ترجمة وتحرير: نون بوست
تبلورت الكثير من المناقشات بعد قمة مجموعة العشرين الأخيرة في أوساكا باليابان، حيث استنكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدخّل روسيا في الانتخابات الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، طلب ترامب بشكل مفاجئ مقابلة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في المنطقة المنزوعة السلاح، التي تقع بين كوريا الشماليّة والجنوبيّة، ولكن لم يكن هناك أي حل للطريق المسدود الذي بلغته العلاقات الأمريكية الإيرانية. وتسلط هذه التطورات الضوء على دور اليابان، التي استضافت القمة هذه السنة، ومحاولتها من أجل تعزيز وجودها في الشرق الأوسط.
احتياجات الطاقة
قبل أسبوعين فقط من انعقاد قمة مجموعة العشرين، زار رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إيران، التي تعدّ أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء ياباني منذ سنة 1979، لكنّها كانت محاولة فاشلة وجاحدة للتوسط بين واشنطن وطهران. وفي نيسان/أبريل، زار وزير الخارجية الياباني، تارو كونو، المملكة العربية السعودية. وفي الشهر الموالي، استضاف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
تساعد الأسعار المنخفضة للنفط الإيراني في منحه أهمية كبيرة في نظر المشترين اليابانيين
نظرا لحاجتها إلى الطاقة، تحاول اليابان زيادة مشاركتها في شؤون الشرق الأوسط. في الواقع، تزايد اعتماد اليابان على الطاقة بعد قرار وقف برنامج الطاقة النووية المحلي عقب كارثة فوكوشيما النووية سنة 2011، وهو أسوأ حادث نووي في العالم منذ كارثة تشيرنوبيل سنة 1986. ومنذ ذلك الحين، استحوذ الشرق الأوسط على حوالي 90 بالمئة من واردات اليابان من النفط، علما وأن معظمها متأت من السعودية والإمارات.
تساعد الأسعار المنخفضة للنفط الإيراني في منحه أهمية كبيرة في نظر المشترين اليابانيين. واستطاعت الصفقة النووية الإيرانية لسنة 2015 منح اليابان النفط الإيراني، إلى جانب الفرص التجارية في السوق الناشئة، التي وعدت الشركات اليابانية بمنحها فرصة للفوز بمناقصات لمشاريع تطوير البنية التحتية. ولا عجب في أن قرار ترامب بإلغاء الصفقة النووية وإعادة فرض العقوبات قد مثّل مصدر قلق في اليابان، على الرغم من أنها تمثّل جزء صغير فقط من سياسة ترامب الخارجية التي تقلق طوكيو.
مبادرات دبلوماسية
تشكّل علاقة اليابان بالولايات المتحدة حجر الأساس الخاص بأمنها، ومع ذلك، أغضبت سياسات الرئيس الجمهوري، غير المتوقّعة في الكثير من الأحيان، طوكيو. علاوة على ذلك، تسبّب انفتاح ترامب الدبلوماسي تجاه كوريا الشمالية، وانخراطه المباشر مع كيم في قمة تاريخية في حزيران/يونيو سنة 2018، في إثارة غضب اليابان.
على عكس الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، لا تحظى اليابان بأية قوة عظمى موروثة أو سيطرة استعمارية على المنطقة.
فضلا عن ذلك، أكّد البيان السابق الذي ألقاه ترامب على أن الوقت قد حان لكي تدافع اليابان وكوريا الجنوبية عن نفسيهما، بالإضافة إلى أنه اقترح وقف التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وفي الوقت ذاته، تراقب طوكيو الصين بقلق متزايد، وذلك لأن غالبية النفط والغاز في اليابان تنقل عبر بحر الصين الجنوبي، التي تُعتبر منطقة هيمنة الأسطول البحري الخاص ببكين. من جهة أخرى، تستثمر الصين بشكل متزايد في الشرق الأوسط.
زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتصافحان خلال اجتماعهما في المنطقة المنزوعة من السلاح في 30 حزيران/يونيو
من أجل مواجهة النفوذ الصيني، تحاول اليابان الاستفادة من قوتها الناعمة. وعلى عكس الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، لا تحظى اليابان بأية قوة عظمى موروثة أو سيطرة استعمارية على المنطقة. وخلال القرن الماضي، حظيت اليابان بإعجاب كل من القوميين والإسلاميين في بلدان مثل إيران وتركيا نظرا لقدرتها على مواكبة العصر مع الحفاظ على ثقافتها التقليدية. وفي الوقت ذاته، حاولت اليابان بكل حرص الحفاظ على علاقات ودية مع العالم الإسلامي.
المساعدات الإنسانية
بعد أن قرر ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” سنة 2017، رفضت اليابان أن تحذو حذوه، وأرسلت وزير خارجيتها إلى المنطقة. وفي هذا الشأن، صرّح كونو بأن اليابان يجب أن تستقبل المزيد من اللاجئين السوريين. فضلا عن ذلك، تبرعت اليابان بأكثر من 100 مليون دولار كمساعدات إنسانية لسوريا و320 مليون دولار للشرق الأوسط عمومًا. وإلى جانب ذلك، دعمت اليابان الحرب ضد تنظيم الدولة، التي قتلت الصحفي الياباني كينجي جوتو واحتجزت العديد من المواطنين اليابانيين الآخرين.
تمتلك الصين رأس مال ضخم تحت تصرفها، حيث تسعى بكين إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط من خلال القروض وصفقات المعونة، في ما يسمى مبادرة طريق الحرير الجديد
فضلا عن ذلك، تلعب اليابان دورًا محوريًا في مبادرة وادي السلام المستمرة، والتي تتضمن تخصيص وإنشاء مناطق صناعية بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن في إطار مشاريع البنية التحتية التعاونية والتنمية المشتركة. في المقابل، تعدّ هذه المبادرة بسيطة جدا مقارنة بالصين. وعلى الرغم من أن اليابان تمتلك زادا ثقافيا وقدرا كبيرا من النوايا الحسنة، إلا أن الصين تشكّل قوة عالمية ذات جيش ضخم ودائم. وعلاوة على ذلك، لا تبالي الصين بالحظر الدستوري لنشر القوات العسكرية بشكل عدواني، كما أنها تمتلك ترسانة نووية، وتحظى بمقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
علاة على ذلك، تمتلك الصين رأس مال ضخم تحت تصرفها، حيث تسعى بكين إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط من خلال القروض وصفقات المعونة، في ما يسمى مبادرة طريق الحرير الجديد. وفي سنة 2018، تعهدت بكين بتقديم 23 مليار دولار في شكل مساعدات وقروض و28 مليار دولار إضافية في إطار مشاريع البنية التحتية والبناء الموقعة، كما أنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي بجانب خليج عدن.
مساع جديرة بالاهتمام
تجدر الإشارة إلى أن التطورات التي وقعت خلال الأشهر الأخيرة قد كشفت عن ضعف النفوذ الياباني في الشرق الأوسط وعدم قدرته على التوسط في الصراع. وفي الشهر الماضي، تعرّضت ناقلتان للتخريب قبالة سواحل عمان، وكانت إحداهما يابانيّة، كما نشرت الولايات المتحدة مؤخرا حاملة طائرات في المنطقة، مما دعم محاولة آبي لتوسط الصراع، التي رفضها كل من الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي وترامب.
لعلّ أفضل خيار لطوكيو يتمثل في تقبل القيود المسلّطة على نفوذها، وذلك لأنها تتجاوز قدرتها الحالية على لعب دور قيادي أو التوسط في الصراع، ناهيك عن مواجهة نفوذ الصين. في المقابل، لا يعني ذلك أن طوكيو يجب أن تنسحب من الشرق الأوسط، كما أن الخبرة اليابانية والتجارة والاستثمار سيكونون محلّ ترحيب في المنطقة. لذلك، سيؤدي هذا الأمر بلا شك إلى مزيد إظهار النوايا الحسنة، وزيادة التجارة والفوز في المناقصات، التي تعد مساع جديرة بالاهتمام حقا.
المصدر: ميدل إيست آي