قبل ثورة الـ25 من يناير سيطر على سوق الكتب المصرية “ترند” جديد وهو “الكتب الساخرة” الذي استمر بدوره لفترة في السنة التالية للثورة، فقد بدأ الجميع يتجه نحوه، حتى من لا يملكون أي روح ساخرة، فقط قرروا اتباع هذا النمط لينالوا بعض الشهرة التي نالها الآخرون. في وسط هذه الموضة الجديدة، ظهر على ساحة سوق الكتب المصرية أدب جديد، هو أدب الرعب، وفور ظهوره بدأ الجميع في مهاجمته، لكن على عكس المتوقع، فأرقام مبيعاته كانت صادمة.
دار ن وتأسيسها لأدب الرعب
فور ظهور أدب الرعب على الساحة بدأت دار “ن للنشر والتوزيع” في جمع كتابه والتعاقد معهم على كتب رُبما لم تكتمل في محاولة منها لدعم ذلك الأدب الجديد الذي هُوجم منذ الإصدار الأول، لم تكن دار “ن” متخصصة في نشر أدب الرعب فقط، لكن بسبب دعمها لذلك النوع من الأدب ونجاحه الشديد ظن البعض أن كل إنتاجها من الرعب.
يقول حسام حسين مؤسس “دار ن للنشر والتوزيع” في حديثه لـ”نون بوست”: “حب المصريين للرعب ليس شيئًا جديدًا، فجذوره تمتد إلى الأربعينيات، عندما كنا نجتمع لمشاهدة أفلام مثل إسماعيل ياسين في متحف الشمع، وهناك كذلك سلسلة ما وراء الطبيعة التي أمتعت جيلًا كاملًا من الشباب”.
أضاف: “عقب ثورة الـ25 من يناير بدأ ذلك النوع من الأدب في الانتشار، لم يشعر الشباب برغبة في قراءة أي شيء عن السياسة أو الحب.. فقط أرادوا الهروب بعيدًا عن واقعهم، وقد شكل لهم أدب الرعب ذلك المخرج، لذلك كان على الدار دعم ذلك النوع من الأدب البكر، وقد اشتهرت الدار بذلك في مصر والخليج أيضًا، مما دفع بعض دور النشر الجديدة لسلك الطريق ذاته في محاولة منهم لدعم أدب الرعب أيضًا، وهذا شيء أسعدني أن يكون هناك من يسير على خطى دار ن”.
لماذا تتجه السوق المصرية نحو كتابة الرعب؟
أحد أشهر كتاب الرعب الشباب في وقتنا الحاليّ هو الكاتب محمد عصمت، وله 11 كتابًا منشورًا منهم ثلاثة مترجمين، اشتهر محمد عصمت بكتبه “الممسوس” و”ذاتوي” و”التعويذة الخاطئة”، وآخر رواياته هي “باب اللعنات”.
عصمت كاتب من دمياط، بدأ مشواره بكتابة الفانتازيا والخيال العلمي، كذلك كتب أحد المسلسلات الإذاعية، لكنه عندما قرر احتراف الكتابة اختار “أدب الرعب”، يحب القراءة لعمالقة أدب الرعب مثل هوارد فيليبس لافكرافت وتشارلي هيغسون وستيفين كينغ وكليف باركر.
سبب اختيار محمد لكتابة الرعب كان غريبًا للغاية، حسب قوله، فقد اختار أن يكون كاتب رعب بدافع الخوف! فنجده يخاف من العديد من الأشياء مثل: الظلام والمهرجين والأطفال! أراد عصمت مواجهة مخاوفه تلك، فيتحداها ويخرجها فوق إحدى الأوراق، فبدأ بكتابة مخاوفه، وكان هذا الدافع الأول، أما دافعه الثاني فهو كون أدب الرعب مختلفًا، يجعله يفكر فيما يحدث حوله بطريقة مختلفة عن الجميع، وهذا ما يجعل الكاتب كاتبًا، رؤيته للأشياء بشكل مختلف، تلك الأشياء التي قد تمر مرور الكرام أمام شخص ما، تستوقفه وتجعله يفكر في الأسباب الخفية ورائها، ومنذ تلك اللحظة تحول محمد عصمت إلى كاتب رعب، مشتهرًا بلقب “بتاع الرعب”، ومؤخرًا صدر له برنامج يحمل الاسم نفسه “بتاع الرعب“.
يجيبنا الكاتب محمد عصمت عن سؤال: لماذا تتجه السوق المصرية ناحية أدب الرعب قائلًا: “أدب الرعب يمتاز بالاختلاف، فالسوق المصرية متشبعة بالحبكات والأفكار المكررة التي لا تتغير، مما جعل الفرصة سانحة أمام أدب الرعب بأفكاره الجديدة الخارجة عن المألوف، فأدب الرعب يطرح أفكارًا جديدة ومخاوف جديدة تجعل القارئ ينجو من فخ التكرار”.
ويرى عصمت أن استمرار انتشار أدب الرعب في السوق المصرية متوقف على كاتب الرعب نفسه بشكل رئيسي، فاحترام الكاتب لعقلية القارئ وتقديمه لحبكات تحترم ذكاءه سيضمن استمراره، لكن لو تكررت تلك الحبكات أو ظلت في صراع واحد مثل “الإنس والجن”، لن يصبح عندها أدب الرعب مختلفًا عن الأنواع الأخرى التي وقعت في فخ التكرار، فإذا أراد كاتب الرعب الاستمرار فعليه التفكير خارج الصندوق، فيقرأ كثيرًا ويحترم قارءه لأنه أهم شيء.
هناك نوع من الراحة ينتاب الشخص منا عند الانتهاء من مشاهدة أحد أفلام الرعب أو قراءة رواياته، تلك الراحة التي تخبرنا أنه ليس علينا القلق، لأن تلك الأشياء المخيفة لن تحدث لنا، إنها مجرد تسلية
لماذا يحب بعضنا أدب الرعب؟
الكثير من المواقف المخيفة وحبكات تقطع الأنفاس.. ما الذي يجعل بعض البشر يعرضون أنفسهم بشكل طوعي لما يبدو كتجربة غير سارة بل ومخيفة؟ ولماذا يتفاعلون بقوة مع تلك النوعية من الروايات؟
هذا شيء عجيب حقًا مثل الأشخاص الذين يستمتعون بالسياحة السوداء، يبدو أن الأمر يعود إلى الجنس البشري نفسه، فكلما تحضر أكثر فأكثر وجد متعة في تجارب لن يستطيع خوضها في سياق آمن، لذلك يمكنه على الأرجح تجربة ذلك من خلال السياحة السوداء التي تجعله يجرب العديد من الأشياء المخيفة في نطاق آمن قليلًا أو ألعاب الملاهي المفزعة وقراءة روايات الرعب.
كذلك هناك نوع من الراحة ينتاب الشخص منا عند الانتهاء من مشاهدة أحد أفلام الرعب أو قراءة رواياته، تلك الراحة التي تخبرنا أنه ليس علينا القلق، لأن تلك الأشياء المخيفة لن تحدث لنا، إنها مجرد تسلية، غير حقيقية، وكلما مر الوقت ابتكر الأشخاص طرقًا جديدة لإرعاب وإرهاب أنفسهم!
أخيرًا، أشير إلى أنني سبق أن نشرت في “نون بوست” عددًا من المقالات لمحبي الرعب، فإن كنت منهم يمكنك قراءة سلسلة مقالاتي عن “السياحة السوداء” في “آسيا ودول “الستان“ و“إفريقيا“.