وصل المبعوث الفرنسي إيمانويل بون إلى العاصمة الإيرانية طهران في زيارة خاطفة سلم خلالها الرئيس الإيراني حسن روحاني رسالة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تتعلق بالاتفاق النووي وقضايا المنطقة.
الرسالة وفق ما ذكرت مصادر إعلامية تتعلق بالتصعيد الإيراني الأخير بشأن التخلي عن التعهدات التي جاءت في الاتفاق المبرم في 2015 ومحاولة إثناءها عن هذه الخطوات التي من شأنها تسخين الأجواء ووضع أمن وأستقرار الشرق الأوسط على المحك.
تتزامن الزيارة مع تهديدات أمريكية جديدة على لسان الرئيس دونالد ترامب بأن بلاده ستزيد من العقوبات المفروضة على طهران خلال المرحلة المقبلة، قائلًا في تغريدة له أن إيران تعمل على تخصيب اليورانيوم سرًا منذ أمد بعيد، معتبرًا ذلك انتهاكًا للصفقة التي بلغت قيمتها 150 مليار دولار، في إشارة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن العام الماضي.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت أن طهران نفّذت تهديدها بتجاوز حد تخصيب اليورانيوم المنصوص عليه في اتفاقها النووي مع القوى العالمية، إذ إنها خزنت كمية أكبر مما حدده الاتفاق، ويذكر أن التخصيب بدرجة 3.67% يوصف بأنه مناسب لتوليد الطاقة النووية للأغراض المدنية، لكن تجاوزه يمثل أول خطوة في عملية قد تفضي في النهاية إلى إنتاج مادة أعلى نقاءً يمكن استخدامها في صنع رأس نووية حربية، الأمر الذي من المحتمل أن يربك الحسابات كافة، ليس في المنطقة فحسب.
جدير بالذكر أن التخصيب بدرجة 3.67% يوصف بأنه مناسب لتوليد الطاقة النووية للأغراض المدنية، لكن تجاوزه يمثل أول خطوة في عملية قد تفضي في النهاية إلى إنتاج مادة أعلى نقاءً يمكن استخدامها في صنع رأس نووية حربية، الأمر الذي من المحتمل أن يربك الحسابات كافة، ليس في المنطقة فحسب.
مبادرات مشتركة لاوساطة
نقل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن مستشار ماكرون قوله إنه ليس وسيطا، ولكنه يريد البحث عن حلول، مضيفًا “في المقابل ابلغناه انه مادامت الحرب الاقتصادية الأمريكية قائمة ضد إيران فلا ينبغي أن يتوقع من إيران وقف أجراءاتها، أما ان تتخذ أوروبا إجراءات مناسبة أو ان تنهي امريكا حربها الاقتصادية ضد إيران”
وكانت الرئاسة الفرنسية قالت في وقت سابق إن الزيارة تهدف إلى تخفيف التوتر، وإن بون سيقترح على المسؤولين الإيرانيين إجراءات قابلة للتنفيذ، فيما وصف مساعد الخارجية الايرانية للشؤون السياسية عباس عراقجي محادثاته مع بون بانها كانت جيدة.
ترى السلطات الإيرانية أن التصعيد الأمريكي ضدها بفرض المزيد من العقوبات محاولة لإضعاف موقفها بما ينعكس ذلك على المسار التفاوضي
وكتب عراقجي في تغريدة له على تويتر، اليوم الخميس، بشان اللقاء الذي جرى مساء الاربعاء: “لقد أجرينا محادثات جيدة مع ايمانوئيل بون. لقد تباحثنا حول الحرب الاقتصادية الراهنة وكيف يمكن أن تكون هنالك هدنة متوازنة ونهاية منطقية للعبة”.
فيما نقل موقع مجلس الأمن القومي الإيراني عن المبعوث الفرنسي قوله إن ماكرون يسعى إلى إيجاد مبادرات مشتركة لوقف ما وصفها الموقع بالحرب الاقتصادية الأميركية على الإيرانيين، في الوقت الذي أكد فيه أمين المجلس، علي شمخاني أن “تنفيذ برنامج الخطوة خطوة لإيران في تقليص التزاماتها النووية إستراتيجية غير قابلة للتغيير”، مضيفًا أن هذه الاستراتيجية ستتواصل حتى تحقيق كامل الحقوق الإيرانية من الاتفاق النووي.
شمخاني انتقد تراخي الدول الأوروبية بشأن تنفيذ تعهداتها في إطار الاتفاق النووي وعدم تحليها بالإرادة الكافية لمواجهة ما وصفها بالإجراءات الأميركية التخريبية، مؤكدًا أن إيران قررت بشكل قاطع أن تنفيذها التزاماتها سيأتي متناسبًا مع التزام الطرف الآخر بتعهداته.
وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف
لا حوار تحت ضغط
ترى السلطات الإيرانية أن التصعيد الأمريكي ضدها بفرض المزيد من العقوبات محاولة لإضعاف موقفها بما ينعكس ذلك على المسار التفاوضي، هذا في الوقت الذي تؤكد فيه طهران أنها لن تقدم أي تنازلات سياسية في هذا المضمار.
طهران ردًا على تصريحات واشنطن عن استعدادها لحوار بلا شروط مسبقة، أكدت أنه لا مفاوضات مع أميركا تحت الضغط، وأن البداية تكمن في إيقاف واشنطن حربها الاقتصادية ضد طهران، فيما أشار روحاني أن حديث إدارة ترامب عن المفاوضات مجرد خداع، وقال إن الولايات المتحدة إذا ما أرادت التفاوض يتوجب عليها وقف كل أشكال العقوبات والتعامل باحترام وعقلانية.
الرئيس الإيراني أكد لمبعوث ماكرون اتخاذ طهران خطوات مهمة بشأن الاتفاق النووي إذا التزم الآخرون به، مضيفًا أن باب الدبلوماسية مفتوح
الموقف ذاته أكد عليه ظريف حين أشار إلى أنه لا يمكن بدء مفاوضات مع أميركا تحت الضغط، مشيرًا إلى أن احتجاز بريطانيا ناقلة النفط الإيرانية كان بضغط أميركي مباشر، لافتًا أن هذه الخطوة بداية لتنفيذ عقوبات واشنطن النفطية، وفق ما أشارت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”.
في الإطار ذاته شنّت الخارجية الإيرانية هجومًا حادًا على السياسة الأمريكية قائلة إنها تمثل إرهابًا اقتصاديًا، وإن أي مفاوضات مقبلة يجب أن تركز على ضرورة تنفيذ الأوروبيين تعهداتهم في الاتفاق النووي.
وزير الخارجية في تصريحات له أكد فشل واشنطن في تحركاتها الأخيرة ضد إيران، قائلًا “إن الأمريكيين توهموا أن إيران ستنهار تحت الضغوط الاقتصادية الشديدة، كانوا يعتقدون بهذا الكلام، هم اعتقدوا إن إيران ستنهار بعد مضي فترة، لكن ولله الحمد تمكن الشعب الإيراني من تحطيم جميع أوهام الغرب والأمريكيين والضامرين الشر لهذا البلد، واحباط توقعاتهم”.
وتابع: العام الماضي أعلنت في نفس هذا الملتقى، أن سبب انسحاب امريكا بهذا الشكل من الاتفاق النووي جاء على أساس حسابات وينبغي لنا أن نثبت فشل أمريكا في حساباتها، واليوم يسعدني بأننا أثبتنا ذلك.
مناشدات أوروبية لإيران لوقف تجاوز سقف اليورانيوم المخصب
باب الدبلوماسية مفتوح
الرئيس الإيراني أكد لمبعوث ماكرون اتخاذ طهران خطوات مهمة بشأن الاتفاق النووي إذا التزم الآخرون به، مضيفًا أن باب الدبلوماسية مفتوح، ودعا إلى استثمار المبادرة الفرنسية، وفق ما نقل مراسل “الجزيرة“.
ظريف ردًا على سؤال حول ما اذا كانت إيران قد أعطت الضوء الاخضر لأمريكا للتفاوض ، قال: إن بلاده لم تغادر طاولة المفاوضات أبدًا لتعود اليها الآن، أمريكا كانت تحضر اجتماعات اللجنة المشتركة 1 + 5 حتى مارس 2018، هم أنفسهم قرروا التخلي عن طاولة المفاوضات، الآن يدعون كذبًا أنهم مستعدون للتفاوض”.
وأضاف: إذا كانوا مستعدين للتفاوض، فإننا من غير الممكن التفاوض مع الإرهابيين، وهم أنفسهم لا يتفاوضون مع الإرهابيين، نحن أيضًا لا نتفاوض مع أولئك الذين يمارسون الارهاب الاقتصادي ضد شعبنا، عليهم إن يوقفوا هذا الإرهاب”.
طهران تبقي على شعرة معاوية فيما يتعلق بالإبقاء على المسار الدبلوماسي رغم ما أبدته ظاهريًا من تصعيد، حيث منحت الأوروبيين مهلة جديدة مدتها 60 يومًا إضافية، قبل أن تقدم على تنفيذ المرحلة الثالثة من تقليص تعهداتها النووية، معربة عن أملها أن “تتوصل إلى حل حتى لا تضطر إلى تنفيذ هذه المرحلة”.
المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، ذكر قبل ذلك أن إنقاذ الاتفاق النووي يحتاج إلى تنفيذ بقية الأطراف التزاماتها، معلنًا أن بلاده “ترحب بأي جهود وأفكار للتوصل إلى حلول مرضية للجميع”، فيما اعتبره البعض ضوءًا أخضر للوساطة الدولية للحيلولة دون تفاقم الأزمة والحد من مزيد من التصعيد.
حالة من القلق والترقب تخيم على المشهد خلال الآونة المقبلة، في ظل إصرار طهران على المضي قدمًا في ضغوطها عبر التخلي عن تعهداتها النووية طالما بقيت واشنطن على سياستها التصعيدية بفرض المزيد من العقوبات، الأمر الذي يدفع بالكرة في ملعب الوساطة الأوروبية للحيلولة دون تفاقم الأوضاع وهو ما ستكشف عنه الأيام القادمة.