يتواصل تهاوي التحالف العربي المقاتل في اليمن، بانسحاب الدولة تلو الأخرى، فبعد سحب المملكة المغربية بداية هذه السنة لقواتها المقاتلة هناك، ها هي دولة الإمارات العربية المتحدة تخطو حذوها وتتخذ نفس القرار، ما يجعل التحالف العسكري الذي تقوده السعودية يواجه خطر الانهيار التام.
الإمارات تسحب قواتها
الإمارات بدأت في سحب قواتها من اليمن منذ أيام، ضمن خطة إعادة انتشار “لأسباب إستراتيجية في الحديدة (غرب) وأسباب تكتيكية في مناطق أخرى”، وفق ما أفاد به مسؤول إماراتي كبير أمس الإثنين لوكالة الأنباء الفرنسية، ونقلت فرانس برس عن المسؤول الإماراتي قوله إن الإمارات تعمل على الانتقال من “إستراتيجية عسكرية” إلى خطة تقوم على تحقيق السلام أولاً.
جاء هذا الإعلان ليؤكّد ما ذهبت إليه وكالة رويترز في وقت سابق، حيث نقلت الوكالة نهاية يونيو/حزيران الماضي عن أربعة مصادر دبلوماسية غربية قولها إن الإمارات بدأت تقلص وجودها العسكري في اليمن بسبب التهديدات الأمنية الناتجة عن تزايد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
وذكر دبلوماسيان أن الإمارات سحبت بعض القوات من ميناء عدن الجنوبي ومن الساحل الغربي لليمن، وهي مناطق سلحت بها قوات محلية تقود القتال ضد جماعة الحوثي على ساحل البحر الأحمر، وذكر الدبلوماسيون الغربيون أن الإمارات تفضل أن تكون قواتها ومعداتها قيد تصرفها تحسبًا لتصاعد التوتر في الخليج، بعد الهجمات الأخيرة على ناقلات نفط.
تمثّل هذه الانسحابات المتتالية وتفكير بعض الدول الأخرى في الانسحاب هي أيضًا، بداية سقوط التحالف سقوطًا مدويًا
تنشر الإمارات في اليمن آلافًا من قواتها، خصوصًا في المنطقة الجنوبية والغربية، وتقود حملتين رئيسيتين وفق قولها، الأولى ضد الحوثيين على ساحل البحر الأحمر وفي محيط مدينة الحديدة، والثانية في المحافظات الجنوبية، وخاصة عدن والمكلا وشبوة، وهي ضد تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
بالتزامن مع سحب قواتها، سحبت الإمارات أيضًا أنظمة صواريخ باتريوت وغيرها من الأنظمة الدفاعية التي استقدمتها في سبتمبر/أيلول 2015 عندما قُتل 45 جنديًا إماراتيًا وخمسة بحرينيين بصاروخ أرض أرض، أطلقه الحوثيون على معسكر في مدينة مأرب، شرقي اليمن.
ويتمركز الإماراتيون في ميناء المخا (غرب) الذي حولوه إلى قاعدة عسكرية، ومعسكر البريقة غربي عدن، ومقر شركة الغاز في ميناء بلحاف (جنوب شرق)، وفي مدينة المكلا بمحافظة حضرموت (شرق)، وبنسبة أقل في معسكر تداوين شرق مدينة مأرب (شرق).
تعتبر الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر عضو في التحالف العربي، وفي تقرير صدر مؤخراً، اتهمت منظمة العفو الدولية (آمنستي) الإمارات بـ”تقديم أسلحة بطرق غير مشروعة إلى ميليشيات غير خاضعة للمساءلة متهمة بارتكاب جرائم حرب”، بما يساهم في إشعال النزاع العسكري في اليمن، حسب تقرير المنظمة.
وخلال العامين الأخيرين، حاول الإماراتيون الوجود في محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان، وجزيرة سقطرى ذات الموقع الإستراتيجي على طريق الملاحة الدولية، إلا أنها لاقت صدىً شعبيًا كبيرًا نتيجة الأعمال الإجرامية التي تقوم بها، لتتدخل القوات السعودية وتحل محلها.
توتر العلاقات يدفع المغرب للانسحاب
لم تكن الإمارات أولى الدول المنسحبة من هذا التحالف، فقد سبقها في ذلك المغرب، حيث قامت المملكة بوقف مشاركتها في العمليات العسكرية والاجتماعات الوزارية الخاصة بالتحالف العربي، وكان المغرب قد أعلن مبكرًا مشاركته في “عاصفة الحزم” باليمن، منذ انطلاقها في شهر مارس/آذار 2015، خلافًا لكل دول المغرب العربي الأخرى، مُبديًا وقوفه الكامل مع المملكة العربية السعودية في حربها ضد الحوثيين وإعادة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي.
مشاركة المغرب في التحالف العربي كانت عن طريق قوات جوية وبرية أيضًا، تشمل سربًا من ست طائرات “F16” الأمريكية الصنع (نفس المقاتلات المغربية التي تشارك بالحرب الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا)، و1500 جندي من القوات الخاصة التابعة للدرك الحربي، وتعمل هذه القوات تحت قيادة الإمارات العربية المتحدة.
تراجع قوة التحالف العربي نتيجة هذه الانسحابات
يقول المغرب إن مشاركة قواته في هذا التحالف العسكري جاءت “استجابة لطلب الرئيس الشرعي للجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي ومن منطلق دعم الشرعية في اليمن والتضامن مع مناصريه والالتزام الموصول بالدفاع عن أمن المملكة العربية السعودية والحرم الشريف وبقية دول مجلس التعاون الخليجي الذي تجمعه بالمملكة المغربية شراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد”، إلا أن العديد من الأسباب دفعته للانسحاب.
ويرجع سحب المغرب لقواته العسكرية المشاركة في الحرب في اليمن، مع تزايد التوترات بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو الساعية إلى الانفصال وإعلان دولة في الصحراء الغربية، إلى جانب توتر علاقات المغرب مع الإمارات والسعودية.
يذكر أن المغرب فقد خلال مشاركته في هذه الحرب طائرة عسكرية، حيث أسقط الحوثيون طائرة مقاتلة مغربية من نوع “F16“، توفي على إثرها الربان فورًا، كما قتل بعض الجنود المغاربة المشاركين في هذه الحرب، وفقًا لما أكدته تقارير إعلامية مغربية وأخرى عالمية.
تهاوي التحالف العربي
سحب الإمارات والمغرب قواتهما من اليمن، من شأنه أن يسرّع في تهاوي التحالف العربي الذي فشل إلى الآن في تحقيق أهدافه التي بدأ من أجلها، ذلك أن البلدين كان لهما دور مهم في هذا التحالف الذي يحارب في اليمن منذ أربع سنوات، خاصة إذا تحدّثنا عن الإمارات.
وبدأ التحالف العربي الداعم لحكومة اليمن المعترف بها دوليًا ورئيسها عبد ربه منصور هادي عملياته العسكرية ضد جماعة الحوثيين عام 2015 بعضوية عشر دول: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين والمغرب ومصر والأردن والسودان وباكستان.
انهيار التحالف العربي المقاتل في اليمن بهذا الشكل سيؤدي إلى حشر المملكة العربية السعودية في الزاوية ويضعها في مأزق كبير
تمثل هذه الانسحابات المتتالية وتفكير بعض الدول الأخرى في الانسحاب هي أيضًا، بداية سقوط التحالف سقوطًا مدويًا، يمكن أن يؤدي إلى نهايته، خاصة إذا ما نظرنا إلى حجم الضغط الكبير المسلّط عليه من المنظمات الحقوقية.
وتتهم منظمات دولية التحالف العربي مع باقي أطراف النزاع المسلح في اليمن بالتورط في ارتكاب العديد من الانتهاكات، ووفقًا للمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى والمصابين من المدنيين منذ بدأ التحالف العربي عملياته العسكرية في اليمن 17 ألف شخص.
بدورها، تصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بـ”الأسوأ في العالم”، وتؤكد أن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.
السعودية في مأزق
انهيار التحالف العربي المقاتل في اليمن بهذا الشكّل سيؤدي إلى حشر المملكة العربية السعودية في الزاوية ويضعها في مأزق كبير، فالقوات الإماراتية المنسحبة خلّفت وراءها ميليشيات محلية يمكن أن تنقلب على السعودية في حال المس من نفوذها أو مصالحها في المناطق التي تسيطر عليها.
الإمارات وضعت السعودية في مأزق
منذ بداية الحرب، أنشأت الإمارات قوات موالية لها مثل قوات الحزام الأمني التي تنتشر في عدن ومحافظات لحج وأبين والضالع، والنخبة الشبوانية في شبوة، والنخبة الحضرمية في حضرموت، كما أنشأت قوات موالية لها على أنقاض قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس الراحل علي عبد الله صالح الذي قتل على يد الحوثيين بعد أن انفك تحالفه معهم أواخر 2017، ونصبت نجل شقيقه، طارق صالح قائدًا لها، وتمركزت تلك القوات في الساحل الغربي للبلاد.
هذه القوات لن يكون من السهل السيطرة عليها والتحكم فيها، وهو ما من شأنه أن يضاعف الوضع الإنساني في هذا البلد الفقير الذي يعيش أزمات متعدّدة كان التحالف العربي الذي تقوده السعودية السبب في العديد منها، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد السخط محليًا ودوليًا على السعودية المتهم الرئيس فيما يحصل في اليمن.