اقتصاد الجزائر في ظل الحراك وقضايا الفساد.. تخوفات وطموحات

190310-abdelaziz-bouteflika-protest-algiers-se-516p_30865e76d43b651668e0f19a006e27f6

يوشك الحراك الشعبي في الجزائر أن يكمل شهره الخامس، في ظل بقاء ملف النمو الاقتصادي يراوح مكانه، فيما يمثّل الركود قلقًا للخبراء والمواطنين على حد سواء، خاصة مع إيداع عدد من رجال الأعمال المعروفين الحبس بسبب قضايا فساد. ومع قرب بداية الشهر السادس؛ يتبادر السؤال حول ما إن كان هذا الهاجس قد زال ورحلت معه مخاوف الجزائريين في استعمال سلاح التجويع والبطالة من بقايا النظام السابق لثنيهم عن تحقيق هدفهم المنشود، مثلما حدث في دول الربيع العربي خاصة مصر، أم أنه ما زال قائمًا؟

ولعل المتمعن في التحولات التي تحدث في السوق الجزائرية ومؤشرات الاقتصاد الظاهرة يلاحظ أن تبعات الحراك لم تؤثر بعد سلبًا على المواطنين، بل انعكست إيجابًا في بعض القطاعات حتى ولو بقيت إلى اليوم غير مستندة إلى مؤشرات اقتصادية علمية مبررة.

هبوط العملة الصعبة

وبعد ارتفاع مستمر لعدة سنوات، تراجعت الأسبوع الماضي العملة الأوروبية مقابل الدينار الجزائري في السوق السوداء بعد أن بيع اليورو بـ180 دينارًا في بعض الولايات، وهو الذي ارتفع مع بداية الحراك إلى 220 دينارًا، وكان قبل ذلك في حدود 210 دنانير أو أكثر.

الانخفاض في قيمة العملات الأجنبية لم يعمر طويلاً، فقد عادت هذا الأسبوع الأسعار إلى سابق عهدها بعد أن تعدى ثمن شراء اليورو الواحد عتبة الـ210 دنانير

وتراجع الدولار هو الآخر مقابل العملة الجزائرية بانخفاضه إلى 175 دينارًا، وهو الذي وصل إلى حدود 190 دينارًا جزائريًا للدولار الواحد في السوق السوداء، عند بداية الحراك الشعبي، لكن هذا الانخفاض في قيمة العملات الأجنبية لم يعمر طويلاً، فقد عادت هذا الأسبوع الأسعار إلى سابق عهدها بعد أن تعدى ثمن شراء اليورو الواحد عتبة 210 دنانير.

ولحد الآن، لا توجد تفسيرات دقيقة للتذبذب الذي تعرفه بورصة العملات في السوق السوداء، بالنظر إلى استقرارها لدى بنك الجزائر المركزي الذي حدد سعر الدولار بـ116.87 دينار عند الشراء و124 دينارًا لدى البيع، أما اليورو الواحد فقد حدد بـ132.95 عند الشراء و142.09 لدى البيع.

وتغيب المعطيات الحقيقية التي تقف وراء هذا التذبذب في صرف العملات الأجنبية في السوق السوداء التي تعد المقياس الأساسي في عملية التحويلات بالجزائر، في ظل غيابها لدى البنوك بسبب الإجراءات المشددة التي تتخذها الحكومة في إدخال وإخراج العملة من البلاد، وعدم نيتها في الترخيص لمراكز صرف العملات مثلما هو واقع في جميع دول العالم رغم صدور القانون الخاص بها منذ أكثر من 3 سنوات.

قدرت تقارير متطابقة قيمة ثروات من أودعوا الحبس المؤقت بسجن الحراش في الجزائر العاصمة بـ10 مليارات دولار أو تزيد

وبرأي دكتور الاقتصاد بجامعة البليدة كمال رزيق، فإن السبب الظاهر لحد اليوم هو حبس عدد من رجال الأعمال في قضايا فساد، وهم المتهمون بصرف العملات في السوق السوداء هربًا من الرقابة الموجودة في البنوك، إضافة إلى تردد من أصبح يطلق عليهم “أفراد العصابة” في شراء العملة مخافة خضوعهم للمحاسبة والتفتيش، على حد ما أوضحه لـ”نون بوست”.

المحاسبة مستمرة

ويؤيّد رأي الدكتور رزيق، النظر إلى حجم الثروة التي يملكها من مستهم مقصلة الحرب على الفساد التي تنتهجها العدالة والسلطة الحاليّة ضد رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وقدرت تقارير متطابقة قيمة ثروات من أودعوا الحبس المؤقت بسجن الحراش في الجزائر العاصمة بـ10 مليارات دولار أو تزيد، فقد أمر قاضي التحقيق بإيداع رهن الحبس رجل الأعمال المعروف أيسعد ربراب الذي تصل ثروته وحده 4 مليارات دولار، إضافة إلى كل من محيي الدين طحكوت وعلي حداد ومراد علمي وحسان عرباوي.

واستأثر هؤلاء الموقوفون باستثمارات خيالية في قطاع تركيب السيارات والأشغال العمومية والزيت والسكر، إلا أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذت في حقهم مثل تحديد حصة استيراد أجزاء السيارات والعمل على مراجعة استيراد الحبوب قد يكون من العوامل التي ساعدت في تهاوي العملة الصعبة في السوق السوداء.

رغم أن الجزائريين أيدوا المحاكمات التي تتم ضد نظام الرئيس بوتفليقة الذين عاثوا في البلاد فسادًا، يستمر الجدل واختلاف الرأي بشأن أولوية الحل السياسي للأزمة قبل محاسبة المفسدين أم المزاوجة بينهما

ويوم الأربعاء تواصلت محاكمة رموز نظام بوتفليقة، فقد مثل وزير الصناعة السابق يوسف يوسفي أمام المستشار المحقق بالمحكمة العليا بتهم تتعلق بقضايا فساد لها صلة برجل الأعمال علي حداد ومحيي الدين طحكوت صاحب مصنع تركيب سيارات “هيونداي” في الجزائر، وقد أمر قاضي التحقيق بإيداع يوسفي تحت الرقابة القضائية، كما تواصلت الخميس التحقيقات بالمحكمة العليا مع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى المتهم في قضايا فساد عدة، والقابع حاليًّا بسجن الحراش.

ورغم أن الجزائريين أيدوا المحاكمات التي تتم ضد نظام الرئيس بوتفليقة الذين عاثوا في البلاد فسادًا، يستمر الجدل واختلاف الرأي بشأن أولوية الحل السياسي للأزمة قبل محاسبة المفسدين أم المزاوجة بينهما.

إجراءات

التحذيرات التي أطلقها صبيحة الأربعاء قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح ضد رموز الفساد بعدما قال: “الفساد شكل آخر من أشكال الاستعمار، ومحاربته لا تقل أهمية عن مكافحة الاستعمار والإرهاب”؛ شكلت أوامر لحكومة الوزير الأول نور الدين بدوي التي يطالبها الحراك بالاستقالة.

وفي اجتماع للحكومة، تم عرض مشروع تمهيدي لقانون يعدل ويتمم قانون الإجراءات الجزائية في إطار تعزيز المنظومة التشريعية لمكافحة مختلف أشكال الجريمة.

سيسمح هذا التعديل لضباط الشرطة القضائية بممارسة مهامهم دون شرط التأهيل المسبق من طرف النائب العام

ويسعى مشروع القانون إلى رفع القيود على عمل الشرطة القضائية وإلغاء الأحكام التي كان لها أثر سلبي على تحريك الدعوى العمومية، خاصة إلغاء شرط الدعوى المسبقة من الهيئات الاجتماعية للمؤسسة العمومية الاقتصادية لتحريك الدعوى العمومية.

وسيسمح هذا التعديل لضباط الشرطة القضائية بممارسة مهامهم دون شرط التأهيل المسبق من طرف النائب العام، كما سيوسع من صلاحيات البحث والتحري لضباط الشرطة القضائية في كل القضايا التي ينص عليها التشريع الجزائي الوطني.

وكانت رخصة النائب العام كثيرًا ما تعيق التحقيق السريع لعناصر الشرطة القضائية في مختلف قضايا الإجرام، ولعل هذا الإجراء سيسرع محاسبة المفسدين وملاحقتهم، لكن يجب أن يرفق ذلك بضرورة احترام حقوق المتهمين وأهمها قرينة البراءة إلى غاية ثبوت التهم بالأدلة الدامغة.

أثر

بالنسبة لنقابة المحامين، فإن المحاكمات التي تجري لن يكون لها أثر حقيقي بسجن المتهمين بالفساد، إلا إذا أتبع ذلك باسترجاع أموال الجزائريين المنهوبة سواء في الداخل أم تلك التي هربت للخارج.

شهدت أسعار مواد التجميل والأجهزة الإلكترونية والكهرومنزيلية مثل المكيفات ارتفاعًا مقارنة بالسنوات الماضية، رغم إعلان الحكومة الحاليّة عزمها إلغاء العمل برخص الاستيراد

وفي انتظار أن تسترجع هذه الأموال، كان لبعض الإجراءات المتخذة انعكاس على أرض الواقع، فحبس رجل الأعمال إيسعد ربراب كان له تأثير واضح في انخفاض سعر السكر الذي يحتكر استيراده منذ سنوات، كما شهدت أسعار الموز سقوطًا حرًا من 300 دينار إلى 150 دينارًا، غير أن باقي الأسعار بقيت على حالها خاصة ذات الاستهلاك الواسع كالخضراوات والفواكه واللحوم الحمراء.

في المقابل، شهدت أسعار مواد التجميل والأجهزة الإلكترونية والكهرومنزلية مثل المكيفات ارتفاعًا مقارنة بالسنوات الماضية، رغم إعلان الحكومة الحاليّة عزمها إلغاء العمل برخص الاستيراد.

ولرئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين زكي حريز رأي آخر، فقد أشار في تصريح لصحيفة “الشروق” المحلية أن الاقتصاد الجزائري يعيش مرحلة كساد بسبب السيولة النقدية التي لم تعد متداولة في السوق، رغم الإغراء في الأسعار لبعض المواد الاستهلاكية.

في انتظار العمل ،بآراء الخبراء، يبقى الاقتصاد الجزائر يعاني من عجز في ميزانه التجاري بلغ خلال الأشهر الخمس من 2019 بلغ 1.87 مليار دولار مقابل 2.60 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من 2018

وبالنسبة للخبير الاقتصادي محمد حميدوش، فإن الاقتصاد الجزائري لن يرى طريقًا للإنعاش ما لم تتغير الذهنيات التي تحكمه، ويتم فتح السوق للمبادرة الحرة وإزالة التدخل السلبي للحكومة في جميع سلسلة الإنتاج، مثلما أوضح لـ”نون بوست”.

وفي انتظار العمل، بآراء الخبراء، يبقى الاقتصاد الجزائر يعاني من عجز في ميزانه التجاري بلغ خلال الأشهر الخمس من 2019 بلغ 1.87 مليار دولار مقابل 2.60 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من 2018.

لكن رغم استمرار هذا العجز الذي انخفض مقارنة بالعام الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط ودراسة إمكانية التقليص من استيراد الحبوب خاصة من فرنسا، يحدو الجزائريون أمل تحقيق نمو اقتصادي في السنوات القادمة حال استطاع الحراك الشعبي تحقيق أهدافه.