بصلاحياتٍ جديدة، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة، أمس الأربعاء، تشكيل فريق جديد للتحقيق في الهجمات الكيميائية بسوريا، إلا أن هذه اللجنة ستكون مخولة بما ما لم تُخول به سابقاتها، وقالت المنظمة، في بيان، إنها قررت “إرسال فريق جديد شكلته لتحديد الجهة التي استخدمت سلاحًا محظورًا في سوريا، وسيحقق في تقارير بشأن وقوع 9 هجمات كيميائية هناك، بينها هجوم دوما الذي وقع في أبريل 2018”.
ستستمر اللجنة في عملها لمدة 3 سنوات، فوفقًا لما ذكره المدير العام للمنظمة فرناندو أرياس، “سيتناول التحقيق على مدى السنوات الثلاثة المقبلة تسعة أحداث”، وذكر أن الفريق “يعمل الآن بكامل طاقته”، مضيفًا “تم إعداد قائمة أولية بالأحداث التي تستوجب التحقيق، ويجري العمل على التواصل مع الدول الأعضاء والجهات الدولية والإقليمية والمحلية”، إلا أن فرناندو لم يوضح ما الأحداث الـ9 التي سيتم التحقيق بها.
وفي يونيو/حزيران من العام الماضي، مُنحت المنظمة تفويضًا يفتح لها الباب لتحديد المسؤولين عن الهجمات الكيميائية، بعد أن وافقت 82 دولة مقابل معارضة 24 على مشروع قرار مشترك بين 22 دولة، وبمبادرة بريطانية لتوسيع صلاحيات المنظمة، بنهاية الشهر الماضي، بدأ العمل بالتفويض الممنوح وأصبحت الآن مخولة بتوجيه أصابع الاتهام إلى دولة أو جهة أو أشخاص تثبت الأدلة تورطهم في استخدام الكيماوي.
عراقيل وإخفاء للأدلة
بدأت المنظمة عملها في سوريا عقب انضمام نظام بشار الأسد إليها عام 2013، على وقع تهديدات إدارة الرئيس باراك أوباما بضربة أمريكية لدمشق عقب هجمات كيماوية لقوات الأسد على الغوطة الشرقية أوقعت أكثر من 1300 قتيل، وفي 2015 أنشأ مجلس الأمن آلية التحقيق المشتركة التي تحدد هوية مرتكبي الهجمات، وحينها حققت في 9 هجمات اتهمت النظام بـ4 منها وداعش بـ2 فيما لم تحدد مرتكبي الهجمات الأخرى، إلا أن روسيا لم تستسغ اتهام حليفها بهذه الجرائم فاستخدمت الفيتو ضد عمل اللجنة المشتركة وأنهتها.
وفي كل خطوة كانت تخطوها المنظمة من أجل العمل على تحقيقاتها في سوريا، كانت روسيا تقف عائقًا أمام عملها، حيث استخدمت الفيتو 6 مرات في مجلس الأمن ضد قرارات تتعلق بموضوع السلاح الكيماوي في سوريا، إذ إنه في شهري أكتوبر ونوفمبر 2017، لجأت روسيا ثلاث مرات للفيتو ضد تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
فيما كان يعمد نظام الأسد إلى تضليل التحقيقات التي تجريها المنظمة، وكان يضع عراقيل تتعلق بمنح التأشيرات للمفتشين، وتعمّد التأخير بالرد على الرسائل وإعاقة وصول المفتشين إلى مناطق الهجمات، كما كانت قواته تجبر بعض الشهود على تغيير رواياتهم كما جاء في تحقيق لوكالة “رويترز“.
ومع مرور الوقت يعمد نظام الأسد وروسيا إلى إخفاء الأدلة التي تبين استعمال السلاح الكيماوي في كل الأماكن التي استخدم فيها هذا النوع المحرم دوليًا، حتى في عام 2018 وعقب الهجوم على دوما الذي راح ضحيته العشرات، أجل مفتشو الأسلحة الكيميائية زيارتهم لموقع الهجوم وذلك بعد أن أبلغ فريق أمني تابع للأمم المتحدة عن إطلاق نار في الموقع، وفق ما ذكر رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الجدير بالذكر أن النظام كان قد أحكم سيطرته على تلك المناطق حينها.
ورصدَ تقرير للشبكة السورية، مساهمةَ القوات السورية والروسية في عرقلة عملية التَّحقيق بهجوم دوما 2018، من “خلال دخول القوات الروسية إلى موقع الهجوم والتَّلاعب بالمحتويات”، مضيفًا أن روسيا عمدت إلى احتجاز من تبقَّى من الأطباء والممرضين الذين عالجوا المصابين أو شاهدوا الضربة الكيميائية، وابتزازهم وتهديدهم”.
صرح فرناندو أرياس في يونيو/حزيران الماضي، بأن “النظام السوري منع فريقه من دخول سوريا، وتلقى رسالتين من نائب وزير الخارجية التابع للنظام السوري أبلغه فيهما بعدم سماح الحكومة السورية لأعضاء الفريق بالاطلاع على أي معلومات سرية تتعلق بالملف الكيميائي السوري”، من جهتها قالت الشبكة السورية”: “رفض النظام السوري دخول فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى سوريا يُشكل دليلًا قويًا ضده، وعلى دول العالم المتحضرة معاقبة النظام السوري سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا لمنعه دخول فريق التحقيق”.
إحصاءات
منذ بداية استخدام النظام للسلاح الكيماوي في ديسمبر/كانون الأول عام 2012، أحصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 221 هجومًا كيميائيًا، نفذ النظام منها 216، معظمها في ريف دمشق وإدلب، ذهب ضحيتها 1461 قتيلًا، وإصابة 9885، فيما نفذ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، 5 هجمات كلها في حلب، وذهب ضحيتها حالات اختناق طالت 197 شخصًا، وأثبتت المنظمة الدولية 43 هجومًا كيماويًا، من أصل 58 هجومًا محتملاً، كان آخرها هجوم دوما عام 2018.
الجدير بالذكر أنه في شهر مايو الماضي، قالت مصادر في المعارضة السورية إن قوات النظام قصفت بغاز “الكلور” السام تلة “الكابينة” في ريف اللاذقية الشمالي، دون أن تشير إلى وقوع إصابات جراء الهجمة، وأضافت المصادر أن النظام السوري نفذ هذه الهجمة بعد أن أخفقت قواته مرات عدة في التقدم بالمنطقة.
وتوصي تقارير حقوقية أن تُظهرَ دول العالم موقفًا أكثر حزمًا ضدَّ النظام السوري المستخدم الأبرز للأسلحة الكيميائية في هذا القرن، فيما تطالب بالتحرك الجدي لتطبيق عقوبات صارمة ورادعة وحقيقية بشكل فوري، وتحث هذه التقارير على إيجاد تحالف إنساني يهدف إلى حماية المدنيين السوريين من الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة.