قبل أقل من 4 أشهر من انطلاق الانتخابات البرلمانية في تونس، تلقى نبيل القروي رجل الأعمال والإعلام في تونس، ضربتين قاصمتين، قد تمنعانه من تحقيق حلمه بدخول معترك الحياة السياسية في بلاده من الباب الكبير، بعد أن قررت الطبقة السياسية الحاكمة وبعدها السلطة القضائية، إقصاءه من السياسة قبل أن يلج بابها حتى.
فبعد أسابيع قليلة من إعلان نبيل القروي ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة وتأكيد عدد من مراكز استطلاعات الرأي التونسية والغربية تصدر مالك قناة “نسمة” الخاصة وحزبه نوايا التصويت في الانتخابات المقبلة نهاية العام 2019، صادق البرلمان التونسي في 18 من شهر يونيو الماضي، على قانون يمنع ترشح من يتأكد استفادته من الجمعيات الأهلية (في إشارة إلى القروي)، ومن تلقى تمويلًا أجنبيًا في الـ12 شهرًا التي تسبق الانتخابات.
إمكانية انتهاء الحلم
لم تكن الضربة التي تلقاها القروي سهلة، فرغم استقواء الأخير بأصدقائه النافذين داخل تونس وخارجها، فإن هيئة مراقبة دستورية القوانين حكمت هي الأخرى بصحة الإجراءات المتبعة من البرلمان في حرمان رجل الإعلام من خوض الانتخابات، مما يرجح إمكانية انتهاء حلم الوصول إلى قصر قرطاج قبل بدايته، رغم استخدامه مآسي الفقراء – وفق ما يقوله خصومه – لسنوات طويلة مقابل تحقيق ذلك.
وكان نحو 50 نائبًا قد عارضوا التعديلات التي تقصي القروي، معتبرين أنه يستحيل تعديل عملية انتخابية جارية، وقدموا طعنًا أمام “الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين” التي رفضت الطعن، وأبلغت الرئيس الباجي قائد السبسي بقرارها.
أوضحت تقارير إعلامية تونسية، أنه بعد القيام بالأبحاث والاستقراءات المطلوبة، قرر قاضي التحقيق المتعهد بالقضية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي توجيه تهم اعتياد غسل الأموال للأخوين القروي
ولدى الرئيس التونسي مهلة 5 أيام لرد الطعن، وإعادة التعديلات إلى البرلمان، وإلا سيتوجب عليه في غضون 9 أيام أن يصادق على رد الطعن، وتوقيع القانون الانتخابي بنسخته المعدلة.
محاولة منع القروي من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة لم تتوقف عند هذا الحد، فالضربة القاصمة التي لم يكد يستفق الرجل من سابقتها، سرعان ما لحقت بصاحب “نسمة”، بعد أن قرر القضاء التونسي تحجير السفر وتجميد ممتلكات نبيل وغازي القروي، بشبهة غسل وتبييض الأموال، على خلفية شكاية تقدمت بها منظمة “أنا يقظ” قبل نحو 3 سنوات، وذلك باستعمال الأخوين القروي للشركات التي يملكانها في كل من المغرب والجزائر ولكسمبورغ.
اعتياد غسل الأموال
وأوضحت تقارير إعلامية تونسية، أنه بعد القيام بالأبحاث والاستقراءات المطلوبة، قرر قاضي التحقيق المتعهد بالقضية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي توجيه تهم اعتياد غسل الأموال للأخوين القروي، باستغلال التسهيلات التي خولتها خصائص النشاط المهني، وذلك طبقًا لأحكام القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، كما قرر تحجير السفر على المظنون فيهما، وتجميد التعامل على الأملاك المنقولة والعقارية التابعة لهما، وتجميد الأرصدة البنكية الراجعة لهما.
قرار تحجير السفر على الأخوين القروي وتجميد أموالهما، لم يمر مرور الكرام في تونس، حيث عبر عدد من السياسيين والمسؤولين عن استغرابهم لصدور هذا الحكم من القضاء التونسي في توقيت حساس تمر به البلاد
وأضافت التقارير أن هذا القرار القضائي جاء بعد توجيه إنابات قضائية دولية للسلطات القضائية بالمغرب والجزائر ولكسمبورغ للتحري بخصوص أنشطة الأخوين القروي، والشركات التي يساهمان فيها ويسيرانها، والتقصي بخصوص أملاكهما العقارية والمنقولة خارج التراب التونسي إضافة إلى مراسلة قاضي التحقيق المتعهد بالقضية للبنك المركزي لبيان كيفية تحويل أموال المظنون فيهما إلى الخارج.
قرار تحجير السفر على الأخوين القروي وتجميد أموالهما، لم يمر مرور الكرام في تونس، حيث عبر عدد من السياسيين والمسؤولين عن استغرابهم لصدور هذا الحكم من القضاء التونسي في توقيت حساس تمر به البلاد، متسائلين في الوقت ذاته، عن مدى استغلال السلطة التنفيذية للأجهزة القضائية في ضرب خصومها.
وفي تعليقه على هذا القرار، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، إنه كان يتمنى أن يتم الحسم في هذه الملفات منذ 4 سنوات ودون توظيف لهذه المسائل، مشددًا على ضرورة أن لا تكون هذه الملفات حسب الطلب حتى لا تفسد العرس الديمقراطي بسبب التجاذبات وفق تعبيره.
يرى مراقبون أن ترشح نبيل القروي كان القشة التي قسمت ظهر البعير وفتحت عليه أبواب صعب عليها إيصادها، رغم شبكة علاقاته المحلية والدولية المتشعبة
وفي أول بيان له بعد القرار، رأى حزب “قلب تونس” الذي أسسه نبيل القروي حديثًا، أن ما يجري “محاولة يائسة لإرباك الحزب ورئيسه والتأثير في شعبيته المتزايدة”، كما اتهم الحزب رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد وحزب حركة النهضة الداعم للحكومة بالاستغلال “الفاحش لمؤسسات الدولة ووسائلها في تصفية الخصوم السياسيين”، داعيًا رئيس الحكومة إلى الاستقالة إذا كان يريد الترشح في الانتخابات المقبلة.
القروي صانع الرؤساء
قد يخفى على كثير من القراء الدور الكبير الذي لعبه ويلعبه رجل الإعلام نبيل القروي في صنع السياسيين في تونس بعد 14 من يناير 2011، حيث كان الأخير الحلقة الرابطة بين الطامحين للسلطة وقصري القصبة وقرطاج، حتى إن بعض المراقبين يطلقون عليه لقب “صانع الرؤساء”، وهو ما دفعه نهاية شهر مايو الماضي، لتجربة حظوظه والترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويرى مراقبون أن ترشح نبيل القروي كان القشة التي قسمت ظهر البعير وفتحت عليه أبواب صعب عليه إيصادها، رغم شبكة علاقاته المحلية والدولية المتشعبة، وذلك بسبب دخوله في حرب مباشرة وشخصية مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي كان القروي نفسه زميلاً له في حزب نداء تونس في وقت مضى.
ارتفعت شعبية نبيل القروي ووصلت حدًا غير مسبوق منذ وفاة نجله خليل في شهر أغسطس/آب 2016، حيث أنشأ الأب جمعية خيرية تحت اسم “خليل تونس”، صالت وجالت في ربوع البلاد بدعوى مساعدة الفقراء
ويضيف مراقبون أن يوسف الشاهد وحليفته في الحكم حركة النهضة، شعرا بخطورة نبيل القروي وإمكانية فوزه الكبير في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة بعد أن وفر الأرضية لذلك منذ سنوات من خلال العمل الإعلامي والخيري الدعائي، وهو ما دعاهما لطرح تعديلات جوهرية على القانون الانتخابي تقصي بمقتضاها القروي من المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
يشار إلى أن شعبية نبيل القروي ارتفعت ووصلت حدًا غير مسبوق منذ وفاة نجله خليل في شهر أغسطس/آب 2016، حيث أنشأ الأب جمعية خيرية تحت اسم “خليل تونس”، صالت وجالت في ربوع البلاد بدعوى مساعدة الفقراء، وسط تغطية إعلامية كبير من قناة “نسمة” التي يملكها القروي.
وبفضل “خليل تونس”، استطاع نبيل القروي دخول بيوت عدد كبير من التونسيين ضعاف الحال، الذين عبروا عن استعدادهم لانتخاب القوري وحزبه في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، وهو ما رجح كفة الأخير في استطلاعات الرأي المحلية والغربية.