يقضي العديد من الناس في الوقت الحاضر الكثير من وقتهم في تناول الطعام بشكل جيد وممارسة الرياضة بانتظام في محاولة لاتباع نمط حياة صحي، لا سيما في الوقت الذي أصبح فيه العالم أكثر وعيًا وتعليمًا بشأن موضوع الصحة ويعود الفضل إلى منصات التواصل الاجتماعي والبرامج التليفزيونية التي ساعدت الناس على معرفة طريقة العيش الصحية، ولكن قلة منهم ينظرون إلى التأثيرات التي تخلقها الأفكار والمشاعر على الصحة والمناعة.
من جهة أخرى، سمعنا مرارًا عبارات مثل “أنت ما تأكله” أو “قل لي ماذا تأكل، أقل لك من أنت”، وغيرها مثل “اجعل طعامك دواءك واجعل دواءك طعامك”، وهي فلسفات ارتكزت عليها العديد من الثقافات في عاداتها الغذائية، وأثبتتها العديد من الأبحاث العلمية الأكاديمية، لكن في المقابل، وجدت دراسات جديدة أنك لست ما تأكله بالفعل، وإنما ما تعتقد أنك تأكله، وهذا المقال يكشف لنا كيف يمكن حدوث ذلك بعيدًا عن نظريات التنمية البشرية المهترئة.
العقل والغذاء: المرونة والعبارات الجذابة
أجرى الباحثون في مختبر ستانفورد الأمريكي دراسة، قدموا فيها صنفين مختلفين من مشروب مخفوق الحليب وأخبروا المشاركين بالتجربة أن أحد هذه المشروبات يحتوي على 140 سعرًا حراريًا، أما الآخر ففيه نحو 620 سعرًا حراريًا، وبعد ذلك قاس العلماء مستوى الشبع لدى المشاركين من خلال قياس مستوى هرمون الجريلين في الدم، وهو هرمون يشجع على الجوع.
وكانت النتيجة أنه على الرغم من أن كلا المشروبين فيهما نفس عدد السعرات الحرارية، فإن مستوى الشبع كان أعلى لدى المشاركين الذين قيل لهم إن مشروبهم يحتوي على عدد سعرات حرارية أقل، أما الذين اعتقدوا أنهم يشربون مخفوق حليب بسعرات حرارية عالية، بقيت مستويات الجريلين لديهم على حالها نسبيًا، وبذلك خلص الباحثون إلى أن معتقدات الفرد عما يتناوله تغير استجابة الجسم الفسيولوجية له بشكل كبير.
هذا التغير واضح أيضًا في دراسة أخرى بشأن تأثير العبارات والأسماء الملصقة على الخضراوات على نسبة استهلاكها، فلقد أراد الباحثون معرفة ما إذا كان سيتم استهلاك المزيد من الخضراوات إذا تم وصفها بعبارات مغرية وصحية معينة، وبالفعل قارنوا كمية الخضراوات المستهلكة عند لصق عبارات مثل “صحية” و”خفيفة” و”لذيذة” و”مفيدة”، ووجدوا أن هذه الأوصاف جعلت الأطعمة تبدو أكثر جاذبية للمستهلكين.
تدفعنا هذه الدراسات جميعها إلى التساؤل عما يمكننا فعله بهذه المعلومات؟ والجواب أن نغير الطريقة التي نفكر فيها ونشعر بها تجاه الطعام ونتعامل براحة ومرونة مع الأطعمة التي نتناولها لكي لا تتأثر علاقتنا معها بشكل عكسي وسلبي
وبالتالي شجعتهم على اتخاذ خيارات صحية واستهلاك كميات أكبر من الخضراوات التي وصفت بعبارات إيجابية وجذابة، ونظرًا لذلك يعتقد الباحثون أن تغيير وصف الأطعمة الصحية لا يغير سلوكنا تجاهها فقط، وإنما يمكن أن يكون إستراتيجية فعالة ومنخفضة التكلفة لتشجيع استهلاك الأطعمة المغذية، فإذا كان الناس لا يعتقدون أن الأطعمة الصحية طيبة المذاق، فكيف نتوقع منهم اتخاذ خيارات صحية؟
في دراسة أخرى، وجد العلماء أن الأشخاص الذين يتملكهم الشعور بالذنب عند تناول كعكة من الشيكولاتة أقل قدرة على ضبط النفس عند تناول الطعام وأكثر عرضة لكسب الوزن الزائد خلال سنة تقريبًا، وذلك مقارنة مع الأشخاص الذين يشعرون بالسعادة عند تناولها، إذ يكونوا أكثر قدرة على التحكم في عاداتهم الغذائية وحفاظًا على وزنهم. تدفعنا هذه الدراسات جميعها إلى التساؤل عما يمكننا فعله بهذه المعلومات؟ والجواب أن نغير الطريقة التي نفكر فيها ونشعر بها تجاه الطعام ونتعامل براحة ومرونة مع الأطعمة التي نتناولها لكي لا تتأثر علاقتنا معها بشكل عكسي وسلبي.
العقل والرياضة: تصورات أفضل من أجل عمر أطول
مثل التغذية، يتأثر نشاطنا البدني بأفكارنا ومشاعرنا ومعتقداتنا، وفي الوقت الذي تكثر فيه الأبحاث والتقارير التي تشجع على ممارسة الرياضة كوسيلة لمقاومة الأمراض وإطالة العمر، نجد في الضفة المقابلة، دراسات أخرى تلفت انتباهنا إلى تأثير ما يدور في عقولنا على صحتنا، إذ ترى أن تصوراتنا السلبية عن أنفسنا ومجهودنا البدني تجعلنا غير أصحاء بالشكل الذي نتوقعه ونسعى إليه.
فوفقًا لدراسة نشرتها “بي بي سي” البريطانية، حلل علماء جامعة ستانفورد بيانات 61 ألف شخص من الوفيات على مدار 21 عامًا، وقاسوا خلالها معدل ممارسة هؤلاء الأشخاص للرياضة وقارنوها بالمعدل التي يعتقدون أنهم مارسوها مقارنة بأقرانهم من نفس السن، وبعد سنوات من الدراسة والتدقيق، اكتشف الباحثون أن الأشخاص الذين اعتقدوا بأنهم لم يكونوا يمارسون الرياضة بقدر أقرانهم، توفوا في عمر أصغر من أولئك الذين اعتقدوا أنهم مارسوا الرياضة بمعدل أعلى، والمفاجأة أن المعدل الحقيقي لممارسة الرياضة كان متشابهًا تقريبًا.
وبالتحديد، رأى العلماء أن أولئك الذين اعتبروا أنفسهم أقل نشاطًا كانوا أكثر عرضة بنسبة 71% للموت في فترة المتابعة والدراسة التي استمرت 21 عامًا، مقارنةً بنظرائهم، حتى بعد زيادتهم لمعدل النشاط البدني الفعلي الذي قاموا به، فكيف يحدث هذا الفرق؟ وكيف يفسر العلم هذا التأثير؟
علينا أن نتفق أولًا أن الأغذية الصحية والتمارين الرياضية تزيد من متوسط العمر المتوقع بالفعل، لكن هذه الدراسات تنبهنا إلى الفارق الذي تحدثه أفكارنا وتصوراتنا عن عاداتنا الصحية، فبحسب مؤلفة الدراسة أوكتافيا زهرت، هناك 3 أسباب محتملة يمكن أن تؤثر بها تصوراتنا على صحتنا، والأول هو أننا نشعر بالتوتر إذا كنا نعتقد أننا لسنا نشطين بما فيه الكفاية، وهذا القلق قد يضر بصحتنا رغم أننا نمارس الرياضة.
الأشخاص الذين ظنوا أن الشيخوخة بدأت في سن الـ60 أو أقل كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشاكل خطيرة في القلب مقارنة بأولئك الذين قالوا إنها تبدأ من سن الـ70 سنة أو أكثر
أما السبب الثاني فيعود إلى ما يُعرف بـ”معايير الجماعة”، وكيف يحب معظمنا أن نفعل أو نقلد ما يفعله الآخرون، وحين نعتقد أننا نفعل أقل منهم، فإننا نشعر بالإحباط ونتوقف عن ممارسة العادات الصحية، وبالنسبة للسبب الثالث، فهو عكس تأثير الدواء الوهمي، فلقد ثبت منذ وقت طويل أن المعتقدات بشأن فعالية وقوة المسكن يمكن أن تؤثر في الجسم، والعكس هو ما يُسمى بـ”النوسيبو”، التي تعني أنه إذا كان لديك توقعات سلبية عن العلاج، فإن تأثيره الفسيولوجي يقل.
وكذلك يرتبط هذا التأثير بنظرتنا الخاصة للأمور، إذ تؤكد إحدى الدراسات التي وجدت عام 2003 أن تصوراتنا عن العمر تنعكس بشكل كبير على حالتنا الصحية، فلقد تم سؤال 7 آلاف موظف حكومي عن السن الذي تبدأ منه الشيخوخة، وعندما حلل البروفيسور، مايكل مارموت، البيانات وجد أن الأشخاص الذين ظنوا أن الشيخوخة بدأت في سن الـ60 أو أقل كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشاكل خطيرة في القلب مقارنة بأولئك الذين قالوا إنها تبدأ من سن الـ70 سنة أو أكثر.
وغالبًا ما تقودهم هذه القناعات بالشعور بأنهم لن يبقوا طويلًا على مدى الحياة وبالتالي يتوقفون عن ممارسة الرياضة، مما يؤثر على صحتهم على المدى الطويل، أو يزيد شعورهم بالتوتر والقلق بشأن الشيخوخة وهذا بالطبع له انعكاسات على صحتهم، بالنهاية، في حقبة تزداد فيها المخاوف المتعلقة بالصحة ويكثر فيها الهوس بالمظهر الخارجي، تقدم هذه الدراسات اقتراحًا جديدًا للاستفادة من الجهود المبذولة في ممارسة التمرينات الرياضية واتباع الأنظمة الصحية، وهي تغيير العقلية وطريقة التفكير ليكون لدينا القدرة على تحسين صحتنا.