبل التعاون المشترك بين البلدين.
الزيارة التي تعد الثانية لأمير قطر بعد زيارته الأولى في أبريل 2018 بدعوة من ترامب، تأتي في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط توترًا شديدًا، جراء التصعيد الأمريكي الإيراني الذي دخل منحنى خطيرًا بعد إعلان طهران زيادة سقف اليورانيوم المخصب لديها بما يخالف الاتفاق النووي المبرم في 2015.
العديد من الملفات من المقرر أن توضع على جدول أعمال الزعيمين، خاصة في ظل المستجدات الأخيرة التي ألقت بظلالها على المشهد السياسي برمته، بينما يأمل المقربون من دوائر صنع القرار في البلدين تحقيق خطوات ملموسة على أرض الواقع بشأن بعض القضايا العالقة على رأسها الأزمة الخليجية.
زيارة مهمة
وصف القائم بالأعمال الأمريكي في الدوحة، ويليام جرانت، الزيارة بـ”الكبيرة والمهمة”، لافتًا في مؤتمر صحفي، إلى أنه سيكون هناك لقاء بين أمير قطر والرئيس الأمريكي، غدًا الثلاثاء 9 من يوليو/تموز الحاليّ، لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها في مختلف المجالات، وكذلك التباحث بشأن ملفات المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
كما أضاف أن الزيارة تتضمن كذلك عدة لقاءات مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية وأعضاء بارزين في الكونغرس، حيث من الأهمية وجود علاقات قوية بين قطر والكونغرس الأمريكي، لافتًا إلى أن زيارة أمير قطر لواشنطن باتت دائمة ومتواصلة كل عام وتحظى بقدر كبير من الأهمية، حيث قام بزيارة إلى أمريكا قبل نحو عام.
من المتوقع أن يشهد جدول أعمال الاجتماع المرتقب بين تميم وترامب حزمة من الملفات على رأسها وفق ما ذكر البيت الأبيض “التطورات الإقليمية والتعاون الأمني الثنائي وقضايا مكافحة الإرهاب”
وفي الإطار ذاته أكد أن الزيارة “ستشهد التوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم تخدم المصالح المشتركة بين البلدين، ومنها اتفاقيات تتعلق بالاستثمارات والطاقة والدفاع والنقل الجوي”، وتابع “قطر صديقة رائعة وحليفًا مميزًا للولايات المتحدة من نواح كثيرة وستحدث أشياء عظيمة في العلاقة الثنائية بين البلدين”.
كما ذكر القائم بالأعمال الأمريكي في الدوحة، أن اللقاء المزمع بين الزعيمين سيتناول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، على رأسها النزاع الخليجي ومحاولة حلحلة الأزمة التي يراها في مصلحة جميع الأطراف بالمنطقة وكذلك الأطراف الخارجية الأخرى بما فيها أمريكا، ملمحًا إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عندما زار الدوحة في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث قال إن أزمة الخليج قد استمرت لفترة طويلة ويجب حلها في أقرب وقت، مضيفًا “ليس لدينا اجتماع حاليّ بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، لكن يمكن أن يعقد في الوقت المناسب”.
وزيرا خارجية قطر والولايات المتحدة
خمسة ملفات
من المتوقع أن يشهد جدول أعمال الاجتماع المرتقب بين تميم وترامب حزمة من الملفات على رأسها وفق ما ذكر البيت الأبيض “التطورات الإقليمية والتعاون الأمني الثنائي وقضايا مكافحة الإرهاب”، مضيفًا “ستستند الزيارة إلى الشراكة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وقطر، وستعزز بشكل أكبر علاقاتنا الاقتصادية والأمنية الكبيرة بالفعل”.
الزيارة تأتي تتويجًا للحوار الإستراتيجي بين قطر وأمريكا الذي عقد في الدوحة يناير الماضي وبحث “التعاون في مجالات الأمن الإقليمي والدفاع والتعليم والثقافة وإنفاذ القانون وشراكات مكافحة الإرهاب والتعاون التجاري وقضايا الطاقة والعمل”، هذا بخلاف توقيع مذكرة تفاهم لتوسيع قاعدة “العديد” الجوية، ومذكرتي تفاهم لتعزيز التعاون في المجالين التعليمي والثقافي.
وبحسب البيان الصادر عن واشنطن في هذا التوقيت فقد أقرّت بقيادة دولة قطر الفاعلة لجهود الوساطة لتعزيز السلام والمصالحة بين جميع الأطراف في أفغانستان والسودان، هذا بجانب دورها الملموس في الملف الفلسطيني، حيث عبر الجانبان عن قلقهما إزاء التطورات في قطاع غزة وضرورة وجود حاجة لاتخاذ خطوات ملموسة لتحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في القطاع، فيما أثبتت الولايات المتحدة الدور الإنساني الذي تقوم به الدوحة على المستوى الدولي.
أما الملف الثاني المتوقع طرحه على مائدة اللقاء فيتعلق بآخر التطورات بشأن الأزمة الخليجية بعدما تجاوزت عامها الثاني، وذلك حسبما أشار الكاتب المصري المتخصص في الشأن العربي السيد الربوة، الذي أكد الحاجة الماسة في هذا التوقيت لحلحلة الأزمة التي بات من الواضح أن الجميع دفع ثمنها ولا يزال.
الربوة في حديثه لـ”نون بوست” أوضح أن هناك رغبة أمريكية كبيرة في إنهاء هذا الملف، خاصة بعد المستجدات الإقليمية الأخيرة التي باتت تهدد أمن واستقرار الشرق الأوسط في ظل حالة الانقسام الواضحة بين الأنظمة والحكومات، وهو ما يعزز من فرضية حضور الملف على طاولة الاجتماع.
الدوحة قادرة وفق ما تتمتع به من دبلوماسية ومصداقية في تهدئة الأوضاع من خلال عدد من التفاهمات التي من الممكن أن تقوم هي بدور الوساطة بشأنها
الكاتب المصري أشار إلى أن نجاح الدوحة في امتصاص صدمة الحصار والتعاطي معه بحنكة دبلوماسية واضحة سيعزز موقفها التفاوضي، وهو ما سيحقق التوازن حال طرح القضية للنقاش، الأمر الذي يعني أن الأرضية التي يجب أن تنطلق منها عملية المصالحة تستند إلى احترام السيادة الوطنية واستقلالية القرار وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وهي المبادئ التي اجترأت عليها دول الحصار في مطالبها السابقة.
وفي الإطار ذاته كشف أن قطر اليوم باتت تحظى بمصداقية عالية لدى جميع الأطراف، وفي المجتمع الدولي، فهي قادرة على أن تؤدي أدوارًا إيجابيةً في التوسط لحل الأزمات، بدليل الحوار الأمريكي الذي يجري مع حركة طالبان في الدوحة، وهو ما يعمق من دورها الإقليمي، ملمحًا إلى إمكانية قيامها بدور الوساطة بين واشنطن وطهران.
الملف الاقتصادي لا شك أنه سيكون حاضرًا بقوة، إذ يرتبط البلدان بعلاقات اقتصادية قوية، فوفق آخر البيانات فإن حجم استثمارات قطر في الاقتصاد الأمريكي بلغت نحو 100 مليار دولار، (24% من إجمالي استثماراتها الخارجية) بما في ذلك 10 مليارات دولار في البنى التحتية، بجانب قطاعات الطاقة والعقارات والقطاع الصحي والمالي وتكنولوجيا المعلومات.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 6 مليارات دولار، وخلال السنوات الخمسة الأخيرة، بلغ قرابة 24 مليار دولار، وساهمت الاستثمارات القطرية في أمريكا في توفير آلاف من فرص العمل في أنحاء البلاد كافة، كما تضمّنت الاستثمارات شراكات مع العديد من الشركات الأمريكية، بما في ذلك شركة “إكسون موبيل” و”كونوكو فيليبس” و”رايثيون”.
وفي المقابل تبلغ الاستثمارات الأمريكية في قطر نحو 26.3 مليار ريال قطري (نحو 7.23 مليار دولار)، فيما تعمل أكثر من 658 شركة أمريكية خاصة في قطر، وذلك حسبما أشارت المتحدثة باسم الخارجية القطرية لولوة الخاطر، في تصريحات صحافية في وقت سابق من هذا العام.
تعاون كبير بين الدوحة وواشنطن في العديد من المجالات
أهمية التوقيت
لا شك أن المستجدات الساخنة في المنطقة لا سيما التصعيد بين واشنطن وطهران، وهو الملف الأكثر التهابًا في الآونة الأخيرة، سيضفي أهمية متزايدة على الزيارة، خاصة أن الدوحة تتشابك في كثير من المواقف مع طرفي الأزمة، أمريكا وإيران.
البعض ذهب إلى أن تلك الأزمة بكل تبعاتها ستكون على قائمة أولويات جدول أعمال لقاء زعيمي البلدين، وأن الدوحة قادرة وفق ما تتمتع به من دبلوماسية ومصداقية في تهدئة الأوضاع من خلال عدد من التفاهمات التي من الممكن أن تقوم هي بدور الوساطة بشأنها حسبما أشار الكاتب المصري المتخصص في الشأن العربي.
علاوة على ذلك فإن التغير الملحوظ في خريطة المنطقة السياسية في الأيام الأخيرة سواء فيما يتعلق بالملف السوري أو اليمني أو الليبي، بجانب الملف السوداني، سيلقي بظلاله على هذه الزيارة التي تكسبها هذه التطورات مزيدًا من الأهمية، وتضعها تحت مجهر الاهتمام الإعلامي.
وعلى الأرجح فإن الزيارة ستأتي بنتائج إيجابية على أكثر من صعيد، أولها تعزيز الدبلوماسية القطرية التي تعمقت جذورها بشكل أكبر منذ بدء الحصار في يونيو 2017، هذا بجانب فتح آفاق جديدة في العلاقات الإستراتيجية بين الدوحة وواشنطن، سياسيًا واقتصاديًا، خلافًا لما يمكن أن تتمخض عنه من تحريك للمياه الراكدة في الملف الخليجي وتهدئة التصعيد الحاصل في المنطقة نسبيًا.