شارك مقاتلون مهاجرون إلى جانب فصائل المعارضة السورية ضد النظام السابق خلال معارك عسكرية متفرقة شهدتها الجغرافيا السورية بعدما تحول الحراك السلمي إلى حراك مسلح في مواجهة قوات النظام البائد بدءًا من عام 2012 وصولًا إلى فرار بشار الأسد وسقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
قصد المقاتلون المهاجرون الأرض السورية من دول آسيوية وأوروبية وإفريقية وعربية على مراحل تدريجية بهدف “الجهاد” والعمل المسلح ضد النظام السابق، وانخرط بعضهم للقتال أفرادًا إلى جانب فصائل المعارضة، بينما فضل آخرون تشكيل مجموعات جهادية مسلحة تتمتع بارتباطات أيدولوجية.
مرّت الحركات الجهادية للمهاجرين بمراحل عديدة تزامنًا مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي انخرط في قتال ضد فصائل المعارضة السورية وفصائل إسلامية وجهادية متعددة من بينها جبهة النصرة التي بايعت تنظيم القاعدة وانفصلت عنه بعد سنوات في سياق سياستها البراغماتية.
لكن منذ عام 2017 ظهر شكل مختلف للمقاتلين المهاجرين بالتوازي مع تغيرات طرأت على أبرز الفصائل العسكرية التي قادت تحولات براغماتية نوعية بدءًا من جبهة النصرة، وجبهة فتح الشام، وصولًا إلى هيئة تحرير الشام التي شكلت عماد الهجوم العسكري، إلى جانب فصائل المعارضة ومقاتلين مهاجرين في عملية ردع العدوان التي أطاحت بنظام الأسد.
المقاتلون المهاجرون
أسهمت التحولات التي قادتها هيئة تحرير الشام في مناطق نفوذها بدءًا من عام 2017 في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، في تفكيك وتحجيم دور الجماعات المتشددة التي ترتبط بالقاعدة، بينما استطاع مقاتلون تقلد مراكز قيادية في صفوفها لأنهم محطة ولاء مباشر لقيادتها ومشروعها السوري.
تعاملت “تحرير الشام” مع ملف المجموعات بشكل حذر، ما دفع بعضها إلى الاندماج ضمن صفوفها ضمن ألوية تنظيمية تكن الولاء للهيئة وقراراتها، وأخرى اتجهت إلى علاقات سلمية معها دون التدخل في الشؤون الإدارية أو التخلي عن استقلاليتها، لكنها أظهرت تعاونًا واضحًا في غرفة عمليات الفتح المبين، وشاركت في معركة ردع العدوان بكامل طاقتها.
يعد الحزب الإسلامي التركستاني (TIP) من أبرز الفصائل المهاجرة التي شاركت في عملية ردع العدوان، وقبلها غرفة الفتح المبين، وتتمتع بعلاقة جيدة مع “تحرير الشام”، ويتكلم منتسبو الحزب اللغة الإيغورية وينحدرون من تركستان الشرقية، ويتراوح عددهم بين 1000 و1500 مقاتل.
ينتشر مقاتلو الحزب في: جسر الشغور وجبل السماق وسهل الغاب وجبلي الأكراد والتركمان المحاذيين للحدود التركية – السورية منذ حضورهم في سوريا عام 2014، وعلى الرغم من تصنيفه على قوائم الإرهاب لدى روسيا والصين وبريطانيا والولايات المتحدة، فإن الأخيرة أزالته من قوائم الإرهاب في 2020 خدمةً لصراعها مع الصين.
كما نشطت كتيبة التوحيد والجهاد المكونة من 400 إلى 500 مقاتل، ولعبت دورًا بارزًا خلال معركة ردع العدوان، وينحدر مقاتلوها من الأوزبك والطاجيك وجنسيات أخرى من آسيا الوسطى، ويرجع تأسيسها في سوريا إلى عام 2013 لكنها انضوت في صفوف هيئة تحرير الشام ضمن “لواء أبو عبيدة الجراح”.
تمتلك الكتيبة قدرات قتالية نوعية مثل عمليات القنص والمدفعية وقذائف الهاون والهجمات المباشرة والعمليات خلف خطوط العدو، وتتخذ مقارًا لها في منطقة جسر الشغور والمرتفعات الجبلية في ريف اللاذقية الشمالي، وأدرجت على قوائم الإرهاب في 2022 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
كما شارك جهاديو الألبان أو جماعة الألبان بالقتال في سوريا، وظهرت الجماعة عام 2012 ويصل أعدادها إلى ما يقارب 100 مقاتل من جنسيات ألبانيا ومقدونيا وكوسوفو، وغادر جزء من مقاتليها إلى أوكرانيا للحرب ضد روسيا، وتمتلك وحدات القناصة والمناجم والمدفعية وقذائف الهاون، وتحالفت مع هيئة تحرير الشام ضمن عملية ردع العدوان.
إضافة إلى كتيبة المجاهدين الغرباء، أو كتيبة الغرباء التركستانية، يتراوح أعداد مقاتليها بين 300 و400 مقاتل مهاجر من الإيغور، الطاجيك، الأوزبك، ومقاتلين من جنسيات عربية، بقيادة أبو عبد الرحمن التركستاني، وتأسست عام 2017 واندمجت في هيئة تحرير الشام تحت مسمى “لواء عمر بن الخطاب”، وشاركت بشكل واسع في هجمات ردع العدوان ضد النظام والميليشيات الإيرانية في حلب وشمال حماة.
إضافةً إلى ملحمة تاكتيكال التي دربت القوات الخاصة “العصائب الحمراء” التي كان لها دور بارز في معركة ردع العدوان، ويعود تأسيس الكتيبة من مقاتلين مهاجرين متخصصين ومدربين تدريبًا عسكريًا من الجنسية الإيغورية في عام 2018.
ولواء المهاجرين والأنصار، الذي يتكون من 500 مقاتل معظمهم من الشيشان، طاجيكستان، داغستان، أذربيجان، كزاخستان، أوكرانيا، تركيا، يضاف إليها مقاتلين من جنسيات عربية مثل السعودية وليبيا، وانضم اللواء في صفوف تحرير الشام عام 2017 تحت مسمى “لواء سعيد بن زيد” بقيادة عبد الله الداغستاني، لكنه تأسس في عام 2012 في إدلب وشارك في عمليات قتالية واسعة ضد النظام السابق.
وتمتلك كتيبة أجناد القوقاز المستقلة تحالفًا مع جيش المهاجرين والأنصار في لواء سعيد بن زيد ضمن هيئة تحرير الشام، بقيادة عبد الملك الشيشاني، في حين، ينحدر مقاتلو الكتيبة من الجنسية الشيشانية، ويعود تأسيسها إلى عام 2015، لكن بعد الحرب الروسية على أوكرانيا غادر عدد من مقاتلي المجموعة إلى الأراضي الأوكرانية، بينما شارك المقاتلون المتبقون في إدلب بغرفة عمليات الفتح المبين ومعركة ردع العدوان.
كما شاركت كتيبة أنصار التوحيد المستقلة عن هيئة تحرير الشام لكنها ضمن غرفة عمليات الفتح المبين، وتنتشر في بلدة سرمين بريف إدلب، حيث يصل أعداد مقاتليها إلى 500 مقاتل من جنسيات عربية وسورية، وهو تجمع بقايا جند الأقصى الذي تشكل عام 2018 بقيادة خالد خطاب، وفك ارتباطه بتنظيم القاعدة في 2020 بعدما خرج من التشكيلات التي كانت تحاربها “تحرير الشام” المتمثلة بجبهة حراس الدين.
إمكانية تجنيس المهاجرين
لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد المقاتلين المهاجرين، لكن ترجح التقارير أن عددهم يصل إلى 5 آلاف شخص مع عوائلهم، وينحدرون من 15 دولة أبرزها: السعودية وتونس والجزائر والأردن والمغرب ومصر والسودان وكوسوفو وألبانيا والشيشان والجبل الأسود وصربيا ومقدونيا الشمالية وتركستان الشرقية وفرنسا وأوزبكستان وطاجكستان وأذربيجان.
وبالتزامن مع غياب الإحصائيات الدقيقة، اعتبر أحمد الشرع أن وسائل الإعلام تبالغ في أعداد المقاتلين المهاجرين، إلا أنه أكد أن المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا للقتال ضد القوات الحكومية كانوا جزءًا مهمًا في سقوط بشار الأسد، وذلك خلال تصريحاته للصحافيين بمجلس الوزراء في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
مضيفًا: “إذا أخذنا في الاعتبار أن الأشخاص الذين كانوا في بلد آخر لمدة سبع سنوات يحصلون على الجنسية، فيجب أن يكون ذلك خارج نطاق المستحيلات ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون نفس أيديولوجية وقيم السوريين”.
ويثير قرار تجنيس المقاتلين المهاجرين تحفظات المجتمع الدولي كونهم مصنفين على قوائم الإرهاب، وهذا ما حدده الشرع في إشارته إلى حملهم القيم السورية التي تعمل في سياق الدولة السورية، لكنه يبقى تحديًا أمام “تحرير الشام” التي استطاعت بلورة وجودها في إدلب من خلال حد نشاطات الحركات الجهادية المهاجرة وفك ارتباطها إيديلوجيًا.
بعتبر المستشار القانوني، غزوان قرنفل، أن الآلية القانونية لتجنيس الأجانب واضحة في قانون الجنسية والمفروض مراعاتها، لكن منح الجنسية للمقاتلين الأجانب له انعكاسات وارتدادات لأن هؤلاء مقاتلون وليسوا أشخاصًا عاديين، وينضوون في كيان مصنف على قوائم الإرهاب وغالبًا ارتكبوا أو شاركوا في جرائم وانتهاكات تحرمهم من فرصة التجنيس ويستحقون عقوبة السجن.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن السلطة السورية الجديدة تبحث عن الشرعية، وتجنيس المهاجرين، لا سيما المقاتلين، يدفع الدول إلى التحفظ وعدم الاعتراف بالحكومة والعقوبات الدولية وما إلى ذلك، وجميعها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار كونها ذات أثر داخلي وخارجي”.
وأضاف، أنه في حال إقرار تجنيسهم يعد القرار غير قانوني كونه صدر عن سلطة لا تمتلك الحق القانوني وهي سلطة تسيير أعمال وصلاحياتها تندرج وفق القانون في تأمين شؤون السوريين الضرورية الأمنية والخدمية بشكل رئيسي.
وتزوج معظم المهاجرين من سوريات في أماكن تجمعهم بعد قدومهم إلى الأراضي السورية وأسسوا أسرًا كما أنجبوا أطفالًا، وكونوا مجتمعات وتقاليد اجتماعية خاصة بهم تتماهى مع المجتمعات السورية في بعض التقاليد، لكنها بقيت حبيسة العادات التي تحكمها الشريعة باعتبارها القانون السائد لدى الحركات الجهادية.
مناصب قيادية في الجيش
رغم التحفظات على تصريحات أحمد الشرع في إمكانية منح الجنسية لمقاتلين أجانب شاركوا إلى جانب الفصائل في معارك ضد النظام السابق طيلة السنوات الماضية، فإنه منح مقاتلين أجانب رتبًا عسكرية في جيش سوريا الجديدة، أثار قلق السوريين، لأن القرار لم يستند إلى نص دستوري وقانوني، وصدر عن قيادة تصف نفسها بأنها تدير مرحلة تصريف أعمال أو انتقالية.
ضمت الترقيات جنسيات سورية وعربية وأجنبية، بينها منح عبد الرحمن حسين الخطيب، أردني الجنسية، رتبة عميد، وعلاء محمد عبد الباقي، مصري الجنسية، رتبة عقيد، وعبد العزيز داوود خدابردي (يلقب بأبو محمد التركستاني) ينحدر من الأقلية التركستانية في الصين، رتبة عميد، ومنح عمر محمد جفتشي، تركي الجنسية، رتبة عميد.
كما منح عبدل بشاري، ألباني الجنسية، وقائد “جماعة الألبان”، رتبة عقيد، ومولان ترسون عبد الصمد، طاجيكي الجنسية، رتبة عقيد، و”ذو القرنين” زنور البصر عبد الحميد الملقب بعبد الله الداغستاني قائد “جيش المهاجرين والأنصار”، لواء سعيد بن زيد في هيئة تحرير الشام، كما منح قائد تنظيم “التوحيد والجهاد” سيف الدين مأمور محمد تاجيلي، طاجكجي الجنسية، رتبة عقيد.
يؤكد الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، أن نسبة المقاتلين الأجانب في صفوف الفصائل التي وصلت إلى سدة الحكم في سوريا قليلة جدًا مقارنةً مع أعداد المقاتلين السوريين المحليين، واعتبر أن تقليدهم مناصب قيادية في الجيش طبيعي لأن كثير من دول العالم تتعاقد مع كوادر أجانب لتقديم الخدمات لها.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن الجنسية يؤطرها الدستور وفق قانون الجنسيات، لأن الجنسية لا تعتبر ضرورة في إدماج المقاتلين الأجانب في جسم الدولة الجديدة”، مضيفًا أن الدولة السورية تستطيع أن تتعاقد مع الأجانب في شركات أمنية ممولة منها أو تعاقد مباشر، وخيار البقاء للأجانب يرتبط برؤية المقاتلين في حال قرروا البقاء في سوريا ليكونوا جزءًا من الجهاز العسكري والأمني والحكومي المدني، أو أن يعودوا إلى بلدانهم أو بلد آخر.
مصير المقاتلين المهاجرين
لا يزال مصير المقاتلين المهاجرين غير واضح رغم إمكانية منحهم الجنسية وتعيين عدد منهم في مناصب قيادية ضمن كوادر الجيش السوري الجديد، لأن سياسة “تحرير الشام” في إدلب كانت تسعى إلى تفكيك الحركات الجهادية وتسهيل حركة هجرة المقاتلين الذين ترغب في رحيلهم، كما حدث خلال هجرة عدد من المقاتلين المهاجرين إلى أوكرانيا للحرب ضد روسيا.
ويرى الباحث في شؤون جماعات ما دون الدولة، عمار فرهود، أن حصول المقاتلين الأجانب على الجنسية إجراء لكل من سيكون ضمن المؤسسة العسكرية السورية الجديدة كرد على جهودهم التي بذلوها في خدمة الثورة والقضية السورية، وسيكون منضبطًا بسياسة الدولة الجديدة.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن المقاتلين الأجانب سيكونون ضمن الكتلة البشرية للجيش السوري الجديد، ولن يتم السماح لأي منهم بإظهار المشروع الخاص به، بينما يمكن الاستفادة من خبراتهم في تدريب وتأهيل المقاتلين الجدد، وعليه فإن غالبهم سيكون ضمن الهوية الجديدة للجيش السوري”.
وأضاف أن المقاتلين الذين لا يرغبون في الخضوع للدولة السورية قد يبلغون بأنهم غير مرغوب بتواجدهم في سوريا ويطلب منهم المغادرة، ومن يثبت تورطه بأنشطة لأعمال عسكرية انطلاقًا من الأراضي السورية يتم توقيفه ومحاكمته وفق الدستور السوري.
في المقابل يعتقد المستشار القانوني، غزوان قرنفل، أن إجراء تسوية للمقاتلين الأجانب دون تجنيس (بشكل استثنائي) في المرحلة الحالية ضرورة، لكن لاحقًا بعد تشكيل حكومة سورية يمكن أن يقدموا لدى وزارة الداخلية للحصول على الجنسية بناءً على الروابط الزوجية كون معظمهم متزوجين من سوريات، وبذلك يكون الموضوع أكثر مشروعية بحيث لا يكون له ارتدادات خارجية من المجتمع الدولي، أو داخلية من المجتمع السوري المتوجس.
واعتبر أن المقاتلين الأجانب ولو حصلوا على الجنسية السورية ليس من المفروض أن يكونوا في مراكز قيادية وسيادية في البلد، لأن مسألة تصدر المشهدين السياسي والعسكري، في كل دول العالم ترتبط بمرور فترة من تاريخ الحصول على الجنسية، وهي تحدد من عام إلى ثلاثة أعوام، ولا يمكن تطبيقه في سوريا حاليًا.
ختامًا.. تبدو سيناريوهات مصير المهاجرين تسير باتجاهين، الأول نحو تثبيت أقدام المجموعات التي ترغب في البقاء ومشاركتها في مراكز السلطة وضمان حقوقها في التجنيس، ضمن المرحلة الحالية التي تحتاج إلى ضوابط أمنية، والتركيز على تدريب الجيش الجديد، لكنها خطط قابلة للتغيير.. والثاني إفساح المجال أمام مجموعات مهاجرة لا تريد الانصياع للدولة السورية في الهجرة سواء إلى بلدانهم أو إلى بلاد أخرى، كما فعلت “تحرير الشام” مع قادة تنظيم حراس الدين بعد غيابهم عن المشهد في إدلب وآخرين وصلوا إلى أوكرانيا.. لكن ما يمكن توقعه أن التبدلات التي اتبعتها الإدارة السورية الجديدة سرعان ما تتبدل في سياق براغماتي ويعد الحل القانوني الأكثر جدارة في تحقيق التوازنات الداخلية والخارجية.