تزداد الأزمة الليبية تفاقمًا وتعقيدًا في ظل غياب الجهود الدبلوماسية والمبادرات السياسية لإيجاد حل سلمي، إضافة إلى الانقسام الدولي حول الملف الليبي، الذي استقطب تقريبًا كل الفاعلين الدوليين، بدءًا من أوروبا والخلاف الفرنسي الإيطالي وانحيازهما باتجاه أحد طرفي النزاع لضمان المصالح الاقتصادية (النفط)، ليعرف التدخل الخارجي ذروته من خلال الإمارات ومصر.
بعد تمكن قوات الوفاق المعترف بها دوليًا، من دحر قوات حفتر من القوس الغربي للقتال، الممتد من غريان إلى منطقة الهيرة، ثم منطقة ورشفانة (العزيزية والساعدية والكريمية والزهراء) ومنها إلى حي السواني، جنوبي طرابلس، فالمطار القديم، تستعد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعومة من برلمان طبرق (شرق)، لشن ما قيل إنّه هجوم حاسم تحت مسمى “المرحلة الثانية لتحرير طرابلس”.
وكان آمر اللواء 73 مشاة التابع لقوات حفتر اللواء علي صالح القطعاني، أكّد في تصريحات صحفية أنهم “في انتظار تعليمات القيادة العامة للجيش الوطني لتنفيذ المرحلة الثانية نحو الهدف الأكبر وهو الحسم النهائي لتحرير العاصمة”.
تحرّك حفتر الأخير لاستجاع مدينة غريان واقتحام العاصمة جاء بعد تنسيق مع حلفائه الإقليميين (الإمارات ومصر)
تُراهن قوات حفتر، بعد سقوط مركز القيادة الرئيسي في غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، على مدينة ترهونة، لاحتضان مركز القيادة الجديد، خاصة وأنها تمثل البوابة الثانية التي دخلت منها قوات الشرق إلى جنوبي طرابلس، إلاّ أنّ المفاوضات الأخيرة بين حكومة الوفاق وأعيان المنطقة، قد تُعيق جهود حفتر الذي يخشى من تعرضه لـ”خيانة” جديدة من مسلحي ترهونة، الذين سبقوا وأن قاتلوه ما بين 2014 و2016، لذلك سيسعى اللواء المتقاعد إلى استبدالها ببني وليد الواقعة على بعد 180 كلم عن العاصمة لجعلها مركز قيادة رئيسي لعملياته العسكرية، معتمدًا على بعض المليشيات التي أعلنت ولائها له، إضافة إلى الكتائب الموالية لنظام القذافي السابق.
تحرّك حفتر الأخير لاستجاع مدينة غريان واقتحام العاصمة جاء بعد تنسيق مع حلفائه الإقليميين (الإمارات ومصر)، حيث كشف مصادر برلمانية (طبرق)، أنّ اللواء المتقاعد حصل على وعود بعرقلة الجهود الدولية الرامية لإرجاع الأطراف الليبية إلى طاولة التفاوض، كفرصة أخيرة للسيطرة على طرابلس أو أجزاء منها ضمن حملة عسكرية جديدة.
جنجويد السودان
وكانت تقارير إعلامية أكّدت في وقت سابق، أن مسؤولين في الإمارات أبرموا خلال الفترة الأخيرة، اتفاقات لتزويد مليشيات خليفة حفتر، بمسلحين من السودان ودول إفريقية مجاورة، وذلك بتمويل من أبو ظبي والرياض.
تشير تقارير غير مؤكدة إلى وجود 600 رجل من قوات الدعم السريع في الجفرة جنوب سرت في قاعدة للجيش التابع للواء المتقاعد خليفة حفتر.
وأضافت ذات المصادر أنّ قادة الإمارات أبرموا اتفاقاً مع نائب رئيس المجلس العسكري في السودان، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، لتزويد مليشيات حفتر بمقاتلين من المليشيات المسلحة في السودان.
وكان مراسل لوموند الفرنسية، جان فيليب ريمي، أكّد أنّ حميدتي، أثناء فترة صعوده في مايو/أيار الماضي، زار الرياض في رحلة رسمية، ليضمن للسعودية دعم السودان في الحرب باليمن، وإن كان له حليفه الإقليمي الآخر الإمارات، حيث تذهب معظم صادراته من الذهب ويتزود ببعض الأسلحة، مضيفًا أن الخطوة التالية يمكن أن تكون بتقديم حميدتي التزاما في ليبيا، حيث تشير تقارير غير مؤكدة إلى وجود 600 رجل من قوات الدعم السريع في الجفرة جنوب سرت في قاعدة للجيش التابع للواء المتقاعد خليفة حفتر.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يتولى فيه مسؤولون إماراتيون أيضاً عملية تلميع لصورة “حميدتي” أمام دول الغرب، وتسويقه كشخص مؤهل لحكم السودان، والحفاظ على استقراره، وأوردت شبكة “بي بي سي” في وقت سابق، أنّ شركة علاقات عامة وتعبئة رأي كندية (ديكينز ومادسون) وقعت اتفاقا قيمته 6 ستة ملايين دولار أمريكي لتسهيل حصول المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الذي تتهم قواته بقتل عشرات المحتجين في الخرطوم، على اعتراف دبلوماسي دولي، وتمويل مالي.
نشرت “ذا غارديان” البريطانية، تقريرًا، مفاده أن “بن ميناشي” لا يزال على اتصال بشرق البلاد وبالتحديد مع زعيم جناحها العسكري حفتر
وبحسب ذات المصدر كان مدير شركة (ديكينز ومادسون) آري بن ميناشي، (ضابط استخبارات إسرائيلي سابق)، وتعمل شركته في تعبئة الرأي العام والتأثير فيه، وتلميع صورة العملاء مقابل مبالغ طائلة، استعان بخدماته كل من رئيس زيمبابوي السابق، روبرت موغابي، الذي أطيح به، واللواء الليبي المتقاعد الذي طلب هو الآخر مساعدتها.
بدورها نشرت “ذا غارديان” البريطانية، تقريرًا، مفاده أن “بن ميناشي” لا يزال على اتصال بشرق البلاد وبالتحديد مع زعيم جناحها العسكري حفتر، من خلال عقد بقيمة 6 ملايين دولار للضغط نيابة عنه وعن البرلمان على الإدارة الأميركية وحكومات مختلفة في العالم، من أجل تغيير سياساتهم إزاء ليبيا بما يخدم مصالح حفتر والبرلمان.
خطة أبو ظبي البديلة
لا تُخفي الإمارات دعمها لقوات شرق ليبيا بقيادة حفتر، وتعمل مع حليفتها مصر على دعمه ماديًا ولوجستيًا، إضافة إلى إسناده في الاجتماعات الدولية (الأمم المتحدة ومجلس الأمن)، وتسير أبو ظبي في خطين متوازيين في ذات الوقت، الأول يتمثل بالدفع بحفتر لاستعادة مواقعه جنوب طرابلس وتعزيز موقفه، أما الخط الثاني فهو ما كشفت عنه تقارير إعلامية، حيث تسعى الإمارات وعبر البعثة الأممية وغسان سلامة، إلى فرض حكومة جديدة برئاسة عارف النايض” رجلها الثاني في ليبيا.
كشف مصدر برلماني مقرب من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس نواب طبرق، عن لقاء جمع حفتر بالعارف النايض، سفير ليبيا السابق بالإمارات، والمرشح الأبرز لقيادة هذه الحكومة
وبحسب ذات التقارير، اتجهت الدولة الخليجية، بعد المبادرة السياسية التي تقدم بها حزب “تحالف القوى الوطنية” بقيادة محمود جبريل، الموالي لها، نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، لحلّ الأزمة الليبية سياسياً، إلى تحديد خطها السياسي بشكل أدق، من خلال إرغام حفتر على القبول بخضوعه لحكومة مدنية، تسعى إلى تشكيلها عبر مجلس النواب في طبرق، كحكومة “وحدة وطنية“.
وكشف مصدر برلماني مقرب من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس نواب طبرق، عن لقاء جمع حفتر بالعارف النايض، سفير ليبيا السابق بالإمارات، والمرشح الأبرز لقيادة هذه الحكومة، مضيفاً في حديث نقله “العربي الجديد“، أن هذا اللقاء أسفر عن قبول حفتر على مضض بالنايض رئيساً لحكومة مدنية، يخضع لها قراره العسكري.
كما نقل موقع “ليبيان إكسبرس” الناطق باللغة الإنجليزية أن حكام أبو ظبي لا يريدون الظهور في الصورة، لذلك كلفوا المصريين بتولي الموضوع، منوهًا بوجود تعقيد في إقناع خليفة حفتر بتشكيل هذه الحكومة، وإظهارها على أساس أنها قيادة سياسية، وبأنه يتبع قيادة مدنية.
الإماراتيين لازالوا يُعولون على دور حفتر العسكري في ليبيا، في إطار مشروع محاربة الإسلام السياسي
وكان عضو مجلس النواب الليبي، علي السعيدي القايدي، في مدينة طبرق، شرقي البلاد، صرّح أن الحكومة المصرية تستعد لعقد لقاء يجمع بين أعضاء مجلس النواب الداعمين لقوات حفتر ونواب رافضين للعمليات العسكرية بطرابلس في العاصمة القاهرة لمدة ثلاثة أيام، إلاّ أنّ بعض النواب الملتحقين بتجمع لمجلس النواب في طرابلس عقدوا جلسة تشاورية اتفق خلالها الحاضرون على عدم تلبية الدعوة المصرية، واصفين إياها بغموض الأهداف والأجندة، فضلاً عن موقف القاهرة من الحرب علي طرابلس المنحاز لقوات اللواء المتقاعد التي وصفوها بالمعتدية علي الشرعية والدولة المدنية.
إلى ذلك، ورغم أنّ مواقف وتصريحات حكام أبوظبي المتعلقة بليبيا تبدلت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، خاصة بعد انتكاسة حفتر وهزيمته في مدينة غريان، بدعوتهم مطلع الأسبوع الماضي، “الأطراف الليبية إلى خفض التصعيد وإعادة الانخراط في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة”، إلا أنّ الإماراتيين لازالوا يُعولون على دور حفتر العسكري في ليبيا، في إطار مشروع محاربة الإسلام السياسي، ودعم عسكرة الحكومات في المنطقة، وصناعة نموذجًا جديدًا لـ”سيسي مصر” في ليبيا.