ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقا للبنتاغون، عُثر على مجموعة من القذائف الموجهة “جافلن” قبل 10 أيام في قاعدة في غريان هجرها المقاتلون المؤيدون لحفتر الذين ينتمون إلى فرنسا. وفي هذه الحالة، وجدت باريس نفسها مجبرة مرة أخرى على تقديم توضيحات بشأن الموقف الفرنسي في ليبيا، التي تخضع منذ سنة 2011 لحظر الأسلحة.
حسب تحقيق للبنتاغون نُشر مساء يوم الثلاثاء الماضي من طرف صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن مجموعة الصواريخ من طراز جافلن أمريكية الصنع التي عُثر عليها في غريان، على بعد 80 كيلومترًا جنوب طرابلس، تعود لفرنسا. إثر ذلك ببضع ساعات، أكدت باريس صحة هذه المعلومة مشيرة إلى أن سبب استخدامها يتمثل في توفير “الحماية الذاتية لوحدة عسكرية فرنسية تم نشرها لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب”، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بمعدات “تالفة وغير صالحة للاستعمال”.
يوم الأحد 30 حزيران/ يونيو، عثرت القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس على الصواريخ الثلاثة الموجهة المضادة للدروع من طراز جافلن إلى جانب سبعة قذائف مدفعية من طراز جي بي 6 صينية الصنع في قاعدة غريان، بعد يوم واحد من استعادة السيطرة على هذه المدينة ذات الموقع الاستراتيجي. وبعد أن هجرها محاربو الجيش الوطني الليبي الفارين، الذين جعلوا من غريان مركز قيادة على جبهة الحرب، قُدّمت هذه الأسلحة للصحفيين باعتبارها دليلا آخرا يؤكد الدعم الأجنبي للمشير خليفة حفتر.
منذ سقوط معمر القذافي في سنة 2011، انتُهك الحظر على مبيعات الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة بشكل ملحوظ من طرف الرجل القوي في شرق البلاد، فضلا عن القوات المتحالفة لرئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج
بسبب وسوم وضعت على بعض الحاويات، نُسبت هذه الأسلحة في البداية إلى الإمارات العربية المتحدة، وهي الشريك الرئيسي للولايات المتحدة والحليف البارز لحفتر على الأراضي الليبية والتي تستخدم هي الأخرى هذا النوع من الأسلحة. ولكن بعد 10 أيام، تتبع تحقيق البنتاغون أصل الصواريخ الموجه المضادة للدروع أمريكية الصنع “التي يكلف كل منها أكثر من 170 ألف دولار وبيعت عمومًا لحلفاء مقربين”، وأفضت النتائج إلى أنها تخص فرنسا. أما بالنسبة للقذائف صينية الصنع، فهي تنتمي إلى الإمارات.
باريس “مجبرة على التوضيح”
منذ سقوط معمر القذافي في سنة 2011، انتُهك الحظر على مبيعات الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة بشكل ملحوظ من طرف الرجل القوي في شرق البلاد، فضلا عن القوات المتحالفة لرئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج. ويشتبه في دعم فرنسا للمشير حفتر الذي شن في الرابع من نيسان/ أبريل هجوما على العاصمة طرابلس. وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات وُصفت في مناسبات عديدة بأنها “غير مقبولة وغير مدعومة” من طرف إيمانويل ماكرون، إلا أن الحقائق الأخيرة قد أعادت فتح النقاش حول اللعبة الغامضة التي تلعبها فرنسا في ليبيا.
يذكّر جلال حرشاوي، المختص في الشؤون الليبية والباحث في المعهد الهولندي للعلاقات الدولية كلينجيندال، بأن: “مشاركة فرنسا في انتهاك الحظر ليس أمرا حديث العهد”. ففي شهر نيسان/ أبريل، أعلن رئيس الحكومة فايز السراج أن “أي علاقة بين الوزارة الليبية والجانب الفرنسي (كانت) معلقة بسبب موقف الحكومة الفرنسية (من النزاع)”.
بيّن المختص الأمني ومدير النشر في موقع “مينا ديفينس”، أكرم خريف، أن القذائف الموجهة من طراز “جافلن”، وهي سلاح أمريكي تم استيراده في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، “تنتمي بالفعل إلى الترسانة الفرنسية التي استخدمتها في شمال العراق وعلى الأرجح في أفغانستان أيضا”
حسب جلال حرشاوي، يجب الربط بين اكتشاف قذائف موجهة من طراز جافلين بالأحداث التي جدت خلال السنوات الثماني الماضية. وفي سنة 2016، أجبر مقتل ثلاثة من أعضاء المديرية العامة للأمن الخارجي في ليبيا عقب سقوط طائرة هليكوبتر بالقرب من بنغازي فرانسوا هولاند على التحدث حول هذا الموضوع. ووفقًا للرئيس الفرنسي السابق، اقتصرت فرنسا على “تنفيذ عمليات استخبارات محفوفة بالمخاطر”. واليوم، تماما كما حدث في الماضي، تبدو باريس التي تدعم رسميا حكومة فايز السراج المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، “مجبرة مرة أخرى على تبرير وجودها إلى صف خليفة حفتر”، على حد تعبير جلال حرشاوي.
يوم الأربعاء، أعلنت وزارة القوات المسلحة أن “هذه القذائف كانت موجهة للحماية الذاتية لوحدة عسكرية فرنسية تم نشرها للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب. وفي تصريح أدلت به إلى الصحافة، أفادت الوزيرة بأن: “هذه الأسلحة، التالفة وغير الصالحة للاستخدام، كانت مخزنة بشكل مؤقت في مستودع قبل تدميرها”. ولكن حسب جلال حرشاوي “أن تكون الصواريخ تالفة، فهذا ممكن، لكن أن ترسل فرنسا عملاء مخابرات بأجهزة تُستخدم حصريا للحماية الذاتية دون انتهاك الحظر، فهذا أمر لا يمكن تصديقه”.
وجود فرنسي في ليبيا؟
بيّن المختص الأمني ومدير النشر في موقع “مينا ديفينس”، أكرم خريف، أن القذائف الموجهة من طراز “جافلن”، وهي سلاح أمريكي تم استيراده في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، “تنتمي بالفعل إلى الترسانة الفرنسية التي استخدمتها في شمال العراق وعلى الأرجح في أفغانستان أيضا”. ووفقًا للمصدر ذاته، فإن هذا النوع من القذائف الموجهة “باهظة الثمن” يستخدم فعليًا “في عمليات مكافحة الإرهاب أو للدفاع عن موقع” ضد “الأهداف العسكرية وليس المدنيين”. ومع ذلك، “لا وجود لأي وثيقة تعلن فيها باريس استخدامها على الأراضي الليبية”.
أورد جلال حرشاوي أنه “تماما كما حدث في سنة 2016، يمكن أن يكون لهذه الفضيحة عواقب أكبر في فرنسا، أكثر من تلك التي قد تنجر عنها في ليبيا”
مع ذلك، حسب توجيهات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الأعضاء الخمسة)، الذي تعتبر فرنسا عضوًا دائمًا فيه، يجب الإبلاغ عن كل عملية نقل للأسلحة في ليبيا والموافقة عليها من قبل الأعضاء الخمسة إذا كانت موجهة للأطراف الفاعلة ميدانيا. وحسب فرنسا، كانت القذائف الموجهة مستخدمة من طرف أجهزة المخابرات، الأمر الذي قد يترتب عنه على كل حال وجود فرنسي في هذا المجال.
من جهته، أورد جلال حرشاوي أنه “تماما كما حدث في سنة 2016، يمكن أن يكون لهذه الفضيحة عواقب أكبر في فرنسا، أكثر من تلك التي قد تنجر عنها في ليبيا، حيث لا يغير هذا الأمر ديناميات صراع تجاوز الحدود الليبية”.
المصدر: جون أفريك