السياسة الخارجية التركية كما يراها استطلاع رأي محلي

دأب مركز الدراسات التركية التابع لجامعة قدير خاص، وهي جامعة تركية خاصة، على إجراء استطلاع دوري لمواقف الرأي العام تجاه قضايا السياسة الخارجية، وفيما يقدم التقرير الصادر عن المركز سنويًا نسبًا وأرقام تشير إلى تأييد أو رفض الرأي العام التركي لبعض القضايا، مثل العمليات العسكرية التركية في الخارج، فإن تلك النتائج التي قد يُتفق أو يُختلف معها، تكشف عن بعض من توجهات المجتمع المحلي وما يريده من ساسته.
وفي الرابع من الشهر الجاري، نشرت جامعة قدير خاص نتائج استطلاع للرأي العام المحلي حول السياسة الخارجية التركية، وقد تم تنفيذ الاستطلاع في 21 محافظة تركية عبر مقابلات شفهية مع حوالي 1000 شخص نصفهم من الإناث والنصف الآخر ذكور، في الفترة بين 27 مايو و20 حزيران 2019.
وتشابهت بعض نتائج هذا الاستطلاع نسبيًا مع بعض نتائج استطلاع أجرته جامعة سلجوق في الفترة ما بين 2014-2016، وعلى الرغم من اختلاف التطورات بين الفترتين، فقد نلحظ تطورات على صعيد الدول التي يراها الناس صديقة أو عدوة لبلادهم، فضلًا عن عدد من أبرز الملفات السياسة الخارجية.
هناك من يشكك في بعض النتائج التي تقدمها شركات الاستطلاعات التي قد تكون موجهة أو تهدف لخلق انطباعات ما، وفي حين أننا لا يمكننا دائمًا التوثق من نوايا مراكز البحاث، فإنن نشير قبل البدء، إلى ملاحظة مهمة حول نتائج الاستطلاع التي بين أيدينا، وهي أن الكثير من النتائج بدت منطقية مقارنة مع نتائج أخرى ورؤى ومقابلات يقدمها أصحاب الخبرات، على سبيل المثال تأثر العلاقة بين الأتراك واللاجئين السوريين المقيمين في إسطنبول تحديدًا بشكل سلبي، إلا أن بعض النسب مثل ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي بدت غير متوازنة، إذ ذكر 16% أن تركيا يجب أن تدعم الجانب العربي فيما يرى حوالي 70% أدوارًا محايدة أو يدعون للنأي عن الصراع، وهذه نتيجة تتناقض مع نتائج أخرى ومع نتائج التقرير نفسه الذي يضع “إسرائيل” كثاني دولة عدوة لتركيا، والتي كانت في أكثر من استطلاع الدولة العدوة الأولى لتركيا.
قال 20% من المستطلعة آراؤهم إن أهم مسألة في السياسة الخارجية التركية بالنسبة لهم حاليًّا هي العلاقة مع الولايات المتحدة.
ونذكر أيضًا، أن 27% من المستطلعة آراؤهم في هذا الاستبيان، قد وصفوا أنفسهم بأنهم متدينين و23% بأنهم قوميون و18% كماليون و10% محافظون و9% ديمقراطيون اجتماعيون، علمًا أن مجموع نسبة المتدينين والمحافظين في 2019 هي 37% بينما كانت في 44% في 2018.
وتاليًا نستعرض أهم نتائج الاستطلاع:
أهم قضايا السياسة الخارجية
لعل موقع تركيا وطموحها يفرض عليها عشرات إن لم يكن مئات مسائل السياسة الخارجية، وعلى سبيل المثال تخوض معركة دبلوماسية من أجل صفقة إس 400 مع روسيا والولايات المتحدة وتحاول إيجاد بدائل عن النفط الإيراني، وتوقع معاهدة دفاعية مع ليبيا وتنظم لقمتين في أغسطس من أجل مستقبل سوريا، وتخوض منافسة شرسة قد يتبعها توتر كبير مع اليونان ودول أخرى بشأن مصادر الطاقة المكتشفة في محيط قبرص، وغيرها من القضايا. وفي هذا السياق نلقي نظرة على أهم مسائل السياسة الخارجية من وجهة نظر المواطنين الأتراك وأي القضايا برأيهم يجب أن تكون لها أولوية على غيرها:
قال 20% من المستطلعة آراؤهم إن أهم مسألة في السياسة الخارجية التركية بالنسبة لهم حاليًّا هي العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، علمًا بأن نسبة من كانوا يرون ذلك في العام الماضي كانت 9%، وقال 18% إن أهم مسألة هي الحرب على الإرهاب على الحدود، فيما قال 12% الحرب في سوريا و10% قالوا إن وجود حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا هي أهم قضايا السياسة الخارجية، وقد قال 7.5% إن العلاقة مع “إسرائيل” أهم قضايا السياسة الخارجية التركية وقد كانت نسبة من قال نفس الشيء في 2018 نحو 24%، أما الذين يرون أن العلاقة مع الاتحاد الأوروبي هي أهم قضية للسياسة الخارجية التركية فنسبتهم 7.5%، وقد كانت في العام الماضي 6.5%.
ويرى 4.8% أن العلاقة مع روسيا والحصول على منظومة إس 400 هي أهم قضية في السياسة الخارجية الأمريكية، أما الذين يرون أن التوتر بشأن مصادر الطاقة شرق المتوسط هي أهم قضية في السياسة الخارجية التركية فنسبتهم 2.6% ويأتون بعد 4% يرون أن وجود حزب العمال الكردستاني في العراق هو أهم مسألة للسياسة الخارجية التركية.
قال 72% إن الرئيس هو أكثر المؤثرين في السياسة الخارجية التركية ويليه وزير الخارجية وأعضاء لجنة الأمن والخارجية ثم وزير الدفاع ثم رئيس المخابرات ثم مستشارو الرئيس
تصنيف الدولة التركية
قال 46% من المستطلعة آراؤهم إنهم يرون تركيا دولة مسلمة، فيما قال 17% إن تركيا دولة أوروبية، وقال 16% إن تركيا دولة شرق أوسطية وقال 3% إن تركيا دولة من دول البحر المتوسط، فيما قال 0.8% إن تركيا تنتمي للقوقاز وقال 0.6% إنها تنتمي لمنطقة البلقان أما 0.5% فقالوا إن تركيا من دول البحر الأسود.
أما عن تصنيف موقع تركيا في الشرق الأوسط فقد اعتبر 48% أن تركيا قوة إقليمية و21% اعتبروا أن تركيا دولة قائدة في الإقليم، فيما اعتبر 18% أنها ليست مؤثرة في الإقليم.
ولعل من أبرز نتائج هذا الاستطلاع أن 42% قالوا بشأن السياسة التي ينبغي أن تتبعها تركيا في سوريا هي البقاء على الحياد وألا تتدخل بأي شكل من الأشكال، وقال 13% إن عليها فقط مساعدة اللاجئين، فيما قال 13% إنها يجب أن تدعم الجهود الدولية لمقاطعة الأسد، وقال 11% إنها يجب أن تقدم دعمًا عسكريًا للمعارضة، وقال 7% إن عليها التدخل وحدها عسكريًا، فيما رأى 6% آخرون أن عليها أن تدعم تدخلاً عسكريًا دوليًا، وعن العلاقة مع الأسد قال 6% إن على تركيا إعادة علاقاتها مع نظام الأسد.
المؤثرون في السياسة الخارجية
وإجابة عن سؤال: برأيكم من أكثر الأشخاص المؤثرين في السياسة الخارجية التركية؟ قال 72% إن الرئيس أكثر المؤثرين في السياسة الخارجية التركية ويليه وزير الخارجية وأعضاء لجنة الأمن والخارجية ثم وزير الدفاع ثم رئيس المخابرات ثم مستشارو الرئيس.
الدول الصديقة
اعتبر الأتراك المستطلعة آراؤهم أن الدول التالية هي دول صديقة لتركيا وذلك على التوالي: “أذربيجان، تركمانستان، جمهورية قبرص التركية، أوزبكستان، كازخستان (وقد اعتبرت الدول السابقة أنها صديقة لتركيا بنسبة أكثر من 50%) وتلتها بنسب أقل كل من قطر وجورجيا وباكستان وبلغاريا وإيران وفنزويلا.
وعن المناطق التي ينبغي أن تكون السياسة الخارجية التركية فعالة ونشطة فيها جاءت المنطقة الأولى هي الشرق الأوسط ثم أوروبا ثم منطقة البحر الأسود ثم منطقة الشرق الأقصى والصين ثم البلقان والقوقاز
الدول التي تشكل تهديدًا
اعتبر المستطلعة آراؤهم أن ترتيب الدول التي تشكل تهديدًا على تركيا أو يأتي تهديد منها على تركيا هي أولاً الولايات المتحدة ثم “إسرائيل” تليها فرنسا وإنجلترا وأرمينيا وسوريا وألمانيا واليونان والعراق وقبرص الرومية.
الدول التي ينبغي التحالف معها
جاءت الدول التي رأى المستطلعة آراؤهم أنه ينبغي التحالف والتعاون معها معها متوافقه تقريبًا مع قائمة الدول الصديقة نسبيًا، حيث جاءت أذربيجان في المقدمة ثم الجمهوريات التركية ثم الدول الإسلامية ثم دول الناتو ثم روسيا ثم الاتحاد الأوروبي ثم الصين وألمانيا والولايات المتحدة، وقد جاءت دولة الاحتلال الاسرائيلي في ذيل القائمة بعد إنجلترا وفرنسا.
مناطق الفعالية والنشاط
وعن المناطق التي ينبغي أن تكون السياسة الخارجية التركية فعالة ونشطة فيها جاءت المنطقة الأولى هي الشرق الأوسط ثم أوروبا ثم منطقة البحر الأسود ثم منطقة الشرق الأقصى والصين ثم البلقان والقوقاز.
القواعد العسكرية في الخارج
وعن دعم الأتراك لوجود قواعد عسكرية لبلادهم في الخارج قال 49.5% إنهم يدعمون وجود قواعد عسكرية لبلادهم في الخارج، فيما اعترض 35.5% وقال 15% إنهم ليس لديهم رأي بشأن ذلك، أما العمليات العسكرية للجيش في الخارج فقال 51.4% إنهم يدعمونها بينما رفض 32% دعمها وأعلن 16% أنهم لا يملكون رأي عن ذلك، وفي سياق آخر رأى 29% أن بلادهم تواجه خطر التقسيم فيما رأى 56.5% أن البلاد لا تواجه مثل هذا الخطر.
على النقيض في العلاقة التركية الروسية رأى 26% أن علاقة بلادهم مع روسيا هي شراكة إستراتيجية فيما رأى 13% أنها تعاون متقدم فيما رآها 16% أنها علاقة تعاون
نجاح السياسة الخارجية
رأى قرابة 30% من المشاركين أن السياسة الخارجية لبلادهم ناجحة ورأى 9% أنها لا تعتبر ناجحة أو غير ناجحة، فيما اعتبر 38.8% أن السياسة الخارجية لبلادهم ليست ناجحة. وعن علاقة بلادهم بالاتحاد الأوروبي دعم 38% انضمام بلادهم للاتحاد الأوروبي فيما لم يدعم 61% انضمامها للاتحاد، بينما اعتقد 68% أن بلادهم لن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي. وقال 70% إن على تركيا التفكير في صيغة علاقة مع الاتحاد الأوروبي غير الانضمام للاتحاد.
وكبديل عن الاتحاد رأى 27% أن على تركيا إنشاء اتحاد تركي، فيما رأى 18% أن عليها التعاون مع روسيا ورأى 11% أن عليها زيادة دورها في منظمة التعاون الإسلامي، فيما رأى 10% أن تطور تعاونها مع الولايات المتحدة والناتو وأخيرًا رأى 9% أن عليها الانضمام لمنظمة شانغهاي.
الناتو وروسيا
أما عن استمرار تركيا في الناتو فقد رأى 60% أن على تركيا المحافظة على عضويتها في الناتو فيما رأي 14% أن عليها إنهاء عضويتها في الناتو ورأى 14% آخرون أن عليها تعليق عضويتها في الجانب العسكري، فيما رأى 10% أنها يجب أن تعلق عضويتها في كل أعمال الناتو، وبالطبع مقارنة بالسنوات السابقة هناك رأي عام سلبي عن علاقة تركيا مع الناتو وأن الناتو لا يقدم لتركيا الدور الدفاعي المطلوب.
وعلى النقيض في العلاقة التركية الروسية رأى 26% أن علاقة بلادهم مع روسيا هي شراكة إستراتيجية، فيما رأى 13% أنها تعاون متقدم، فيما رآها 16% أنها علاقة تعاون، أما 24% فلم يروها تعاونية أو إشكالية واعتبرها 6.5% أنها علاقة إشكالية فيما اعتبر قرابة 5% أن روسيا عدو لتركيا.
رأى 44% أن تركيا يجب أن تحصل على منظومة إس 400 من روسيا، فيما رأى 24% أنها يجب أن لا تحصل عليها ولم يكن لنحو 31% رأي بشأن هذا الملف.
قال 7.4% إنهم ممنونون للاجئين السوريين الموجودين في تركيا فيما قال 67.7% من الأتراك أنهم غير ممنونين من وجود اللاجئين السوريين أما 24.9% فقد قالوا إنهم لا يشعرون بوجود فرق
الولايات المتحدة
قال 39.4% إن الولايات المتحدة دولة لا يمكن الوثوق بها وقال 22% إنها دولة استعمارية، فيما رأى 14% أنها شريك إستراتيجي وعرفها 13% أنها دولة عدوة، فيما اعتبرها 7% أنها قوة عالمية ورأى 2% أنها حليف. وبشكل عام ينظر 75% إلى الولايات المتحدة نظرة سلبية فيما ينظر 25% إليها نظرة إيجابية.
وقد اعتبرت أهم المشاكل بين تركيا والولايات المتحدة على الترتيب هي مشاكل الإرهاب ودعم واشنطن لتنظيم بي واي دي وسياسة واشنطن تجاه الأكراد في الشرق الأوسط والاختلافات بشأن العراق والاختلافات الفكرية بشأن المذابح بحق الأرمن وعدم إعادة فتح الله غولن وتسليمه لتركيا والخلاف مع واشنطن بشأن القضية الفلسطينية والخلاف على منظومة إس 400 والخلاف على مستقبل سوريا وتطبيق العقوبات على إيران.
الوجود السوري في تركيا
من المعلوم أن الشهر الأخير وخاصة مع تفاعلات انتخابات بلدية إسطنبول طفا على السطح موضوع تضايق بعض الناخبين من وجود اللاجئين السوريين، وصرح بعض المواطنين بأنهم صوتوا ضد حزب العدالة والتنمية بسبب سياسته تجاه اللاجئين، وعند هذه النقطة فقد أشار الاستطلاع إلى هذا الأمر حيث قال 7.4% إنهم ممنونون للاجئين السوريين الموجودين في تركيا فيما قال 67.7% من الأتراك إنهم غير ممنونين من وجودهم، أما 24.9% فقد قالوا إنهم لا يشعرون بوجود فرق.
لقد تناول الاستطلاع قضايا مهمة وأعطى انطباعًا – قد يصدق وقد لا – عن حالة ومزاج الرأي العام التركي حيالها، وتبقى هناك حاجة لمراعاة أن الصورة قد لا تكون كاملة بنتائج استطلاع رأي واحد، ومن جهة أخرى فإن نبض الشعوب يكون مجردًا من حسابات كثيرة لا تستطيع أن تتجرد منها الحكومات، كما نشير أيضًا إلى أن نتائج استطلاعات الرأي تختلف من فترة لأخرى، طبقًا لظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة، محلية وخارجية.