ترجمة وتحرير: نون بوست
وقّع الاتحاد الأفريقي على الإطلاق التشغيلي لمنطقة التجارة الحرة القارية في السابع من تموز/ يوليو، قاطعا الخطوة الأولى نحو إنشاء سوق مشتركة في أفريقيا. فما هي تحديات الاندماج والتنمية؟ حسب بيير جاكومو، السفير السابق لفرنسا، ورئيس “مجموعة المبادرات”، والباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
يوم الأحد السابع من تموز/ يوليو في نيامي، تم إطلاق اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية؛ التي جمعت ما بين 54 و55 دولة أفريقية. فما هي ترتيباتها؟
تهدف اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية إلى التخلص من الحواجز الجمركية المفروضة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، ورفع جميع أنواع القيود التي تؤثر على التجارة بين الدول الأعضاء. وإلى حد الآن، وقّعت 55 دولة باستثناء إريتريا على هذه الاتفاقية. وتشبه هذه الخطة المشروع الأوروبي لسنة 1957، حين كانت معاهدة روما تهدف إلى إنشاء سوق شاسعة على نطاق قاري، حيث ضمت ستة بلدان في البداية.
وفقًا للجنة الاقتصادية لأفريقيا، فإنه من المتوقع أن تحقق اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية نموا بأكثر من 50 بالمئة من التجارة البينية الأفريقية، التي لا تتجاوز حاليًا 20 بالمئة.
في المثال الإفريقي، يتوقع مستقبل هذه السوق الشاسعة التي تضم 1.2 مليار نسمة المزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية لصالح كل اقتصادات هذه الدول. وتشمل أهداف التحرير 90 بالمئة من المنتجات على مدى فترة تتراوح بين خمس و10 سنوات مع حماية 10 بالمئة من المنتجات.
ما هو الهدف من ذلك؟ وفقًا للجنة الاقتصادية لأفريقيا، فإنه من المتوقع أن تحقق اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية نموا بأكثر من 50 بالمئة من التجارة البينية الأفريقية، التي لا تتجاوز حاليًا 20 بالمئة.
مع ذلك، هناك العديد من القضايا الحساسة التي ما زالت بحاجة إلى المعالجة والتي أثيرت على هامش قمة نيامي التي عُقدت في السابع من تموز/ يوليو من أجل التوصل إلى تنسيق بين جميع الآليات المتواجدة فعلا، لأن أفريقيا مقسمة حاليا إلى ثمانية مجتمعات اقتصادية إقليمية تختلف مستويات تطورها نحو الإندماج. تعتبر بعض هذه المجتمعات متقدمة جدًا على غرار تلك الموجودة في شرق أفريقيا وأفريقيا الجنوبية، بينما لا تزال خطوات البعض الآخر متعثرة، على غرار دول وسط إفريقيا، بينما يواجه بعضها الآخر مصاعب مثل البلدان المغاربية. ولكن الهدف الرئيسي يتمثل في إنشاء سوق تجارة حرة واسعة على نطاق قاري.
هل يمكن لمنطقة التجارة الحرة هذه تعزيز تنمية وإدماج أكثر دول القارة هشاشة في هذه المنطقة؟
هذا موضوع حقيقي لأنه، في الوقت الحالي، هناك مستويات تطور مختلفة تمامًا بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، بعض البلدان مثل المغرب قد وصلت بالفعل إلى مستوى من التنمية يسمح لها بالمطالبة بالحصول على صفة دول “ناشئة”. أما البعض الآخر، على غرار مصر وجنوب أفريقيا، فهي تمتلك بالفعل قاعدة صناعية، بينما تحظى دول أخرى بموقع إقليمي مهم جدًا نظرًا لحجم سوقها ودينامية رواد أعمالها، تماما مثل ما تمثله نيجيريا بالنسبة لغرب إفريقيا أو كينيا لشرق إفريقيا.
بالاستفادة من تمويلات بنيتها التحتية وأنظمتها التعليمية والصحية حتى تقارب تدريجيا مستوى تنمية البلدان الأكثر تقدما وهي ألمانيا وهولندا والدنمارك وفرنسا
من ناحية أخرى، هناك بلدان حبيسة وبالتالي عاجزة. ولا يمكن لستة عشر بلدا في أفريقيا الوصول إلى البحر، الأمر الذي ينتج عنه تكاليف إضافية للاستيراد أو التصدير. بالإضافة إلى ذلك، لا زال لديهم القليل من السلع ليتبادلوها مع جيرانهم ذوي إنتاجات مماثلة، على شاكلة بلدان الساحل التي تنتج جميعها قطنا موجها للتصدير، دون أي عملية تحويل، أو الدول النفطية مثل نيجيريا والكونغو والغابون وأنجولا التي لا تقوم بتصدير نفطها فيما بينها.
بناء على ذلك، إن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو ما إذا كانت هذه التجارة الحرة في المستقبل ستزيد من تعميق الفجوة بين بعض الدول التي تمتلك دينامية ومواطن قوة أكبر، وغيرها من البلدان التي تعاني عجزا بسبب سلسلة كاملة من العوامل، ناهيك عن انعدام الأمن الذي قد يسود في مناطق معينة من الساحل أو جمهورية أفريقيا الوسطى أو حوض الكونغو.
يُطرح السؤال الأساسي حول مدى التضامن بين الدول. لقد أنشئ الاتحاد الأوروبي جزئيًا على هذا المفهوم، أي تقديم مساعدة محددة لأفقر المناطق تسمح لإيرلندا والبرتغال واليونان، ثم لدول أوروبا الشرقية التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في وقت متأخر، بالاستفادة من تمويلات بنيتها التحتية وأنظمتها التعليمية والصحية حتى تقارب تدريجيا مستوى تنمية البلدان الأكثر تقدما وهي ألمانيا وهولندا والدنمارك وفرنسا. وتعتبر مسألة التضامن ضرورية بالنسبة لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، لكن لم تتم معالجتها بالفعل في إطار الاتفاقية التي تم توقيعها مؤخرا في نيامي.
ما هي البنود المتعلقة بالتجارة الخارجية؟ وهل هناك نية لحماية التجارة الأفريقية؟
في هذا المجال، هناك خطاب ثم تليه حقيقة. يراهن الخطاب على إنشاء سلاسل القيمة الإقليمية، بدءا من القواعد الصناعية الأفريقية. ويجب إنتاج سلع مصنعة في البلدان الأفريقية وموجهة لأسواقها الخاصة. ويمكن أن يتعلق ذلك بالأغذية الزراعية، والنسيج، وصناعة الأدوية… كما يمكن وصف هذا المشروع باستبدال الاستيراد، بمعنى الإنتاج محليًا بدلاً من الاستيراد، إذ تتمحور الخطة أساسا حول مشروع لحماية حدود اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، مع تعريفة خارجية مشتركة تجرم استيراد المنتجات التي يمكن تصنيعها محليًا.
ينبغي محاولة بناء اقتصاد قاري متكامل وتهيئة انفتاحات مع كتل أجنبية معينة وضمان كيفية احترام “دولة أولى بالرعاية”، وهو الوضع الذي يعتبر حجر زاوية الليبرالية في مجال التجارة الدولية
في الواقع، سيكون تطبيق المشروع معقدًا. كان لدى العديد من البلدان الأفريقية بالفعل اتفاقيات تجارية مع دول خارج إفريقيا، كما هو الحال بالنسبة للاتفاقات القديمة جدًا مع أوروبا التي تُعد بصدد التجديد بموجب اتفاقات الشراكة الاقتصادية، ومع الولايات المتحدة (حوالي 30 دولة أفريقية لديها اتفاقات بموجب قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا))، والصين وتركيا وغيرها.
في الآن ذاته، ينبغي محاولة بناء اقتصاد قاري متكامل وتهيئة انفتاحات مع كتل أجنبية معينة وضمان كيفية احترام “دولة أولى بالرعاية”، وهو الوضع الذي يعتبر حجر زاوية الليبرالية في مجال التجارة الدولية، والذي ينص على أن ما يُمنح لدولة يُقدم لدولة أخرى. ويتناقض التمييز في المبادلات الدولية مع مبدأ منظمة التجارة العالمية. ومن الواضح أنه يمكن دوما خرق هذا المبدأ، ناهيك عن الخوف من أن تهديد تعددية الأطراف التي تميز الوضع الحالي سيؤدي إلى خرق العديد من هذه الأنواع من المبادئ.
إن الموضوع المهم الآخر المثير للجدل هو البنود الأصلية. ما الذي صُنع حقًا في أفريقيا؟ ثم ما الذي صُنع بالفعل في بنين حتى يتم تصديره إلى نيجيريا المجاورة دون رسوم؟ لقد تم استيراد العديد من المكونات بالفعل من بقية العالم (الصين، واليابان، والبرازيل، وتركيا، وفرنسا)، وتجميعها، ثم إنتاجها وإعادة تصديرها. من الضروري اعتماد نسبة (على سبيل المثال 50 بالمئة كحد أدنى للقيمة المضافة المنتجة محليًا) لتقييم ما هو منتج أفريقيا. ما زالت هذه المسألة أبعد ما يكون عن التسوية. وتهتم البلدان عن كثب بهذه المشكلة، خاصة منها نيجيريا، التي كانت مترددة بشأن توقيع الاتفاقية، قبل أن تقوم بذلك قبيل قمة نيامي مباشرة، ولكن أيضًا جنوب إفريقيا.
بناء على ذلك، إن القضية معقدة وليست سوى في بداياتها فحسب. سوف يستغرق تطبيق اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية سنوات أو حتى عقود. وإذا قارناها مع الاتحاد الأوروبي، وهو الاتحاد الأكثر نجاحًا في العالم، فإن النتائج سيئة للغاية من حيث الإدماج بعد 62 سنة من توقيع معاهدة روما.
المصدر: معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية