ترجمة وتحرير: نون بوست
هناك قصة منشأ مشتركة بين المليارديرات اليمينيين المتطرفين الداعمين لدونالد ترامب: جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري.
فقد نشأ كل من إيلون ماسك وبيتر ثيل – أكبر مليارديرات التكنولوجيا الداعمين لترامب – هناك، حيث نشأ آباؤهم هناك وأصبحوا أثرياء في استخراج الماس واليورانيوم على التوالي، وهما قطاعان كانا في صميم اقتصاد الفصل العنصري.
وقال أستاذ جامعة بوسطن كوين سلوبوديان في مقابلة حديثة: “إن مركزية جنوب أفريقيا بالنسبة للتيار اليميني المتطرف والنيوليبراليين أمر استثنائي للغاية”، مضيفًا: “بالنسبة لماسك نفسه، كانت تجربة نشأته هناك مع والد قاسٍ ومستبد للغاية تجربة بائسة للغاية، كما يرويها مؤلف سيرته الذاتية”.
ووفقًا لسلوبوديان، كان ماسك يرى جنوب أفريقيا كحرب داروينية بين الجميع ضد الجميع، وهو الآن ينقل هذه الرؤية العدمية للعالم من خلال دعمه البارز لعدد من الشخصيات اليمينية المتطرفة، بدءًا من ترامب وصولًا إلى نايجل فاراج وحزب اليمين المتطرف الألماني “البديل من أجل ألمانيا“.
لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة أن يكون هذان المليارديران، إلى جانب آخرين لهم صلات بجنوب أفريقيا، مثل جامع التبرعات لترامب ديفيد ساكس، في طليعة نخبة يمينية متطرفة عالمية جديدة تدفع العالم نحو الفاشية وحرب حضارات.
لقد كانت فئة المليارديرات تجمع تريليونات الدولارات على حساب الناس العاديين منذ عقود، وهي عملية تسارعت مع كل من أزمة كوفيد والحرب الأوكرانية.
وكما كشفت حادثة مقتل أحد التنفيذيين في صناعة الصحة الأمريكية مؤخرًا، فإن الأثرياء بشكل متزايد يخشون من أن يبدأ الناس العاديون في الانقلاب على أولئك الذين يستغلونهم ويتسببون في معاناة ملايين الأشخاص وموتهم المبكر.
وفي مقابلة أجريت مؤخرًا مع بيرس مورغان، سُئل ثيل عن سبب اعتقاده بأن الكثير من الناس يتعاطفون مع لويجي مانجوني، القاتل المزعوم للرئيس التنفيذي لشركة “يونايتد هيلث كير” براين تومبسون، وقد أربكه السؤال، فقال: “أم… إنه… آه… لا أعرف ماذا أقول”.
بعد أن بدا وكأنه يذوب أمام الكاميرا، قال ثيل في النهاية: “ما زلت أعتقد أنه يجب عليك محاولة تقديم حجّة، وأعتقد أن هناك… قد تكون هناك أشياء خاطئة في نظام الرعاية الصحية لدينا، لكن عليك أن تقدم حجّة وعليك أن تحاول إيجاد طريقة لإقناع الناس وتغييره من خلال ذلك.”
ما توضحه هذه المقابلة، وغيرها من المقابلات الأخرى، هو أن أمثال ثيل وماسك لا يستطيعون التعامل مع أي أسئلة سوى الأسئلة السهلة حول كيفية تعمل عدم المساواة في الثروة وتكنولوجيا المراقبة معًا على تقويض المجتمع وتدميره.
ثيل عن غزة
عندما تم مواجهته السنة الماضية بشأن دور الذكاء الاصطناعي في تكنولوجيا الجيش الإسرائيلي المستخدمة في تنفيذ الإبادة الجماعية في غزة (وهو أمر تشارك فيه شركاته بشكل كبير)، كان ثيل مرة أخرى غير متماسك في حديثه.
وقال: “انظر مجددًا… أنا لست… لست… كما تعلم، كما تعلم… دون… دون الخوض في كل التفاصيل… كما تعلم، أنا لست على اطلاع بكل التفاصيل حول ما يحدث في إسرائيل، لأن تحيزي هو التنازل لصالح إسرائيل. ليس من شأننا أن نعيد تقييم كل شيء. وأنا أعتقد أن الجيش الإسرائيلي بشكل عام هو من يقرر ما يريد القيام به، وأنهم على الأرجح على صواب.”
وفي مقابلات أخرى، ركّز ثيل على النبوء٤ة التوراتية حول نهاية العالم التي يشعر أنه قد تتحقق نتيجة للتكنولوجيا المدمرة التي تم إطلاقها منذ هيروشيما في سنة 1945.
إن انتشار الأسلحة النووية هو أمر يمثل اهتمامًا عائليًا وثيقًا، فقد كان والد ثيل متورطًا في الجهود السرية لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لشراء اليورانيوم النووي في ناميبيا.
وما لا يذكره هو أن التكنولوجيا الخاصة بشركته تجعل نهاية العالم أقرب من أي وقت مضى. فشركة “بالانتير”، وهي شركة تكنولوجيا دفاعية، تعتبر مستثمرًا رئيسيًا ومطورًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وعلى مدار أكثر من عقد من الزمن، حصلت الشركة على عقود كبيرة من مختلف وكالات الحكومة الأمريكية، بما في ذلك وزارة الدفاع، ووزارة الأمن الداخلي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
وبصفته أحد المؤسسين لشركة “باي بال”، وأحد المستثمرين الأوائل في “فيسبوك”، ومؤسس شركة “بالانتير”، يقوم ثيل حاليًا بالاستحواذ على بيانات خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة بموجب عقد حكومي بقيمة 480 مليون جنيه إسترليني (حوالي 600 مليون دولار أمريكي) تم توقيعه في سنة 2023. وتبدو آراؤه حول الرعاية الصحية العامة واضحة؛ حيث قال: “الطرق السريعة تخلق الزحام، والرعاية الاجتماعية تخلق الفقر، والمدارس تجعل الناس أغبياء، وهيئة الخدمات الصحية الوطنية تجعل الناس مرضى”.
تُستخدم تقنيات بالانتير في كل من الحروب المدعومة من الولايات المتحدة في غزة وأوكرانيا. كما أفاد تقرير مجلة “ريسبونسيبل ستيت كرافت” السنة الماضية، “لقد اختبرت بالانتير في الوقت الحقيقي منصتها الجديدة للذكاء الاصطناعي (إيه آي بي) في جبهة الحرب الأوكرانية. وقد وُصفت بأنها “نظام استخبارات واتخاذ قرارات يمكنه تحليل أهداف العدو واقتراح خطط المعركة”. وتشمل تقنيات “بالانتير” الأمنية الأخرى للذكاء الاصطناعي “للتحقيق في التنبؤات الشرطية والمراقبة”.
الخوف من المليارديرات
ربما ليس من المستغرب إذًا أن يقول ثيل إنه لا يدعم التحكم في هذه التقنيات، على الرغم مما يعترف بأنها مخاطر وجودية.
وقد أوضح ثيل معارضته لسيطرة الحكومة على رأس المال التكنولوجي في مقابلة أجراها معه معهد هوفر: “بمجرد أن تحصل على حكومة عالمية شمولية، والسبب الذي يجعلني أحب أن أطرح هذا الخطر هو أنه يبدو لي أن الحل الضمني للمخاطر الوجودية هو الميل إلى دولة عالمية واحدة غير ديمقراطية، والتي ستنظم هذه التقنيات وتوقفها بشكل صارم، وإذا تمكنت غريتا [ثونبرغ] من إقناع الجميع على هذا الكوكب بركوب دراجة هوائية وربما تكون هذه طريقة لحل مشكلة تغير المناخ. ولكن الأمر أشبه ما يكون بالانتقال من المقلاة إلى النار”.
ويعتقد ثيل أن الحكومة الكبيرة ومنظمات تنظيم المناخ من بين أسباب التباطؤ في تحسين مستويات المعيشة في الولايات المتحدة التي طرأت خلال الخمسين سنة الماضية. وهو “يفضل” هذه التفسيرات على التفسيرات الواضحة: أن المليارديرات والشركات قد استحوذوا على جميع المكاسب الناتجة عن التكنولوجيا، مما ترك الناس العاديين يكافحون.
وإذا كنت لا تعتقد أن المليارديرات يسيطرون على أمريكا بالفعل، فقد عين دونالد ترامب، على الأقل، 13 مليارديرًا في المناصب الحكومية في إدارته المقبلة.
في الماضي، كان المليارديرات متبرعين وأصحاب النفوذ، وكان السياسيون يرضخون لهم لأنهم كانوا يرغبون في “استثمارهم”. ولكن في عهد إدارة ترامب، سيقومون بإدارة الحكومة بأنفسهم.
ويمثل هذا خطرًا سياسيًا كبيرًا على الرجال الذين يسيطرون على التقنيات التي تهيمن الآن على حياتنا، فهم بحاجة إلى إستراتيجيات لضمان ألا يلومهم الجمهور على عدم ارتفاع مستويات المعيشة، ولماذا أصبح العالم الغربي يشعر بشكل متزايد وكأنه عالم تقني بائس.
وتتمثل الإستراتيجية التي توصل إليها هؤلاء المليارديرات في خلق الخوف والعداء تجاه “الآخر”؛ المهاجرين، والمسلمين، والإرهابيين، و”الصحوة”. فهذه التهديدات التي يتم تضخيمها باستمرار تصرف الانتباه عن القوى الحقيقية لرأس المال المليارديري، والتدمير البيئي، والعنف الإمبريالي الذي يشكل عالمنا.
خطط ماسك للمملكة المتحدة
وفي هذا السياق، قام مالك شركة “سبيس إكس” و”إكس”، ماسك، بتعيين نفسه “ساحر أوز” لحركة اليمين المتطرف المناهضة لـ”فرسان الاغتصاب والاستبدال الكبير”، حيث يقول الآن إن نايجل فاراج لم يعد مؤهلاً لقيادة حزب الإصلاح المعادي للهجرة في المملكة المتحدة لأنه لن يدعم الناشط المسجون ستيفن يكسلي لينون، المعروف أكثر باسم تومي روبنسون.
ويقبع روبنسون في السجن بتهمة ازدراء المحكمة لترديده أكاذيب خطيرة عن طفل سوري لاجئ. إنه نوع منخفض جدًا من الاستشهاد بالنسبة لبلطجي مؤيد لإسرائيل، ولكن بالنسبة لماسك، فإن دعم روبنسون هو ما يريده من حزب الإصلاح إذا كان سيقوم بتمويله بملايينه اللامتناهية.
وقد أفادت التقارير أن استثمار ماسك في ترامب – الذي بلغ 250 مليون دولار لحملته الانتخابية – قد حقق له 200 مليار دولار من ارتفاع قيمة الأسهم منذ الانتخابات، وهو ما يمثل عائدًا قياسيًا.
وأبدى ماسك أيضًا اهتمامًا شديدًا بالسياسة البريطانية منذ إثارة الكراهية حول حوادث الطعن في ساوثبورت الصيف الماضي، والتي أثارت أعمال شغب في جميع أنحاء إنجلترا. وقال على “إكس” إن “الحرب الأهلية أمر لا مفر منه” وبذل قصارى جهده للتحريض عليها.
وقد ناشد مرارًا وتكرارًا الملك تشارلز إقالة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وحكومته من منصبه بسبب عدم اتخاذ ستارمر أي إجراء ضد المتحرشين بالأطفال عندما كان مديرًا للنيابة العامة من 2009 إلى 2013.
وأكثر من ذلك، فقد عين ماسك نفسه زعيمًا لليمين المتطرف المعادي للإسلام في الغرب، ولا يخشى أن يمنعه أحد؛ إنه غارق في الإسلاموفوبيا التي يعاني منها.
بينما ماسك، مثل ثيل، يبالغ في الحديث عن “التهديد” من المسلمين، وينشر الأكاذيب التحريضية على منصته “إكس”، فإن ثيل أيضًا يبالغ في الحديث عن تهديد “الحكومة العالمية الواحدة”، وهو الخوف المفضل لمعظم الليبراليين اليمينيين.
البقاء في الصدارة
المليارديرات من أمثال ثيل وماسك هم كبار اللاعبين في النظام العالمي الحالي، وهم لا يريدون أن يتدخل لاعب أكبر منهم ويوقف أنشطتهم المتهورة والمربحة للغاية. ولعلهم يخشون من أن يقوم حزب أو حكومة تتبنى الاشتراكية أو ببساطة تتحلى بالشجاعة الكافية لفرض ضرائب على الثروة بوضع ضوابط على رؤوس أموال المليارديرات، وحرمان أسياد الكون هؤلاء من ثرواتهم وسلطتهم. (حتى أن ثيل ألمح إلى أن السيناتور بيرني ساندرز، الذي انتقد الاقتصاد المنحاز لعقود، قد يمكن أن يكون “المسيح الدجال”).
ويُعد ماسك شخصية رئيسية في إدارة دونالد ترامب الجديدة، حيث سيكون دوره هو تقليص الحكومة الأمريكية بشكل كبير وتدميرها، بطريقة مشابهة للرئيس اليميني المتطرف في الأرجنتين، خافيير ميلي، الذي يُعرف باستخدامه المنشار الكهربائي في سياساته.
لقد اتخذ التاريخ منعطفًا مذهلاً، فكل شيء يتسارع نحو النهاية الكارثية، فالإبادة الجماعية في فلسطين، تهديدات ترامب بالاستيلاء على أراضٍ ذات سيادة في الأمريكتين وغرينلاند، ماسك ووسائل الإعلام اليمينية في حالة هياج مع الهستيريا المستمرة المعادية للإسلام.
وبالنسبة للأيديولوجيين في فئة المليارديرات، فإن الإستراتيجية المفضلة للبقاء في السلطة هي تحريض الجماهير على الكراهية والإبادة الجماعية، وإثارة الخوف، وأي شيء يمنعهم من ربط الأحداث والتحول ضد المليارديرات الذين يستولون على حاضرنا ومستقبلنا ويحققون الأرباح من الحروب المستمرة.
إنه زمن الكوابيس. ويجب أن نستيقظ.
المصدر: ميدل إيست آي