لا يمكن إحصاء فصول المعاناة والمأساة في قطاع غزة جرَّاء جرائم الاحتلال وحرب الإبادة التي لم يشهد لها الشعب الفلسطيني مثيلًا في تاريخه. ويتمثل فصل جديد من هذه الفصول بالجرح النازف، جرح فاجعة المفقودين في قطاع غزة، ما بين المختفين قسريًا، والمفقودين تحت الأنقاض، والجثامين التي تبخرت بفعل العدوان، أو الذين لم يُبلغ بشأنهم للجهات الرسمية في القطاع من عائلاتهم.
تتراوح أسباب عدم التبليغ عن المفقودين بين الأمل في عودتهم بأحسن الأحوال، وعدم بقاء أحد على قيد الحياة ليبلغ عن اختفائهم في أسوأ الأحوال، ما يُعيد إلى الذاكرة حجم فاجعة “الفقد الشامل”، ضمن سلسلة من الأوجاع التي لا تنتهي لأهالي غزة.
قدَّرت دراسة نُشرت في مجلة “ذا لانسيت” عدد الشهداء بنحو 64 ألفًا و260 شهيدًا حتى يونيو/حزيران 2024، مقارنةً بـ37 ألفًا و877 شهيدًا، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية. يعكس هذا التفاوت حجم التحديات التي تواجه جمع البيانات في ظل الدمار الهائل واستهداف البنية التحتية الصحية، إلى جانب القيود المفروضة على فرق الإنقاذ والصعوبات اللوجستية التي تعيق توثيق جميع الضحايا بدقة.
كما أفاد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نقلًا عن الدفاع المدني في قطاع غزة، بأن أكثر من 10 آلاف شخص ما زالوا في عداد المفقودين تحت الأنقاض، مع توقعات بأن تستغرق عملية انتشالهم سنوات بسبب نقص المعدات والموارد.
ليست هذه الأرقام إلا جزءًا من التعبير عن حجم الكارثة الإنسانية التي تواجه قطاع غزة نتيجة تجليات حرب الإبادة المستمرة، حيث تتشابك أزمة توثيق الشهداء مع التحديات اللوجستية والميدانية.
الإجراءات الصارمة.. بوابة لحماية السردية الفلسطينية
تعيش الجهات الحكومية في قطاع غزة تحت وطأة الضغط المستمر أمام حجم الأزمة الإنسانية وضخامتها، والمحدودية الكبيرة في الإمكانيات. ومن جانب آخر، فإن مراعاة كل شروط المهنية عامل تحدٍّ رئيسي في خدمة السردية الفلسطينية، خاصةً مع التشكيك الفاضح الذي مارسته منصات ومراكز إعلامية تخدم الدعاية الإسرائيلية.
إلى جانب ذلك، سبق أن وُجه تشكيك مباشر وصريح من الإدارة الأمريكية في الأرقام الواردة من وزارة الصحة في قطاع غزة، بدعوى أنها أرقام مضخمة، في محاولة للتنصل من شراكتها المباشرة في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.
كل ذلك يجعل هذا الملف يُشكِّل معضلة إنسانية ومهنية، إذ إن أي خطأ فيه قد يؤدي إلى عواقب كبيرة في ظل تربص مستمر للتشكيك في أعداد ضحايا العدوان.
في مقابلة مع “نون بوست”، أكد المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي، الدكتور إسماعيل الثوابتة، أن الأرقام التي تقدمها وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة تستند إلى منهجيات دقيقة في ظل ظروف صعبة للغاية، معتبرًا أن الدراسة البريطانية المنشورة في مجلة “ذا لانسيت” تقدم دليلًا إضافيًّا على حجم الكارثة الإنسانية في غزة، والتي غالبًا ما تكون أكبر من الأرقام المعلَنة بسبب القيود العملية واللوجستية المفروضة على فرق الإنقاذ والمستشفيات.
من جهته، أوضح مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة بقطاع غزة، الدكتور مروان الهمص، في تصريحات لـ”نون بوست”، أن ما يخرج عن وزارة الصحة بغزة بشأن عدد الشهداء والمصابين دقيق تمامًا، لكنه يعبِّر عما وصل إلى أي مرفق صحي في قطاع غزة، سواء كان حكوميًا أم أهليًا أم حتى مستشفيات دولية، ويخضع لتسجيل وتوثيق وزارة الصحة.
وحول التشكيك في الأرقام، أوضح الهمص أن الوزارة مسؤولة تمامًا عن الإجراءات الدقيقة للتتبع والتحقق، لكن لحرص الوزارة على الدقة في التسجيل لا تُسجَّل أي حالة لمفقودين ضمن عداد الشهداء، ما لم يصل جثمانه إلى أي منشأة من منشآت الصحة في قطاع غزة.
وفي هذا الإطار، أكد الثوابتة لـ”نون بوست” أن الجهات الحكومية في قطاع غزة تتخذ إجراءات مُحدَّدة لضمان دقة تسجيل أسماء الشهداء، أبرزها العمل على التحديث المستمر لقوائم الضحايا عبر عملية تُجمَع فيها المعلومات من مراكز المعلومات الحكومية حسب الاختصاص، والذي يشرف عليها بشكل عام المكتب الإعلامي الحكومي، وينشط ضمنها مركز المعلومات بوزارة الصحة، وفرق الإنقاذ والدفاع المدني من أجل تحديث قوائم الشهداء بشكل مستمر ودقيق جدًا.
ويضيف الثوابتة أن فرق التحقق الميدانية والتدقيق المتخصصة تجمع البيانات من مواقع القصف والمناطق المتضررة، وكذلك في المستشفيات المختلفة، لتوثيق أسماء الشهداء والضحايا، ثم تدخل هذه المعلومات مرحلة من التدقيق قبل النشر والإعلان ضمن آلية عمل بالغة الدقة.
وفي الوقت الذي أوضحت فيه وزارة الصحة بغزة أن متابعة ملف المفقودين ليس ضمن اختصاصها، أكد مدير عام مكتب الإعلام الحكومي لـ”نون بوست” أن هذا الملف يُعد من القضايا المعقدة والحساسة، وأنه يخضع لعملية متابعة شاملة من الجهات الحكومية تتضمن إنشاء قاعدة بيانات شاملة تضم المعلومات المتاحة حول المفقودين، من أسماء رباعية وأرقام هويات وتواريخ ميلاد وأرقام هواتف ومُعرِّفين لكل شخص مفقود، مترافقة مع عملية تنسيق مستمرة مع المنظمات الدولية لمتابعة قضايا المفقودين والضغط على الاحتلال لتقديم معلومات حول أماكن تواجدهم أو إخفائهم قسريًا، وهي جريمة ضد الإنسانية.
ضحايا بلا توثيق
يُظهِر غياب توثيق حالات المفقودين، بما في ذلك أولئك الذين يُعتقد أنهم في عداد الشهداء، سواء كانوا مدفونين تحت الأنقاض أو يختطف الاحتلال جثامينهم، جزءًا رئيسيًا من الفجوة بين الأعداد الحقيقية لضحايا حرب الإبادة في قطاع غزة والأرقام المعلنة في سجلات وزارة الصحة، ويرتبط ذلك بسياسة الوزارة التي تعتمد فقط على ما يصل إلى مراكزها من شهداء تم التحقق منهم رسميًا.
في هذا السياق، حددت الجهات الحكومية في غزة أن من يُدرجون ضمن قوائم شهداء حرب الإبادة هم فقط من فقدوا حياتهم نتيجة مباشرة للعدوان والعمليات العسكرية الإسرائيلية، سواء كان ذلك برصاص الاحتلال أو القصف بمختلف أشكاله، ولا توجد هوامش لإضافة حالات وفاة ناتجة عن تداعيات العدوان والحصار إلى هذا التصنيف.
تُلقي جرائم الاحتلال اليومية في القطاع بظلالها على جميع مناحي الحياة، من الخدمات الأساسية وحتى أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة. ويجعل واقع الحال مِن كل ما يرتبط بتجليات حرب الإبادة مسؤولية مباشرة يتحملها الاحتلال، وتُعد جزءًا لا يتجزأ من جرائمه. ومع ذلك، فإن العديد من حالات الوفاة الناجمة عن ظروف خلقتها حرب الإبادة تُعد وفيات غير موثقة تحت بند ضحايا العدوان، على الرغم من أنه لا يمكن إنكار ارتباطها المباشر بتداعيات الحرب.
تُسجَّل حالات وفاة عديدة نتيجة الحصار الإسرائيلي الذي يمنع دخول الأدوية الأساسية ويحُول دون علاج المرضى، خاصةً أولئك الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية معقدة أو تدخلات طبية نوعية، إذ يؤدي إغلاق المعابر إلى إنهاء حياة مئات المرضى الذين كان من الممكن إنقاذهم لو أُتيحت لهم فرصة العلاج بالخارج. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدمار الشامل للمنظومة الصحية، وتعطيل مرافقها، وتدمير الأجهزة النوعية للتشخيص أو العمليات الجراحية، يُشكل حكمًا بالإعدام على مئات المرضى شهريًا.
من جهة أخرى، فإن تلوث المياه الناجم عن استهداف الاحتلال لآبار المياه ومحطات التحلية يعد من أبرز أسباب انتشار الأمراض التي تؤدي في حالات عديدة إلى الوفاة، ووفقًا لتقرير “هيومن رايتس ووتش”، تعمد جيش الاحتلال حرمان الفلسطينيين في غزة من الحصول على مياه شرب نظيفة، ما أدى إلى انتشار الأمراض وتسبب في وفيات مباشرة.
في حالات أشد قسوة، سجَّل قطاع غزة وفاة 7 أشخاص بسبب البرد الشديد، نتيجة افتقار مئات الآلاف من النازحين إلى مقومات الدفء الأساسية، كان آخر هذه الحالات وفاة مولود فلسطيني حديث الولادة، لم يتحمل جسده الصغير درجات الحرارة القاسية في ظل تكدس العائلات في خيام تفتقر لأدنى معايير الحياة.
إن كل هؤلاء الضحايا، سواء بسبب الحصار أو تلوث المياه أو الظروف القاسية في مراكز الإيواء، فقدوا حياتهم نتيجة مباشرة لتبعات العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة. وعلى الرغم من ارتباط وفاة كل منهم بتداعيات الحرب، فإنهم لا يُدرجون ضمن قوائم الشهداء الرسمية التي تعتمدها الجهات الحكومية في غزة.
ويبقى هؤلاء الضحايا في خانة الشهداء غير الموثَّقين، ما يُظهِر فجوة كبيرة في التوثيق، ويستدعي مراجعة شاملة لتوسيع تعريف الضحايا وإدراجهم ضمن تقارير الإبادة الجماعية.
فاجعة المفقودين في غزة.. مصير مجهول وأسباب متشابكة
يُعد ملف المفقودين في قطاع غزة من أكثر القضايا الإنسانية تعقيدًا وإلحاحًا، إذ تشير التقديرات إلى أنه ما زالت جثامين آلاف الفلسطينيين تحت الأنقاض. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يُقدَّر أن عملية انتشال الجثامين قد تستغرق وقتًا طويلًا.
حسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، فإن عدد المفقودين في قطاع غزة بلغ 21 ألف شخص، فيما أفادت منظمة “إنقاذ الطفولة الدولية” أن هذا العدد يمثل فئة الأطفال فقط، ويُعتقد أن مصيرهم يتراوح بين الاعتقال، أو الاختفاء تحت الأنقاض، أو الدفن في مقابر مجهولة.
تتعدد الأسباب التي تقف وراء اختفاء المفقودين نتيجة فصول العدوان المستمرة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
– العمليات العسكرية المكثفة والقصف العشوائي: يؤدي الاستهداف المباشر للتجمعات السكانية والمنازل إلى فقدان عدد كبير من الأشخاص.
– حواجز الموت: ينصبها جيش الاحتلال خلال العمليات العسكرية، ويُجري عمليات فرز للخارجين من المناطق المستهدفة، ما يؤدي إلى فقدان الاتصال بالعديد من الأشخاص.
– استهداف مواقع النازحين: قصف مواقع يتكدس فيها النازحون، بما في ذلك المستشفيات، ما تسبب في إعدامات جماعية ودفن في مقابر مجهولة.
– تعطيل عمليات الإنقاذ: أدى استنزاف قدرات الدفاع المدني وتعطيل الاحتلال لعمل طواقم الإنقاذ، خاصةً في شمال قطاع غزة، إلى بقاء العديد من العائلات في عداد المفقودين.
– القصف والأسلحة المحرمة دوليًا: في حالات أكثر مأساوية، وردت تقارير عن تبخُّر أجساد الشهداء نتيجة القصف الإسرائيلي المكثَّف باستخدام أسلحة يُعتقد أنها تولد حرارة شديدة تؤدي إلى انصهار الأجساد، ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقق من طبيعة الأسلحة المستخدمة، بما في ذلك احتمالية استخدام قنابل حرارية أو فراغية.
في ظل هذه الملابسات، يبقى مصير المفقودين مجهولًا. بينما يُرجَّح أن المفقودين تحت الأنقاض قد استُشهدوا والأمل في نجاتهم يكاد يكون معدومًا، فيما تعجز المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الصليب الأحمر، عن الحصول على إجابات واضحة حول المعتقلين، ما يعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها ذوي الآلاف من مجهولي المصير.
مسارات التوثيق والمتابعة
مع تفاقُم أزمة المفقودين ومجهولي المصير من أهالي قطاع غزة، تتزايد الحاجة إلى جهود مكثفة على الأصعدة الحقوقية والميدانية لتوثيق هذه الحالات ومتابعتها. تشمل الجهود المستقبلية ملاحقة ملفات المختفين قسريًا في المحاكم الإسرائيلية، وتفعيل الضغط على المؤسسات الدولية للكشف عن مصير من اختطفهم الاحتلال، بالإضافة إلى العمل الميداني لكشف المقابر الجماعية في أماكن العمليات العسكرية الإسرائيلية فور التوصل إلى تهدئة، والبحث عن الشهداء المدفونين تحت الأنقاض.
كانت منظمة “العهد” الدولية قد أعلنت بدء جهودها لكشف مصير المفقودين قسرًا وتسليط الضوء على معاناتهم ومعاناة عائلاتهم، وأكدت المنظمة أن كل معلومة، مهما كانت صغيرة، يمكن أن تُحدِث فرقًا كبيرًا في حياة عائلات المفقودين، وفي دعم الجهود القانونية لملاحقة الاحتلال وإلزامه بالكشف عن مصيرهم. ودعت المنظمة ذوي المفقودين إلى ملء نموذج إلكتروني يحتوي على معلومات أساسية لدعم هذه الجهود.
من جهتهما، أطلق كل من هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير رابطًا إلكترونيًا خاصًا بعائلات معتقلي غزة، لتوثيق بيانات المعتقلين داخل سجون الاحتلال أو المفقودين منذ بداية العدوان الإسرائيلي. وأوضحا في بيان مشترك أن هذا الرابط يهدف إلى إعداد قاعدة بيانات دقيقة تُسهم في متابعة مصير المعتقلين والمفقودين، وأن الجهود مستمرة بالشراكة مع المؤسسات المختصة والحقوقية كافة، لمعالجة هذه القضية التي تُعد أولوية في ظل حرب الإبادة.
وكانت وزارة الصحة في غزة قد أطلقت نموذجًا إلكترونيًا لتسجيل بيانات الشهداء والمفقودين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وطلبت الوزارة من عائلات الشهداء والمفقودين استكمال بيانات التسجيل التي تشمل معلومات دقيقة، مثل الاسم الرباعي، رقم الهوية، الجنس، تاريخ الاستشهاد أو الفقدان، المحافظة، وحالة الدفن، والمعلومات المرتبطة بكون الشهيد قد دُفِن أم بقي تحت الأنقاض، كل ذلك بهدف توفير توثيق شامل لحالات الاستشهاد والفقد، وتعزيز دقة الإحصائيات الرسمية.
من جانبه، أكد مدير عام مكتب الإعلام الحكومي، لـ”نون بوست”، أن السلطات الحكومية في غزة وضعت خطوطًا رئيسيةً للتعامل مع ملف المفقودين في المستقبل. من بينها إنشاء مركز وطني لتوثيق الشهداء والمفقودين، يهدف إلى توفير قاعدة بيانات مركزية ومتطورة تسهِّل عملية التوثيق والمتابعة.
وأشار الثوابتة إلى أن السلطات تسعى إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي، لضمان توثيق شامل وشفاف للضحايا باستخدام أدلة وبراهين واضحة وشهادات موثَّقة. كما أكد ضرورة تطوير البنية التحتية للمؤسسات المعنية بهذا الملف، لتمكينها من التعامل بفاعلية مع الحالات الطارئة، وضمان تسجيل جميع الشهداء والمفقودين بدقة والوصول إلى المعلومات المطلوبة بطريقة منظمة.
الأرقام.. بين حكايات الألم وأداة العدالة
تحمل حرب الإبادة ضد قطاع غزة في طياتها فصولًا لا تنتهي من المعاناة، إذ تصبح الأرقام الجامدة وسيلة لتعريف العالم بحجم المأساة، لكنها في الوقت ذاته تختزل حياة عشرات الآلاف من البشر الذين خلف كل رقم منهم قصة وحكاية، وأحلام كان يحملها أصحابها لمستقبل مشرق قبل أن تمزقها آلة الحرب الإسرائيلية. لا يمكن للأرقام أن تعبّر عن عمق الألم الذي يعيشه أهالي الشهداء، لكنها تشكّل أداة أساسية في فضح الجرائم ومحاسبة مرتكبيها.
تتجاوز القيمة الرقمية لهذه الإحصاءات الجدل حول الفجوة في أعداد شهداء حرب الإبادة، إذ تحمل أهميةً فعليةً عندما تُستخدم بوصفها أدلة في ملاحقة ومحاكمة قادة الاحتلال المجرمين أمام المحافل الدولية. تمثّل هذه الأرقام، التي توثق إبادة شعب بأكمله على مرأى ومسمع من العالم، وصمة عار ستظل محفورة على جبين الإنسانية، التي شاهدت المأساة بنقل مباشر دون أن تتحرك لوقفها.
تتطلب الجهود الوطنية لتوثيق هذه الجرائم، بما في ذلك توثيق العدد الدقيق لضحايا الإبادة، تكاملًا وشراكات واسعة مع المؤسسات الحقوقية والدولية ذات العلاقة. كما أن الدعم الدولي لهذه الجهود ضروري للكشف عن مصير الآلاف من الضحايا المفقودين، وضمان العدالة للشهداء وأسرهم، وفتح الطريق لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.