أثار الخروج المهين للمنتخب المصري لكرة القدم من بطولة الأمم الإفريقية التي تحتضنها أرض المحروسة أمام جنوب إفريقيا حالة من السخط لدى الشارع المصري بفئاته كافة، المهتمين بالشأن الكروي وغير المهتمين، في الوقت الذي كان يعول عليه المصريون بالحصول على اللقب الثامن للبطولة.
مغادرة البطولة من هذا الدور المتقدم (الدور الـ16) أحدث حالة من الصدمة لدى الشعب الذي كان يبحث عن فرحة تنسيه الضغوط التي يتعرض لها على كل المستويات، لعل آخرها رفع أسعار المحروقات الذي تزامن مع فعاليات هذا الحدث القاري، هذا القرار الذي كان يتوقع أن ينضوي سريعًا خلف ستار الفوز بالبطولة لكن سرعان ما تصدر المشهد مرة أخرى في أعقاب الهزيمة المدوية.
هجوم شديد تعرضت له منظومة الرياضة في مصر عقب فضيحة الخروج، أسفرت عن تقدم رئيس اتحاد كرة القدم وعدد من أعضائه باستقالتهم الفورية، بعدما تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لهم التي حملتهم مسؤولية الهزيمة، الأمر الذي دفع إلى كشف المستور عن فضائح الاتحاد وملفات الفساد التي علقت به منذ بطولة كأس العالم التي أقيمت في روسيا العام الماضي ولم تتحرك مياهها الراكدة لأسباب بعضها ليس رياضيًا في هذا التوقيت.
فضيحة القرن
“نحن أمام فضيحة القرن الـ21” هكذا علق عضو مجلس النواب المصري فرج عامر، رئيس نادي سموحة الرياضي، على الخروج المبكر للفراعنة، مضيفًا “قرار استقالة اتحاد الكرة تأخر عامًا، حيث طالبت باستقالتهم بعد خروجنا من المونديال وارتكاب أفعال مشينة في حق مصر”، مردفًا “منظومة الكرة بمصر فاسدة، كيف يتعاقد اتحاد الكرة مع مدير فني متهم بالتلاعب النتائج، ويمنحه أعلى راتب بإفريقيا”.
فرج خلال مداخلة هاتفية له على أحد البرامج الفضائية المصرية طالب بمحاكمة رئيس الاتحاد هاني أبو ريدة، متهمًا إياه بتجاوز صلاحياته والتدخل في اختيار اللاعبين قائلاً “أبو ريدة هو اللي كان بيختار اللاعبين مش أجيري، واتحاد الكرة ارتكب جميع المخالفات، ويجب محاكمتهم بشكل علني”.
وتابع: “تم تهديدي باستبعاد سموحة إلى دوري الدرجة الثانية، بعد مهاجمة الاتحاد”، معلقًا “الاتحاد ارتكب جريمة متكاملة الأركان”، منتقدًا أسلوب اختيار لاعبي المنتخب: “لماذا تم اختيار 4 لاعبين يبلغون 34 عامًا، فضلاً عن إشراك أحمد حسن كوكا الذي لم يحرز هدفًا منذ عامين”.
من جانبه اتهم مرتضي منصور رئيس نادي الزمالك، بعض أعضاء الجهاز الفني للمنتخب بالفساد السلوكي والأخلاقي، مضيفًا في مقطع فيديو له أن هذه البطولة تعد من أسهل البطولات التي أقيمت فضلاً عن أنها في مصر، قائلًا: “أنا قولت هاني رمزي سكران ونفختوا محمد صلاح بما فيه الكفاية وخليتوا الفريق كله محمد صلاح.. أنتوا اللي عملتوا كدا في صلاح وخلصتوا عليه في البطولة ديه”.
أفادت مصادر إعلامية قيام بعض الجهات السيادية بالتحقيق في المخالفات المالية والإدارية التي ارتكبها اتحاد الكرة
بينما فتح عمرو فهمي سكرتير عام الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “كاف” السابق النار على مسؤولي الاتحاد، متهمًا منظومة الكرة المصرية بالفساد، قائلاً: “هناك فساد في إدارة الكرة المصرية، النتيجة الحاليّة منطقية، رحيل اتحاد الكرة بعد الخروج أمر منطقي، يمكنني القول إن اتحاد الكرة في مصر فاسد، هاني أبو ريدة يجعل شكل الكرة المصرية سيئًا جدًا سواء في الكاف أم الفيفا، أحمله مسؤولية المستحقات المالية التي ضاعت على مصر بسبب شركة لا جاردير”.
فتح باب التحقيق
وفي محاولة لامتصاص حالة السخط التي خيمت على الشارع المصري، أفادت مصادر إعلامية قيام بعض الجهات الرقابية السيادية بالتحقيق في المخالفات المالية والإدارية التي ارتكبها اتحاد الكرة، مشيرة أنه سيتم إجراء تحقيقات موسعة في الملفات المتهم فيها عدد من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد وقياداته، وكل ما يتعلق بهذه البطولة سيكون محل تحقيق كبير دون التغافل عما سوف يتم اكتشافه فيما حدث في أي وقت مضى.
طارق متولي عضو لجنة الصناعة في مجلس النواب، تقدم بدوره ببيان عاجل إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الشباب والرياضة أشرف صبحي، لفتح تحقيق موسع بشأن فساد “منظومة الكرة المصرية”، مطالبًا بمحاسبة المقصرين عن هذا السقوط الكروي الواضح، مؤكدًا “فساد الاتحاد كان مسببًا رئيسيًا في تحطيم آمال الملايين من الجماهير”.
وفي ذات السياق تقدم المحامي سمير صبري، ببلاغ للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا، ضد عضو اتحاد الكرة المستقيل، مجدي عبد الغني، يتهمه بتقاضيه عمولة من المدير الفني للمنتخب، المكسيكي الجنسية، أجيري، الذي يتقاضى راتبًا قدره 118 ألف يورو شهريًا وهو الرقم الأعلى بين مديري المنتخبات المشاركة في البطولة.
صبري في بلاغه كشف أن عبد الغني تقاضي قرابة 150 ألف دولار مقابل وساطته في العقد بعدما وضع راتب يزيد على مئة ألف يورو شهريًا للمدرب المكسيكي الذي لم يثق فيه أحد منذ البداية، هذا بخلاف بلاغ آخر كان قد تقدم به يتهم فيه عضو الاتحاد ببيع تذاكر المباريات في السوق السوداء.
رئيس اتحاد الكرة خلال إعلان تقلد أجيري منصب المدير الفني للمنتخب المصري
إدارة مختلفة
تحت عنوان “الرياضة المصرية بحاجة لإدارة مختلفة” كتب وزير التعاون الدولي المصري الأسبق زياد بهاء الدين، مقالاً في صحيفة “الشروق” المصرية، طالب فيه بضرورة إعادة هيكلة منظومة الرياضة في مصر بصورة كاملة، كاشفًا أن الكرة المصرية تواجه أزمة حقيقية منذ سنوات.
بهاء الدين قال: “كل التوقعات كان تذهب إلى أن فريقنا القومي لن يصل للمحطة النهائية في البطولة الإفريقية لأنه ليس في أفضل أحواله ويقل في مستواه عن كثير من الفرق المشاركة”، وهو ما ظل يردده المعلقون والمحللون في الإعلام الرياضي قبيل أيام من انطلاق البطولة.
لم يكن الخروج المبكر من أمم إفريقيا الفضيحة الوحيدة لاتحاد الكرة المستقيل مؤخرًا، إذ كشفت كواليس الأداء الضعيف والتجاوزات التي صاحبت المنتخب المصري خلال كأس العالم الذي أقيم في روسيا العام الماضي حجم الفساد المتغلغل
وأضاف أن الخسارة أمام جنوب إفريقيا وتوديع البطولة ليسا سبب الصدمة والإحباط اللذين أصابا الجماهير في الأيام الأخيرة، وتابع “أظن أن السبب هو الشعور بعمق أزمة كرة القدم والرياضة بشكل عام والفشل الذي ظهر به الفريق وإدارته واتحاده”، كاشفًا أن “غياب اهتمام الدولة بالرياضة ورعايتها لكل مراحلها بدءًا من التربية الرياضية في المدارس مرورًا بالمسابقات والمعسكرات والمنح وآليات اكتشاف المواهب ورعايتها انتهاء بالقمة التي تتنافس فيها الفرق على الصدارة هي الأسباب الحقيقية وراء ما وصلت إليه الكرة المصرية من هذا المستوى المتدني”.
بكاء محمد صلاح عقب الخروج من البطولة
لم يكن الخروج المبكر من أمم إفريقيا الفضيحة الوحيدة لاتحاد الكرة المستقيل مؤخرًا، إذ كشفت كواليس الأداء الضعيف والتجاوزات التي صاحبت المنتخب المصري خلال كأس العالم الذي أقيم في روسيا العام الماضي حجم الفساد المتغلغل داخل الجهة المسؤولة عن الكرة المصرية.
حينها بحت الأصوات لفتح تحقيق عاجل في تلك التجاوزات التي كانت حديث الإعلام الرياضي المصري والأجنبي حينها، لكن لأسباب ما بعضها ربما ليس له علاقة بكرة القدم حالت دون ذلك، إلا أن الأمر استفحل بصورة كبيرة خلال البطولة الحاليّة التي أسقطت الكثير من الأقنعة عن فقاعة الإدارة الجيدة لمنظومة الكرة في الدولة صاحبة الرصيد الأكبر من البطولات القارية.
الخروج بهذا الشكل أفقد المصريين فرحة حفل الافتتاح المبهر والصعود من الدور الأول بالنقاط التسعة كاملة، الأمر الذي ربما يزيد من التركيز على الأزمات الأخرى، إلا أن نجاح منتخبي الجزائر وتونس في الصعود لدور الثمانية ربما يخفف من وقع الصدمة عربيًا بعدما خرج المرشحان الأبرز للفوز بالبطولة، مصر والمغرب.
رب ضارة نافعة.. وداع منتخب الفراعنة للبطولة التي تحتضها مصر ربما يكون جرس إنذار لإعادة النظر في المنظومة الرياضية برمتها، تلك المنظومة التي تعاني طيلة السنوات الماضية من نهش مخالب الفساد، وإسناد الأمور إلى غير أهلها، هذا على هامش ما أثاره بعض الرياضيين بشأن إسناد إدارة الاتحاد لشخصية عسكرية، فضلاً عن المحسوبية واستغلال المناصب، لعل هذه الصدمة تكون بداية استفاقة جديدة يستعيد فيها منتخب الساجدين رونقه وبطولاته التي كانت محل إعجاب وتقدير من الجميع.