لم تفلح محاولات كثير من مجموعات الأطباء للتدخل وتقديم المساعدة في مراكز الاحتجاز الموجودة في ولاية تكساس، والتي تضم ما يقارب 2342 طفل فصلوا عن عائلاتهم بالقوة بعد محاولات للنزوح عبر الحدود المكسيكية الأمريكية؛ في تقديم الرعاية الطبية أو إجراء الفحوصات اللازمة في ظل ظروف قاسية يمرّ بها الأطفال منذ ما يقارب السنة نتيجة أوضاع صعبة جدًا، لا تتوفر فيها مرافق الصحية أو لباس أو حتى الطعام الكافي بالإضافة لتفشي الأمراض المعدية.
مراكز حدودية أم سجون اعتقال؟
أدى تردي الأوضاع إلى وفاة طفلين من المحتجزين، في ديسمبر 2018، نتيجة اصابتهم بالإنفلونزا أثناء غياب الرعاية الصحية اللازمة مما أثار غضب الكثير من المؤسسات الطبية ومراسلتهم سلطات الحدود للسماح لهم بفحص الأطفال أو نقلهم إلى أماكن احتجاز تستوفي المعايير اللازمة.
وبالرغم من محاولات عدة إلا أنه لا يوجد حتى الآن أيّ حلول تبت في المسألة، ففي الأسبوع الماضي قامت رئيسة إحدى مجموعات أطباء الأطفال، الطبيبة سارة غوزا، بجولة في اثنين من مراكز الاحتجاز بين الحدود قائلةً في رسالة بعثت بها لشبكة CNN إنها “لم تصادف طبيب أطفال واحد”.
وقد قامت مجموعة من أطباء الأطفال مؤخرًا، بمشاركة صور ورسومات رسمها ثلاثة أطفال، تتراوح أعمارهم بين 10-11سنة، الأسبوع الماضي، بعد أخذهم للرعاية في المركز الكاثوليكي للجمعيات الخيرية الإنسانية وطلبهم رسم ما عايشوه أثناء فترة الاحتجاز في بلدة ماكالين، في تكساس، حيث رسم الأطفال أنفسهم خلف القضبان.
وقالت الدكتورة كولين كرافت، الرئيسة السابقة للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال: “إن الرسومات واقعية للغاية وتمنحنا رؤية لما عاشه هؤلاء الأطفال داخل السجن”. وأضافت أنهم قدموا توصيات لحرس وإدارة المراكز، ولكن “حكومتنا لم تأخذها بعين الاعتبار” وأن أطبائنا لا يزالون على استعداد للمساعدة.
استغلال ملف اللاجئين في الانتخابات الرئاسية
تأتي هذه التداعيات بعد إقرار ترمب بعدم السماح للمزيد من اللاجئين بالقدوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفصل الأطفال القادمين عن عائلاتهم بهدف الحدّ من محاولات الأهالي للحاق بأطفالهم، بالإضافة إلى نيته عرض الأطفال المحجوزين للتبني من قبل عائلات أمريكية بسبب عدم القدرة على إبقائهم في المحتجز لمدة طويلة.
بالإضافة إلى ما أقرته سلسلة من المبادرات السياسية، التي تهدف إلى جعل طلب اللجوء في الولايات المتحدة صعبًا على الأشخاص الفارين من ديارهم، وفصل العائلات عن أطفالهم، وإطالة أمد الاحتجاز، وتضييق الأسباب الأهلية للحصول على اللجوء، وعملت إدارة ترمب، في سياستها الجديدة على إعادة طالبي اللجوء من أمريكا الوسطى في المقام الأول إلى عدة بلدات حدودية في المكسيك، حتى تنتهي إجراءات محكمة اللجوء الخاصة بهم، والتي قد تستغرق شهورًا وحتى سنوات، بموجب صفقة حديثة مع المكسيك قد تتوسع عبر الحدود بأكملها.
وقد كان لترمب عدة تصريحات شخصية حول مسألة اللاجئين ورفضه التام لاستقبال أمريكا المزيد منهم بالأخص القادمين عبر الحدود. من بينها تغريدة على حسابه في تويتر يقول فيها: “قام حماة حدودنا البارحة بدفع أكبر عدد من الفارين غير الشرعيين حتى الآن، ولكن مع ذلك استطاع 1036 شخص عبور الحدود بشكل غير قانوني حوالي الساعة 4 صباحًا كما يحتاج الديمقراطيون إلى الوقوف إلى جانب دورياتنا الحدودية المدهشة وإصلاح الثغرات الموجودة على حدودنا”.
في إشارة منه إلى دعم الحزب الديمقراطي اللاجئين الفارين واستقبالهم من جديد في حال فوزهم بالانتخابات، في حين أنها ليست المرة الأولى التي يستخدم بها ملف اللاجئين في التنافس مع الأحزاب الأخرى، بل أشار من قبل إلى “الفوضى العارمة التي تعيشها أوروبا بسبب استقبالها أعداد كبيرة”.
انتقادات تطال ترمب وسياساته
يتعرض دونالد ترامب، لانتقادات كثيرة من عدة جهات بسبب سياسته المناهضة للهجرة، وقراراته المتزايدة حول الموضوع. فقد شهدت مدينة نيويورك، وقفة احتجاجية الشهر الماضي، بمناسبة عيد ميلاده الـ 73، تنديداً بسياسته تجاه المهاجرين على الحدود مع المكسيك أمام فندق ترامب الدولي في منطقة منهاتن حيث رفعوا رسومًا تندد باحتجاز أطفال المهاجرين غير النظاميين بعد فصلهم عن عائلاتهم ولافتات كتب عليها “سياسة الولايات المتحدة تجاه المهاجرين جريمة”.
كما أبلغت ست شركات طيران أمريكية إدارة الرئيس ترامب بعدم استخدام طائراتها في نقل الأطفال المهاجرين الذين يفصلون عن آبائهم وأمهاتهم. وهم شركات ألاسكا، ودلتا، وأمريكان، ساوث ويست، ويونايتد مؤكدًة أن تلك السياسة “تتعارض مع قيمها”.
أدى هذا الضغط إلى رضوخ ترمب للرأي العام، وتوقيعه الشهر الماضي أمرًا تنفيذيًا يعد فيه “بالحفاظ على الأسر معًا” في مخيمات للمهاجرين، إلا أن هذا التعهد سيكون ساري المفعول على الوافدون الجدد فقط. أما من هم محتجزون بالفعل فسيتم الإبقاء عليهم في مراكز الاحتجاز، مما دعى الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان إلى زيادة الاحتجاجات ومطالبة الحكومة بالإفراج عن الأطفال وتسليمهم لعائلاتهم أو نقلهم إلى أماكن مهيأة أكثر.
دفعت هذه المستجدات هيئة الرقابة الداخلية التابعة لوزارة الأمن الداخلي، يوم الثلاثاء، إلى تقديم تقرير يصف الوضع بالقنبلة الموقوتة، مشيرة إلى أن النتائج التي توصل إليها المفتش العام في الوزارة، في شهر مايو الماضي، خلصت إلى أن 900 شخص حشروا في زنزانة بسعة 125 متر، ما وضع ترامب في موقف للدفاع عن نفسه والسماح للصحفيين اليوم بالدخول إلى مراكز الاحتجاز وتصويرها على أنها خالية مما تدّعيه التقارير السابقة. قائلًا لصحفيين في موريستاون بولاية نيوجيرسي “سأبدأ بعرض بعض مراكز الاحتجاز هذه على الصحافة، أريد أن تذهب الصحافة وتراها”.