منذ تشكيل الحكومة الجديدة في إيطاليا العام الماضي وأنظار العالم متجهة نحو ماتيو سالفيني، أو كما تلقبه الصحف الأجنبية بـ”الكابتن/القبطان سالفيني” الذي أصبح نائبًا لرئيس الحكومة ووزيرًا للداخلية معًا، ولم تكن هذه السلطة هي السبب الحقيقي لخطفه الأضواء، وإنما تصريحاته المثيرة للجدل والذعر في آن واحد. فما بين توعده بطرد اللاجئين ومنع بناء المساجد في البلاد، بات سالفيني نموذج ترامب الإيطالي ولا سيما أنه ذات مرة وصف نفسه بذلك حرفيًا، قائلًا: “أنا دونالد ترامب الإيطالي”.
وحاليًا، تتداول وسائل الإعلام اسمه بكثرة لما كشفه موقع “بازفيد نيوز” عن تلقي “ترامب أوروبا” تمويل روسي بملايين الدولارات بعد أن نشر الموقع الأمريكي تسجيلًا يؤكد فيه تلقي زعيم “الرابطة” تمويلًا لحركته السياسية اليمنية المتطرفة بهدف تقويض الديمقراطيات الليبرالية وتشكيل أوروبا القومية الجديدة المتحالفة مع موسكو. وما كان من سالفيني إلا أن ينفي هذا الاتهام، مستنكرًا حصوله على “روبل واحد أو يورو أو دولار أو لتر من الفودكا”. ومع تصاعد حدة الشكوك والادعاءات، نحاول في هذا المقال التعرف على سالفيني وتوجهاته وطموحاته التي يسعى لتحقيقها في أوروبا.
البدايات والتحولات السياسية
يعتبر سالفيني واحدًا من رجال السياسة الشعبويين القوميين الدكتاتوريين الشكوكيين المتشددين والمعادين للاجئين والعولمة واليورو، وذلك تبعًا لآرائه وتوجهاته الأيديولوجية التي سنتعرف عليها شيئًا فشيئًا بعد أن نلقي الضوء على بداية ظهوره في الساحة السياسية.
تغيرت ميول سالفيني السياسية وانتقل من الجناح اليساري إلى اليمين الشعبوي، مطالبًا بالدفاع عن الهوية والصلاحيات المحلية وبذلك ذهبت مبادئ المجتمع الاشتراكي والتضامن والعدالة الاجتماعية أدراج الريح
ولد سالفيني في عام 1973 بمدينة ميلانو، عاصمة الشمال الإيطالي، وهو ابن رجل أعمال وربة منزل، وعائلة تقليدية وبعيدة عن الشواغل السياسية. التحق بجامعة ميلانو، حيث درس العلوم السياسية لأول مرة ثم انتقل إلى كلية العلوم التاريخية، ولكنه توقف عن الدراسة من أجل بدء حياته السياسية ولم يتخرج أبدًا. في هذه الأثناء، انضم سالفيني إلى المركز الاجتماعي اليساري المستقل “ليونكافالو”، والذي أحدث فرقًا واضحًا في توجهاته السياسية المبكرة قبل أن يصبح الممثل الرئيسي لحزب الرابطة اليميني.
لمع اسمه للمرة الأولى في عالم السياسية بشكل رسمي وواسع حين ترشح للمرة الأولى في الانتخابات المحلية وفاز بعضوية المجلس البلدي لمدينة ميلانو عام 1993، وبعدها بـ 4 أعوام تغيرت ميول سالفيني السياسية وانتقل من الجناح اليساري إلى اليمين الشعبوي، مطالبًا بالدفاع عن الهوية والصلاحيات المحلية وبذلك ذهبت مبادئ المجتمع الاشتراكي والتضامن والعدالة الاجتماعية أدراج الريح.
وتدريجيًا دفعه هذا التغيير لزعامة “رابطة الشمال” اليمينية، ولم يكن هذا الانعطاف عاديًا أو عابرًا بالنسبة للعديد من المشككين في دوافعه وخلفياته، إذ يرى بعض المراقبين أن تغيره وبروزه اللافت جاء بدعم من قوى خارجية وفي ذلك إشارة إلى موسكو والقوى اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ذلك فإن التسريب الأخير قد يؤكد بعض الشكوك المتداولة حول معتقداته السياسية التي يقود إيطاليا من خلالها.
خيرت فيلدرز (من اليسار) وماتيو سالفيني ومارين لوبان
واستكمالًا لمسيرته السياسية، نعود لعام 2004 عندما فاز سالفيني بمقعد في البرلمان الأوروبي عن “رابطة الشمال” وشهدت علاقاته السياسية تقربًا عميقًا وشديدًا مع الأحزاب اليمينية الأخرى في الاتحاد، مثل علاقته بمارين لوبان، زعيمة حزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي، وخيرت فيلدرز، زعيم “حزب الحرية” الهولندي المتطرف. وبالرغم من اجتهاده في نسج الكثير من التوازنات والولاءات السياسية، إلا أن المحطة الأهم في مساره كان في عام 2013، عندما حصل على 82% من الأصوات ضد مؤسس الرابطة، أومبرتو بوسي الذي نهشت فضائح الفساد المالي سمعته بالكامل، ما يفسر خسارته بهذا الشكل أمام سالفيني.
قبل أن يتولى سالفيني زعامة الحزب، عُرفت الرابطة بمواقفها المعتدلة نسبيًا تجاه العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والملفات الاجتماعية، ولكن منذ أن ترأس الرابطة راح سالفيني ينتقد ويهاجم العديد من الملفات الكبرى مثل الهجرة والسياسة المالية والتجارية، كما أسقط مصطلح “الشمال” من اسمها واستبدل شعار “استقلال بادانيا” بشعار “الخروج من منطقة اليورو”، واتضحت ملامح نهجه ومساره بالكامل.
أبرز مواقفه
في عام 2014، كانت أزمة اللاجئين في ذروتها ولم يكن موقف الحكومات الأوروبية واضحًا بعد، ولكن سالفيني الذي رأى آلاف المهاجرين يتدفقون على سواحل إيطاليا، تبنى خطابًا عدوانيًا وصريحًا ضد هذه القضية وقال إن “زمن المهاجرين الجميل ولى”، ما ساعده بطريقة ما على استقطاب شريحة واسعة من المؤيدين لأفكاره ولا سيما خارج المقاطعات الشمالية، ما دفع سالفيني إلى تأسيس فرعين للحزب في إيطاليا الوسطى والجنوبية، بحثًا عن المزيد من الأنصار.
عقب هذا التوسع بعام واحد، نزل سالفيني إلى الشارع ضمن مظاهرة حاشدة في روما ضد الهجرة واحتجاجًا على سياسة الحكومة ورفض الدول الأوروبية مساعدة بلاده على احتواء هذه الأزمة ومعالجتها بالشكل المطلوب، ولم تغب الحدة عن خطاباته وشعاراته، حتى أنه انتقد مواقف البابا فرنسيس ودعواته إلى التضامن مع اللاجئين واستضافتهم في بيوتهم. وذلك بالرغم من جميع التحذيرات والانتقادات التي تعرض لها بسبب خطاباته اللاذعة واللا إنسانية، إلا أن كلماته العدوانية اكسبته المزيد من الشعبية والشرعية في الشارع الإيطالي وفي الأوساط اليمينية.
إذ يعود الفضل إليها أيضًا في الانتخابات العامة الأخيرة، عندما تقدم سالفيني على خصمه سيلفيو برلوسكوني، لتصبح بذلك الرابطة القوة السياسية الثالثة في إيطاليا بعد حركة النجوم الخمس الشعبوية والحزب الديمقراطي اليساري.
مخاوف وهواجس
مع تقدم سالفيني المستمر وازدياد شعبيته وسلطته السياسية، تزداد في المقابل مخاوف المهاجرين في إيطاليا، والذين يقدر عددهم بنصف مليون لاجئ، بسبب مواقفه العدائية الواضحة لوجودهم ولا سيما بالنسبة للمسلمين منهم، فلقد صرح مرارًا أنه “لن يتيح المجال للخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة” في بلاده، وسيحاول “قصارى جهده لتجنب هذه النهاية المحزنة لأوروبا”.
يُعرف بموقفه الشهير تجاه انضمام تركيا، الدولة ذات الأغلبية المسلمة، إلى الاتحاد الأوروبي، ورفضه للنظر في مطالبها خوفًا من “المخاطر التي تهدد الأمة جراء التمازج العرفي” وحرصًا على “نقاء الأمة غير الملوثة”.
ولذلك يدعو لحظر المساجد وهدمها لأنه “لا مجال للتوفيق بين التشريعات المدنية الإيطالية وأحكام الشريعة الإسلامية”، مضيفًا أن لديه دواء جديد لإصلاح البلاد، اسمه “علاج ترامب”، ويقصد به اتباع سياساته المتشددة تجاه قضية المهاجرين وخاصة فيما يتعلق بنفقات استقبالهم التي سماها “عملية المقص”. يضاف إلى ذلك موقفه الشهير بخصوص انضمام تركيا، الدولة ذات الأغلبية المسلمة، إلى الاتحاد الأوروبي، ورفضه للنظر في مطالبها خوفًا من “المخاطر التي تهدد الأمة جراء التمازج العرفي” وحرصًا على “نقاء الأمة غير الملوثة”.
طالت انتقادات سالفيني السياسات المالية في الاتحاد الأوروبي، فلطالما وصف اليورو بـ”العملة الفاشلة والتجربة المدمرة”، مضيفًا أن “انضمام إيطاليا إلى منطقة اليورو خطأ تاريخي، لأن برلين لم تتخل عن رؤيتها لدورها في أوروبا بعد سقوط النازية، بل عمدت إلى فرضها بالاقتصاد بدل القوة العسكرية”. هادفًا إلى الحد من سلطات الاتحاد الأوروبي واستعادة حق الكفاءات الوطنية في مجالات التجارة والزراعة.