تعيش الجزائر اليوم الأربعاء على وقع ثاني أيام الفراغ الدستوري بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي يحددها دستور البلاد لولاية رئيس الجمهورية المؤقت عبد القادر بن صالح، إلا أن الوضع على ما هو عليه فلا تغيير يذكر، ما يؤكد وفق العديد من الجزائريين أن الحاكم الفعلي ليس بن صالح فما هو إلا واجهة لقائد أركان الجيش قايد صالح الماسك بزمام الأمور في البلاد منذ استقالة بوتفليقة.
انتهاء المرحلة الانتقالية
انتهت أمس الثلاثاء المرحلة الانتقالية التي نصت عليها المادة 102 من الدستور التي تحدد صلاحيات الرئيس المؤقت في حال استقالة رئيس الجمهورية، وذلك بعد ثلاثة أشهر من تولي بن صالح الرئاسة الانتقالية للبلاد، من دون انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ووصل بن صالح إلى الرئاسة يوم 9 من أبريل/نيسان الماضي، إثر تعيينه من البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، رئيسًا مؤقتًا للبلاد لمدة 90 يومًا بعد إثبات حالة شغور منصب الرئيس وفقًا للدستور الذي ينص على “يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يومًا، تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية”.
انتهاء الفترة الانتقالية لا يعني خروج عبد القادر بن صالح من الرئاسة، فهو باقٍ في الحكم لكن خارج أي إطار دستوري
جاء تعيين بن صالح لهذا المنصب بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه، إثر الحراك الشعبي المطالب برحيله وتخلي أبرز حلفائه عنه ومنهم الجيش الذي كان أبرز حليف له وعامود حكمه الفقري طوال فترة حكمه التي امتدت لقرابة الـ20 سنة.
وحكم بوتفليقة (82 سنة) الجزائر لنحو 20 سنة بينها سبع سنوات وهو مريض بعد إصابته بجلطة في الدماغ عام 2013، لكن رغبته بالترشح لولاية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 من أبريل/نيسان فجرت مظاهرات حاشدة.
بن صالح باقٍ في الرئاسة
انتهاء الفترة الانتقالية لا يعني خروج عبد القادر بن صالح من الرئاسة، فهو باقٍ في الحكم لكن خارج أي إطار دستوري، رغم الرفض الشعبي الكبير لوجوده في الحكم نظرًا لكونه أحد رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة الذي ساهم في تراجع البلاد إلى الوراء في العديد من المجالات.
وكانت المحكمة الدستورية قد استبقت القضية وأصدرت مطلع يونيو/حزيران الماضي فتوى باستحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة يوم 4 من يوليو/تموز الحاليّ، ومن ثم التمديد لرئيس الدولة حتى انتخاب رئيس جمهورية جديد، رغم رفض الحراك وأحزاب سياسية الاعتراف بشرعية الإجراء.
وبخصوص مصير رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح إلى حين انتخاب رئيس الجمهورية، قال المجلس الدستوري في فتواه: “بما أن الدستور أقر أن المهمة الأساسية لمن يتولى وظيفة رئيس الدولة هي تنظيم انتخاب رئيس الجمهورية، فإنه يتعين تهيئة الظروف الملائمة لتنظيمها وإحاطتها بالشفافية والحياد، لأجل الحفاظ على المؤسسات الدستورية”.
عبد القادر بن صالح رئيس البلاد المؤقت
بدوره هيأ بن صالح نفسه لهذا الوضع، بأن دعا إلى إطلاق حوار وطني تقوده شخصيات مستقلة، بهدف التوافق بشأن تنظيم الانتخابات “التي يتعين أن تجرى في أقرب الآجال الممكنة في احترام لمؤسسات الدولة”، على ألا تشارك السلطة أو الجيش في هذا الحوار المرتقب.
وقال الرئيس الجزائري المؤقت في خطاب بمناسبة الذكرى الـ57 لاستقلال الجزائر التي توافق الـ5 من يوليو/تموز، إن الانتخابات الرئاسية تبقى الحل الديمقراطي الوحيد والواقعي والمعقول، والدولة ستوفر كل الشروط المطلوبة لإجراء الحوار الوطني، ودعا بن صالح الجزائريين إلى تبني مبادرته لأنها تتقدم كل المصالح الشخصية أو الحزبية.
الوضع ميدانيًا على ما هو عليه
هذا الوضع الجديد لم يغير شيئًا ميدانيًا، فقد استقبل الجزائريون هذا الفراغ الدستوري كأنه لم يكن، ويقول الصحفي الجزائري فاتح بن حمو في هذا الشأن لنون بوست: “الفراغ الدستوري لم يغير من حياة الجزائريين شيئًا فكل الأمور على ما هي عليه والوضع عادي جدًا”.
وأوضح مدير موقع شهاب برس الإخباري في الجزائر فاتح بن حمو لنون بوست “علاقة الجزائريين بالفقه الدستوري أو ما يحمله الدستور من قوانين ضعيفة جدًا أو تكاد تكون منعدمة، فعدد الجزائريين المتفقهين في الدستور وقوانينه قليل جدًا نظرًا لعدم اشتغالهم بالدستور في الفترة الماضية”.
يضيف بن حمو في نفس السياق “حتى إن حتمت الأحداث التي تشهدها البلاد منذ فبراير/شباط الماضي على الجزائريين العودة إلى الدستور واكتشاف محتواه، فإن ذلك تم بصفة محتشمة بالتركيز على مواد معينة وترك أخرى”.
أضحى الفريق قايد صالح، في الفترة الأخيرة التي أعقبت استقالة بوتفليقة مركز ثقل السياسة الجزائرية
ويهيئ الجزائريون نفسهم للخروج مجددًا إلى الشارع ضد السلطات الماسكة بزمام الأمور في البلاد خلال الجمعة الـ21 على التوالي من الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في الـ16 من فبراير/شباط الماضي في مدينة خراطة للتنديد بترشح الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية رئاسية خامسة.
يتفق غالبية الجزائريين على ضرورة مواصلة حراكهم والخروج للشوارع بكثافة للضغط على بقايا النظام السابق وتحقيق الديمقراطية التي يتوق لها الشعب منذ أكثر من نصف قرن بحسب شعارات المحتجين.
الجيش في ورطة
“أغلب أطياف ممثلي المجتمع من نقابات ومحامين وقضاة وأطباء وغيرهم ممن يمثلون جزءًا كبيرًا من الشعب قالوا إنه لا بد من الذهاب إلى مرحلة انتقالية تقودها شخصيات توافقية نظيفة لم تتورط في الفساد مع النظام السابق إلا أن الحاكم الفعلي وهو قايد صالح والجيش كان لهم رأي آخر، وفق فاتح بن حمو.
ويرى بن حمو أن قائد أركان الجيش يصر على التمسك بالمخارج الدستورية، إلا أننا الآن خرجنا من الدستور فنحن نعيش مرحلة انتقالية بتسيير من الحاكم الفعلي الذي لا يود تسليم حكم البلاد لأي طرف قبل أن يضمن ولاءه”.
ويعتقد الصحفي الجزائري أن الحاكم الفعلي في بلاده يواجه ورطة كبيرة الآن تتمثل في صعوبة تحديد موعد للانتخابات الرئاسية القادمة حتى إنه لا يضمن أنها ستجري أم لا، فالشعب لم ير أي تغيير يذكر منذ سقوط بوتفليقة.
يصر الجزائريون على عدم تنظيم أي انتخابات رئاسية إلى حين رحيل رموز النظام السابق، ويرجع ذلك إلى خشيتهم من تزوير الانتخابات ورغبتهم في توفير شروط النزاهة والشفافية لهذا الاستحقاق الانتخابي المهم في تاريخ البلاد.
ويتهم رئيس الحكومة الحاليّ نور الدين بدوي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية حتى 11 من مارس/آذار الماضي بالتزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات النيابية والبلدية التي جرت على التوالي في يونيو/حزيران، ونوفمبر/تشرين الثاني 2017.
إصرار على حكم البلاد
ما يقوم به الجيش وقايد صالح الذي يقوده، يؤكد بما لا يدع من شك وفق فاتح بن حمو إصرار الجيش على حكم البلاد بأي وسيلة، حتى إن اعتمد على نفس الوجوه التي كانت تعمل مع بوتفليقة لتسيير المرحلة الحالية والتسويق لحله الذي يتبناه.
بن حمو يرى أن “قايد صالح من الذي يعتقدون وجوب تدخل الجيش في سياسة البلد وأن يكون له مكانة مهمة فيها، فهو يسعى أن يكون الرئيس القادم ذو علاقة طيبة مع الجيش وليس بعيدًا عنه أو مستمعًا جيدًا له حتى يكون للجيش تأثير عليه، حتى إن كان الرئيس شرعيًا ومدنيًا ومنتخبًا”.
يصر قايد صالح على فرض سيطرته على الجزائر
أضحى الفريق قايد صالح، في الفترة الأخيرة التي أعقبت استقالة بوتفليقة بمثابة مركز ثقل السياسة الجزائرية، مستعينًا بإمساك المخابرات العسكرية التي يقودها بالعديد من الملفات القضائية الخطيرة في خصوص من يفكرون في منافسته على حكم البلاد.
رغم إنكاره المتكرر التدخل في الحياة السياسية للبلاد وتقيده بالدستور، يُتهم الجيش الجزائري بقيادة المشهد السياسي في الجزائر والتحكم فيه، والسيطرة على الحياة العامة في البلاد والتغلغل داخل مؤسسات الدولة وسحق إرادة الشعب، نظرًا لعمله خارج حدود وظيفته ووجوده كعامل رئيسي ومرجح في أي انتخابات بالبلاد.
وسجّل العديد من الجزائريين، سعي قايد صالح المتواصل لإحكام سيطرته على البلاد بطرق شتى منها إقصاء المناوئين له من الجنرالات ورجال الأعمال والسياسيين، فضلاً عن ترقية وجوه كثيرة وجميعهم من الغرب من تلمسان، فيما تم استبعاد البعض وإجبار البعض الآخر على المعاش المبكر.
كما عمل قايد صالح في الفترة الأخيرة على تبييض وجهه عبر تنظيف الواجهة الملوثة بفساد سياسي واقتصادي في البلاد، تحضيرًا للمرحلة القادمة، خاصة أن صورته شهدت رجات كبرى ساهمت في تدني شعبيته لدى مختلف الفئات الشعبية الجزائرية.